الكورتيزون..المتهم....البريء
حينما تسأل الناس عن الكورتيزون, يجيبونك بأنه خطير وله أضرار كثيرة وهو الذي يخزن الماء بالجسم فينتفخ , وأنه يؤخذ للأمراض المستعصية فقط, كل ذلك دون أن يعرف ماهية الكورتيزون وآثاره.
ولكن يا ترى ما هو الكورتيزون؟ وما هي أضراره؟ وما هي فوائده؟ وهل هو موجود في الجسم الطبيعي؟ ولماذا؟ ومتى؟ وما هي شروط استخدامه في العلاج حتى لا يأتي بنتيجة عكسية؟.... كل هذه الأسئلة وأكثر نجيب عنها بالتفصيل بإذن الله.
الكورتيزول " فكرة عامة "
كورتيزول لحاء الكظر، الشهير بكورتيزون, له الكثير من الفوائد منها... ولكن دعنا نبدأ من نقطة البداية الأصلية..
من المنشأ..
الكلى مصفاة الدم بالجسم, يبلغ حجم الواحدة 1×2×3 بوصة وتقع في التجويف البطني بجانب المعدة و الطحال والعمود الفقرى.
فوق كل كلية تقع غدة على شكل "كاب" أو غطاء, صغيرة في الحجم, عظيمة في التأثير, تزن 4 جم فقط تسمى الغدة الكظرية وهي جزئين: لحاء خارجي (قشرة) ولب داخلي.
ألدوستيرون المسئوول عن توازن الأملاح والشوارد الكهربائية في أجسادنا (مثل : الصوديوم و البوتاسيوم والكلورايد), والأندروجينات (هرمونات) الذكرية عند الرجال و النساء سواء, أما اللب فيفرز الكاتيكول أمينات (الأدرينالين والنورأدرينالين) المسؤولة عن تصرفاتنا في الخطر والخوف.
يُفرز الكورتيزول في أجسادنا طبيعياً بمقدار 10-20 مجم يومياً ولكن بتركيزات مختلفة في أوقات مختلفة, وذلك أنه يفرز بتحكم من المخ من منطقة "تحت سرير المخ = ما تحت المهاد"Hypothalamus إذ يبعث برسوله هرمون غذاء القشرة CRF إلى الغدة النخامية وهي غدة داخل الجمجمة في مستوى الأنف, صغيرة في الحجم إلا أنه يطلق عليها سيدة الغدد (أو مايسترو الغدد الصماء لأنها تتحكم في كل الغدد الصماء في الجسم مثل الغدة الكظرية والبنكرياس والمبايض والخصيتين والغدة الدرقية) وهي التي تستقبل رسول المخ وتصدر فوراً هورمون الكورتيكوتروفين ACTH إلى الغدة الكظرية التي يستجيب لحاؤها و يفرز الكورتيزول والذي حين يزداد في الدم يذهب بنفسه إلى المخ والغدة النخامية ليوقف عملية إخراجه حتى لا يزيد عن اللزوم, ويظل في الدم يُستهلك حتى يقل فيشعر "تحت سرير المخ" بذلك فيبعث برسوله إلى الغدة النخامية مرة أخرى وهكذا فيما يٌعرف بالنسق الدوّار Circadian Rhythm, وهذا يحدث طبيعياً إذ يقل الكورتيزول ليلاً ويزداد صباحاً ليصبح في ذروة تركيزه من الساعة 6-8 صباحاً, والكورتيزول هو المسئول عن النشاط والحيوية ولذلك فأفضل أوقات التركيز في الصباح (بورك لأمتي في بكورها) - حديث شريف - ويستمر هذا التأثير طوال اليوم ويقل ليلاً, يقول الله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً - وجعلنا النّهار معاشاً) حتى نستطيع النوم بهدوء دون وجود عنصر منشّط يوقظنا من النوم, يقول الله تعالى: (وجعلنا نومكم سباتاً).
النسق الدوار
يزداد إفراز الهرمون في حالات الخطر والعصبية والخوف لكي يعطينا التركيز والقوة الكافية لمواجهة الخطر, ويزداد بين الوجبات ليزيد نسب السكر في الدم.
حين يدق مبعوث الغدة النخامية الكورتيكوتروفين الباب على الغدة الكظرية فإن الكورتيزول يٌصنّع ويٌفرَز وذلك عن طريق تحويل الكوليستيرول إلى مادة البريجنينولون والتي تتحول إلى كورتيزول والذي حين يخرج إلى الدم يصبح مثل مكفوف يقود سيارة فيرارى بسرعة عالية في شوارع مزدحمة يحتاج إلى مرافق يقوده ويقيده ويهدأ من حماسه الشديد وهذا المرافق اسمه ترانسكورتين CBG وهو الذي يمسك بالكورتيزول ويقيده بنسبة 90% ويترك فقط هذه ال10% من الحماس لتؤثر في الجسم.
ترانسكورتين
وفي أثناء الحمل يشتد التوتر والألم بالإضافة إلى عوامل أخرى تؤدي إلى إفراز الكورتيزول بنسبة عالية, وهذا له آثاره الضارة على الجنين ونموه كما سنعرف لاحقاً ولهذا فإن المرافق المنقذ الترانسكورتين يزداد أيضاً وبنفس الطريقة أثناء الحمل لكى يخفف من وطأة التأثير الشديدة للكورتيزول, وزيادة كلاً من الكورتيزول و الترانسكورتين في الأساس مازالت محل دراسة لمعرفة السبب.
إذاً يخرج الكورتيزول مع مرافقه, والأثر في الجسم يكون نتيجة للكورتيزول الغير مقيد, فيذهب إلى الخلايا ويقوم بتأثيره الذي سنذكره لاحقاً, ثم يذهب إلى الكبد ليتأيض (يتكسّر) ثم تذهب نتائج الأيض إلى الكلى لتخرج من الجسم عن طريق البول.
التأثيرات الفسيولوجية (الوظيفية) للكورتيزول
تأثيره على الأيض(تكسير وبناء المواد المكونة لأجسادنا)
النشويات
الهدف الرئيسي هو زيادة السكر في الدم حتى يضمن للأعضاء التي لا تأكل إلا السكر أن تجد ما يكفي حاجتها مثل: القلب والمخ, وذلك عن طريق تكسير الدهون إلى جليسرول والبروتينات إلى أحماض أمينية ليحولها في الكبد إلى جلوكوز(صورة السكر الرئيسة في الدم), أيضاً يمنع الأعضاء الأخرى من تكسير السكر واستخدامه (عكس الإنسولين).
الدهون
هناك تأثيران مؤكدان للكورتيزول على الدهون, الأول إعادة توزيع الدهون في الجسد بشكل غير عادي, إذ تتركز الدهون في أعلى الظهر مكونة "حدباً -قتبا-" وفي الوجه فيصبح مدوراً, وفوق الترقوتان, مع نحافة في الأطراف العلوية والسفلية , وهو ما يظنه الناس احتباسا للمياه بالجسد أو تحت الجلد فيصبح الجسم منتفخا الثاني هو أنه في وجود الكورتيزول تقوم كل المواد التي لها تأثير تكسيري بسيط للدهون بهدمها وبقوة مزيدة الأحماض الدهنية في الدم.
البروتينات
تزيد من تكسيرها مما يؤدي- في حالة الجرعات الكبيرة- إلى نحافة العضلات, ونحالة العظام وهشاشتها,و بطء نموالجلد وهشاشة جدران الأوعية الدموية مما يؤدي إلى ظهور الكدمات واستمرارها بسهولة,و بطء إغلاق الجروح,و زيادة القرحة المعوية, وتأخر نمو الأعضاء النامية سريعاً مما يؤدي إلى تأخر نمو الأطفال, أيضاً يزداد تكوين البروتينات في الكبد كمحاولة لتعويض الفاقد المتكسّر.
تكسير الكورتيزول لمكونات الغذاء
الكلى
يزيد من كمية خروج المياه من الجسد بزيادة كميتها في البول.
الكالسيوم
الكورتيزول عدو الكالسيوم, فيمنع امتصاصه من الأمعاء ويزيد من خروج الموجود في الجسم عن طريق البول.
القلب والأوعية الدموية
يرفع من ضغط الدم, ويزيد الاستجابة للأدرينالين والنورأدرينالين اللذين يرفعان من ضغط الدم ويسببان انقباض القلب والأوعية الدموية.
العضلات
المقدار الطبيعي شرط لحيوية العضلات وحسن أدائها, أما إذا قل عن الطبيعى فسيحدث تعب وإرهاق وشد عضلي من أقل مجهود, وإذا زاد الكورتيزول فإنه كما ذكرنا يحدث اعتلال بالعضلة نتيجة لتآكل بروتيناتها.
الجهاز العصبي
الكورتيزول له آثار كبيرة على الجهاز العصبى نتيجة لتأثيره في ضغط الدم ونسبة السكر فيه والتأثير المباشر له فيه, وفي دراسة واحدة ارتبط الكورتيزول بتحسين الذاكرة, فيؤثر في التركيز والحالة المزاجية والسلوك, فإذا زاد نجد النشوة والجذل وإذا قل نجد الاكتئاب واللامبالاة, أيضاً يؤدي إلى اليقظة والأرق والعصبية وزيادة النشاط البدنى, وكما ذكرنا فهو مسئول عن تثبيط المسئولين عن وجوده "تحت سرير المخ" والغدة النخامية.
الالتهاب والمناعة
الكورتيزون يستعمل لعلاج الالتهاب ولكن ما هو الالتهاب؟
الالتهاب هو عملية دفاعية يقوم بها الجسم لطرد أو تعديل وضع شاذ في الجسم .. ومن الأمثلة على ذلك:
ما تقوم به العين من إفراز الدمع لطرد جسم غريب وكذلك القيء هو عملية دفاعية لطرد السموم من المعدة قبل أن يمتصها الجسم.
ولكن أحيانا يكون رد الفعل قويا أو يستمر مدة طويلة ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة. وهنا يتم التدخل بإعطاء الدواء اللازم لإيقاف هذه الأعراض فمثلا
لو لسعت نحلة شخصا في يده – أي أنها حقنت في جلده مادة غريبة – أو دخل فيروس في كبد الإنسان فسيقوم الجسم بإعلان حالة طوارئ في تلك المنطقة، وتتنادى الأجسام المناعية ويفرز الهستامين فتتوسع الأوعية الدموية في المنطقة وتمتلىء بالسوائل فتتورم وترتفع فيها درجة الحرارة وقد توضع الحواجز أمام زحف الجسم الغريب وهو ما يدعى بالتليف ( وهو تحول الخلايا الحية إلى ما يشبه الألياف لا حياة فيها) فان استمر الالتهاب فقد يتليف معظم الكبد مثلا. لذا يجب إيقاف الالتهاب قبل أن يدمر الكبد أو الرئتين ( كما في الربو) أو الكلية وغير ذلك, عن طريق منع ما يُعرف بتفاعل الأجسام الغريبة مع الأجسام المضادة والذي ربما يكون من الشدة بحيث يكون قاتلاً.
والالتهاب قد يحدث أحيانا ثم يذهب دون الحاجة إلى إعطاء أدوية، فقد تظهر حكة جلدية ثم تختفي أو يسيل الأنف بعض الوقت ثم يتوقف، ولكن هناك أعراض وحالات شديدة كالربو والتهيج الجلدي المؤلم وغير ذلك كثير مما يتطلب معه إعطاء الأدوية اللازمة ومنها أدوية الكورتيزون،يقلل الكورتيزول من الخلايا المناعية مثل الخلايا اللمفية والحمضية والقاعدية ويمنع دخول الخلايا البيضاء المتعادلة إلى الأنسجة التي تستهدفها فتظل بالدم فيزداد تعدادها, ويقلل من الأجسام المضادة في الجرعات الكبيرة.
نموذج للالتهاب "التهاب اللوز"
والآن ماذا يحدث إذا قل الكورتيزول أو زاد بشدة ؟
1- مرض أديسون
اكتشف العالم أديسون هذا المرض, وهو عبارة عن نقص في إفراز الكورتيزول إما نتيجة لعلة أصابت المخ أو الغدة النخامية (مرض أديسون الثانوى) أو الغدة الكظرية نفسها (مرض أديسون الأولي), مثل مرض الدرن (السل), أو الأورام بأنواعها.
وسيعانى هذا المريض من مشكلتين: مشكلة نقص الألدوستيرون ومشكلةنقص الكورتيزول.
المشكلة الأولى تتلخص أعراضها في:
1- اضطراب خروج الأملاح من الجسم فيفقد الجسم الملح والصوديوم والذي يجذب المياه ويبقيها في الجسم, فإذا فٌقد.. ضاع الماء وقل حجم الدم في الجسم مما يعرض المريض لهبوط حاد في ضغط الدورة الدموية.
2- زيادة البوتاسيوم في الدم والذي يؤدي إلى ضعف في انقباض عضلة القلب مما يؤدي في النهاية إلى توقف القلب.
3- زيادة أيونات الهيدروجين بالدم مما يؤدي إلى حمضية الدم.
أما مشكلة نقص الكورتيزول فأعراضها:
1- اضطراب في كمية الجلوكوز(السكر) في الدم بين الوجبات نتيجة لتوقف عملية تحويل البروتينات والدهون إلى سكر معرضاً القلب والمخ إلى التوقف عن العمل نتيجة الجوع.
2- زيادة تراكم البروتينات والدهون يعطل مسيرة التنمية ويقلل من عمل الخامات اللازمة لنمو الجسم وتعويض الفاقد مما يؤدي إلى الأنيميا.
3- تعب وكسل وخمول نتيجة لفقدان العامل الرئيسي للحركة والنشاط.
4- أي ضغط أو موقف خطر يواجهه الجسم سيتعامل معه بضعف نتيجة عدم وجود الكورتيزول الذي يتعامل مع مواقف الخطر مما يجعل حياة المريض في خطر من مجرد نزلة شعبية بسيطة.
5- تلون الجسم بألوان داكنة وذلك أنه حين يقل الكورتيزول يزداد عدد رسل الغدة النخامية للغدة الكظرية ACTH وهؤلاء الرسل يشبهون في شكلهم وتركيبهم هرمون إفراز صبغات لون الجسم MSH مما يؤدي إلى زيادة اللون في مناطق الثنيات بالذات والجسم عامة.
6- يعاني المريض من انخفاض ضغط الدم, قىء وإسهال.
2- متلازمة كوشينج:
وفي هذه الحالة يزداد إفراز الكورتيزول إما نتيجة ورم فاعل وظيفياً, في الغدة النخامية فيزداد عدد الرسل ACTH إلى الغدة الكظرية أو في الغدة نفسها فيزداد إفراز الكورتيزول وأعراض هذا المرض هي:
1- إعادة توزيع الدهون بالجسم فتقل في الأطراف وتتراكم في منطقة البطن والصدر (جذع الجاموس) وفي الحدبة, وفي الوجه فيصبح مدوراً (وجه القمر) وهو ما يظنه الناس انتفاخا كما ذكرنا سابقا .
2- أحياناً ما يتصرف الكورتيزول كهورمون ذكورة مؤدياً إلى زيادة ظهور الشعر في الجسم والوجه خاصة عند الرجال والنساء سواء, ويتصرف كالألدوستيرون مؤدياً إلى رفع ضغط الدم.
3- زيادة نسبة السكر في الدم بشدة مما يدفع البنكرياس إلى إفراز الإنسولين في محاولة لتقليل السكر في الدم مما يؤدي إلى استهلاك خلايا بيتا في البنكرياس التي تفرز الإنسولين مؤدياً إلى مرض "السكر الكظري" والذي يصبح صاحبه مريض سكر يعتمد على الإنسولين أبداً.
4- يقل البروتين من الجسم كله إلا في الكبد مما يؤدي حدوث اعتلال ونحافة في العضلات.
5- البروتين لازم لصنع جيش الخلايا المناعية, ونتيجة لاستهلاك البروتين, يقل حجم الأنسجة اللمفية المصنّعة مما يؤدي إلى تدهور المناعة وتعريض الحياة للخطر من أقل العداوى خطراً.
6- تمزق الكولاجين واستهلاكه كبروتين أيضاً يؤدي إلى سهولة تمزق الأنسجة ويؤدي إلى ظهور الكدمات بسهولة وتظهر بقع أرجوانية في مناطق ثنيات الجلد نتيجة لتمزقه هناك بسهولة.
7- قلة البروتين تؤدي إلى هشاشة العظام.
8- النشوة والجذل على صعيد التغيرات الذهنية.