أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)سورة النور
الإعجاز العلمى - الأرض وعلوم البحار
د. زغلول راغب النجار
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر الثلث الثاني من سورة النور, وهي سورة مدنية, وآياتها أربع وستون, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أن الله( تعالي) هو نور السموات والأرض. وأنه( تعالي) هو الذي يهدي لنوره من يشاء, وأن... من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من التشريعات الإلهية الضابطة لسلوك المسلم في كل من حياته الخاصة والعامة; والحاكمة للعلاقات في داخل الأسرة المسلمة صونا لحرماتها.
وتبدأ سورة النور بتأكيد أنها من جوامع سور القرآن الكريم لأن الله( تعالي) فرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم بها, وفي مقدمتها تحريم الزنا, وتشريع الحدود الرادعة للواقعين في هذه الجريمة النكراء.. وتبشيعها إلي الناس كافة بقول الحق( تبارك وتعالي): الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة, والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك, وحرم ذلك علي المؤمنين( النور:3).
وتنهي السورة الكريمة عن الخوض في أعراض الناس, وتؤكد أن الخائضين في هذا الأمر بغير دليل هم من الفاسقين الذين تجدر بهم العقوبات الرادعة, وتحدد العقوبة المناسبة لهم, وتعتبرهم من الخارجين علي دين الله إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم( النور:5).
وتشرع سورة النور للملاعنة كوسيلة من وسائل درء الشبهات بين الأزواج; وتشير إلي فرية الإفك, وتبريء المظلومين من دنسها, وتغلظ العقوبة للذين افتروها. وتصفه بأنه بهتان عظيم, وتحذر من العودة إلي افتراء مثله أبدا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي: يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين, ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم, إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون, ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم (النور:17 ـ20).
وتحذر سورة النور من اتباع خطوات الشيطان لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر; وتحض السورة الكريمة علي الإنفاق لذي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله; وتنهي عن رمي المحصنات الغافلات المؤمنات, وتغلظ العقوبة علي الوقوع في هذا الجرم بقول الحق( تبارك وتعالي): إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم, يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون, يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين.( النور:23 ـ25), وتضيف السورة الكريمة الدعوة إلي طهارة المجتمعات الإنسانية مؤكدة حكم الحق( تبارك وتعالي): الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات, والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات, أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم. (النور:26).
وتنهي سورة النور عن دخول البيوت دون استئذان وسلام علي أهلها, وتضع الضوابط الشرعية لدخول البيوت بصفة عامة, وتأمر بغض البصر, وحفظ الفرج, وستر العورات, وبالاحتشام في الملبس والمظهر, وتنهي عن التبرج بزينة, وتضع الضوابط الصحيحة لحجاب المرأة المسلمة, وللزواج, كما تحرم البغاء, واستغلال الجواري للكسب المادي الرخيص من وراء هذه الجريمة المهدرة لكرامة الإنسان وذلك بقسرهن عليها, وإكراههن علي ممارستها. وتؤكد السورة الكريمة أن الله( تعالي) قد أنزل إلي الناس آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلهم وموعظة للمتقين, وتؤكد أن الله (تعالي) هو نور السموات والأرض, وأنه( تعالي) هو الذي يهدي لنوره من يشاء: وتضرب مثلا لذلك, ولله المثل الأعلي.
وتدعو سورة النور إلي عتق رقاب الأرقاء; وإلي بناء المساجد, وإلي القيام علي عمارتها وتطهيرها.. بيوتا لله في الأرض, ومنارات للدعوة إلي دين الله الخاتم, يعبد فيها الله( تعالي) وحده( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع); ويسبح المؤمنون فيها بحمده صباح مساء, لا يشغلهم عن ذلك شيء من ملهيات الدنيا, ومتعتها, وزخارفها.. وذلك طمعا في مرضاة الله, وتجنبا لسخطه, وتحسبا لأهوال يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار...!! وتبشر السورة الكريمة أهل المساجد بأن الله( تعالي) سوف يجزيهم.. أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.( النور:38).
وفي المقابل تؤكد سورة النور أن الكفار في الآخرة سوف يجدون أعمالهم التي اقترفوها في الدنيا( وهم متصورون أنها أعمال نافعة) وكأنها سراب خادع لا قيمة له, ولا نفع منه; وسوف يجدون الله( تعالي) حاضرا يوفيهم حسابهم وهو( تعالي) سريع الحساب, وأما أعمالهم السيئة فسوف يجدونها كظلمات متكاثفة يشبهها الله( سبحانه وتعالي) بالظلمات المتراكبة فوق قيعان البحار العميقة, والتي يشارك في إحداثها كل من السحاب, والأمواج السطحية, والأمواج الداخلية والتي لم تكتشف إلا في مطلع القرن العشرين, وتعتبر الإشارة إليها في سورة النور سبقا علميا للقرآن الكريم في زمن لم يكن لأحد من البشر إدراك لوجودها, بل ظلت خافية علي علم الإنسان لمدي ثلاثة عشر قرنا بعد تنزل الوحي بها, والواقف في مثل هذه الظلمات المتكاتفة لا يكاد يري شيئا من حوله ولذلك تقرر الآيات حقيقة كونية واقعة تصفها بقول الحق( تبارك وتعالي):... ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وتأتي الكشوف العلمية في السنوات القليلة الماضية مؤكدة أن كل صور الحياة فوق قيعان البحار العميقة, وكذلك بعض الكائنات الليلية علي سطح الأرض قد زودها الخالق( سبحانه وتعالي) بوسائل إضاءة ذاتية, حتي ينطبق النص القرآني في آخر هذه الآية الكونية علي الواقع المادي المحسوس, كما ينطبق علي المعني الضمني المقصود..!!.
وتؤكد سورة النور أن جميع من في السموات والأرض يسبح لله الذي له ملك كل شئ, وإليه المصير; وتستشهد علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة بتكوين السحاب الركامي علي هيئة الجبال( وبإنزال كل من المطر والبرد منه, وبنسبة تكون ظاهرة البرق إلي البرد) لأن في الإشارة إلي هذه الحقائق التي لم يصل إليها علم الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين; تأكيد علي أن القرآن كلام الله الخالق, وعلي نبوة الرسول الخاتم الذي تلقاه, وتستشهد الآيات علي ذلك أيضا بتقليب الليل والنهار, وبخلق كل دابة من ماء, وبتصنيف تلك الدواب علي أساس من طرائق مشيها, وتؤكد أن الله( تعالي) علي كل شئ قدير; وأنه قد أنزل آيات مبينات, وأنه( تعالي) يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم
وتحذر السورة الكريمة من النفاق والمنافقين, وتفصح عن شيء من دخائل نفوسهم, وما جبلوا عليه من الكذب, والمكر, والخداع, والاحتيال, والحنث في الأيمان, ونقض العهود والمواثيق( تماما كما يفعل الصهاينة المجرمون اليوم). وتقارن بين المواقف الكفرية الكاذبة الخائنة المشينة لهؤلاء المنافقين, والمواقف الإيمانية الصادقة الأمينة الكريمة للمؤمنين, وتأمر بطاعة الله ورسوله, فإن أعرض المنافقون فما علي الرسول إلا البلاغ المبين.
وتؤكد سورة النور أن وعد الله قائم للذين آمنوا وعملوا الصالحات بقوله:( تبارك وتعالي): وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون( النور:55).
وتعاود الآيات الكريمة الأمر بإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وطاعة الرسول( صلي الله عليه وسلم) خاصة في الأمر بالجهاد في سبيل الله, مؤكدة أن الذين كفروا( من أمثال الإسرائيليين المجرمين والأمريكان المتجبرين المعتدين) ليسوا بمعجزين في الأرض, وأن مأواهم جميعا النار وبئس المصير, كما تعاود الأمر بالمزيد من ضوابط السلوك في البيت المسلم, وفي حضرة رسول الله( صلي الله عليه وسلم) خاصة( كنموذج للتعامل مع القيادة الإسلامية في كل زمان ومكان) وتجعل هذا الأدب في التعامل من صفات المؤمنين, وتحذر من مخالفة تلك الأوامر درءا لفتن الدنيا وعذاب الآخرة.
وتختتم سورة النور بالتأكيد مرة أخري أن لله ما في السماوات والأرض, وأنه( تعالي) عليم بخلقه, وأنهم جميعا سوف يرجعون إليه فينبئهم بما فعلوا في الحياة الدنيا, ويجازيهم بأعمالهم فيها إن خيرا فخير وإن شرا فشر..
ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة النور علي صدق ما جاء بها من أحكام وتشريعات ما يلي:
(1) أن الله تعالي هو نور السماوات والأرض, وأنه تعالي هو الذي يهدي لنوره من يشاء, وأن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور. وضربت الآيات مثلا للنور الإلهي( ولله المثل الأعلي).
(2) تشبيه أعمال الكافرين التي اقترفوها في الدنيا( وهم واهمون أنها أعمال نافعة) بالسراب الخادع.
(3) تشبيه أعمال الكافرين السيئة في الحياة الدنيا بالظلمات المتراكبة فوق قيعان المحيطات والبحار العميقة, والتي يشارك في إحداثها كل من السحاب, والأمواج السطحية, والأمواج الداخلية التي لم تكتشف إلا في مطلع القرن العشرين.
(4) التأكيد علي أن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور, وذلك علي مستوي كل من الحقيقة الواقعة المحسوسة, والمعني الضمني المقصود.
(5) التأكيد علي أن كل ما في السموات والأرض يسبح بحمد الله( تعالي), ويقدسه, ويمجده في عبادة إرادية أو عبادة تسخيرية لا يدركها كثير من الخلق الغافلين.
(6) الإشارة إلي تكون السحب الركامية علي هيئة السلاسل الجبلية وذلك بإزجاء السحاب, ثم التأليف بينه, ثم ركمه, وإنزال كل من المطر والبرد منه, وتكون ظاهرتي البرق والرعد فيه.
(7) التأكيد علي قدرة الله البالغة في تقليب الليل والنهار.
(8) خلق كل دابة من ماء.
(9) الإشارة الضمنية الرقيقة إلي إمكانية تصنيف الدواب علي أساس من طريقة مشيتها.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة, قد لا يتسع المجال لها ولذلك فإنني سوف أقصر حديثي هنا علي الآية الأربعين من سورة النور والتي تتحدث عن الظلمات المتراكبة فوق قيعان البحار العميقة, وأسباب تكونها, وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة.
من أقوال المفسرين
الامواج السطحية تحدث الظلمة الثانية على اسطح البحار والمحيطات
الامواج الداخلية تحدث الظلمة الثالثة فوق قيعان البحار والمحيطات
في تفسير قوله( تعالي): والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب* أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (النور:40,39).
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: هذان مثلان ضربهما الله تعالي لنوعي الكفار, فأما الأول من هذين المثلين فهو للكفار الدعاة إلي كفرهم الذين يحسبون أنهم علي شئ من الأعمال والاعتقادات, وليسوا في نفس الأمر علي شئ فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يري في القيعان من الأرض من بعد كأنه بحر طام; والقيعة جمع قاع كجار وجيرة, وهي الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب, يري كأنه ماء بين السماء والأرض, فإذا رأي السراب من هو محتاج إلي الماء يحسبه ماء قصده ليشرب منه, فلما انتهي إليه( لم يجده شيئا), فكذلك الكافر, يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا, فإذا وافي الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش علي أفعاله لم يجد له شيئا بالكلية, كما قال:( وقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا), وقال ههنا:( ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب, وفي الصحيحين: أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن الله, فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من ولد ماذا تبغون؟ فيقولون: يارب عطشنا فاسقنا, فيقال: ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضه بعضا فينطلقون فيتهافتون فيها. وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب. فأما أصحاب الجهل البسيط, وهم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون فمثلهم كما قال تعالي:( أو كظلمات في بحر لجي) قال قتادة:( اللجي) هو العميق,( يغشاه موج من فوقه موج, من فوقه سحاب, ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) أي لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام, فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي لا يعرف حال من يقوده, ولا يدري أين يذهب, بل كما يقال في المثل للجاهل: أين تذهب؟ قال: معهم, قيل فإلي أين يذهبون؟ قال: لا أدري, وقال ابن عباس رضي الله عنهما( يغشاه موج) يعني بذلك الغشاوة التي علي القلب والسمع والبصر, وهي كقوله:( ختم الله علي قلوبهم وعلي سمعهم, وعلي أبصارهم غشاوة) الآية وكقوله( وختم علي سمعه وقلبه وجعل علي بصره غشاوة). فالكافر يتقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة, وعمله ظلمة, ومدخله ظلمة, ومخرجه ظلمة, ومصيره يوم القيامة إلي الظلمات إلي النار, وقوله تعالي:( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) أي من لم يهده الله فهو هالك جاهل بائر كافر, كقوله:( ومن يضلل الله فلا هادي له) وهذا في مقابلة ما قال في مثل المؤمنين( يهدي الله لنوره من يشاء) فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نورا, وعن أيماننا نورا, وعن شمائلنا نورا, وأن يعظم لنا نورا.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) ما نصه:...( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) جمع( قاع) أي فلاة, قاله الهروي, والصحيح أن( القيعة) مفرد مثل( القاع) وجمعهما( قيعان) وهو( أي: السراب) شعاع يري فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري( يحسبه) يظنه( الظمآن) أي: العطشان( ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا) مما حسبه, كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقة ينفعه حتي إذا مات وقدم علي ربه لم يجد عمله, أي: لم ينفعه( ووجد الله عنده) أي: عند عمله( أي: لم يجد ما توقعه وما كان يعبده من دون الله في الدنيا بل وجد أن الله وحده هو الحق, ولم يجد محاسبا له علي عمله غيره فحاسبه)( فوفاه حسابه) أي: جازاه عليه في الدنيا...( والله سريع الحساب) أي: المجازاة( أو) الذين كفروا أعمالهم السيئة( كظلمات في بحر لجي) عميق( يغشاه موج من فوقه) أي: الموج( موج من فوقه) أي: الموج الثاني( سحاب) غيم, هذه( ظلمات بعضها فوق بعض) ظلمة البحر, وظلمة الموج الأول, وظلمة( الموج) الثاني, وظلمة السحاب( إذا أخرج) الناظر( يده) في هذه الظلمات( لم يكد يراها) أي: لم يقرب من رؤيتها( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) أي: من لم يهده الله لم يهتد.
وجاء في تفسير الظلال( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه: والتعبير يرسم لحال الكافرين ومآلهم بمشهدين عجيبين, حافلين بالحركة والحياة. في المشهد الأول يرسم أعمالهم كسراب في أرض مكشوفة مبسوطة, يلتمع التماعا كاذبا, فيتبعه صاحبه الظاميء, وهو يتوقع الري غافلا عما ينتظره هناك.. يصل فلا يجد ماء يرويه...( ووجد الله عنده)! الله الذي كفر به وجحده, وخاصمه وعاداه, وجده هناك ينتظره!...( فوفاه حسابه).. و(الله سريع الحساب...).
وفي المشهد الثاني تطبق الظلمة بعد الالتماع الكاذب, ويتمثل الهول في ظلمات البحر اللجي, موج من فوقه موج من فوقه سحاب, وتتراكم الظلمات بعضها فوق بعض, حتي ليخرج يده أمام بصره فلا يراها لشدة الرعب والظلام!.
إنه الكفر ظلمة منقطعة عن نور الله الفائض في الكون, وضلال لا يري فيه القلب أقرب علامات الهدي, ومخافة لا أمن فيها ولا قرار...(ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)... ونور الله هدي في القلب, وتفتح في البصيرة, واتصال في الفطرة بنواميس الله في السماوات والأرض, والبقاء بها علي الله نور السماوات والأرض. فمن لم يتصل بهذا النور فهو في ظلمة لا انكشاف لها, وفي مخافة لا أمن فيها, وفي ضلال لا رجعة منه. ونهاية العمل سراب ضائع يقود إلي الهلاك والعذاب, لأنه لا عمل بغير عقيدة, ولا صلاح بغير إيمان. إن هدي الله هو الهدي. وإن نور الله هو النور.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه) ما نصه:( والذين كفروا) بيان لحال الكافرين بضرب مثلين لأعمالهم, بعد بيان حال المؤمنين ومآل أمرهم.( أعمالهم كسراب) هو الشعاع الذي يري وسط النهار عند اشتداد الحر في الفلوات الواسعة; كأنه ماء سارب وهو ليس بشيء, ويسمي الآل.( بقيعة) جمع قاع, وهو ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت. وفيه يتراءي السراب..( يحسبه الظمآن) الذي اشتدت حاجته إلي الماء( ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا) مما حسبه وظنه. شبه ما يعمله الكافر من أنواع البر في الدنيا التي يظنها نافعة له عند الله ومنجية له من عقابه ـ من حيث هبوطها ومحو أثرها في الآخرة, وخيبة أمله فيها ـ بسراب يراه الظمآن في الفلاة وهو أشد ما يكن حاجة إلي الماء فيحسبه ماء; فيأتيه فلا يجده شيئا فيخيب أمله ويتحسر.( ووجد الله عنده) أي وجد حكمه تعالي وقضاءه( فوفاه حسابه) أعطاه وافيا كاملا جزاء كفره; أما أجورهم عليها فيوفونها في الدنيا فقط.
(أو كظلمات) أي أعمالهم الحسنة في الدنيا من حيث خلوها عن نور الحق كظلمات( في بحر لجي) عميق كثير الماء( يغشاه) يعلوه ويغطيه( موج من فوقه موج) آخر( من فوقه) أي من فوق هذا الموج الأعلي( سحاب) قائم,( ظلمات) هذه ظلمات متراكمة( بعضها فوق بعض) ظلمة السحاب فوق ظلمة الموج فوق ظلمة البحر.( إذا أخرج يده) من ابتلي بها( لم يكد يراها) من تراكم الظلمات; أي لم يقرب من رؤيتها فضلا عن أن يراها. وقيل:( أو) للتنويع, فشبهت أعمالهم الحسنة بالسراب, والسيئة بالظلمات( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) أي من لم يشأ الله سبحانه أن يهديه لنوره في الدنيا فما له من هداية منها من أحد
وكل من أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم, وصاحب صفوة التفاسير( جزاهم الله خيرا) ذكر كلاما مشابها وإن أضاف الخبراء علي هامش المنتخب تفسيرا لظلمات البحر اللجي علي أساس من أن عواصف البحار العميقة أو المحيطات تنطلق فيها أمواج مختلفة الطول والسعة أو الارتفاع, بحيث يبدو الموج منطلقا في طبقات بعضها فوق بعض, فيحجب ضياء الشمس, لما تثيره هذه العواصف من سحب...
الدلالة العلمية للآية الكريمة
تشير هذه الآية الكريمة إلي الظلمة التامة فوق قيعان البحار العميقة والمحيطات, مؤكدة أنها ظلمة مركبة, يلعب كل من السحب, والأمواج السطحية, والأمواج الداخلية دورا أساسيا في إحداثها, وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا في مطلع القرن العشرين.
ولما كانت الشمس هي مصدر الحرارة والضوء ومختلف صور الطاقة الأخري( فيما عدا الطاقة النووية) علي سطح الأرض وعلي أسطح غيرها من أجرام المجموعة الشمسية, كان لزاما علينا الرجوع إلي المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس للتعرف علي الحواجز التي يمكن أن تعترض أشعة الشمس في طريق وصولها إلي الأرض ومن أهمها الغلاف الغازي للأرض, خاصة جزءه السفلي( نطاق المتغيرات المناخية أو نطاق الرجع) ومابه من سحب.
الظلمة الأولي تسببها السحب:
تتكون الأشعة الصادرة من الشمس من كل الموجات الكهرومغناطيسية ابتداء من الأشعة الراديوية إلي الأشعة السينية إلا أن الغالب عليها هو الضوء المرئي وكل من الاشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية, بالاضافة إلي بعض الجسيمات الأولية المتسارعة مثل الإلكترونات, وأغلب الأشعة فوق البنفسجية يردها إلي الخارج نطاق الأوزون. وعند وصول بقية أشعة الشمس إلي الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض فإن السحب تعكس وتشتت نحو30% منها.
وتمتص السحب وما بها من بخار الماء وجزيئات الهواء وهباءات الغبار وغيرها من نوي التكثيف الأخري حوالي19% من تلك الأشعة الشمسية المارة من خلالها, تحجب السحب بالانعكاس والتشتيت والامتصاص حوالي49% من أشعة الشمس, فتحدث قدرا من الظلمة النسبية.
الأمواج السطحية في البحار والمحيطات تسبب الظلمة الثانية
عند وصول ما تبقي من أشعة الشمس إلي أسطح البحار والمحيطات فإن حوالي35% من الأشعة تحت الحمراء فيها تستهلك في تبخير الماء, وتكوين السحب, وفي عمليات التمثيل الضوئي. التي تقوم بها النباتات البحرية.
أما ما يصل إلي سطح البحار والمحيطات مما تبقي من الأشعة المرئية( أو الضوء الأبيض). فان الأمواج السطحية للبحار تعكس5% أخري منها, فتحدث قدرا أخر من الظلمة النسبية في البحار والمحيطات.
توهن ضوء الشمس المرئي بمروره في ماء البحار والمحيطات
الجزء المرئي من أشعة الشمس الذي ينفذ إلي كتل الماء في البحار والمحيطات يتعرض لعمليات كثيرة من الانكسار, والتحلل إلي الأطياف المختلفة والامتصاص بواسطة كل من جزيئات الماء, وجزيئات الأملاح المذابة فيه, وبواسطة المواد الصلبة العالقة به, وبما يحيا فيه من مختلف صور الأحياء, وبما تفرزهتلك الأحياء من مواد عضوية, ولذلك يضعف الضوء المار في الماء بالتدريج مع العمق.
والطيف الأحمر هو أول مايمتص من أطياف الضوء الأبيض ويتم امتصاصه بالكامل علي عمق لا يكاد يتجاوز عشرة أمتار, ويليه في الامتصاص الطيف البرتقالي ثم الطيف الأصفر والذي يتم امتصاصه بالكامل علي عمق لا يتجاوز الخمسين مترا, ويلي ذلك الطيف الأخضر والذي يتم امتصاصه بالكامل علي عمق مائة متر في المتوسط, ويستمر الطيف الأزرق بعد ذلك ليتم امتصاصه علي عمق يزيد قليلا علي المائتي متر, ولذلك يبدو ماء البحار والمحيطات باللون الأزرق لتشتت هذا الطيف من أطياف الضوء الأبيض في المائتي متر العليا من تلك الكتل المائية.
وبذلك فإن معظم موجات الضوء المرئي تمتص علي عمق مائة متر تقريبا من مستوي سطح الماء في البحار والمحيطات, ويستمر1% منها إلي عمق150 مترا, و0,01% إلي عمق200 متر في الماء الصافي الخالي من العوالق.
وعلي الرغم من السرعة الفائقة للضوء( حوالي300,000 كيلومتر في الثانية في الفراغ, وحوالي225,000 كيلومتر في الثانية في الأوساط المائية), فإنه ل ايستطيع أن يستمر في ماء البحار والمحيطات لعمق يزيد علي الألف متر, فبعد مائتي متر من أسطح تلك الأوساط المائية يبدأ الإظلام شبه الكامل حيث لا ينفذ بعد هذا العمق سوي أقل من0,01% من ضوء الشمس, ويظل هذا القدر الضئيل من الضوء المرئي يتعرض للانكسار والتشتت والامتصاص حتي يتلاشي تماما علي عمق لا يكاد يصل إلي كيلومتر واحد تحت مستوي سطح البحر. حيث لا يبقي من أشعة الشمس الساقطة علي ذلك السطح سوي واحد من عشرة تريليون جزء منها, ولما كان متوسط أعماق المحيطات يقدر بنحو3795 مترا, وأن أقصاها عمقا يتجاوز الأحد عشر كيلومترا بقليل(11,034 متر) وبين هذين الحدين تتراوح أعماق البحار والمحيطات بين أربعة وخمسة كيلومترات في المتوسط, وبين ثمانية وعشرة كيلومترات في أكثرها عمقا. فإن معني ذلك أن أعماق تلك المحيطات تغرق في ظلام دامس.
الأمواج الداخلية هي سبب الظلمة الثالثة فوق قيعان البحار العميقة
بالاضافة إلي تحلل الضوء الأبيض عند مروره في ماء البحار والمحيطات فإن السبب الرئيسي في إحداث الإظلام التام فوق قيعان البحار اللجية( أي الغزيرة الماء لعمقها حتي لايكاد يدرك لها قاع, والمتلاطمة الأمواج لقول العرب( إلتج البحر) أي: تلاطمت أمواجه) هي الأمواج الداخلية في تلك البحار العميقة وغير المتجانسة.
وتتكون هذه الأمواج الداخلية بين كتل الماء ذات الكثافات المختلفة, وتختلف كثافة الماء في البحار العميقة والمحيطات باختلاف كل من درجة حرارته, ونسبة الأملاح المذابة فيه, وتتمايز كتل الماء في تلك المسطحات المائية الكبيرة أفقيا بتمايز مناطقها المناخية, ورأسيا بتمايز كثافتها. وتتحرك التيارات المائية أفقيا بين مساحات شاسعة من خطوط العرض فتكتسب صفات طبيعية جديدة من درجات الحرارة والملوحة بسبب تغير معدلات التسخين أو التبريد, ومعدلات البخر أو سقوط الأمطار, مما يضطرها إلي التحرك رأسيا كذلك.
وتمايز الماء في البحار العميقة والمحيطات إلي كتل سطحية, وكتل متوسطة, وكتل شبه قطبية, وكتل حول قطبية ولايتمايز الماء إلي تلك الكتل إلا في البحار شديدة العمق, ومن هنا فإن الأمواج الداخلية لاتتكون إلا في مثل تلك البحار العميقة, ومن هنا أيضا كان التحديد القرآني بالوصف بحر لجي إعجازا غير مسبوق.
وتتكون الأمواج الداخلية عند الحدود الفاصلة بين كل كتلتين مائيتين مختلفتين في الكثافة, وهي أمواج ذات أطوال وارتفاعات تفوق أطوال وارتفاعات الأمواج السطحية بمعدلات كبيرة, حيث تتراوح أطوالها بين عشرات ومئات الكيلومترات, وتصل سعتها( أي ارتفاع الموجة) إلي مائتي متر, وتتحرك بسرعات تتراوح بين100,5 سنتيمتر في الثانية لمدد تتراوح بين أربع دقائق وخمس وعشرين ساعة.
وعلي الرغم من ذلك فهي أمواج لايمكن رؤيتها بطريقة مباشرة, وإن أمكن إدراك حركتها بأجهزة ميكانيكيةوذلك بواسطة عدد من القياسات للاضطرابات التي تحدثها تلك الأمواج الداخلية, وهذا ايضا مما يجعل الاشارة القرآنية إليها إعجازا لاينكره إلا جاحد.
كذلك يبدأ تكون الأمواج الداخلية علي عمق40 مترا تقريبا من مستوي سطح الماء في المحيطات حيث تبدأ صفات الماء فجأة في التغير من حيث كثافتها ودرجة حرارتها, وقد تتكرر علي أعماق أخري كلما تكرر التباين بين كتل الماء في الكثافة, وعجز الانسان في زمن الوحي ولقرون متطاولة من بعده عن الغوص إلي هذا العمق الذي يحتاج إلي أجهزة مساعدة خاصة مما يقطع باعجاز علمي في هذه الآية الكريمة بإشارتها إلي تلك الأمواج الداخلية, وهي أمواج لم يدركها الإنسان إلا في مطلع القرن العشرين( سنة1904 م).
ومن فوق هذه الأمواج الداخلية تأتي الأمواج السطحية ومايصاحبها من العواصف البحرية والتي يحركها كل من الرياح والجاذبية والهزات الأرضية, ودوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق, وحركات المد والجزر الناتجة عن جاذبية كل من الشمس والقمر, وغير ذلك من العوامل المعروفة وغير المعروفة, وهذه الأمواج السطحية هي أحد العوائق أمام مرور كل أشعة الشمس الساقطة علي أسطح البحار والمحيطات, في مائها والوصول إلي أعماقها, ولذلك فهي أحد أسباب ظلمة تلك الأعماق, بالإضافة إلي تحلل تلك الأشعة إلي أطيافها وامتصاصها بالتدريج في الماء.
ومن فوق هذه الأمواج السطحية تأتي السحب التي تمتص وتشتت وترد إلي صفحة السماء حوالي49% من مجموع أشعة الشمس الواصلة إلي نطاق التغييرات المناخية فتحدث قدرا من الظلمة النسبية التي تحتاجها الحياة علي سطح الأرض.
فسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق:
أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.( النور:40)
والآية الكريمة جاءت في مقام التشبيه, ولكنها علي الرغم من ذلك جاءت في صياغة علمية دقيقة غاية الدقة, ومحكمة غاية الإحكام شأن كل الآيات القرآنية,ونزلت هذه الآية الكريمة في زمن لم يكن لأحد من الناس إلمام بتلك الحقائق العلمية ولابطرف منها, وظلت أجيال الناس جاهلة بها لقرون متطاولة بعد زمن الوحي حتي تم الإلمام بشيء منها في مطلع القرن العشرين.
ومع افتراض أن أحدا من الناس قد أدرك في القديم دور السحب في إحداث شيء من الظلمة علي الأرض ودور الأمواج السطحية في إحداث شيء من ذلك علي قيعان البحار والمحيطات( وهو افتراض مستبعد جد) فان من أوضح جوانب الإعجاز العلمي( أي: السبق العلمي) في هذه الآية الكريمة هو تلك الإشارة المبهرة إلي الأمواج الداخلية
(InternalWaves)
وهي أمواج لايمكن رؤيتها بالعين المجردة أبدا, ولكن يمكن إدراكها بعدد من القياسات غير المباشرة.
ومن جوانب السبق العلمي في هذه الآية الكريمة أيضا الإشارة إلي الحقيقة المعنوية الكبري التي تصفها الآية بقول الحق( تبارك وتعالي):.. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
ثم تفاجئنا البحوث العلمية أخيرا بواقع مادي ملموس لتلك الحقيقة بالإضافة إلي مضمونها المعنوي الجميل, فقد كان العلماء إلي عهد قريب جدا لايتصورون إمكانية وجود حياة في أغوار المحيطات العميقة, أولا للظلمة التامة فيها, وثانيا للبرودة الشديدة لمائها, وثالثا للضغوط الهائلة الواقعة عليها( وزن عمود الماء بسمك يصل إلي أربعة كيلومترات في المتوسط), ورابعا للملوحة المرتفعة أحيانا لذلك الماء, ولكن بعد تطوير غواصات خاصة لدراسة تلك الأعماق فوجيء دارسو الأحياء البحرية بوجود بلايين الكائنات الحية التي تنتشر في تلك الظلمة الحالكة وقد زودها خالقها بوسائل إنارة ذاتية في صميم بنائها الجسدي تعرف باسم الإنارة الحيوية
(Bioluminescence), وتنتج هذه الإنارة العجيبة عن طريق تفاعل فريد من نوعه بين جزئ لمركب كيميائي عضوي اسمه ليوسيفيرين
(Luciferin) وجزئ الأوكسجين في وجود إنزيم خاص اسمه ليوسيفيريز (Luciferase),
ويمثل هذا التفاعل الفريد عملية الأكسدة الوحيدة المعروفة لنا في أجساد الكائنات الحية التي لا يصاحبها إنتاج قدر مدرك من الحرارة, ومن العجيب أن كل نوع من أنواع هذه الأحياء الخاصة والتي تحيا في بيئات من الظلمة التامة له أنواع خاصة من المركبات الكيميائية المنتجة للضوء, وله إنزيماته الخاصة أيضا, والسؤال الذي يفرض نفسه: من غير الله الخالق يمكنه ان يعطي كل نوع من أنواع تلك الأحياء البحرية العميقة, هذا النور الذاتي؟ وهنا يتضح البعد المادي الملموس لهذا النص القرآني المعجز, كما يتضح بعده المعنوي الرفيع: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور, فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم, أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه لنا بلغة وحيه( اللغة العربية) حفظا كاملا بكل حرف, وكل كلمة, وكل آية وكل سورة, فجاء ذلك كله معجزا غاية الاعجاز فالحمد لله رب العالمين علي نعمة القرآن وصلي الله وسلم وبارك علي هذا النبي الخاتم الذي تلقاه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.