ممَا جَاءَ فِي : الْوَلِيمَةِ
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ رضى الله تعالى عنهما
عَنْ أَنَسٍ رضى الله تعالى عنه
[ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ ]
فَقَالَ عليه الصلاة و السلام
( مَا هَذَا )
فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ
فَقَالَ عليه الصلاة و السلام
( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَ لَوْ بِشَاةٍ )
قَالَ وَ فِي الْبَاب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضى الله تعالى عنه
وَ عن أم المؤمنين أمنا السيدة / عَائِشَةَ / رضى الله تعالى عنها و عن أبيها
وَ عن جَابِرٍ رضى الله تعالى عنه وَ عن زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ رضى الله تعالى عنه .
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يرحمه الله وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَ ثُلُثٍ
وَ قَالَ إِسْحَقُ هُوَ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَ ثُلُثٍ .
الشـــــــــروح
قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَ الْفُقَهَاءِ ، وَ غَيْرِهِمْ :
الْوَلِيمَةُ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلْعُرْسِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ ، وَ هُوَ الْجَمْعُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ ،
قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ ، وَ غَيْرُهُ ، وَ قَالَ الْأَنْبَارِيُّ أَصْلُهَا تَمَامُ الشَّيْءِ وَ اجْتِمَاعُهُ وَ الْفِعْلُ مِنْهَا أَوْلَمَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ ،
و اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الضِّيَافَاتِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ : الْوَلِيمَةُ لِلْعُرْسِ ،
و الْخُرْسُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ،
وَ يُقَالُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا لِلْوِلَادَةِ وَ الْإِعْذَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِلْخِتَانِ ،
و الْوَكِيرَةُ لِلْبِنَاءِ ، و النَّقِيعَةُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّقْعِ ، وَ هُوَ الْغُبَارُ ،
ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الْمُسَافِرَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ ، وَ قِيلَ يَصْنَعُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَ الْعَقِيقَةُ يَوْمَ سَابِعِ الْوِلَادَةِ ،
و الْوَضِيمَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ ، وَ كَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، الطَّعَامُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ ،
و الْمَأْدُبَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَ فَتْحِهَا ، الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ ضِيَافَةً بِلَا سَبَبٍ ،
و الْوَضِيمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّمَانِيَةِ لَيْسَتْ بِجَائِزَةٍ ، بَلْ هِيَ حَرَامٌ ، و قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ،
وَ قَدْ فَاتَهُمْ ذِكْرُ الْحِذَاقِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَ تَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ
وَ آخِرُهُ قَافٌ : الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ عِنْدَ حِذْقِ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ ،
و قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُوَ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْخَتْمِ أَيْ : خَتْمِ الْقُرْآنِ ، كَذَا قَيَّدَهُ .
وَ يَحْتَمِلُ خَتْمَ قَدْرٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ ، وَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُطْرَدَ ذَلِكَ فِي حِذْقِهِ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ
قَالَ وَ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ وَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ
( الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَ سُنَّةٌ ) ، الْحَدِيثَ ،
و فِي آخِرِهِ قَالَ : وَ الْخُرْسُ وَ الْإِعْذَارُ وَ التَّوْكِيرُ أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ، و فِيهِ تَفْسِيرُ ذَلِكَ ،
وَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ الرَّفْعُ ، وَ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ ،
و فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ : لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ )
قَالَ النَّوَوِيُّ ، و فِي رِوَايَةٍ رَدْعٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ بِرَاءٍ وَ دَالٍ وَ عَيْنٍ مُهْمَلَاتٍ . هُوَ أَثَرُ الطِّيبِ ،
و الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَرٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ ، وَ غَيْرِهِ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ ،
و لَمْ يَقْصِدْهُ ، وَ لَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُرَ . فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ - حكمه - ،
و كَذَا نَهَى الرِّجَالَ عَنِ الْخَلُوقِ ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ النِّسَاءِ ،
و قَدْ نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ ،
و هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَ الْمُحَقِّقُونَ ،
قَالَ الْقَاضِي : وَ قِيلَ إِنَّهُ يُرَخَّصُ فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْعَرُوسِ ،
وَ قَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَثَرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ لِلشَّابِّ أَيَّامَ عُرْسِهِ ،
قَالَ ، وَ قِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَسِيرًا فَلَمْ يُنْكَرْ . انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ .
( عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّوَاةُ اسْمٌ لِقَدْرٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَسَرُّوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ
قَالَ الْقَاضِي : كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
( أَوْلِمْ وَ لَوْ بِشَاةٍ ) قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَتْ " لَوْ " هَذِهِ الِامْتِنَاعِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ الَّتِي لِلتَّقْلِيلِ ،
و وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ : أَعَرَّسْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ أَوْلَمْتَ ؟
قَالَ لَا : فَرَمَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِنَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ
فَقَالَ عليه الصلاة و السلام :
( أَوْلِمْ ، وَ لَوْ بِشَاةٍ )
وَ هَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ فِيهِ أَنَّ الشَّاةَ مِنْ إِعَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
و كَانَ يُعَكِّرُ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا يُشْرَعُ لِلْمُوسِرِ ، و لَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ قَالَ ،
و لَوْلَا ثُبُوتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِأَقَلَّ مِنَ الشَّاةِ
لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ .
وَ مَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَادِرِ عَلَيْهَا ، قَالَ عِيَاضٌ : وَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا ،
وَ أَمَّا أَقَلُّهَا فَكَذَلِكَ ، و مَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ وَ الْمُسْتَحَبُّ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ ،
و قَدْ تَيَسَّرَ عَلَى الْمُوسِرِ الشَّاةُ فَمَا فَوْقَهَا . انْتَهَى .
، وَ قَدْ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ : أَوْلِمْ ، وَ لَوْ بِشَاةٍ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ - للعرس و حكمها - ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ .
وَ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ : لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رضى الله تعالى عنهما ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
( إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ )
قَالَ الْحَافِظُ : سَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ ، و هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ ،
وَ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَ أَمَّا قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَهَا ، فَفِيهِ أَنَّهُ نَفَى عِلْمَهُ ،
وَ ذَلِكَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ ،
و قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا : الْوَلِيمَةُ حَقٌّ ،
و كَذَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى ،
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : قَوْلُه " حَقٌّ " أَيْ : لَيْسَ بِبَاطِلٍ ، بَلْ يُنْدَبُ إِلَيْهَا ، وَ هِيَ سُنَّةٌ فَضِيلَةٌ ،
وَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْوُجُوبَ ، وَ أَيْضًا هُوَ طَعَامٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ ،
وَ الْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَ لِكَوْنِهِ أَمَرَ بِشَاةٍ ، وَ هِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا .
قَوْلُهُ : ( و فِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ عَائِشَةَ وَ جَابِرٍ وَ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ )
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ،
و أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ ،
و أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، وَ مُسْلِمٌ ، وَ أَبُو دَاوُدَ ، وَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا
( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ ، وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَ )
وَ أَمَّا حَدِيثُ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَ النَّسَائِيُّ ، وَ لَفْظُه
( الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ ; وَ الثَّانِيَ مَعْرُوفٌ ،
وَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ وَ رِيَاءٌ )
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ : وَ لَا أَعْلَمُ لِزُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ غَيْرَ هَذَا ،