م أ56: مقبرة أوسرحت

م أ56: مقبرة أوسرحت

موضوع مقبرة أوسرحت موضوع قياسي، إذ يهيمن على أدوات الفنان ألوان خافتة مملة مع توكيد شديد على الوردي، والعديد من الجدران قد تضررت على نحو خطير أو طمست. ولكن هناك ثلاثة مناظر تتعامل مع مواضيع غير عادية- الصيد والحلاقة ووسم الماشية- وهي مرسومة رسما جيدا يجعل المقبرة تستحق الزيارة.

تقع م أ 56 بالقرب من سفح تل الشيخ عبد القرنة، على بعد أمتار قليلة جنوب رع موسى (م أ 55)، غرب مقبرة خائم حت مباشرة (م أ 57). وكان السبيل إليها ميسرا منذ بداية القرن التاسع عشر على الأقل.

تتميز المقبرة بخطة نمطية على شكل حرف تي، ولكنها شقت 180 درجة عن التوجه العادي لمشاكل تعود إلى طبيعة الأرض الجيولوجية. ولذا فإن المناظر التي عادة ما تبدو على الجدار الغربي للمقبرة قد رسمت هنا على شرقه. وسوف نشير إلي الجدران بالأيسر والأيمن الأمامي والخلفي لكي يقل اللبس إلى أدناه.

حمل أوسرحت لقب الكاتب الذي يُحصي الخبز في مصر العليا والسفلى، مما يعني أنه كان مسئولا عن حصر وجرد الحبوب التي جاءت إلي المخابز الملكية، وإحصاء أعداد الأرغفة التي أنتجتها، عاملا على الحد من السرقة والبوار والإهدار والتبديد، ومن ثمَّ ضمان أن يكون الخبز موزعا توزيعا صحيحا. ومثل هذا المنصب مثال جيد على التنظيم المحكم الدقيق في مصر إبان الدولة الحديثة وبيروقراطية الإدارة الصغيرة.

الغرفة الأولى الجدار الأمامي الأيمن يقف أوسرحت مع زوجته، موت نفرت، وإحدى بناتهما أمام قرابين محروقة متراكمة عاليا على أربعة حوامل من المرمر. هو يصب المرّ على القرابين ليحلّي الدخان الذي سيصعد إلي السماء ليكرم أوزير وحتحور. والقرابين من النوع المألوف المعروف: أرغفة الخبز، ورؤوس الخس، والخضروات، وقطع من لحم البقر. يبدو جلد أوسرحت البني ورديا من خلال الثوب الشفاف الذي يرتديه على النقبة المنجاة. من خلفه زوجته وابنته تقفان بعبائتين ضيقتين عليهما، ترتديان الشعر المستعار والمجوهرات، وتقدمان باقات من الزهور. يتضح في العديد من الأعمدة النصية أنها مسحت أو رسم عليها. فقد رسم الرهبان المسيحيون الأوائل الصليب بإتقان على أوسرحت.

إلي اليمين، يفحص أوسرحت خمسة سجلات من الماشية ونشاط الحصاد. في السجلين العلويين، تساق الماشية قدما كي يعدها كتبة الحكومة كجزء من الإحصاء الرسمي، في القمة، تطفر العجول مرحا حول الحقول والعشب والأشجار الصغيرة، ولكن في السجل الأدني قد أجبرت على اتباع موكب أكثر تنظيما لكي يسهل عدها. إلي اليمين، بقرة تلعق عجلها بتحبب. في السجل الأدني الثالث، قد طوقت الماشية بأناشيط وربطت أرجلها. تستخدم المكاوي الساخنة لوسم أكتافها اليسرى. إلي يمينها خدمان يسجدان أمام أوسرحت، يقبلان الأرض عند قدميه وهما مستعدان لتقديم تقرير الإحصاء.

في السجل الرابع تسع رجال يحملون سلالا كبيرة من الحبوب تحت أعين المشرفين التي تحرسها، ويدون الكتاب ثانيا كم الكميات التي تسلم. في السجل الأسفل الذي تلف تلفا كثيرا يقوم المزارعون بحصد حقول الكَتّان.

جدار النهاية اليسرى لُـوّن باب وهمي بحيث يحاكي الغرانيت الأحمر، وهو مادة أقيم بكثير من الحجر الجيري. فوق الباب الوهمي، زوجان جالسان أمام أكوام عظمية من قرابين الطعام. ولدينا العديد من الأسماء، لكن لا نعرف علاقة هذه الأزواج بأوسرحت أو زوجته. عن يسار ويمين الباب الوهمي، يطهر الكهنة أوسرحت في المراحل الأولى من شعيرة فتح الفم.

الجدار الخلفي الأيسر من الغرفة قد تلفا تلفا شديدا ولكن إلي جوار المدخل يتلقى أوسرحت وزوجته قرابين من أطفالهما. وهذا منظر أكثر رسمية، يتسم في رسمه بنظامية أكثر من المعتاد، ولكن قردا صغيرا يأكل تينا تحت كرسي موت نفرت، يُضفي لمسة من الخفة والدعابة. بجواره سلة مخروطية قد رسمت رسما أنيقا.

على الجانب الأيمن من الجدار الخلفي جنود حملوا السلال كميات من الخبز لتوزيعها على القوات. وقد تطلبت وظيفة أوسرحت الإشراف على الأنشطة. في السجلين العلويين، ضباط يتميزون بحُسْن الهندام يشرفون على حصصهم من الخبز والجعة والنبيذ. وبعضهم يمسكون أزهارا من اللوتس إلي أنوفهم ( فقد كان شرب النبيذ واستنشاق أزهار اللوتس يُحدث أثرا تخديريا طفيفا). دون ذلك، جنود عاديون يحملون سلالا كبيرة من الخبز كي يفتش عليها مسئول يوحي سوطه بأنه يتوقع أن يكشف مخالفة مألوفة في الكميات. إلي اليسار في السجل الأعلى، جنود يمشون عبر حقل مغطى بالأشجار نحو ضباط يحملون عصيا، رموزا لمراتبهم. يمسك الجنود حقائب خاوية في أيديهم، مستعدين لتلقي جراياهم من الطعام اليومي من المخزن الماثل وراء الشجرة على اليمين.

في السجلين أسفل هذا، ينتظر المجندون في كسل دورهم للحلاقة. بعضهم يجلسون على كراسيّ، مثل الرجلين الذين ينتظران كرسيا أسفل يمين، بينما يجلس آخرون على الأرض، والبعض يأخذون سنة من النوم تحت شجرة، ويبدو على جميعهم علامات الملل. اثنان من الحلاقين في أيديهم الشفرات، وسلاطين الماء عند أقدامهم، يحلقون رؤوس كل مجند في دوره. وهي مناظر من الحياة نستطيع أن نرى مثلها في قرى صعيد مصر المنعزلة الصغيرة حين ينصب حلاق متنقل محله ويأتي إليه الرجال لحلاقة الشعر والذقن، ويتاسمرون ويخوضون في القيل والقال ويناقشون كرة القدم في انتظار دورهم.
على الطرف الأيمن من الجدار الخلفي، يجلس الملك أمنحوتب الثاني في كشك متقن يتلقى القرابين من أوسرحات المتوفى. هنا يظهر أوسرحات بشعر أحمر، وهي سمة تصاحب الرب سيث. ليس من العادي رؤية صورة ملكية مع حراس شخصيين، ولكن الرجال المنحنين عند جدار النهاية على يمين الفرعون قد يكونون حراسا.

على جدار النهاية اليمنى لوحة أعلاها دائري مرسومة يحيط بها حاملو القرابين وعليها قرص الشمس المجنح وصورة أوزوريس. لم يكتب عليها نص. وهناك تجويف صغير قد قطع. في ما عدا هذا الجدار وهي الآن مغطاة بشبكة من السلك. وإذا كان معك ضوء كشاف، فالتـنظر بالداخل، فالتجويف مليء بقوالب الخبز الفخارية التي ربما كان يمتلكها أوسرحات نفسه.

على الجدار الأمامي الأيسر من الصالة المستعرضة أوسرحات، تتبعه زوجته، يقف ثانيا أمام أكوام مرسومة جيدا من قرابين الطعام. إلي اليسار يجلس ثلاثة نساء مع أطفالهن على حجورهن- فتاتان وولد. النساء هن المرضعات اللائي يعتنين بأطفال أوسرحات. لاحظْ كيف أن ذراع الرجل على اليمين تمتد وراء الإمكانية التشريحية للبسط وراء زميله وتقدم زهرة لوتس إلي الأطفال.

المدخل إلي الصالة الطويلة عتب هذا الباب المتقن الصنع لها إفريز مجوف وتحته مَشاهد أوسرحت وأوزوريس وأنوبيس. وأعمدة النص على العضادتين تسرد القرابين المعروفة.

الصالة الطويلة، الجدار الأيسر مناظر الصيد التي تظهر هنا هي أفضل المناظر رسما في و م 56. يقف أوسرحت بثقة في عربته ولجام مربوط حول وسطه بينما ينساق حصانه بأقصى سرعة عبر سطح الصحراء الوعر. وضع كهذا كان مستحيلا في الحياة، بالتأكيد لا بد أن أوسرحات كان يركب مع صاحب عربات خبير، وحتى حينئذٍ يمسك جيدا حرصا على الحياة العزيزة – ولكن هذا صيد بأسلوب مثالي، لايمكن أن يتطرق إليه الخطأ، حيث يستطيع أوسرحات أن يثبت قدميه، أو أن يشُدّ قوسه وأن يصوب وأن يقتل فريسته التي لا يمكن أن تفر من قوته الهائلة.

مناظر الصيد كهذه كانت شائعة في المقابر المصرية من عصور ما قبل الأسرات فما بعدها، ولكن نادرا ما رسمت بمثل هذه الحيوية والثقة بالنفس والحد الأدنى من الجلبة والفوضى كما حدث هنا. فلم توضع فرشاة رسم واحدة في غير مواضعها، وخوف الحيوانات واستعراض عضلاتهم، وسكرات موت تلك التي ضربت وتنزف يمكن أن نلمسه. ببساطة بالتخلي عن استخدام خطّ أرضي ورسم الحيوانات في اضطراب وفوضى عارمة على الجدار، قد نقل الفنان خوفها وقد جائتها سكرة الموت. في الواقع، المنظر حسن دقيق الإنشاء: فلمسات الفرشاة، والأوضاع، والمواضع تجذب المشاهد مباشرة إلي قلب الحدث. الأرانب تقفز عاليا في الهواء آذانها الطويلة ترفرف، تتسابق فوق غزال في حالة ذهول والدم يتدفق من جروحها.

ثعلب قد وضع نفسه على شجرة شائكة صغيرة كأنها سيخ محاولا الفرار من المذبحة. ولما كان أضعف من أن يتحرك فهو ينزف حتى الموت.
من الصعب أن تصدق أن منظر الصيد الرائع هذا قد رسمته نفس اليد التي رسمت الأسماك العادية وصيد الطيور في المشهد الذي يليه، رغم أنه من الواضح قد كان ذلك كذلك. يبدو منظر الصيد بائخا خبط عشواء ويفتقر إلي التفاصيل التي جعلت من المشاهد المشابهة في مقبرتي منة ونخت لآليء في غاية الروعة. حتى الرهبان الأقباط الأوئل الذين زارو المقبرة في وقت مبكر رأوا أن المنظر كان يحتاج إلي تحسين: فقد رسموا حيوانات ذوات أربع من غير إتقان على زوارق البردي.

يعتقد علماء المصريات الذين قاموا بدراسة مقبرة أوسرحات أن ثلاثة فنانين قد عملوا هنا، وأن الفنان الذي رسم المناظر على هذا الجدار كان هو أيضا مسئولا عن الجدار الخلفي الأيمن، وجدار النهاية اليمنى، والجدار الأمامي في أقصى اليمين من الغرفة الأولى. وفنان ثانٍ كان مسئولا عن بقية الغرفة الأولى، وثالث تعهد العمل على الجدار الأيمن من الصالة الطويلة.

هناك منظر لطيف للخمارين وهم يعملون. فالرجال يحاولون موازنة أنفسهم بالإمساك في الكروم، وهي متدلية من قضبان مستعرضة بينما يعصرون الخمر بدهس الأعناب في دن صلصالي ضحل. يدون الكتبة كميات الخمر المعتق ويعمل رجال في شجر يملئون السلال بعناقيد العنب. إلي يسارهم، ثلاثة رجال يسحبون عش طائر إلي جانب بردية. هذا منظر صغير قد عمل ببساطة لكن البطات الثلاثة الواقعة على مائدة مرسومة قد رسمت بمهارة وثقة. إلي أقصى اليمين يقدم أوسرحات القرابين إلي الربة رنينوتت. ومن ورائه، كان هناك منظر صيد أسماك قد تحطم الآن.

الصالة الطويلة الجدار الخلفي نيش صغير قطع في هذا الجدار الضيق الذي تجلس فيه صور أوسرحات وزوجته موتنفرت بالنقش. اليوم لا يبقى سوى صورتها.

الصالة الطويلة الجدار الأيمن على الجدار الأيمن الطويل، سلسلة من المناظر بين المراسم التي أقيمت عند وفاة أوسرحات. هي مقصورة بها مومياء أوسرحات تسحبه الماشية نحو مقبرة. يتقدم الكهنة وحاملو القرابين الموكب حاملين المعدات الجنازية والقرابين. يعول النادبون بينما تمر مقصورة، لكن الفنان فشل في تسجيل عواطف هؤلاء النسوة اللائي يتخذن أوضاعا جامدة. في السجلات أسفل هذا، كميات هائلة من القرابين مرسومة في صفوف رسمية وفي أيادي حامليها تمشي نحو المقبرة. المناظر رسمية وليس فيها شيئ من حسن الرسم- نسب صور خاطئة على سبيل المثال- لكن رسم حصان أوسرحات الوثاب المفعم بالحيوية والنشاط يبعث على البهجة والسرور. عنقه المنحني وعرفه المقصوص وذيله العالي ووضعه العصبي يعطيه شخصية. في السجل الأسفل مجموعة من القوارب في رحلة الحج إلي أبيدوس. مومياء أوسرحات في القارب الأوسط، يجرها أربعة آخرون. بعض الصور في هذا المنظر أقل رسمية في أوضاعها من الصور التي في مناظر الحج في المقابر الأخرى.

» تي تي 69 :مقبرة منه
» تي تي 52 :مقبرة نخت 436
» و م 23:مقبرة آى
» وم 47 مقبرة سبتاح
» م.ق. 100 :مقبرة رخمي رع