م.ق. 100 :مقبرة رخمي رع
في أوج مجده وقمة مسيرته صار رخمي رع وزير مصر العليا وعمدة الأقصر وتلقب بما يزيد على مائة لقب من الألقاب الجليلة. وقد كان جده الأعلى وجده وعمه جميعا وزراء. وكان منصب الوزير يلي الفرعون مباشرة في المهابة والسلطة. ورغم أن أًًًًًَََباه لم يرْقَ قطّ فوق مرتبة كاهن آمون, فإن هذا النسب العالي أعانه على ضمان صعوده السريع على هرم الوظائف ليقلّد أعلى المناصب. كان رخمي رع يفخر بأنه لم يكن من شىء يجهله في السماء أو في الأرض أوفي أي ركن من أركان العالم الآخر. وفي هذا بلا شك قليل من المغالاة التى تشوبها الكبرياء, غير أنه كان بحق واحدا من أعظم الرجال في مصر .
اقرأ اقل [-]
شغل رخمي رع منصبه في السنين الأخيرة من عصر تحتمس الثالث والأعوام الأولى من عهد الملك أمنحوتب الثاني. كان هذا عصر القوة في مصر. ولما تركت حتشبسوت العرش, تولى تحتمس الثالث دفة الحكم, وخاض سلسلة من الحملات العسكرية عظّمت نفوذ مصر في الخارج وجلبت للبلاد قدراً من الغنى لم تعرفه في الأسرات السابقة. وقد أطلق الفرعون برامج بناء ضخمة وأثرى الفنون والحرف. وظلت مصر في ظل خليفته أمنحوتب الثاني على ازدهارها واستمرت المشاريع الضخمة.
لقد أشرف رخمي رع على معظم هذه الأنشطة. فقام بالإشراف على مشروعات في جميع أنحاء مصر, وإدارة الضياع الملكية الرحبة, وأشرف على المعابد, كما كان يصدر الأحكام في القضايا, ويفحص خطط الريّ, ويحضر المراسم الرسمية, ويرأس الاجتماعات الإدارية, ويقوم بأعمال الإدارة المدنية, ويحافظ على أمن الدولة, ويعتمد مقادير الضرائب ويجمعها. كان رخمي رع واعياً كل الوعي بمواهبه إذ كان الإداري الأرفع في مصر, وبكل فخر وإسهاب نقَش على جدران مقبرته وصْف مولاه الفرعون لمهام الوزير:
ثم قال له مولاه: " تأملْ يا هذا منصب الوزير. كنْ يقظا لكل ما يجري فيه. تدبرْ, إنه عماد الأرض كلها. تدبرْ, فإن هذه الوزارة ليست حلوة بالمرّة, تأمل, إنها مُرة: كأنها المرارة. تأمل, إنها لا تعنى توجيه الوزير عنايته لنفسه فحسب أو لموظفيه أو مستشاريه, ولا هي جعْل الجميع عالة. ومن ثم, فاحرصْ على أن تجري كلّ الأمور بمقتضى القانون ووفق سابقتها, لكي تضع كلّ امرئ في وضعه الصحيح. تدبر, فإن المسئول الذي في أعين الناس, تشي الرياح نفسها والمياه بكل ما يفعل. من ثم تدبر فإن أعماله لا تخفى"
يصف رخمي رع من دون تواضع مصطنع, كيف باشر هذه المهمة الصعبة: "قضيت بين الغنى والفقير, من غير تمييز. أجَرْت الضعيف من القويّ. أذهبت غيظ المغيظ وكبحت طمع الجشع. وهدأت روع الغضبان. ومسحت الدمع بقضاء الحاجة. وعينت الابن والوريث في مكان أبيه. أعطيت الخبز للجائع والماء للعطشان واللحم والجعة والكساء لمن عدمها. أعَنت كبير السن بأن أعطيته عصاي فجعلت‘ العجائز يقلن," يا له من عمل رحيم!"
يبدو وكأنه البيروقراطي المثاليّ. ولكن فيما بعدُ ذهبت عن رخمي رع الحظوة في البلاط وربما جرد من ألقابه. ولا أحد فيمن نعرف من ذريته خلفه في المنصب الحكومي, رغم أنه كان لديه ما لا يقل عن خمسة أبناء وعدة بنات. وليس هناك من شاهِد على أنه دفن قطّ في م ط 100, لكن هناك دلائل على أن جزءا من زخرف المقبرة قد شوّه عمدا كما طمس اسمه. كانت م.ط. 100 معروفة لمعظم المستكشفين في القرن التاسعَ عشر. وقد نشر بعض مناظرها فريدريك كايو في 1831, لكن المقبرة لم يكشف عنها حتى 1889 ولم تنشر كاملة حتى 1943.
من حيث التخطيط, تبدو م ط 100 مثل الكثير من المقابر الأخرى صليبية الشكل في الأقصر, لكنها في المقطع فريدة. فوراء الدهليز المستعرض المعروف, تمتد غرفة داخلية لما يقرب من 25 متراً (82 قدما) داخل تل الشيخ عبد القرنة. عند المدخل, يرتفع السقف 3 أمتار (10 أقدام). لكن سقف الغرفة الداخلية يميل بشدة إلى أعلى, ليصل إلى ارتفاع يزيد على 8 أمتار(26 قدما) عند طرفه الغربي.
وقد أعطى هذا التصميم العجيب مقبرة رخمي رع ما يزيد على 300 متر مربع (3200 قدم مربع) من السطح الجداري, تزدان جميعها برسوم في غاية الإتقان. في القاعة المستعرضة, تتناول الرسوم الشؤون الشخصية وأمور العمل وتحظى بنصوص مسهبة تصف مهام الوزير, وإدارة ما في حوزة المعبد, وأنشطة رخمي رع في عهد أمنحتب الثاني. تستحوذ الغرفة الداخلية على لوحات الفنون والحرف, والحياة اليومية, والمأدبات الجنائزية وطقوس الدفن. وقد ذكر عالم المصريات البريطانى الشهير السير جون جاردنر ويلكينسون الذي عاش في القرن التاسع عشر, ذكر أن رسوم هذه المقبرة تُلقى من الضوء على ثقافة مصر القديمة ما يفوق كل عرفناه من مصادر.
عند مدخل المقبرة, تصاحب صلوات رع حور أختى, وآمون رع وتحوت وأوزوريس وأرباب أخرى مزاعم رخمي رع, والمتسمة بالتباهي, بصلاته الوثيقة بهذه الأرباب.
على النصف الأيمن من الجدار الأمامي (الشرقي) بالقاعة المستعرضة, ضمّن رخمي رع نصوصا تصف بشيء من التفصيل مهامه كوزير. ويعتقد عالم المصريات البريطاني برسي نيوبري أن الرسوم المصاحبة قصد منها إظهار القاعة التى عقد فيها رخمي رع المحكمة, ولو أنك أمعنت النظر لرأيت أعمدة رفيعة ذات تيجان على هيئة أوراق النخل, وحوائط تحدد حجرة كبيرة ومنصّة مرتفعة يجلس عليها رخمي رع. ويتوزع حول هذه الحجرة العديد من المسؤولين ومقدمي العرائض. ويخوض النص المصاحب للرسم في تفاصيل كثيرة عن مهام رخمي رع, إلى حد ذكر أنه في قاعة المحكمة كان عليه أن" يجلس على كرسيّ له ظهر, مع وجود حصيرة على الأرض, وسلسلة المنصب عليه, ومن وراء ظهره جلد, ومن تحت قدميه, ومن فوقه ظُلة من الحصير."
أما مهام الوزير فهي من أهم الوثائق التى وصلت إلينا من الدولة الحديثة, غير أن بعض علماء المصريات يعجبون لما حدا برخمي رع لكتابتها. يقول عالم المصريات ت.ج.ه. جيمس,"إن في مجرد إنشائها شيئا يشي بأن الأمور كلها لم تكن على ما يرام, فضرورة إرساء قواعد للعمل, وهي قواعد كانت أمرا بدهيا في وقت الدعة والهناءة, فيها شيء من الإدانة للحظة الإنشاء." فهو يرجح أن رخمي رع كان منافقا بتضمينه المهام في مقبرته ومع ذلك, ربما كان سقوطه من الحظوة ناتجا عن تقصير في هذه المهام الرسمية. عن يمين النص, جباة الضرائب أثناء عملهم في مصر العليا, يتسلمون أختام الذهب والماشية والقرود والحبوب والعسل والحمام والقماش والخرز. من المدهش أنك لا ترى خرفانا أو خنازير رغم أنها كانت حيوانات شائعة في مصر القديمة. أما المتخلفون عن دفع الضرائب فيسوقهم حراسٌ مسلحون بعصيّ غليظة. وبينهم وبين صورة تمثل رخمي رع, أربع حصر على أرضية القاعة, مغطاة بما يظنه علماء المصريات لفائف من الجلد. وعلى كل حصيرة عشر لفائف, يعتقد بعض العلماء أنها الشمشو الأربعون أو كتب القانون التى كان يرجع إليها للحكم في القضايا. والبعض الآخر يظنها هراوى, ترمز للسلطة, يمنحها الوزير لمديري الأقاليم. تظهر صور مماثلة لجباية الضرائب على النصف الأيسر(الشمالى) للجدار الأمامي (شرق), تسجل جبايات من مقاطعات في مصر الوسطى. في وسط الحائط, يفحص رخمي رع الحصص والأثاث المقدم لمعبد آمون في الكرنك. ونرى تماثيل تحتمس الثالث الخشبية في السجل الأعلى, بينما نرى تماثيل الحجر في السجل الأدنى .من التماثيل تمثال يقف والبط يتدلى من ذراعه ممسكا مائدة قرابين, وآخر تستقر قدماه على نوبيّ راكع. وهذا المشهد الأخير فريد في نوعه. وعلى اليمين نرى ما يزيد على ثلاثين نوعا مختلفا من أثاث المعبد, بما في ذلك الدروع والرماح والجعاب والقلائد والفؤوس والقدور.
على الجانب الأيسر(جنوب) من الجدار الخلفي (غرب) للغرفة, يتلقى رخمي رع كميات هائلة من التقدمات نيابة عن الملك من عدة بلاد أجنبية, تشهد كما يذكر النص المصاحب بأن "كل أرض خاضعة لمولاه."
في السجل العلوي, نرى ريش النعام والبيض وأشجار المرّ وأنياب العاج والذهب والفهود والفهود الصيادة والقرود والبابون مجلوبة من بلاد بوند وهي واقعة على ساحل البحر الأحمر فيما يعرف اليوم بإريتريا.
في السجل السفلي, تأتى الهدايا من كفيتو, جزيرة كريت, وتشمل الفضة والذهب والبرونز واللازورد. وتأملْ زيّ الحمالين الكريتليين, الذين يرتدون واقيا ذكريا وأحذية برباط علوي. ومن بعد, يأتى النوبيون, يحملون الآبنوس والذهب وجلود الفهد وريش النعام والبيض والعديد من الأحجار شبه الكريمة والحيوانات الحية التى منها كلاب الصيد وفهداً وبابوناً وزرافة أنيقة يتسلق رقبتها قرد أخضر. ونرى قطيعا صغيراً من الماشية وقد رُسمت قرونه مشوهة على نحو غريب.
تأتي بعد ذلك قبائل الرتينو من سوريا وفي السجل السفلي أسرى من النوبة وسوريا. وإلى أقصى اليسار من الموكب السوري, ترى رجالا يقدمون من بين هداياهم دبّا بنيا وفيلا. تأمل السجل السفلي تر النساء لابساتِِ رقائق من الثياب متقنة الصنع على شكل جرس, بعضهن يحملن سلالاًَ على ظهورهن تحفظها في أماكنها شرائط رأسية, فيها أطفالهن الصغار.
على النصف الأيمن (الشمالي) من الجدار الخلفي(الغربي), رجال يعصِرون العنب ويجمعون الطيور والأسماك وينظفونها ويحفظونها في برطمانات. هذه مناظر معروفة, نرى تفاصيلها باستفاضة في مقبرتي منه ونَخت. إلى يسارها منظر متكامل للصيد( انظر أيضا م ط 66: أوسرحت). في العادة, أشار المصريون إلى الفوضى والاضطراب والخوف والموت بحذف خط الأرضية من المناظر ووضع الصور بصورة عشوائية.
هنا تتعرج خطوط الأرضية العديدة عبر السطح, وتتحرك الرسوم في اتجاهات مختلفة. والمحصلة واحدة وهي أن المنظر يصور الفوضى. النعامات المذعورة والغزال والظبي تحاول عبثاً الفرار من رماح وسهام رخمي رع. إلى يسار الوسط, يحاول ضبع بأسنانه نزع سهم من صدره. الدم ينزف متدفقا من غزال مجروح.
ثدييات صغيرة تحاول أن تختبىء تحت شجيرات الصحراء. أرنب,ترفرف أذناه, يسرع نحو أجمة صغيرة. لكن لا مفرّ. يحيط بأرض الصيد سياج من الأحبال المضفورة, الحيوانات وقعت في الفخاخ ورخمي رع كما يقول المثل يصطاد السمك من برميل. (هذا النوع من صيد الزرائب ظل يمارس حتى ثلاثينيات القرن الماضي كما كان يفعل ملك مصر السابق فاروق.) في السجل العلوي إلى اليمين, تتراكم الحيوانات المصيدة الميتة ويقوم كاتب بإحصائها. لم يكن الصيد رياضة بل زاداً للدار الآخرة.
الغرفة الثانية تعرف بالعبور ومناظرها تعالج موضوعين رئيسيين. على الجدار الأيمن(الشمالي), يتعامل رخمي رع مع أنشطته كوزير وعمدة ويصور المراحل المختلفة لطقسه الجنائزي. على الجدار الأيسر(الجنوبى) يبين الورش العديدة التى أشرف عليها لمعبد آمون بالكرنك. سنبدأ بالجدار الأيسر, ويعدّ بحقّ من أهم الجداريات في مصر كلها لدراسة الفنون الصغرى والحرف. ونظرا للعلو الكبير للسقف, يكاد يستحيل على الناظر رؤية بعض السجلات بدون سلالم أو نظارات مقربة. ولأهميتها الكبرى سنشير إليها.
قرْب بداية الجدار الأيسر, يواجه المدخل رسم لرخمي رع يمثله جالسا. والمناظر التى يشرف عليها لها علاقة بتزويد مخازن معبد آمون. في السجل العلوي, تلقى حقائب حب العزيز في أكوام كبيرة ثم توزن, ثم تطحن في هاون مصنوع من جذع شجرة. حب العزيز Cyperus Esculentus واسمه بالمصرية واه, لا يزال يأكله المصريون حتى يومنا هذا. له مذاق حلو يجمع بين جوز الهند واللوز وهو شائع أيام الأعياد في الأقصر, يؤكل بعد نقعه في الماء. فبعد أن يمتزج بالماء, يوضع العجين الحاصل في حوض للعجن ثلاثي الأرجل حيث يضيف إليه طهاة العجائن الدهن ثم يقلى في مقلاة كبيرة.
إلى أقصى اليسار, يقوم رجال بنفخ الدخان في خلية نحل أسطوانية من الصلصال ويزيلون أقراص العسل. بينما تحوم نحلة فريدة وحيدة شبه يائسة أمامهم. يُعبأ العسل في برطمانات ويختم, وربما يتناول بعضه مع كعك حبّ العزيز. وهذا من المناظر القليلة لتربية النحل المعروفة من عصر الأسرات, رغم أن عسل النحل كان المحلّي الرئيسي في مصر القديمة (فلم يكن لديهم سكّر), وقد لعب دوراً عظيما لدى المصريّ في الطب والطبخ.
في السجل السفلي, بين المداخل المؤدية إلى مخازن المعبد القبوية, نرى أكواما من ريش النعام, والدروع الجلدية وأنياب الفيل وسلال العنب وحقائب الجوز وهى البضائع التى رأينا رخمي رع في الغرفة الأولى يستلمها كضرائب من مقاطعات مصر العليا وهدايا من البلاد الأجنبية- تنتظر الجرد. وهناك لمسات تضفي الخفة والمرح على هذه المناظر التى تجنح في مجملها إلى الجدية الرسمية: إلى اليمين, رجل يجهد نفسه ليحمل وعاء ضخما من الخمر, وإلى جواره, تقفز القرود حول أكوام الدوم, محاولة سرقة فاكهة حلوة. أما البناء ذو القمة المسطحة إلى اليسار فيعرف بالخزانة المزدوجة للذهب والفضة حيث تستعد أكوام من المعادن النفيسة لكي توضع بداخله.
إلى يمين هذه النشاطات, تنخرط مجموعات أخرى من الرجال في حرف مختلفة. يعمل صانعو السبح والجلود والنجارون والبناءون والنحاتون باجتهاد لإتمام مشاريع المعبد. وهي من أدق الرسوم التى صورت الحرفيين من الدولة الحديثة وتمدنا بعلومات لا تضاهى عن كيفية إنجاز هذه الأعمال الرائعة.
في أعلى سجل, يستخدم صانع سبح مثقابا مقوسا لعمل 3 ثقوب في نفس الوقت, وهو عمل بارع كان يتطلب مهارة فائقة. ومن خلفه رجال آخرون يصنعون من الخرز قلائد وعقودا. تأملْ كيف توحى أصابعهم الطويلة المنحنية بدقة العمل. إلى أقصى اليسار, رجل معه مثقاب يقوم بتجويف الآنية الحجرية.
في السجل السفلي, يعد عاملو الجلود نوعين مختلفين من الصنادل والسروج والأحبال ولفائف الجلد لكتابة الوثائق. أحدهم يقف إلى جلد حيوان يمده أو ينعمه على عامود ثلاثي الأرجل. إلى اليسار, عدة رجال يمدون جلدا, ثم يقطعونه إلى الشكل المطلوب. وآخر يستخدم أسنانه لسحب سير جلدى من خلال ثقب ثقبه في نعل صندل. إلى أقصى اليسار, قام عامل ماهر بقطع قطعة من الجلد إلى لولب مستمر, لعمل وصلات جلدية, لعله يستخدمها في تجهيز السفن.
في الأسفل(إلى اليمين), ينتهي أحد الحرفيين من تذهيب تمثال للملك بينما يفحص آخر المقام الذى سيستقر فيه. التمثال مصنوع من الآبنوس شديد السواد, فيدل لونه على علاقته بأوزوريس. رجلان إلى اليسار يجلسان بجانب وعاء الغراء يرفعان من درجة حرارته على نار صغيرة. أحدهما يصنع مادة لاصقة على قطعة من القشرة الخارجية. خلفهم نجار الأثاث الفاخر يقوم بتنعيم سطح صندوق بقدوم. لاحظ أن كوس النجار وموجّه التعشيقة بجانبه. أسفل, رجل ينشر في لوح علق رأسيا إلى عامود؛ وقد حشر إسفين في القطع كيلا يلتصق المنشار. مثل هذه التقنيات لا تزال تستخدم اليوم. هنا وفي بقية المنظر, يطلى الخشب العارى بطلاء جيد لإظهار حبيباته. رجل يستخدم مثقاباً قوسيا لعمل ثقوب على طول حافة سرير ليمرر منها حبلا لنسج مرتبة. و يحفظ سن المثقاب المصنوع من البرونز في مكانه كوب صغير في يد رجل. بعد ذلك, أربعة رجال يضعون اللمسات الأخيرة على هيكل أحسن صنعه من أفضل أنواع الخشب. إلى جواره, ينحت عمال أرجل كرسى بحيث تأخذ أقدامه شكل مخالب الأسد. وغيرهم من الحرفيين يقطعون ويثقبون وينشرون ويصقلون قطعا من الخشب. لقد كان الخشب الجيد في مصر سلعة نادرة وقيمة لم يأت معظمها إلا بالاستيراد قطعا صغيرة- استلزمت مهارة فائقه لضم الآبنوس والأرز وغيره من الأخشاب وصنع أشياء كبيرة.
في السجل السفلي التالي, يصوغ عمال المعادن الزَهريات الأنيقه والأباريق من الذهب (الحلقات الصفراء في هذا المنظر), والفضة (الحلقات البيضاء), والبرونز. إلى اليمين, خمس حلقات من الذهب توضع فى كفة الميزان, وفي الكفة الأخرى وضع المكافىء الدقيق للوزن على هيئة رأس ثور. وهناك ثقلان آخران موضوعان تحت الميزان, أحدهما على شكل فرس النهر. على رأس الميزان رأس الربة ماعت تضمن الأمانة والدقة. الرجل الذى على اليمين يوزع الذهب والفضة على العمال ويدون الوزن الدقيق. لأن هذا الوزن سيقارن بوزن المنتج النهائي, ليساعد في منع السرقات. قد يكون الرجل طويل الشعر,إلى اليسار, الذى يسبقه ثلاثة عمال, رئيس الصناع جاء يشرف على الذهب. إلى اليسار, رجل راكع أمام سندان وضع عليه خاتما من الذهب. والخاتم موضوع تحت قطعة من المادة, ربما لتحميه من الخدش عندما يضرب الرجل بالمطرقة الحجرية. رويدا رويدا سيحيل خاتم الذهب إلى لوح من المعدن النفيس رقيق رقةً تكفي لتشكيل أوعية منه, أو طرقه أكثر فيتحول إلى ورق الذهب. إلى اليسار في سجلين نصفيين, رجال يشكّلون أوعية كبيرة. على مقربة منهم, نرى ناراً تطري المعدن للحام أو التزيين. إلى اليسار, رجل بقصبة مجوّفة وملقط يمسك بقطعة من الذهب في لهب مشتعل يطقطق ويضطرم حين ينفخ فيه الهواء. دونه أربعة رجال ينقشون ويصقلون جراراً كبيرة من الذهب.
ثلاثة رجال يحملون قوالب من النحاس الآسيوي إلى الورشة. هناك أربعة مواقد تعمل, وقودها جميعا هو الفحم. إلى اليمين, رجل يلقي سلة أخرى مملوءة بالفحم على الأرض, استعدادا لجرفها إلى المواقد. تشتد حرارة النيران بفعل كير يعمل بالقدم مصنوع من الخشب والجلد. يقوم الرجال برفع الكير دونما حاجة إلى زنبرك برفع قدم وسحب السلك, ثم يضغطونه بدفعه بأقدامهم. ترجع الحاجة إلى تشغيل أربعة مواقد إلى حجم القطعة التي يصنعونها. إنها مدخل ضخم من البرونز سيثبتونه في معبد الأقصر. لا مناص من صب المعدن المنصهر سريعاً لتجنب الهبوط الكبير في درجة الحرارة, وهذا يستلزم إتاحة مورد لا ينقطع يصب سريعا في القالب. للقالب سبع عشرة فتحة في قمته تأخذ شكل القالب, حيث يتناول عاملان بمهارة بُوتقة كبيرة بعصي مرنة, يصبان المعدن المذاب في كل فتحة بالترتيب. يكاد يبدو مستحيلا صبّ شيء بهذه الضخامة والثقل في قالب واحد كقطعة واحدة, وصحيح أنه لم يعثر على مثل هذا الباب أبدا. لكن هناك نصوصا تشير إلى وجود أبواب من نفس الحجم, و مصراعا الباب المكتملان القائمان عند الجزء الأعلى إلى اليسار من المنظر يكذبان أي تفسير آخر.
في السجل التالي أدناه, يقوم رجال بصنع الطوب لمشروع بناء في معبد آمون بالأقصر. وهذا منظر مثير بصورة خاصة: فلا نزال نجد طرق صناعة الطوب المعروضة هنا كما هي في معظم القرى المصرية اليوم. واستخدام الطوب اللبن في بناء الطريق الصاعد هنا يبين لنا كيف تمكن المهندسون القدماء من بناء المعابد الضخمة. إلى اليسار, رجال يملئون جراراً ماء من بحيرة صغيرة تحفها الأشجار. أحدهم يقف وقد بلغ الماء وسطه, وآخر يغترف من الشاطئ. سيقوم العمال الذين يستخدمون القدوم وأقدامهم بإضافة الماء إلى الطين وقش القمح للحصول على الخليط المناسب. وآخرون يملئون سلالا بالطوب المبتلّ ويحملونه إلى البنائين الذين يشكلون الطوب في قوالب, ثم يضعونه في الشمس ليجفّ. بعد يومين, يحمل الطوب الجاهز إلى موقع البناء. يذكر النصّ أن البناء هو هيكل في الكرنك, ولكننا لا ندري أي واحد.
يعدّ المنظر أحد أفضل الشواهد التي تثبت أن المصريين القدماء استخدموا المنحدرات في تشييد صروحهم. وتظهر لنا كيف بنيت الصروح الضخمة- في هذه الحالة قاعة العواميد. بعد وضع الأرضية, وُضِع الصف الأول من الأحجار للجدران أو الأعمدة ومُليء الفضاء الفاصل بين القِطَع الحجرية بالطوب اللبن والدبش. بني منحدر منخفض وسُحِبت الأحجار لبناء الصف الثاني ووُضِعت فوق الصفّ الأول. أُضيف المزيد من الطوب اللبن وارتفع المنحدر. ثم أُضيف صفّ ثالث من الأحجار وارتفع المنحدر مرة ثانية. عندما تم البناء واستوفى سقفه, مُلئت فجوات البناء كله بالطوب اللبن. عندما أزيل الطوب, وقف الفنانون عليه مستخدمين إياه كمنزل, وقاموا بتمليس وتزيين الجدران والعواميد من أعلى إلى أسفل.
الرجال الذين يعملون في مصنع الطوب غير عاديين. ويُشار إليهم في النصّ المصاحب بالأسرى, ويبدو أنهم سوريون ونوبيون. السوريون لهم لِحى على ذقونهم ويغطي صدورهم شعر أشقر, وهي صفات لا نجدها في المصريين الذين دأبوا على حلق أجسامهم بكاملها. حتى إن قليلا من السوريين هنا يظهرون بعيون زرقاء.
إلى اليمين, سفن تجلب المزيد من الحجارة لموقع البناء, ورجال يشكلونها مستخدمين حبالا وأوتادا حرصا منهم على أن تكون الكتل مربعة تماما. ودون ذلك ينحت الناحتون تمثالين هائلين للملك من الجرانيت الأحمر. الرجال يعملون على الإسقالات المحيطة بالتماثيل الضخمة, وكاتب يرسم حدود كتابات على ظهر التمثال الأيمن, لتنقش فيما بعد. تجري عملية تمليس وصقل لتمثال أبي هول من الحجر الجيري ومائدة قرابين, بينما ينحني أحد العمال الذين تعوزهم الرشاقة ليصلح عيباً صغيراً في قاعدة المائدة.
بقية المناظر على هذه الجدارية مكرّسة لمراسم دفن رخمي رع. تُرينا السجلات الثلاثة السفلى حركة الموكب إلى المقبرة وقرابين الطعام, وقد أشرفت عليها سيدة الغرب. ويُشرف أنوبيس على السجلات الثلاثة التالية حيث يستمرّ الموكب. أما السجلات الثلاثة العليا, فيشرف عليها أوزوريس حيث التقدمات وطقوس الطهارة.
تُقرأ المناظر التي على الجدار الأيمن (شمال) من اليمين إلى اليسار و من أسفل إلى أعلى.
إلى أقصى اليمين, تبحر السفن نحو الأقصر, وفي السجل الأسفل, ترسو هناك. لقد عاد رخمي رع بعد أن كان في حضرة الفرعون أمنحتب الثاني وهاهم أهل بيته يرحبون به.
إلى اليسار نرى مأدبات رخمي رع الجنائزية, إحداها لنساء أهل بيته, والأخرى للرجال. مأدبة النساء هي الأكثر إثارة, فقد أظهر الفنان الضيفات يلبسن ثيابا ضيقة, في كامل زينتهن. هي مناظر جامدة رسمية تفتقر إلى الحركة إلا في حالتين. الأولى تتمثل في منظر الفتيات الخادمات. تأملْ كيف تتدلّى شعورهن في حياء يستر وجوههن. الحالة الأخرى تتمثل في تلك الفتاة التي تتوسط المنظر, تقف وظهرها إلينا بثلاثة أرباع المنظر وهذا فريد في الفن المصري. الرسم يكاد يكون جنسيا مقارنة بالصور الرسمية الأخرى هنا وهو في غاية الإتقان, رغم أن الفنان أخطأ في رسم قدميها اللذين يتقاطعان على نحو يستحيل تشريحيا. يعزف الموسيقيون على الآلات الوترية في قاعتي النساء والرجال. يعدّ الجزارون اللحم للوليمة, وعلى غير العادة, اعتنى الفنان بإظهار كيف أن قطع لحم البقر جيدة التعريق.
إلى أقصى اليسار, يقف تمثال لرخمي رع في مقام على قارب يجرّه الكهنة عبر بركة في حديقته. من غير الواضح ما إذا كانت الحديقة في هذه الحياة الدنيا (حينئذ قد يكون البناء الأيسر داره) أم في الدار الآخرة (حينئذٍ قد تكون مقبرته). يأخذك المنظر ببراعة تنفيذه, فالأشجار مرسومة وكأنها على الأرض بحيث يظهرها الفنان-والنخيل والدوم والجميز في أجلى صورها. مثل هذه المناظر التي تحلّق بنا شائعة في الفن المصريّ. الحديقة مرتبة ترتيبا تقليديا, مقسمة إلى مستطيلات متداخلة قد تدل على مدرجات. حامل ماء يقف في الركن العلوي الأيمن, يعدّ لريّ الأشجار. إلى اليسار, كاهن يقدّم البخور بجانب البركة. هذا منظر جنائزي وربما يكون جانبا من عيد الوادي الجميل.
جدار العبور الأيمن (شمال) وهو الأقرب إلى الباب يتناول شعيرة فتح الفم.
موضوع: م.ق. 100 :مقبرة رخمي رع 
الخميس 09 سبتمبر 2010, 4:57 pm
