مقصورة سنوسرت البيضاء

عندما عثر علماء الآثار العاملون بالكرنك على أحجار من أبنية أقدم، أعيد استخدامها في جدران وبوابات لاحقة، قاموا بعمل إزالة وفهرسة للكتل وخزنوها في حقول مفتوحة داخل السور المركزي. ومنذ عقود قليلة جُمع عدد من هذه الكتل وأعيد بناء الأبنية التى منها جاءت، فوضعت فيما يعرف الآن بالمتحف المكشوف فى الركن الشمالي الغربي من سور الكرنك المركزي. المتحف المكشوف مكان محبب وهاديء، يحفل بالأشجار الناضجة والممرات الحجرية وبعض من أجمل الآثار التى جاءتنا من معبد آمون.
اقرأ اقل [-]

يزداد عدد الآثار المعروضة هنا بسرعة: في 1999 كانت هناك ثلاثة أبنية فقط ومجموعة صغيرة من التماثيل وكتل غير ثابتة واليوم هناك أربعة محطات طريق وعدة جدران معبدية هائلة وغرفات تخزين وتماثيل ومئات من الكتل من مبانٍ لم يعد بنائها ومباني أخرى كثيرة. هذه الآثار من الأهمية بحث ينبغي على كل زائر يأتي إلى الأقصر أن يزور المتحف.

مقصورة سنوسرت البيضاء

في خريف 1927 عثر علماء الآثار الفرنسيون العاملون فى ترميم البوابة الثالثة لمعبد آمون على حلية معمارية من الحجر الجيري كبيرة منقوشة بصورة جميلة أعيد استخدامها فى ملء داخلية البوابة على مدى العشر سنوات التى تلت الكشف عن المزيد من مئات الكتل المنقوشة جميعها من نفس بناء سنوسرت الأول من الدولة الوسطى. بدأ عالم المصريات بيير لاكاو والمعماري هنري شيفرييه في 1937 فى إعادة تشييد البناء الذي أسمياه بالمقصورة البيضاء. كان أول أثر ينصب فى المتحف المكشوف. ربما كان يستقر في الأصل على الجانب الغربي من فناء الدولة الوسطي. ذلك الفناء كان يعرف بالإطلاله العالية لسنوسرت الأول وكانت المقصورة نفسها تعرف بعرش حورس، بناها سنوسرت الأول للاحتفال بعيد السد الأول الخاص به.

كانت المقصورة البيضاء إبان اكتشافها فريدة، فلم تظهر إلي النور أمثلة لمثل هذا البناء قط وبفضل حالة الحفظ شبه التامة أمكن إعادة بناء ما يعده الكثيرون أروع مثال للنقش الذي يأتينا من الدولة الوسطى.

غير أن المقصورة البيضاء لم تكن سوى واحدة من العديد من محطات الطريق المنصوبة بالكرنك، أبنية صغيرة كان بمقدور الكهنة أن يُقروا المركب الالهي وتمثال الإلـه ريثما يستريحون برهة ويتلون الصلوات أثناء المواكب الدينية الكثيرة التى كانت تجرى كل عام.

إنه أثر صغير: 6.75 مترمربع (22 قدما) بتأليف من طريق منحدر وسلم عند نهايتين تؤديان إلي أرضية المقصورة 1.8 متر (حوالي 6 قدم) فوق الأرض. المقصورة لها أربعة صفوف من أربعة أعمدة كل منها 2.5 متر طولا (7.5 قدم) تدعم الحلية المعمارية وكورنيشاً فوقها. هناك فتحات مياه لتجميع المطر الذي نادراً ما يهطل على السقف، وهو ماء كان يستخدم في مراسم التطهير. الخطة ومقطع البناء بسيطة حتى إنها ثقيلة قليلاً، ولكن هذا يعوض عنه كثيراً من خلال النقش الذي يغطي تقريباً كل السطح الرئيسي، إنه بلا شك أكثر المقاصير زخرفةً بالكرنك.

على الأعمدة يقف سنوسرت الأول مع آمون أحياناً، يظهر فى صورته منتصبة الذكر ومع أرباب أخرى وربات متضمنين أنوبيس وجحوتي وبتاح وحورس وآتوم ومونتو وأمنت. تُعطي النصوصُ المصاحبة ألقاب وأسماء الملك والأرباب. التفصيل فى هذه الصور مذهل بحق؛ الثياب والأردية غير العادية مضفورة بدقة بالغة، كل خرزة في عقد مخططة بتخطيط دقيق، أما الرموز الهيروغليفية فهي حتى أكثر تفصيلاً، ريش جناح طائر وعضلات ثور وعقصات على علامة حر (رأس بشرية) الملفوفة فى خرطوش حبلي، أجنحة نحله شفافة، ونسق سلة منسوجة جميعها يظهر مع إعطاء أدق التفاصيل. هناك القليل جداً من اللون محفوظ لكن كل رمز هيروغليفي هو عمل فني مكتمل وتحفة صغيرة منحوتة فى أروع حجر جيري.

لكن هناك ماهو أبعد من قيمة الجمال في النقوش، هناك قائمة بالأقاليم؛ القطاعات الإدارية القديمة التي انقسمت لها مصر على الجدران الخارجية منقوشة فى سلسلة من المستطيلات أسفل نوافذ المقصورة مباشرةً. على الجانب الأيمن (الشمالي) أقاليم مصر الدنيا، على الأيسر (الجنوبي) اقاليم مصر العليا، على سبيل المثال عند الطرف الأيمن (الشرقي) للجدار الجنوبي يظهر الاسم با سيتي الإقليم الأول لمصر العليا المعروف بأسوان، تحت اسمه مستطيل آخر يعطي اسم رب الإقليم الرئيسي، فى هذه الحالة حورس تحت ذلك مجموعة من الأعداد تشير إلى طول شط نيل الإقليم، في هذه الحالة 10 اترو و2 خاء و7 ست شات وهي 112.061 كيلو متر (1 اترو = 10.5 كيلو متر خاء وست شات كسور منها). عند الطرف الأيسر (الشرقي) من الجدار الشمالي مستطيل يحيط باسم الإقليم الأول لمصر الدنيا منف انبو حج الذي يمتد 4 اترو 1 خاء (24.523 كيلو متر). على طول النيل اثنان وعشرون إقليما من صعيد مصر وأربعة عشر إقليما من مصر الدنيا مسرودة أيضا. على الجدار الشمالي الخارجي من المقصورة نجد مستويات الفيضان فى مواقع عديدة على طول النيل بالذراع، وهذه معلومات فى غاية الأهمية لإعادة إنشاء جغرافيا وسياسة مصر القديمة.

مقصورة أمنحتب المرمرية

شيد أمنحتب الأول عدة صروح فى فناء الدولة الوسطى وحولها عدد منها فكك واستخدم كماليء فى البوابة الثالثة، ولخلق الفناء السابق للبوابة السابعة أحدها من البوابة الثالثة مقصورة قارب من المرمر رائعة أعيد تركيبها حديثاً فى المتحف المكشوف وتعرف بـ من منو وكانت تستقر أصلاً فى حوزة الدولة الوسطى كمستودع لقارب آمون المقدس. قال أمنحتب الأول، "لم يخلق مثل هذا أبداً منذ الزمن البدائي الأولي للأرض." عثر على اسمه فى نقش فى المقصورة الحمراء للملكة حتشبسوت التى تقع الآن بالجوار. كانت المقصورة من عمل مهندس معماري بارز من بداية الدولة الحديثة: "أنا من كان مسئولاً أيضاً عن أعمال كثيرة لخليفة تحتمس الأول" يبلغ طول مقصورة أمنحتب الأول 9 أمتار فقط (29 قدما) وتتألف من غرفة فريدة مبنية من كتل هائلة من المرمر.

كان المرمر مادة ثمينة نادرة الوجود بمثل هذه القطع الكبيرة للمرمر الذي ربما جاء من محاجر حات نوب له ظلال مبرقشة من الكراميل والعسل تجرى خلاله ويتميز بحفر وفجوات وشوائب تعطيه مظهره. هذه الشوائب تطغى على النقش الرقيق بحيث تختفى الصور المنحوته تماماً إلا فى الضوء الساطع الثاقب. فى الأصل لابد أن المناظر كانت ملونة لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التى تجعل أمر رؤيتها ميسوراً، لكن تلوين السطح كان من شأنه أن يخفي حقيقة أن المقصورة بنيت بمثل هذه المادة الثمينة فما الداعي لاستخدام كتل من المرمر النفيس إذا لم تمكن رؤيته. ربما كانت العلاقات السحرية والدينية للمرمر أكثر أهمية من عرضه واستعراضه.

تظهر المناظر على الجدار الشمالي الخارجي لـ من منو أمنحتب الأول مرتبطةً بصورة ملغزة بالرب آمون مكرساً القرابين من الطعام والزيوت كجزء من مراسم تتويجه. الوجه الخارجي من الجدار الجنوبي مزين بصور لتحتمس الثالث ويعتقد بعض المفكرين أن هذا يثبت أن المقصورة بنيت فى أواخر عهد أمنحتب الأول كمغامرة مشتركة مع خليفته. الوجوه الداخلية للجدارين تظهر أمنحتب الأول وآمون يقفان أمام القرابين وقارب آلاهــى .

مقصورة الملكة حتشبسوت الحمراء

أعيد نصب هذا البناء الكبير الأنيق فى سنة 2000 مما يجعله أحد أحدث الإضافات إلى المتحف، ورغم أن الحصول على الكتل في 1898 يجعله أول الاكتشافات إلا أنه مثل كل المقاصير هنا يتخذ البناء عدة أسماء ومصطلحات وصفية. مثل الآخرين كانت المقصورة الحمراء تعمل بمثابة مستراح مؤقت للقوارب الإلـهيه أثناء المواكب الدينية. الأثر الذى أعيد استخدامه فى البوابة الثالثة كان يحمل خراطيش تحتمس الثالث وحتشبسوت في الأصل ربما كان يقف بالقرب من مقصورة فيليب أرديوس غرب فناء الدولة الوسطى.وهو أكبر من المقاصير الأخرى 15 متر طولاً (50 قدما) 5.77 متر عرضاً (18.5 قدما).

المقصورة قطعة ساحرة من العمارة مبنية من الكوارتسيت الأحمر على قاعدة من الجرانيت الأسود منقوشة بقوائم لأقاليم مصر العليا والدنيا. هناك عند كل زاوية وكورنيش عبر القمة الطبقات الحجر موضوعة على نحو أفقي مع وصلات رأسية بين الكتل، كل السجل كتلة واحدة في الارتفاع، وهناك ستة سجلات على الجدار الخارجي، سبعة على الداخلي، كل كتلة من طول مختلف قليلاً بحيث تستطيع استيعاب منظر واحد أو جزء من منظر ولا بد أن هذا يعني أن كل كتلة جرى تفصيلها وزخرفتها بالمحجر ثم رُكبت فى مكان معداً سلفاً فى البناء، ويفهم من هذا أن البنائين كانت لديهم خطة معمارية مفصلة للأثر.

أرضية المقصورة بها قنوات عديدة منحوتة بها لتوجيه مسار الماء المستخدم فى احتفالات التطهير.