مراقبة الاولاد في النت / دكتور نور المعداوى

برجاء إفادتنا بإستراتيجيات التعامل مع الأولاد والبنات في فترة المراهقة، ودرجة الرقابة الصحيحة في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي، ومدى إشعارهم بوجود هذه الرقابة؛ حيث إني لاحظت شعور أولادي بالضيق الشديد عند شعورهم برقابتي على صفحاتهم على "الفيس بوك".

* يجيب عنها: الدكتور أسامة يحيى- الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين):

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، والسلام والإيمان والقرآن، وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمةً للعالمين، وبعد..

لا شك أن مرحلة المراهقة هي أشق المراحل التي تمر بحياة الآباء والأولاد على حد سواء؛ فهي مرحلة من العمر يجتاحها تغيير شامل عميق مؤثر.. تغيير يتغلغل في حياة أطفالنا الذين لم يعودوا أطفالاً، وقد لا تقابل- في كثير من الأحيان- بما هي أهله في نفس شمولها وعمقها وأثرها من قبلنا كآباء.

وطلبك يا بني بالتعرف على إستراتيجيات التعامل مع المراهقين يحتاج مساحة أرحب كثيرًا من مجرد رد على سؤال، ولكني أنصحك بكثرة القراءة حول هذه المرحلة والكتب المطروحة في المكتبات كثيرة وعديدة، وبالسباحة في بحيرة المعلومات الواسعة التي تزخر بها الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) حول إستراتيجيات التعامل مع المراهقين، وستجد من بينها ما يغطي احتياجاتك وزيادة؛ ولكنني سأوجز نتفًا منها في سياق تحليل هذه المشكلة.

أما بالنسبة للرقابة التي تود فرضها على مراهقيك، سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها، فأدعوك لتضع في اعتبارك ما يلي:

1- لكل إنسان، صغير أو كبير، طفل أو كهل، ولد أو بنت، رجل أو امرأة، خصوصيات يجب احترامها وليس اخترامها، لكل إنسان خصوصية في أوقات يحب أن يقضيها لنفسه مع نفسه أو مع من يحب، وخصوصية في أماكن لا ينبغي أن يدخلها أحد إلا بعد أن يطرق عليه بابه، وخصوصية في أشياء يمتلكها لا يجب أن يأخذها منه أحد إلا بإذنه، وخصوصية في ذكريات لا يجب أن ينبشها أحد إلا بموافقته، وخصوصية في المشاعر لا ينبغي أن تستباح لأي أحد إلا برضاه.

2- أبناؤك رغم أنهم من لحمك ودمك فهم ليسوا ملكك، تصنع بهم ومعهم ما تريد، وتستبيح خصوصياتهم كيف تشاء.. إن أبناءك من الأحياء الذين لا يملكهم إلا خالقهم وليسوا من الأشياء التي تملكها، فقد استخلفك الله على رعايتهم وليس في امتلاكهم.

3- أبناؤك بشر، والبشر يخطئ ويصيب؛ ليتوب وينيب، ثم قد يعاود الخطأ والإصابة، ثم يكرر الاستغفار والإنابة، وهكذا تمضي حياة البشر، ولكننا كآباء ننظر لأبنائنا نظرة بعيدة عن واقعهم البشري، نريدهم لا يخطئون أبدًا، ونستكثر عليهم الهنات والزلات!!.. إننا كآباء نتوسَّم فيهم ما ليس فيهم.. نتوسم فيهم ملائكية ليست فيهم، ولن تكون فيهم، من أين سيأتون بالملائكية؟! أورثوها منا ونحن بشر؟! أم من أجدادهم البشر؟!.. فإذا ما تعقبنا خصوصياتهم فقد نلمس بعضًا من أخطائهم، فتشتعل حساسينا الخاصة تجاه أخطاء أبنائنا، وقد نضخِّم ما يفعلون، فيطير صوابنا، ويذهب عقلنا، ونفقد حلمنا، ونرتبك في قراراتنا، ونعتقد أننا فشلنا كآباء في تربيتهم!! فلربما عدم معرفتنا ببعض أخطاء أبنائنا خير لهم ولنا.. ربما.

فماذا نفعل ونحن نريد أن نعلم عنهم ما يتيح حسن تربيتهم ودقة توجيههم ونصحهم؟!

من منطلق هذه الاعتبارات السابقة يجب أن يكون هدفنا كآباء ليس إعدام خصوصية مراهقينا، فذلك أمر- فضلاً عن أنه غير إنساني- من المستحيلات؛ لأن مراهقينا بشر، لهم حقوق البشر وخصوصيات البشر، ولأن السعي وراء المستحيل تبديد للجهد وإفناء للعمر بغير طائل يستحق الذكر، ولكن يجب التركيز على تقليص هذه الخصوصية لأضيق الحدود وليس العمل على انتفائها وإنهائها.

إن الطريق لتقليص خصوصية مراهقينا يبدأ باحترام هذه الخصوصية وليس انتهاكها ومحاصرتها ومطاردتها.. إن الطريق لتقليص خصوصية مراهقينا يأتي عن طريق الحوارات البنَّاءة معهم، وحسن الإنصات إليهم، والإصغاء لآمالهم وأحلامهم، وتقدير مشاعرهم وأحاسيسهم، والتجاوب مع مشاكلهم وطموحاتهم.. كل ذلك يوفر مناخًا رائعًا ليكشفوا لك عما في صدورهم ويجول بخاطرهم.

إن الطريق لتقليص خصوصية مراهقينا يتم عن طريق الجلوس معهم طويلاً والمكث بجوارهم كثيرًا ومشاركتهم في كل أنشطتهم التي يحبونها والتي يكرهونها وليس التي يكرهونها فقط، فنشاركهم في اللعب كما نشاركهم في الاستذكار، سواء بسواء.

إن الطريق لتقليص خصوصية مراهقينا يكون بمدحهم حين يحسنون، والثناء على جميل ما يصنعون، ومسامحتهم حين يخطئون، والعفو عنهم حين يزلُّون، وفي نفس الوقت نحزم معهم حينما يقومون بارتكاب الأخطاء ويبالغون ويكررون..

إن الطريق لتقليص خصوصية مراهقينا هو منحهم المزيد من الثقة والتقدير.. منحهم المزيد من الحرية والاستقلال.. منحهم في نفس الوقت الشعور بأننا وهم كتلة واحدة ويد واحدة تجمعنا أهداف واحدة ومنظومة واحدة.. نسعد معًا ونتألم معًا.. ننجح معًا ونتعثر معًا.. فنحن وهم مضفورون ملتحمون ذائبون معًا.

إن الطريق لتقليص خصوصية مراهقينا يكون بأن يجدونا دائمًا بجوارهم، رهن إشارتهم حين يطلبون دعمنا ومساندتنا، لا أن نكون فوقهم قاهرين فنحبطهم، ولا خلفهم دافعين فنجهدهم، ولا أمامهم قائدين فنمسخهم، ولا تحتهم مدللين فنضيعهم.

فإذا ما أردنا أن تعرف عنهم شيئًا فيجب أن نحاول معرفته منهم هم قبل أن نفكِّر في محاولة معرفته من غيرهم، فإذا ما أردنا أن تعرف عنهم شيئًا فنسألهم عنه بطريقة مباشرة، فالذي بيننا وبينهم من صلة رائعة وانسجام خلاب واندماج وثيق؛ سيسمح لهم بالإجابة عن أسئلتنا بإجابات مناسبة، يصدقون فيها قولهم، ويريحون بها صدورنا وصدورهم؛ فإذا ما أردنا أن تعرف عنهم شيئًا فعن طريق التحسس اللطيف لا التجسس المخيف والمنهي عنه شرعًا.

يا بني.. إن اختراقك لـ"الفيس بوك" الخاص بمراهقيك أمر غير أخلاقي بالمرة، ولا جدوى منه إلا الضيق الذي يصيبهم، ولا طائل من ورائه إلا اتساع الشقة بينك وبينهم.. ثم..

كن صادقًا مع نفسك وأجب عن الأسئلة التالية:

هل اطلاعك على الفيس بوك الخاص بهم قد أعلمك عنهم الكثير وأخبرك بأسرارهم الدفينة أم أنه ما زال في جعبتهم أرتالٌ من الأسرار؟!

وهل سيُعدم مراهقوك وسيلةً ليستروا عنك ما يريدون ستره وأنت تفتح عليهم رغمًا عنهم خزائن أسرارهم؟!

وهل سيتركك مراهقوك تهتك سترهم دون أن يردُّوا عليك الصاع صاعين؛ فيتلاعبوا بك بحيلهم الماكرة الوفيرة انتقامًا منك؟!

وهل ستستطيع ملاحقتهم وهم يفتحون عليك بابًا تلو آخر؛ ليشغلوك وينتقموا منك ويتلاعبوا بأعصابك وأيامك؟!

وهل هذه حياة ترضاها لك ولمراهقيك وهي أشبه بما يدور بين قط عبيط وفأر ماكر؟!

يا بني.. اتبع ما أسلفت سرده من وسائل تقليص خصوصيات مراهقينا؛ فذاك الذي أراه صوابًا، وستحظى بمشيئة الله بحياة رائعة مع مراهقيك.. حياة تمتعهم بكونك أبًا شفوقًا رحيمًا كريمًا نبيلاً أمينًا عليهم، وتمتعك أنت بأبوّتك المكنونة والمدفونة وراء أستار من التربُّص والترقُّب.

وفَّقك الله يا بني في تربية أولادك.. وجعلهم الله ذخرًا لك وللمسلمين في الدنيا والآخرة.