و م 34: مقبرة تحتمس الثالث

و م 34: مقبرة تحتمس الثالث

وم 34 هي أول مقبرة من الأسرة الثامنة عشرة في وادي الملوك لا تزال مفتوحةً للجمهور إلى الآن. وهى بذلك بدايةٌ طيبة فى جولة تتتبع تطور عمارة المقبرة الملكية. تشمل المقابر السابقة عليها مقابر تحتمس الأول (ربما و م 38) وحتشبسوت (و م 20) وأحمس الأول وأمنحتب الأول. أما موقعا المقبرتين الأخيرتين فهما غير معروفين؛ فالمقبرتان الأوليان قريبتان ومغلقتان للزوار. وكل هذه المقابر التى ذكرنا لها؛ إما مجموعة من الدهاليز المنحنية أو خطة أرضية فيها يصنع المحور زاويةً قائمة عند الغرفة التى تسبق غرفة الدفن. وهذه مستوحاة من خطط الدولة الوسطى.

ومثل جميع معالم المقابر الملكية من الدولتين الوسطى والحديثة فإنها انعكاسات معمارية للطريق الذي يعتقد أن الميت سيتخذه من هذه الحياة إلى الدار الآخرة. ولا نجد سوى قليل من الغرف فى هذه المقابر الأولية عليه نقوش وزخارف، حتى إن بعض الجدران يفتقد إلى التمليس والجصّ (البلاستر). وفي العادة، تضمنت الغرف التي بها زخارف غرفة البئر وغرفة الدفن. ورغم ذلك، فى أغلب الأحيان كانت غير مكتملة. تتألف الزخارف فى معظمها من نصوص ومناظر من الأمدوات "كتاب ما فى العالم الآخر" وهو المعروف أيضاً بكتاب الغرفة السرية، وهو يقدّم لنا وصفاً، ساعةً بساعة، لرحلة الشمس الليلية فى العالم الآخر. ولم يتضائل هذا التوكيد على الأمدوات حتى نهاية الأسرة الثامنة عشرة. تقع مقبرة تحتمس الثالث فى شق ضيّق فى منحدرات القاعدة الصخرية، في مكان مرتفع فوق أرض وادي الملوك. وهو موقع رائع، فلا نجد سوى و م 20 (مقبرة حتشبسوت) مشابهاً لها وإن كان بصورة بعيدة جداً فهو موقعٌ رائعٌ وأخاذ. فى القديم، كان السبيل إلى الوصول إلى المقبرة من خلال ممر فوق منحدر صخري أو من خلال سلم من الطوب اللبن بني من سفح الوادي إلى حافة شق المقبرة، غير أن السلم أزيل بعد جِنازة الملك، واستبدل منذ بضعة عقود فقط بسلم فولاذي يرتفع فوق عشرين متراً على أرض الوادي. ولا ننصح بتسلق هذا السلم المفتوح لمن يعانون من الخوف من الارتفاعات. ومن فوق هذه الدرجات يمشي المرء عشرين متراً (60 قدما) على طول صدع طبيعي ضيق فى القاعدة الصخرية بمدخل المقبرة. ويا له منْ مدخل مثير! ويا لروعة منظر وادي الملوك من هذا المكان! بعد ذلك تنزل الدرجات والطريق الصاعد المنحوت في القاعدة الصخرية من مدخل المقبرة. تنزل خلال ممرات خالية من البلاستر والزخارف إلى الغرفة (هـ) وهي غرفة مربعة تعرف بالبئر وعمقها حوالي سبعة أمتار (21 قدما) وهذه هي المرة الأولى التي نرى فيها بئرا فى مقبرة من مقابر وادي الملوك. وقد قدم علماء المصريات تفسيرات عديدة لوجودها؛ أحدها أنها كانت مجعولة لإحباط هجمات لصوص المقابر، فعندما يدخل اللصوص المقابر يجدون بئراً عميقاً ويرون أن الجدار الذى من ورائها مختوم ومغلق بأحجار وبلاستر فحينئذ سيفترضون أن المقبرة قد تركت من غير إنهاء العمل بها وأنها خاوية وخالية من أى شيء ذي قيمة وذى بال جدير بالسرقة ثم يغادرون. وحتى لو كان هذا صحيحاً فإن الحيلة لم تنجح، ويبدو أن اللصوص عرَفوا من باديء الأمر أن المقابر مستمرة وراء غرفة البئر. وهناك نظرية أخرى تقول بأن البئر كان معداً لاصطياد مياه الفيضان من الأمطار السيلية، ومنع المياه من الوصول إلى غرفة الدفن وإتلاف المومياء والمعدات الجنازية، وهذا التفسير أيضاً غير مقنع. وهناك تفسير ثالث وهو أن العامود كان يرمز إلى مكان دفن الرب أوزوريس، وهو عمدة الالهة فى الحياة الآخرة.

فى بعض المقابر مثل و م 35 نجد لعواميد البئر غرفات قد شُقت في قاعدتها، وهذا معلمٌ يقدم دليلاً يدعم هذه النظرية، ويبدو أنه ينقد التفسيرين الأولين. وغرفة البئر هنا ذات سقف مزخرف بنجوم صفراء على خلفية زرقاء وإفريز الخنجر المرسوم من فوق الجدران ومن وراء عامود البئر نجد الغرفة (و) وهي غرفة رباعية الجوانب بعامودين يبتعدان قليلاً عن المركز ويفتقدان الزخارف.

أما الجدران فعليها رسومٌ متقنة وأسماء 741 من الأرباب الذين يظهرون في الأمدوات. هناك سلمٌ شديد الانحدار فى الزاوية الأمامية اليسرى من الحجرة، تؤدي إلى أرضية غرفة الدفن. غرفة الدفن كبيرة حوالى 14.6 مترا (46 قدما) × 8.5 متر (28 قدما) وتخطيطها بيضاوي وربما كان شكلها معداً بشكل يرمز إلى الخرطوش الذى تكتب فيه الأسماء الملكية. تغطى جدران الحجرة مناظر ونصوص من الأمدوات، وهي مرسومة بالحبر الأسود والأحمر على خلفية صفراء فاتحة مرسومةٌ بحيث تحاكي نصاً مكتوباً على لفافة بردي. أما الأحرف الهيروغليفية والرسوم فهي مكتوبةٌ بأسلوب متشابك تماماً كما نرى فى البرديات فهي مكتوبة بسرعة وبأقل عدد من لمسات الفرشاة بحيث يكون الشكل الناتج مناظر تشبه العصا وكأنها من كتابة كوميدي. ورغم بساطتها فإنها أسئلة تبعث على الإعجاب بموهبة الفنان. وينقسم الأمدوات إلى 12 ساعة؛ الأولى إلى الرابعة على الجدار الأمامي للغرفة، والخامسة والسادسة على الجدار الأيمن، والسابعة والثامنة على الأيسر، والتاسعة إلى الثانية عشرة على الجدار الخلفي. لمزيد من التفاصيل الوصفية انظر مقبرة رعمسيس الثالث وانظر أيضاً نسخة أخرى من النص فى مقبرة أمنحتب الثاني. تبدأ الساعة الأولى عند المدخل إلى العالم الآخر عند الباب الذى يبتلع الجميع وهى تصف سكان العالم الآخر، وتستمر بسرد 741 من الأرباب الذين نراهم في الغرفة (و). في الساعتين الثانية والثالثة نجد وصفاً لبساتين العالم الآخر الخصيبة، كما نجد أشراراً تقهرهم صور لأشخاص ممسكين بسكاكين. أما الساعة الرابعة فتأخذنا إلى أرض سوكر الصحراوية على رماله ومكان الثعابين والأبواب المغلقة والظلام. هنا وفى الساعة الخامسة يقوم أفراد من الذكور والإناث بجرّ مركب الشمس فى الظلمة والعطش. فى الساعة السادسة تصل الشمس على هيئة الجعران إلى منتصف الليل فى أعماق العالم السفلي، حيث يندمج رع مع أوزوريس وحينئذ يعيد الملك الحي أسلافه الموتى إلى الحياة.

فى الساعة السابعة، يحاول الرب الثعباني أفوفيس أن يحجب الشمس، ولكن إيزيس وسيث وسِرقت يغلبونه ويتنصر أوزوريس على أعدائه. أما فى الساعتين الثامنة والتاسعة فيفتح رع أبواب خمسة كهوف ويقدم الثياب للموتى المستحقين. فى العاشرة نرى حوضاً مستطيلاً يعج بالأجساد الطافية لأولائك الذين ماتوا غرقاً، وهؤلاء قد حظوا ببركة خاصة، ورغم أنهم يفتقدون إلى الجِنازة العادية، إلا أن الجنازة العادية غير ممكنة فإن حورس يحملهم بسلام إلى العالم الآخر. فى الساعة الحادية عشر تقام الاستعدادات لشروق الشمس. فى الثانية عشرة يقوم اثنى عشر رجلاً وثلاثة عشرة امرأة بسحب مركب الميت المبارك إلى النهار وتبدو الشمس على هيئة خنفساء وينضم شو رب الهواء لبداية يوم جديد. وتقع أربعة غرف جانبية صغيرة إلى جانب غرفة الدفن، وقد استخدمت كل منها لتخزين المعدات الجِنازية. ولقد زخرفت عدة أوجه للعامودين الذين فى غرفة الدفن بمناظر ونصوص من ترنيمة رع، وهو نص فيه ثناء على الإله الشمسي ويقرنه بالفرعون. على الجانب الأيسر من العامود الأول منظر جدير بالشهرة لتحتمس الثالث ترضعه إيزيس على هيئة ربة شجرية. وإن قلة الخطوط لتدعو إلى الإبهار، ويظهر ثدي إيزيس من فروع شجرة الجميز وهي تمسكه نحو الملك، وهناك رسم ثانٍ أكبر للملك إلى اليسار وهو يشاهد نفسه وهو يرضع، وهذا المنظر الجميل لسوء الحظ قد عانى فى السنوات الأخيرة من السياح والمرشدين الذين لا يبالون والذين قاموا بوخز الرسم. ولا يزال التابوت الجميل المصنوع من الكوارتسيت والذى يتخذ شكل الخرطوش قابعاً فى غرفة الدفن، وهو منحوت فى الواقع من كوارتسيت أصفر، غير أنه طلي بالأحمر ليحاكي الجرانيت الأحمر وهو حجر أثمن منه بكثير وجوانبه مزخرفة بصور الملك وأرباب أخرى. وقد قام فيكتور لوريه باكتشاف و م 34 في 1898 وتنظيفها، وقد كان مدير مصلحة الآثار وقتها. تعرضت المقبرة للسرقة في العصور القديمة، فقد شن اللصوص هجمات وحشية على محتوياتها فبعثروا الأشياء وحطموا ما لم يستطيعوا حمله.

على ما يبدو، حمل اللصوص العديد من الأشياء التي وجدوها إلى وم 4، عند مدخل وادي الملوك، حيث كان يمكنهم فرزها على مهل. في عام 1978 كشف تنظيف وم 4 عن عدد من القطع عليها اسم تحتمس الثالث. أُخذت مومياءُ تحتمس الثالث من المقبرة في العصور القديمة، وأعيد دفنها في م أ 320، وهي خبيئة المومياوات الملكية بالقرب من الدير البحري.

» وادي الملوك 43:مقبرة تحتمس الرابع
» تحتمس الثالث
» مقابر من عهد تحتمس الثالث وعهد أمنحوتب الثاني
» و م 11 مقبرة رمسيس الثالث
» المقابر الملونة من أواخر عهد تحتمس الرابع وأوائل عهد أمنحوتب الثال