هل يوجد مثب هذا الحنان

عاد كريم من عمله مبكرًا عن موعده المعتاد وفتح الباب برفق كي لا يزعج زوجته سارة التي ترقد في فراشها وقد أصابتها حمى شديدة منذ ما يزيد على ثلاثة أيام ولا تستطيع معها الحركة إلا فيما ندر.

مشى كريم على أطراف أصابعه وكأنه لص محترف لا يريد إيقاظ أهل البيت وبدا مظهره مضحكًا وهو يفتح دولاب الملابس بكل رفق ليبدل ملابسه محاولًا ألا يصدر أي صوت مهما بدا خافتًا كي لا يوقظ زوجته المريضة.

ثم انطلق على الفور إلى المطبخ ونظر إلى بعض الأطباق المتسخة التي تراكمت في الحوض ووضع مريلة المطبخ على صدره وبدأ في غسيل الصحون ثم بدأ بعد ذلك في إعداد طعام خفيف للغذاء وبعد ساعة من العمل المتواصل كان الطعام جاهزًا فحمله كريم إلى غرفة النوم ووضعه على السرير بجوار زوجته ثم بدأ يمسح على وجنتيها برفق شديد وهو يقول: سارة...سارة...استقيظي حبيبتي لتأكلي.

فتحت سارة عينيها بصعوبة بالغة وبدا عليها الإعياء الشديد وهي تحاول رسم ابتسامة شاحبة على شفتيها وتقول محاولة النهوض: متى جئت يا حبيبي، لم لم توقظني، دقائق ويكون الطعام جاهزًا.

ابتسم كريم وهو يربت على كتفيها برفق ويعيدها للفراش وهو يقول: الطعام جاهز يا حبيبتي وستذوقين ألذ طعام في حياتك إن شاء الله.

ترقرقت عينا سارة بالدموع وهي تقول لكريم في امتنان شديد: لقد أتعبتك كثيرًا يا حبيبي ؟

نظر إليها كريم بنظرة عتاب وهو يقول لها: لا تقولي هذا يا حبيبتي وإلا حرمتك من طعامي اللذيذ، ثم هل يعد رد الجميل من باب التعب؟

لم تفهم سارة مقولة كريم وقالت مستغربة: ما معنى رد الجميل؟

نظر إليها كريم نظرة كلها حب وحنان وقال: أعني يا حبيبة العمر أنك تسهرين على راحتي منذ عدة سنوات هي عمر زواجنا ولم تكلي أو تملي يومًا واحدًا وعندما تتعبين ألا تستحقين مني أن أقف بجوارك وأساعدك في أعمالك؟ نحن شركاء في الحياة يا سارة ولابد من التعاون كي تسير سفينة الحياة.

طبعت سارة قبلة حانية على جبين زوجها وهي تقول: حفظك الله لي يا أحن الأزواج وأعانني على إسعادك ما تبقى لي من عمر.

حب من نوع آخر

من المعلوم أن الرجال والنساء يختلفون في كل شيء تقريبًا، حتى في الحب والحاجات العاطفية فإن الأمر كذلك يختلف.

(فعلى كل زوجة تريد حياة سعيدة أن تتعرف على قمة احتياجات زوجها، وتسأل نفسها هذا السؤال: ما أهم ما يريد زوجي مني؟ فإذا لم تجد إجابة فلتسأله هو بنفسه

وأهمس في أذن كل زوج: إنها فرصة لك، لقد آن الأوان لتتعرف ماذا تريد أنت من زوجتك، ولتعرف زوجتك ماذا تريد منها) [أوراق الورد وأشواكه في بيوتنا، أكرم رضا، (69-70)].

فالحب لدى الرجل يكون حبًا ناقصًا إن لم يحمل معه ثقة زوجته به وتقبلها لشخصيته كما هي، ويكون الحب كذلك ناقصًا لدى الرجل إن خلا من تقدير ما يبذله من مجهود وعطاء من أجل زوجته وأطفاله، وفي الناحية الأخرى تحتاج المرأة إلى ذلك النوع الخاص من الحب الذي يحمل بين طياته رعاية الزوج لها وحسن استماعه إليها، والاهتمام البالغ بمشاعرها وتقديرها واحترامها احترامًا بالغًا.

فاعلم أخي الزوج أنه بالنسبة للمرأة لا شيء أهم من المشاعر، فإدخالها في مشاعر إيجابية يعني أنك تعرف كيف تدير "سيكولوجيتها"، والمصدر الأول لأمان المرأة هو حب الرجل الحقيقي، فإذا شعرت بحب زوجها اطمأنت.

أما بالنسبة للرجل فإن الأمر يختلف عن المرأة في هذا الموضع، إذ أن الحب الحقيقي لدى الرجل هو ذلك الحب المبني على الأفعال، ولذا فقد يهمل الرجل التعبير عن المشاعر أحيانًا ولا يهتم بإظهارها وهو يظن أن ذلك لن يكون سببًا في مشكلة بينه وبين شريكة حياته المتشوقة إلى سماع كلمة حب أو غزل من حبيب قلبها وفارس أحلامها.

(إن المرأة تكون بحال جيدة حينما تشعر أنها محبوبة، وحينما تكون علاقتها بشريك حياتها على ما يرام، أما حين تشعر أنها غير محبوبة، أو بأنها غير ذات أهمية، وأنها وحيدة؛ فإن كل تلك العوامل سموم، تحطم روح الأنثى في قلبها، ولذلك فإن من جوانب السرور التي يستلطفها النساء معرفة مكانتها عند الأزواج، والتعبير عن مشاعرهم تجاههن، وإلحاحهن في طلب ذلك، والتأكيد عليه والشوق إلى سماعه مرارًا وتكرارًا دون ملل.

وتخيل معي وقع كلمات الحب لدى زوجتك؛ تطمئن على مكانتها عندك، وتبذل لك الغالي والرخيص لراحتك وسعادتك، لأنها ترى العواطف والمشاعر شيئًا هامًّا، وترى أن الله لم يخلق لنا العواطف إلا لنتبادلها ونتعامل بها، فافتح كنوز عواطفك وأعطها من مشاعرك ما يؤكد حبك، ويرضي قلبها ونفسها.

فكما أن المال جعله الله ليتداول بين الناس لا ليكنزوه، فكذلك كنوز العواطف التي تملكها في قلبك لزوجتك ولا يصل منها إليها ما يكفيها، ولهذا لا يقنعها ملكك لها وكنزها في قلبك، بل ستُشَكِّك في وجودها عندك، فأنفق من كلماتك تسعد قلب شريكة حياتك.

لا خيل عندك تهديها ولا مال فليُسعِد النطقُ إن لم يسعد الحال

فيمكن أن تذكر لزوجتك أنك معجب بابتسامتها، أو طريقة تعاملها، وتُسمِعها مثلًا: (إن السرور يشملني لأنني معكِ)، (أنا أسعد إنسان لأنكِ زوجتي)، (أنتِ أجمل امرأة في الكون)، (لا أبالي ما دمتِ زوجتي في الجنة إن شاء الله)

فالمرأة أيها الزوج الفاضل تحتاج منك إقرارًا بأنها أهم امرأة بالنسبة لك، أنها أول أولوياتك، أنك فخور بها، أنك لا تستطيع أن تتحمل فراقها، أنه لا يوجد امرأة في العالم مثلها، وأنك تحبها ولابد أن تخبرها بذلك دائمًا) [كوكب السعادة، هيام محمد يوسف].

أما بالنسبة لكوكب الرجال؛ فالحب لديهم له طعم مختلف عن طعم الحب في كوكب النساء، فحينما نتأمل في حال الرجال نجد أن أحدهم يحتاج إلى الحب وإلى المشاعر كذلك، ولكن بطريقة تختلف عن طريقة النساء، ومن ثم فإن السؤال الأهم الذي يجب أن تتعرف على إجابته كل امرأة: ما هو أهم ما يحتاج إليه الرجل من زوجته حتى يشعر بحبها الصادق له؟

والجواب، إن أهم ما يحتاجه الرجل من زوجته هو "التقبل"، أن يشعر بتقبل زوجته له وحبها لشخصيته كما هي، كذلك من أهم ما يحتاجه "الشعور بالثقة" أن يشعر بثقة زوجته فيه ودعمها له، والأمر الثالث هو "تقدير الجهود"، أن يشعر بأن زوجته تشعر بحاله وبما يقدمه من مجهود من أجل إسعادهم وأنها تقدر له ذلك وتشكره عليه باستمرار وتفتخر ببذله وعطائه أمام الناس.

إذا فهم الطرفان ذلك جيدًا وعلم كل فريق منهم ما يحتاجه الفريق الآخر وسعى جاهدًا من أجل تحقيقه له؛ فإن بيوتنا ستنقلب على الفور إلى جنة في هذه الحياة الدنيا، وما فعل السعداء من الأزوج غير ذلك، فهي ليست أمرًا شاقًا ولكن قليلًا من الأزواج يدركون ذلك.

الخلاصة...

إلى الزوجة الغالية، تتقبل المرأةُ الرجلَ يعني أنها تقبله وترضاه كما هو دون محاولة تغييره، فهي عندما تفعل ذلك يشعر أنه مقبول، وهي عندما تحاول تغييره؛ فإنه يشعر بأنه غير مقبول عندها، وبالتالي فهي لا تحبه.

ومن العبارات التي يمكن أن تؤكد بها الزوجة أنها تقبل زوجها: (أنا كريمة جدًّا بأنك هكذا، لا أريدك أن تتغير).

وهذا يستلزم طبعًا: عدم انتقاده باستمرار، أو توجيه تعليمات مستمرة، وعدم البحث عن نقاط ضعفه، وعدم تعييره بأخطائه.

وحين يشعر الرجل أنه مقبول؛ فإنه من السهل عليه جدًّا أن ينصت للمرأة، وأن تثق المرأة بالرجل يعني أنها تؤمن بأنه يفعل ما بوسعه، وأنه يريد الأفضل لزوجته، فهو يجتهد وهي تثق باجتهاده، وعندما تثق المرأة باجتهادات زوجها وقدراته ونواياه، فسيكون رد فعل الزوج أن يحبها؛ وبالتالي فهو يُبدي الاهتمام بمشاعرها تلقائيًّا.

فينبغي أن تقول الزوجة بلسان الحال والمقال: (ثقتي بك كبيرة)، (أنا أعلم أنك قادر على فعل كذا)، (سترى أنك ستنجح في فعل ذلك) ...، وغيرها من عبارات الثقة.

إلى الزوج الغالي، زوجتك ستعشقك وتذوب في حبك إن أحسنت حبها من خلال إظهار مشاعرك لها، وثنائك على جمالها وخلقها، فكلماتك المفعمة بالحب والعاطفة والأحاسيس هي تلك الكلمات التي تنفذ مسرعة إلى قلب زوجتك فتمده بمداد من الرضا والحب والعشق.

وذكاؤك كزوج يظهر في حسن اختيارك لتلك الكلمات والمشاعر التي تعبر بها عن حبك لها، كما فعل كريم في القصة التي ذكرناها سالفًا، فهيا حدد بسرعة تلك الجرعات التي ستمد بها زوجتك في الصباح وفي المساء وأثناء تواجدك في العمل.

ففي الصباح وقبل النزول إلى العمل، ما أجمل أن تخبر زوجتك بتلك الكلمات (حبي لكِ يتجدد كل يوم)، (أتمنى أن أبقى بجوارك دائمًا)، (سأشتاق إلى حبيبتي كثيرًا هذا اليوم).

وأثناء العمل ـ من خلال الهاتف ـ (حبيبتي أشتقت إليك كثيرًا)، (لا أستطيع أن أكمل العمل دون الاستماع إلى صوتك).

وعندما تعود فليكن حضنك الدافئ هو أول ما تلتقي به زوجتك مع كلمات الحب والغزل، وبهذا تمنح زوجتك كثيرًا مما تريده منك، فلا تبخل بإسماعها ما تحب.

فإن قام الأزواج بواجبهم تجاه زوجاتهم وقامت الأزواج بواجبهن تجاه أزواجهم نبت المعروف بينهم وتحولت عشرتهم إلى عشرة بالمعروف تلك العشرة التي تمثل (المظلة والمنهج الذي تسير عليه الحياة الزوجية؛ سواء عند أداء الواجبات والمطالبة بالحقوق، أو كمنهج تسير على هديه الحياة داخل البيت) [بالمعروف، أكرم رضا، ص(11)].

المصادر

كوكب السعادة، هيام محمد يوسف.

أوراق الورد وأشواكه في بيوتنا،أكرم رضا.

م / ن

هل فى مثل هذا الحنان الان

» في هذه الصورة يوجد قط
» من منا لا يوجد عنده أصدقاء ؟
» لا يوجد إنسان محروم
» هل يوجد الآن مثل هذا الصديق؟ (( قصة حقيقية ))
» سامح .. لانه لا يوجد .. أرقى من التسامح