آداب الاستئذان
الاستئذان أدب رفيع، يدل على حياء صاحبه وشهامته، وتربيته وعفته، ونزاهة نفسه وتكريمها عن رؤية ما لا يحب أن يراه عليه الناس، أو سمعا حديث لا يحل له أن يسترقه دون معرفة المتحادثين، أو الدخول على قوم وإيقاعهم بالمفاجأة والإحراج.
والإستئذان هو طلب الأذن، ويكون لدخول بيت، أو الانضمام الى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرف في متاع غيره، أو ابداء رأي في مجتمعات الناس، أو سماع حديثهم.
ومع تقدم الحضارة، وصناعة البيوت المغلقة، والأبواب المحكمة، فما زال هناك من يدخل بيته دون
سلام، أو يغشى غرفة غيره، أو يقتحم مجلسه دون إعلام أو استئذان.
وهذه طائفة من آداب الاستئذان التي جاء بها ديننا الحنيف قبل أن يعرف الناس، أصول الأعراف
وفن المعاملات، وحسن التصرف واللباقة في البيوت والمجتمعات..
»» يجب الاستئذان لدخول بيت الناس، والإستئناس لمعرفة أنس أهل البيت بالدخول عليهم، فيأنس
الداخل الى إذنهم، ويأنسون الى إستئذانه.
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها .
2 »» يجب قرن الإستئذان بالسلام، بل تقديمه عليه، لأن السلام قبل الكلام.
عن كلدة بن الحنبل قال: أتيت النبي ، فدخلت عليه ولم أسلم، فقال : ارجع فقل السلام عليكم أأدخل
رواه أبو داود والترمذي.
وعن ربعي بن نحراش قال: حدثنا رجل من بني عامر إستأذن على النبي وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله لخادمه: أخرج الى هذا فعلمه الإستئذان، فقل له قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل. رواه أبو داود.
وعن ابن عباس ما أن عمر إستأذن على النبي فقال: السلام على رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر.
رواه ابن عبدالبر.
وعن أبي هريرة أنه سئل فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: لا يؤذن له حتى يسلم. رواه البخاري
3 »» ينبغي على من قرع الباب مستأذنا أن يقف بجانب الباب الذي لا يظهر منه البيت عند فتحه، وظهره للباب، وعليه أن يغض بصره ما استطاع.
عن سهل بن سعد قال: اطّلع رجل في حجر من حجر النبي ومع النبي مدرى ـ آلة رفيعة من الحديد ـ يحك بها رأسه، فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينيك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر. متفق عليه.
وعن عبدالله بن بسر قال: كان رسول الله إذا أتى على باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من
ركنه الأيسر ويقول: السلام عليكم السلام عليكم رواه أبو داود وأحمد.
4 »» يشمل الأمر بالإستئذان النساء كما يشمل الرجال، لأنه شرع لئلا يطلع أحد على أحد على ما يطو الناس في بيوتهم مما لا يحبون أن يطلع عليه أحد، إلى جانب عدم النظر الى ما لا يحل له أن ينظر إليه.
عن أم أياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها فقلت: ندخل؟ فقالت: لا فقالت واحدة: لا فقالت واحدة: السلام عليكم أندخل؟ قالت: أدخلوا، ثم قالت: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها.
5 »» يكون الإستئذان ثلاثا، فينتظر بعد طرق الباب بمقدار صلاة ركعتين، ثم يطرقه ثانية وينتظر المدة نفسها، ثم يطرق الثالثة فإن لم يجب إنصرف ولو كان متأكدا من وجود أهل البيت فيه. لما روي عن ابي هريرة أنه قال: الإستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون، وينبغي أن لا يحزن أو يغضب إن لم يؤذن له.
قال تعالى: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا، هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم. النور 28.
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله : الإستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع متفق عليه.
6 »» ينبغي عند إستعلام صاحب البيت عن المستأذن أن يذكر اسمه، ويكره أن يقول ( أنا) لعدم كفايتها
في معرفة قائلها.
عن جابر قال: أتيت النبي ، فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا؟ كأنه يكرهها. متفق عليه.
وعن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر. متفق عليه.
وعن أنس في حديثه المشهور في الإسراء قال: قال رسول الله : ثم صعد بي جبريل الى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، ثم صعد الى السماء الثانية والثالثة والرابعة وسائرهن، ويقال في باب كل سماء: من هذا؟ فيقول: جبريل. متفق عليه.
7 »» يطلب الإستئذان بين الأهل في الدار الواحدة، عند إرادة الدخول على غرفة أحدهم، حتى مع أقرب الأقربين إليه، كأمه وأبيه..
عن زيد بن أسامة عن عطاء أن رجلا سأل النبي أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم
غيري فأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال:" أتحب أن تراها عريانة"؟ قال: لا، قال:" فاستأذن عليها".
رواه مالك في الموطأ.
8 »» تعليم الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف أن يستأنسوا في أوقات ثلاثة: وقت الفجر، وهو وقت النوم أو التهيؤ لصلاة الفجر، ووقت الظهيرة، وهو وقت القيلولة والراحة والتخفف من الثياب، ووقت العشاء، وهو وقت الخلود الى النوم، وكلها أوقات فيها مظنة التكشف، ومحبة الخلوة، وهذا التعليم من باب التأديب والتعويد، حتى إذا بلغوا سن المراهقة والرشد إستأنسوا في جميع الأوقات.
عن أسماء بنت أبي مرثد أنها دخل عليها غلام لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور.
9 »» ينبغي للمرأة أن تتعفف في ثيابها، وتلتزم الحشمة والكمال والأدب في مظهرها في منزلها، أمام أولادها وإخوتها ومحارمها لأن الله ستير يحب الستر والعفة والحياء.
قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) النور.
وقال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا النور 31.