مقصورة رعمسيس الثالث

مقصورة رعمسيس الثالث

المقصورة الواقعة في الركن الجنوبي الشرقي (الخلفي الأيمن) من الفناء الأول هي من أفضل الملامح المعمارية بالكرنك من حيث حالتها من الحفظ. وقد أقام رمسيس الثالث خطته وفق معبده الجنازى في مدينة هابو على الضفة الغربية بالأقصر. ويبدو المعبد أو المقصورة الصغيرة في غير موضعها هنا لأنها بنيت قبل أن يغلق الفناء الأول، وتبرز من خلال الجدار المحيط وتبدو الآن غير ملائمة لموقعها. وحتى عام 1896 كان أكثر المقصورة مطمورا تحت ركام عمقه يمكن الحكم عليه من الصباغ الثقيل على الجدران. وقد كانت المقصورة مزخرفة بالأسلوب الثقيل القرفصائي المميز لمعظم آثار رعمسيس الثالث، ولكن في حاله جيدة من الحفظ ويرجع ذلك إلي حد كبير إلى أنها كانت مطمورة وخلافا لكثير من المعابد الكبرى فمن السهل فهم خطة أرضيتها.

يقف تمثالان لرمسيس الثالث أمام الصرح الأول للمقصورة. وإلي جوارها نصوص تصف بابا بمصراعين مزدوجين كبيرا من خشب السنط عليه لوح من البرونز كان يغلق المدخل.

يرتدي الملك تاج الوجهين القبلي والبحري على وجه البرج الأيسر (الشرقي) للبوابة وتاج مصر الدنيا على البرج الأيمن (الغربي). وهو يتخذ الوضع المألوف، واقفا أمام آمون وفي إحدى يديه مقمعة، ويقبض بالأخري على أسرى أجانب. يمسك آمون أمامه بسيف النصر. وأسماء البلاد والدول في النوبة وآسيا الغربية التي جاء منها الأسرى مكتوبة في الجوار، ولكنها الآن مهدمة. يظهر الجدار الخارجي الغربي للمقصورة موكب المراكب من الكرنك إلي معبد الأقصر خلال عيد الأوبت. وهذا هو أيضا موضوع مناظر صف الأعمدة في معبد الأقصر. داخل المعبد فناء صغير بعواميد محيطة له صف من الأعمده يتألف من ثمانية أعمدة، على جانبيه الشرقي والغربي. تقف صور الملك المومياوية مثل أوزوريس أمام الأعمدة، والصور الممتلئة منحوتة من غير اهتمام كبير بالتناسب أو التفاصيل. تظهر ظهور الأعمدة أربابا عدة. على الجدار الأيسر (الشرقي) للفناء يحمل الكهنة مركب آمون في موكب؛ على الجدار الأيمن (الغربي)، يحملون تماثيل انتصابية لآمون؛ على الوجه الداخلي للبوابة يمنح آمون لرمسيس الثالث البركات بحياة مديدة. عند الطرف الجنوبي للفناء يؤدي طريق صاعد إلي دهليز (الناووس الأمامي) ذي أربعة أعمدة أوزيرية وأربعة أعمدة أخرى. يقف خلفها البهو المعمد بثمانية أعمدة. ووراء ذلك، ثلاثة مداخل تفضي إلي غرف لآمون (في المركز) وموت (على اليسار) وخونسو (على اليمين)، وكل منها له حجرة جانبية واحدة على الأقل.

تخيل موكبا قديما يدخل هذا المعبد. نحن الآن في الصباح الباكر، الجو حر، والشمس حامية الوطيس في برجها. والكهنة العظام يحملون على أكتافهم مركبا خشبيا ذا مقصورة مذهبة بها تمثال الرب. وقد جاءوا من جوانية معبد آمون وسوف يُمضون بعض الوقت من أجل الصلوات قبل أن يواصلوا سيرهم إلى المرسى. بالخارج تشرق الشمس على الرسم الساطع الملون بالأحمر والأزرق والأصفر والأبيض الذي يُعمي على جدران المعبد. ويتحرك الموكب رويدا رويدا إلي الغرفات المظلمة التي تبرد وتظلم شيئا فشيئا، والكهنة يتوقفون قليلا ريثما تعتاد أعينهم على الضوء الخافت.

وفي قدس الأقداس في آخر المعبد، حيث سيوضع تمثال الإله، نجد المقصورة في الظلام الدامس والصمت التام. ولا يُسمح بالدخول إلا لنفر قليل من كبار الكهنة العظام والملوك ونخبة مختارة من أعضاء الأسرة الملكية ويأتون للترحيب بتمثال الإله ويصلون من أجل عودته في سلام. أما حضور مراسم في مكان كهذا فلابد أنه كان تجربة تحرك الأعماق. تعتبر مقصورة رمسيس الثالث مثالا بديعا للمعبد التقليدي في الدولة الحديثة؛ كل الملامح القياسية موجودة فيها، فواجهة المعبد بوابة تشبه أبراجها الشامخة الجبال في الأفق، وبينها وادي خلفه تشرق الشمس وتغرب. والمعبد متماثل على الجانبين على طول المحور الفردي، أما الطرق الصاعدة المبنية من الحجر في كل مدخل فترتفع أرضية كل غرفة أكثر من سابقتها فتنخفض الأسقف وتصغر أبعادها.

وعلى هذا النحو فإن الموكب إذ يتحرك من بيئة مفتوحة تضيئها الشمس إلي بيئة تزداد ظلاما وصمتا وضيقا في غرفاتها تؤكد الانطباع بأن المرء قد عبر إلي مكان مقدس.

» مقصورة سنوسرت البيضاء
» تحتمس الثالث
» العالم الثالث The Third World
» و م 11 مقبرة رمسيس الثالث
» و م 34: مقبرة تحتمس الثالث