|
| محمد صلي الله علية وسلم معجزة في ذاته | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
سعد يونس Admin
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 5951 نقاط : 13515 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 19/08/2010 العمر : 59
| موضوع: محمد صلي الله علية وسلم معجزة في ذاته الجمعة 08 أكتوبر 2010, 2:17 pm | |
| موسوعة الدكتور / سيد نافع
محمد صلي الله علية وسلم معجزة في ذاته
] وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ الإسراء-85
محمد r معجزة في ذاته
إننا أمام رجل من طراز فريد إذا تحدث كان أبلغ البلغاء وإذا نطق كان أفصح الفصحاء أُعطي جوامع الكلم فهو لا ينطق عن هوي إن هو إلا وحي يوحي أدبه ربه فأحسن تأديبه علمه ربه فأحسن تعليمه لا ينم قوله الإ عن حكمه حكيم وبصر بصير مٌلَهم ، وهذه أحاديثه تشهد لنا بأنها من جوامع الكلم وإذا ذهب هذا المحدث الهادئ المٌلهم ليحارب رأينا فيه مقاتلاً فذاً فهو الشجاعة والإقدام في أبهي صورها ، رأينا فيه نابليون السماء فهو r قائدا فذاً من طراز فريد لم يجود الزمان بمثله فهو r مخطط عسكري من الطراز الأول ، يجلس إلي أصحابه ويستمع إلي آرائهم ويأخذ بأصوبها فوضع بذلك أساس الشورى في الإسلام وعدم الإنفراد بالرأي والدكتاتورية في اتخاذ القرارات .
فرسول الله r عظيم في وفاءه بالعهود والمواثيق ، عظيم في معاملته لأهل بيته وأصحابه , عظيم في تعليمه لأمته شئون دينها ودنياها ، عظيم في تأسيسه لدولة إسلاميه بهرت العالم وقتها ﴿ ولما تخلي المسلمون عن دينهم وجهلوا حقيقته وروحه واكتفوا بقشرته صاروا إلي ما هم فيه الآن من الإنحطاط والتخلف ولا عز لهم الإ في رجوعهم إلي ربهم ومعرفه روح دينهم وتمسكهم به﴾ ورسول الله r , عظيم في إدارته للأزمات والمحن ،عبقري في قيادته لجيشه ورسم الخطط والتكتيك الحربي ، عظيم في تجارته ومعاملاته ،عظيم في تأسيسه مبدأ الشورى مع أصحابه ، عظيم في مساواته بينهم ومؤاخاته لهم وجمع قلوبهم ، عظيم في وأد الفتن في مهدها ، عظيم في التجائه إلى ربه وطلبه للعون منه سبحانه وتعالي ،فقد خلف للدنيا قاده وعلماء أتقياء أوفياء , تلك هي بعض ملامح العبقرية الفذة ودلائل ألنبوه والحكمة والعصمة والتأييد فهو وبحق إستحق أن يلقبه ربه بالرحمة المهداة ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ إستحق وبحق أن يكون معلم البشرية وأشرفها على الإطلاق.
فإنزال الرسول r منزلته ومعرفة قدره عند الله لا تعني إطرائه كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فمنزلته عند أصحابه وأتباعه عاليه ومن كمال تواضعه r والنهي عن التفضيل بين الأنبياء علي وجه
التعصب والغضب فليس هذا لنا بل الله هو الذي فضل بعضهم علي بعض ورفع بعضهم فوق بعض درجات.
فقد ثبت في الصحيحين من طريق عمرو بن يحي عن أبيه عن أبي سعيد الخضري أنه قال : قال رسول الله r لا تخيروني من بين الأنبياء , فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق , فإذا موسي آخذ بقائمه من قوائم العرش , فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ؟ وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الأنصاري حين قال : لا والذي إصطفي موسي علي البشر وقال رسول الله r لا تخيروني من بين الأنبياء وهذا كما قلنا من باب التواضع والنهي عن التفضيل بين الأنبياء علي وجه التعصب والغضب , وقوله r فأكون أول من يفيق , فإذا موسي آخذ بقائمه من قوائم العرش , فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟ دليل علي أن الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات يوم القيامة حين يتجلي الرب لفصل القضاء بين عباده فيصعقون من هول الهيبه والعظمة والجلال والإجلال للخالق سبحانه وتعالي فيكون أولهم إفاقه محمد rخاتم الأنبياء والمرسلين ومصطفي رب العالمين علي سائر الأنبياء والمرسلين فيجد موسي uآخذ بقائمة العرش قال الصادق المصدوق فلا أدري أصعق فأفاق قبلي ؟ أي كانت صعقته خفيفه لأنه قد أصابه صعق في الدنيا حين تجلي الرب سبحانه وتعالي إلي الجبل أو جوزي بصعقة الطور أي لم يصعق بالكلية , وهذا فيه شرف كبير لموسي u من هذه الحيثيه ولا يلزم تفضيله بها من كل وجه ولهذا نبه رسول الله r علي شرفه وفضيلته بهذه الصفه لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال ما قال قد يحصل في النفوس هضم بجناب موسي u فبين النبي r فضيلته وشرفه , وقوله تعالي :
﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ الأعراف144 أي في ذلك الزمان وظهر شرف النبي المصطفي r ليلة الإسراء علي جميع الأنبياء والمرسلين عندما صلي بهم إماماً ورُفع إلي سدرة المنتهي فكان قاب قوسين أو أدني من مولاه .
فلا شك أنه r أفضل البشر وأعلاهم منزلة عند ربه فقال تعالي ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ آل عمران110 وما كملوا إلا بشرف نبيهم r وثبت بالتواتر عنه r أنه قال : ﴿ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ﴾ , ثم ذكر إختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون والذي تحيد عنه الأنبياء والمرسلون حتي أولوا العزم الأكملون : نوح وإبراهيم وموسي وعيسي u .
ولنستعرض جانب مما لاقاه النبي والمسلمين في بدء وجودهم بالمدينة بعد الهجرة وقدرته على إدارة الأزمات واستقرائه للواقع والمستقبل وتأسيسه لدولته ونشره لرسالته التي هي إلى العالمين جميعاً لنعرف ملامح العبقرية في ذاته الشريف .
فمن شدة المعاناة والعنت الذي تعرض له المسلمين في مكة على أيدي المشركين والمعرضين عن دين الله أمرهم الرسول r بالفرار بدينهم إلى الحبشة ثم إلى يثرب تاركين لقريش الأموال والبيوت والممتلكات التي قامت بمصادرتها فلم يكتفوا بذلك بل أمتد عدوانهم عليهم وكيدهم حتى بعد الهجرة إلى المدينة فلم يسلموا من أذى قريش وملاحقتها لهم فقد زادهم غيظاً أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمناً ومقراً بالمدينة فلم يتركوهم لحالهم بل كتبوا إلى رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول بصفته رئيس للأنصار وقتها فمعلوم أنهم كانوا قد اتفقوا عليه ليجعلوه ملكاً عليهم لولا هجرة الرسول r .
وقد كتب مشركي مكة إلي رأس النفاق وإلي أصحابه من مشركي المدينة الذين لم يدخلوا في الإسلام:
﴿ إنكم آويتم صاحبنا وإنا نقسم بالله لتُقاتلنه أو لتُخرجنه أو لنسيرن إليكم بأبجمعنا حتى نقتل مقاتليكم ونستبيح نساءكم ﴾ ولما بلغ هذا الكتاب رأس النفاق قام ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة ووجد في ذلك مبتغياه فقد كان يحقد علي النبي r لما يراه أنه سلبه حقه وملكه ، يقول عبد الرحمن بن كعب :- فلما بلغ ذلك عبد الله بن سلول ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله r فلما بلغ ذلك النبي لقيهم فقال :- ﴿ لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدوا أن تكيدوا به أنفسكم أتريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ؟!
( وتلك حكمة بالغة وشجاعة في المواجهة ووأد للفتنة في مهدها ) فلما سمعوا ذلك من النبي صلوات الله عليه وسلامه تفرقوا وامتنع عبد الله بن أبي بن سلول عن القتال عند ذلك عندما رأى خوفاً أو رشداً في أصحابه ولكن يبدوا من تصرفاته أنه كان متواطئاً مع قريش فكان لا يجد فرصة يكيد بها للمسلمين ويوُقع العداوة بين المسلمين والمشركين إلا وإنتهزها.
وكان يضم معه اليهود من سكان المدينة لعينوه على ذلك ولكن حكمة النبي r كانت تطفئ نار شرهم حيناً بعد حين . ولم تكتفي قريشاً بتهديدها وتأليب مشركي المدينة على المسلمين بل أعلنت عن عزمها على الصد عن المسجد الحرام فعندما إنطلق سعد بن معاذ إلى مكة معتمراً نزل عند أمية بن خلف بمكة فقال لأمية : أنظر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت فخرج به قريباً من نصف النهار فلقيهما أبو جهل (عمرو بن هشام) فقال لأمية : يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال هذا سعد فقال أبو جهل : " ألا أراك تطوف بمكة آمناً وقد آويتم الصباه (العيال) وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم " أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً فقال له سعد وقد رفع صوته عليه : أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه ، طريقك إلى المدينة " يقصد رحلة تجارتهم إلي الشام ومرورهم بالمدينة " .
فخطر قريش لم ينتهي بالهجرة فلقد هددت وتوعدت أهل يثرب ولم تتوقف عن تأليبهم ضد رسول الله وتأليب الأعراب عليهم الذين يقطنون حول المدينة فكان الخطر يحيط بالمسلمين جميعاً فقد روي أبي بن كعب أنه قال:-
" لما قدم رسول الله r وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحده فكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه " فقد كانت قريش تعزم علي الشر وتفكر في القيام بنفسها للقضاء علي المسلمين وخاصة علي النبي r فقد تأكد لدي رسول الله من مكائد قريش ما كان يجعله لا ينام إلا في حراسه أصحابه فروي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها:-
قالت :سهر رسول الله r مقدمه المدينة ليلة فقال : " ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة "
قالت : فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح فقال : من هذا ؟ قال : سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله ما جاء بك ؟ فقال : وقع في نفسي خوف علي رسول الله فجئت أحرسه فدعا له رسول الله r ثم نام ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان مستمراً فقد روي عن عائشة قالت : كان رسول الله r يحرس ليلاً حتي نزل قوله تعالي:- ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ المائدة67
فأخرج رسول الله r رأسه من القبة وقال :﴿ أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل ﴾
وفي هذه الظروف الخطيرة والصعبة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة وتؤكد أن قريشاً لن تفيق من غيها وبغيها عليهم وهم بالمدينة أنزل الله تعالي الإذن بالقتال.
﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39 }﴾ الحج
وكان الإذن بالقتال مقتصراً في بادئ الأمر علي قتال قريش ثم تطور فيما بعد مع تغير الظروف وجاوز قريش إلي غيرهم فمشركي قريش بدأوهم بالتنكيل والتعذيب وأجبروهم علي الفرار وصادروا أموالهم وممتلكاتهم بل وهددوهم في المدينة أيضاً ولم يتوقفوا عن بغيهم وعدوانهم فحق للمسلمين أن يقاتلوهم ويصادروا أموالهم بالمثل دون غيرهم من بقيه مشركي العرب .
** وزاد حتي شمل قتال كل من والي مشركي قريش واتحد معهم وعاونهم علي المسلمين .
** وقتال كل من إعتدي أو فكر في الإعتداء علي المسلمين .
** قتال من خان أو تحيز للمشركين من اليهود الذين كان لهم ميثاق وعهد مع رسول الله فنقضوه .
ولما نزل الإذن بالقتال رأي رسول الله r أن يبسط سيطرته علي الطريق الرئيسي الذي تسلكه قريش من مكة إلي الشام في تجارتهم وإختار لذلك خطتين :-
الأولي : عقد معاهدات الحلف وعدم الإعتداء مع القبائل التي كانت تعيش علي طول هذا الطريق الممتد من مكة إلي المدينة.
الثانية : إرسال الدوريات والبعوث للإستكشاف الواحدة تلو الأخرى إلي هذا الطريق للتعرف علي الطرق المحيطة بالمدينة والمسالك المؤدية إلي مكة ( جغرافية المنطقة )
فتلك الخطط والدوريات لدراسة ( جغرافية المنطقة ) وعقد الأحلاف كانت من عبقريته r العسكرية الفذة وتنم علي أنه رجل دولة وقيادة من الطراز الأول.
فكان r يهدف بذلك إلي إنذار قريش لكي تفيق من غيها الذي لا يزال يراودها في القضاء علي المسلمين في عقر دارهم ولتشعر بتفاقم الخطر علي إقتصادها وتاجراتها فتجنح للسلم وتمتنع عن محاولة قتال المسلمين في عقر دارهم وعن الصد عن دين الله وتمتنع عن متابعة تعذيب المستضعفين من المسلمين الذين بقوا في مكة وحتى يصير المسلمين أحراراً في إبلاغ رسالة الله إلى ربوع الجزيرة العربية وخارجها , ونزلت الآيات تحثهم على الاستعداد للمواجهة
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {60}﴾ الأنفال
فكان رسول الله يرسل خلايا الإستطلاع لمعرفة أخبار قوافل قريش والتي تحمل أموالهم وتجارتهم ليضرهم في إقتصادهم ، ويذكر أن عيراً لقريش أفلتت من النبي r وهي ذاهبة إلى الشام في جمادي الأول من السنة الهجرية الثانية خرج في هذه السرية رسول الله مع مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين ولم يرغم أحداً على الخروج , خرجوا على ثلاثين بعيراً يعتقبونها فقد جاءه الخبر من خلايا إستطلاعه وجهاز مخابراته الحربية بفصولها (خروجها) من مكة وفيها أموال لقريش فبلغ r ذا العشيرة وهو موضع بناحية ينبع فوجد العير فاتته بأيام وهذه هي العير التي خرج في طلبها حين عودتها من الشام فصارت سبباً في (غزوة بدر الكبرى) فلقد تابع الرسول أخبارها وعندما حان وقت رجوعها بعث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى الشمال ليقوما بإكتشاف خبرها فوصلا إلى الحوراء ومكثا بها حتى مر بهما أبو سفيان بالعير فأسرعا إلى المدينة وأخبرا الرسول الخبر .
وكانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها ولم يكن معها من الحراس إلا نحو أربعين رجلاً إنها فرص ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة إقتصادية قاصمة تتألم لها قلوبهم على مر العصور وليدركوا مدى قوة المسلمين بعدم مهابتهم إياهم فيكفوا عنهم ويهادنوهم ومن ناحية أخري يعوضوا خسارتهم في مكة ومصادرة قريش لممتلكاتهم عندما أجبروهم على الفرار بدينهم لذلك أعلن الرسول r في المسلمين قائلاً :- ﴿ هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ﴾ .
ولم يكره أحد على الخروج وترك الأمر للرغبة المطلقة فلم يكن يتوقع أنه سيصطدم بجيش مكة بدل العير في موقعة بدر لذلك تخلف كثير من الصحابة عن هذه الغزوة وبقوا في المدينة وهم يحسبون أن الأمر لا يعدوا ما ألفوه من السرايا الماضية لذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوة فكانت هذه إرادة الله وترتيبه أن تلتقي فئة قليلة دون عدة وعتاد فتهزم بإذن الله فئة كبيرة ذات عدة وعتاد وليمتحن الله ما في قلوب المؤمنين من ثبات وعزيمة وإيمان ويقين وتنزل سورة الأنفال بأخبار وحكمة الغزوة فيقول تعالى:-
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ {5} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ {6} وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ {7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ {8} إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ {9})وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {10} إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ {11} إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ {12} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شاقوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {13} ﴾ الأنفال
وخرج جيش المسلمين وعددهم 313 رجلاً ولا يوجد معهم إلا فرسين وكان معهم سبعين بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد. فكان الرسول r وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعقبون بعيراً واحداً. فلم يميز رسول الله r نفسه على أصحابه في موقف أبداً بل كان كأحدهم وتلك هي الحكمة والقيادة والمساواة والعبقرية وكذلك التواضع وحبه لأصحابه فضرب المثل الأعلى للقدوة الصالحة , فعن عظمته وإدارته يقول منصفي الغرب لو تولي محمد r قياده العالم أجمع لإستطاع أن يحل مشاكله كاملة دون عناء بفضل عبقريته وإخلاصه وتواضعه وكمال صفاته . فالعظماء مائه أعظمهم محمد r .
خرج r بهذا الجيش غير المتأهب للقتال طلباً للعير ووصل إلى بدر وبعث صحابيين يتجسسا له أخبار العير وكان أبو سفيان هو المسئول عن القافلة وفي غاية الحذر والحيطة فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالمخاطر وكان يتوقع من المسلمين هذه الضربة لما لا قوه من عنت وإضهاد وتشريد فكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان ولم يلبث أن نقلت له إستخباراته بأن محمد وأصحابه ينتظرونه حينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري وأرسله إلى مكة طلباً للنجدة فصاح في قريش مستصرخاَ بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه فتحفز الناس سراعاً وقالوا أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير أبن الحضرمي؟ كلا والله ليعلمن غير هذا وخرجوا ولم يتخلف منهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي فلم يخرج منهم أحداً , وكان قوام هذا الجيش المكي نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيرة وكان فيه مائة فارس وستمائة درع وجِمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط , وكان قائد الجيش المكي العام أبا جهل (عمرو بن هشام) وكان القائمون على تمويله تسعة رجال من أشراف قريش وكانوا ينحرون يوم تسعاً ويوم عشراً من الإبل , أما الجيش المدني فكان قوامه 313 رجلاً وفرسين كما أسلفنا وأعطى رسول الله لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير وكان أبيض اللون وقسم جيشه إلى كتيبتين.
** كتيبة المهاجرين: وأعطى رايتها علي بن أبي طالب ويقال لها العُقاب .
** كتيبه الأنصار: وأعطي رايتها سعد بن معاذ وكانت الرايتان سوداويين .
وجعل على قيادة الميمنة (الزبير بن العوام) وعلى الميسرة (المقداد بن عمرو).
وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش وجعل على الساق قيس بن أبي صعصعه.
وظلت القيادة العليا في يده r كقائد أعلى للجيش , إلا أنه أفلتت العير نتيجة حذر ويقظة أبا سفيان وكانت هذه هي إرادة الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى أراد أن يلتقي الجيشان لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلي وكان المسلمون يريدون العير:
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ {7} ﴾ الأنفال
فأرسل أبا سفيان رسالة إلى جيش مكة مفادها أن العير قد أفلتت ولما تلقى جيش مكة هذه الرسالة هموا بالرجوع لكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة وقال : والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم بها ثلاثاً فننحر الجذور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً ... فرجع بني زهرة ولم يشهد بدراً زهرياً واحداً وكانوا حوالي 300 رجلاً فأصبح جيش مكة ألف رجل وعاد الثلاثمائة (بني زهرة)
ونقلت إستخبارات جيش المدينة إلى رسول الله r وهو لا يزال في الطريق بوادي زافران أخبار العير وإتجاهها نحو الساحل وإفلاتها وكذلك خبر جيش مكة فتأكد له r بعد التدبر في تلك الأخبار أنه لم يبقى مجالاً لإجتناب اللقاء الدامي وأنه لابد من الإقدام والجرءة فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة تكون ذلك تدعيماً لمكانه قريش العسكرية وامتداداً لسلطتها السياسية وإضعافاً لكلمة المسلمين فيتجرأ عليهم أهل المنطقة وتضعف شوكتهم , ثم هل هناك ضمان للمسلمين بإمتاع جيش مكة عن مواصلة سيرة نحو المدينة وغزو المسلمين في عقر دراهم ؟
لذلك عقد الرسول r المجلس الإستشاري العسكري الأعلى وجمع صحابته وقادة جيشه وشرح الوضع وتبادل معهم الرأي وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس وخافوا اللقاء الدامي فلا تكافؤ بين القوتين في نظرهم , وهم الذين قال الله تعالى في حقهم :-
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ {5} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ {6}﴾ الأنفال
أما قادة الجيش وكبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قام أبو بكر t فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو t فقال : يا رسول الله إمض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ {24}﴾ المائدة
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرَك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه , فقال رسول الله r له خيراً ودعا له به وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين وهم أقليه في الجيش فأحب رسول الله أن يعرف رأي قادة الأنصار فهم يمثلون الأغلبية ولأن ثقل المعركة سيدور على عاتقهم مع أن نصوص بيعه العقبة وبنود الإتفاقية معهم لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم فقال r بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة ((أشيروا على أيها الناس)) وكان يريد رأي الأنصار وفطن إلى ذلك قائدهم وحامل لواءهم سعد بن معاذ فقال:- والله لكأنك تريدنا يارسول الله ؟
فقال : أجل , قال سعد : " لقد آمنا بك فصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضى يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً ، إنا لصبر في الحرب صُدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ", فسُرَ رسول الله r بقول سعد بن معاذ ونشطه ذلك وقال :
﴿ سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ﴾ .
ثم ارتحل رسول الله r ثم فنزل قريباً من بدر وهناك قام r بنفسه بعملية إستكشاف مع رفيق عمره أبي بكر الصديق t وتجولا حول معسكر الجيش المكي فهل هناك شجاعة وإقدام أكثر من ذلك ؟ وبينما هما يتجولان حول معسكر الجيش المكي إذا هما بشيخ من العرب فسأله الرسول r عن قريش وعن محمد وأصحابه سأل عن الجيشين للتمويه وزيادة في التكتم ولكن الشيخ قال لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما ؟ فقال له الرسول إذا أخبرتنا أخبرناك , قال : أو ذاك بذاك ؟ قال : نعم. قال الشيخ : بلغني أن محمد وأصحابه خرجوا يوم كذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا , وهو المكان الذي به جيش المدينة بالفعل , وبلغني أن قريش خرجت يوم كذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا (للمكان الذي به جيش مكة) ولما فرغ من خبره قال ممن أنتما ؟ فقال له الرسول r : نحن من ماء ثم انصرف عنه وبقى الشيخ يتفوه ما من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟ فقد صدقه الرسول rولم يفشى سر جيشه ( وفي ذلك عبقرية) وفي مساء ذلك اليوم أرسل جهاز إستخباراته من جديد ليبحث عن أخبار العدو وقام لهذه المهمة ثلاثة من قادة المهاجرين (على بن أبي طالب , والزبير بن العوام , وسعد بن أبي وقاص) في نفر من أصحابه , وذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة فألقوا القبض عليهما . وجاءوا بهما إلى الرسول r وكان في الصلاة فاستجوبوهما فقالا نحن سقاه قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره ذلك القوم وتمنوا أن يكونا لأبي سفيان فكان لا يزال عندهم الأمل في الإستيلاء على القافلة فضربوهما ضرباً موجعاً حتى أضطر الغلامان أن يقولا نحن لأبي سفيان فتركوهما , ولما فرغ الرسول من الصلاة قال لهم معاتباً إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما !! صدقا والله إنهما لقريش ثم خاطب الغلامين قائلاً:أخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدو القصوى . فقال لهم : كم القوم ؟ قالا : كثير قال ما عدتهم ؟ قالا : لا ندري قال كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً فقال : رسول الله r : القوم فيما بين التسعمائة إلي الألف , ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل عمرو بن هشام وأمية بن خلف وظلوا يعددون له بقيه أشراف قريش , فأقبل رسول الله r علي الناس فقال :-﴿ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ﴾ وتحرك رسول الله r بجيشه ليسبق المشركين إلي ماء بدر ويحول بينهم وبين الإستيلاء عليه , فنزل قريباً منه وهنا قام الخباب بن المنذر وقال يارسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ (انظر إلي الأدب الجم في مخاطبة أصحابه له r) قال رسول الله r : بل هو الرأي والحرب والمكيدة
فقال يارسول الله : إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتي نأتي أدني ماء من القوم فننزله ونغور (نردم) ما وراءه من القُلُب (الآبار) ثم نبني عليه حوضاً فنملاءه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون , فقال له رسول الله r : لقد أشرت بالرأي فنهض رسول الله r بالجيش حتي أتي أقرب ماء من العدو فنزل عليه شطر الليل ثم صنعوا الحياض وغوروا ما وراءها من الآبار.
** إدارة المعركة وبناء مقر القيادة والسيطرة وتنظيم الجيش والتعبئة المعنوية والنفسية:- وبعد أن تم نزول المسلمين علي الماء وتأمين مصدر مائهم اقترح سعد بن معاذ علي رسول الله r أن يبني المسلمون له مقراً للقيادة بمؤخره الجيش إستعداداً للطوارئ وخوفاً علي رسول الله فأثني عليه الرسول ودعا له بخير. وبني المسلمون مقر لرسول الله (خيمة) علي تل مرتفع شمال شرق ميدان المعركة ويشرف علي ساحة القتال , كما تم إختيار فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول الله حول مقر القيادة , ثم عبأ رسول الله جيشه ومشي في موضع المعركة وجعل يشير بيده r ويقول هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله .ولم يبرح أي منهم موضع مقتله كما أخبر به الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه , ثم بات رسول الله r يصلي إلي الله ويتضرع إليه سبحانه وبات المسلمون ليلتهم هادئي النفوس وغمرت الثقة قلوبهم وأخذوا من الراحة قسطهم وانتظروا وعد الله I لهم ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ الأنفال7 , وأنزل الله عليهم ماءاً من السماء ليطهرهم به وأنزل عليهم الأمنة وأذهب عنهم رجز الشيطان وربط علي قلوبهم .
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ {11} ﴾ الأنفال
فلما إطمأنت قريش بعثت عمير بن وهب الجمحي للتعرف علي مدي قوة جيش المدينة فدار حول المعسكر بفرسه ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون ولكن أمهلوني حتي أري ألهم كمين أو مدد ؟ فضرب في الوادي حتي أبعد فلم يري شيئاً فرجع إليهم فقال : ما وجدت شيئاً ولكني رأيت يا معشر قريش " البلايا تحمل المنايا " , نواضح يثرب تحمل الموت الناقع , قوم ليس معهم منعه ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أري أن يُقتل رجل منهم حتي يُقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك ؟ فروا رأيكم ﴿ أي راجعوا أنفسكم ﴾ , عندها قامت معارضة ضد أبو جهل المصمم علي المعركة﴿ فهو لا يعلم أن أجله قد حان ﴾ تدعو إلي العودة بالجيش إلي مكة دونما قتال ﴿ لكن إذا أراد الله شيئاً كان ﴾ , ثم قام عتبه بن ربيعه فخطب فيهم فقال : يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاًَ والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه الرجل يكره أن ينظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي أردتم وإن كان غير ذلك فعزه عزكم ومجده مجدكم , وانطلق حكيم بن حزام إلي أبو جهل وقال له أرسلني عتبه بكذا وكذا فقال أبو جهل : أنتفخ والله سْحُرهُ ﴿رئته﴾ حين رأي محمداً وأصحابه ﴿ أي جَبُن عن اللقاء ﴾ كلا والله لا نرجع حتي يحكم الله بيننا وبين محمداً وأصر أبو جهل علي اللقاء وتعجل حتي لا تقوي المعارضة داخل الجيش ولما تراءي الجمعان قال رسول الله r : ﴿ اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تُحادٌك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم إحنهم الغداة ﴾ ، وعندما رأي الرسول r عتبه بن ربيعه قال : إن يكن في أحد من القوم خيرُ فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا يقصد عتبه بن ربيعه فقد كان يركب الجمل الأحمر . فلقد أعلمه الله ما قاله عتبه ورغبته في العودة دون قتال ﴿ سبحانه الله ما هذا المدد وما هذه ألنصره وما هذا النور لرسول الله r﴾ , وعدل رسول الله r صفوف جيشه وأصدر أوامره إلي جيشه بألا يبدءوا القتال حتي يتلقوا منه الأوامر الأخيرة ثم أبلغهم بالخطة (خطة الحرب) فقال:- ﴿ إذا أكسبوكم ( إقتربوا منكم ) فارموهم واستبقوا نبلكم ولا تسلوا السيوف حتي يغشوكم ﴾ , (أي بدأ الحرب من موقف دفاعي) واعتمد علي الرمي بالنبل عند إقتراب العدو , ثم رجع r إلي مقر القيادة هو وأبو بكر الصديق t وقام سعد بن معاذ بكتيبه الحراسة علي مقر القيادة. أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال: ﴿ اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة , اللهم أينا كان أحب إليك وأرضي عندك فأنصره اليوم ﴾ , وهذا من دواعي الإستغراب فهم يعرفون الله ويعرفون أن بيده النصر ومع ذلك لم يؤمنوا برسوله بالرغم من كل ما جاءهم من بينات وآيات.. سبحان الله عندما يستولي الشيطان علي النفس الأماره بالسوء ينقلب الحق باطلاً والباطل حقاً وفي ذلك انزل الله تعالي :- ﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ {19}﴾ الأنفال
وبدأت المعركة بالمبارزة قتل فيها ثلاثة من خيرة فرسان المشركين وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعه والوليد بن عتبة وهم من بيت واحد فاستشاطوا غضبا ً وكروا علي المسلمين كره رجل واحد , أما المسلمون فبفضل الله تلقوا هجمات المشركين المتتالية وهم مرابطون في مواقعهم واقفون موقف الدفاع وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة وهم يقولون " أحدُُُُ أحد" ورسول الله لا يكف عن الدعاء والتوسل إلي الله : قال ﴿اللهم انجز لي ما وعدتني , اللهم إني أُنشدك عهدك ووعدك ﴾ وأوحي الله إلي ملائكته "
﴿أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ {12}﴾ الأنفال وأوحي إلي رسوله "أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين أي أنهم ردف لكم لا يأتون دفعة واحدة " ثم قال رسول الله r أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده وعلي ثناياه النقع ثم خرج الرسول r من مقر القيادة وهو يثب في درعه ويقول ﴿سيهزم الجمع ويلون الدبر﴾ ثم أخذ حفنة من الرمال فاستقبل بها قريشاً ثم قال:- ﴿شاهت الوجوه﴾ ورمي بها في وجوههم فما من المشركين من أحد الإ أصاب عينيه وأنفه وفمه من تلك القبضة وفي ذلك أنزل الله تعالي :- ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ الأنفال17 وبعد ذلك أصدر رسول الله r أوامره إلي جيشه بالهجوم المضاد فقال شدوا عليهم وألهبهم قوله r ﴿والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ، قوموا إلي جنة عرضها السموات والأرض ﴾
وعندما أصدر الرسول الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وتكبد خسائر فادحه فكان لهذه الخطة الحكيمة الأثر الأكبر في تعزيز موقف المسلمين رغم قلة عددهم وعدتهم وفي هذا أخذُُُُ بالأسباب مع تعلق القلب بمسبب الأسباب فما النصر إلا من عند الله I فقد قاموا بهجوم مضاد وكاسح جعلوا يخترقون الصفوف ويقطعون الأعناق وزادهم نشاطاً وحده أن رأوا رسول الله يثب في الدرع ويتقدم الصفوف فلم يكن أحد أقرب من المشركين منه r وهو يقول في حزم وقوه سيهزم الجمع ويولون الدبر وكان علي بن أبي طالب t يقول :- كنا إذا حمي الوطيس إحتمينا برسول الله r ( عند اشتداد المعركة وشدة الالتحام) فأي حكمة وأي إقدام وأي قدوة وأي عبقرية هذه .
ماذا حدث في أحد ؟ لنري جانباً آخراً من عبقريته r في تنظيمه لجيشه في معركة أحد فلقد وضع r خمسين من أمهر الرماة علي شعب من الجبل في خلفيه الجيش المقاتل ووجه إليهم التعليمات وحدد لهم المهام فقال لهم : ﴿ احموا لنا ظهورنا .. والزموا أماكنكم لا تبرحوها ، وإن رأيتمونا ندخل معسكر العدو فنهزمهم فلا تفارقوا أماكنكم وإن رأيتموهم يحملون علينا فيغلبوننا ويقتلوننا فلا تدافعوا عنا ، وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل ، فإن الخيل لا تقدم علي النبل ﴾ ونعلم جميعاً أن إنكسار المسلمين في أُحد كان بسبب مخالفه هؤلاء الرماة لتعليمات وأوامر الرسول ونزولهم من الجبل لجمع الغنائم ،عندما فر جيش الأعداء من أرض المعركة حسبوا أن المعركة قد انتهت وأهملوا ولم ينسوا أوامر النبي r عن قصد فقد ذكرهم قائدهم الذي أمره عليهم بتعليمات الرسول r لكن هي الدنيا وحب المال فنزلوا جميعاً إلا خمس منهم ظلوا في أماكنهم لم يبرحوها كان فيهم أميرهم لكن العدد كان غير كافي لصد هجوم جيش الأعداء عليهم فقد إلتف عليهم من الخلف خالد بن الوليد وكان قائد جيش المشركين وقتها فقتل ما تبقي من الرماة وهاجم جيش المسلمين من الخلف وقلب إنتصار المسلمين إلي هزيمة , وكانت غزوة أُحد درساً قاسياً للمسلمين إستفادوا منه الكثير والكثير فيما بعد .
ماذا فعل هذا القائد المهزوم ؟
إننا نري صورة أخري من صور الجرأة وبعد النظر والمخاطرة الدقيقة المحسوبة صورة أخري من العبقرية الفذة فلم تكد تمر أربع وعشرون ساعة حتي نراه يجمع هذا الجيش من الجرحي والهلكى ويتبع جيش المنتصرين العائد إلي مكة , فيقع في روع أبو سفيان قائد الكفار وجيشه أن محمداً جاء من المدينة بمدد جديد وعلم جيش الكفار أن محمداً قد خرج في أصحابه لطلبهم في جمع لم يري مثله قط فلقد إجتمع معه من كان قد تخلف عنه وكلهم أشد ما يكون طلباً للثأر ، وألقي الله في قلوب المشركين الرعب .
ويبلغ جيش ألجرحي والهلكى حمراء الأسد فيوقدون النيران ثلاث ليالي متتابعة موهمين الأعداء أنهم ينظمون أنفسهم إستعداداً لوثبه قاضية فتتزعزع همه أبو سفيان وينسحب بجيشه مسرعاً إلي مكة خيفة أن يفقد إنتصاره الذي حققه سهلاً في أحد بعد أن كانت الدائرة عليهم ، ويعود الجيش المكسور وقد إسترد شيئاً من كرامته وحميته التي أهدرتها الهزيمة بسبب المخالفة وحب الدنيا والمال فكانت درساً قاسياً ، هذه العملية الجريئة بكل ما تحمل الكلمة من معني كانت مخاطره مهلكة تكشف عن مخطط وقائد عسكري من طراز فريد
فماذا لو جمع العدو شمله وهاجم المسلمين في عقر دارهم ؟
ثم أن هذا القائد والمخطط العسكري نجده إذا جد الجد وإلتهب الموقف نجده يترك مكانه بالمؤخرة حيث القيادة ليقف في المقدمة حيث الحراب والنبل والسيوف من حوله والموت يحصد الرقاب وهو ثابت كالجبل لا يخشي الموت ويضرب المثل الأعلي للقادة في الإقدام والشجاعة ويلهب ذلك جيشه وترتفع روحهم المعنوية فيكونوا كالأسود المفترسة المزمجرة عن أنيابها .
ماذا حدث يوم حنين ؟ يوم أن أمطر الأعداء جيش المسلمين بوابل من النبل من فوق رؤوس الجبال في عامية الفجر أخذوهم علي غِره فأنزلوا الإضطراب والفوضى في صفوف المسلمين ففروا وتشتتوا وأطلقوا سيقانهم للريح حتي قال أبو سفيان ساخراً :- لن تنتهي هزيمتهم دون البحر وقال شيبه بن عثمان بن أبي طلحة في شماتة : اليوم أدرك ثأري من محمد .. فماذا فعل محمد ؟ وهو يري إنكسار أثني عشر ألف محارب مسلم أمامه فلم تغني عنهم كثرتهم شيئاً ؟
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {25} ﴾ ثبت هذا القائد الفذ وسط غابة الأرجل التي تهرول مذعورة من حوله وسَمَر رجليه في الأرض وجيش العدو ينزل من أعلي الجبل في ألوف يطارد المسلمين الفارين ويحصدهم حصًداً والنبي يحاول أن يندفع في وجه السيل الجارف ويحث بغلته البيضاء وابن الحارث بن عبد المطلب يرد خطامها خوفاً علي النبي r والعباس بن عبد المطلب يصيح بصوته الجهوري في الفارين يا معشر الأنصار يا معشر المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة إن محمد حي فهلموا.. ومحمد r صامد وسط الموت يصيح إلي أين ؟ إلي أين أيها الناس أنا النبي لا كذب .. اثبتوا.. وتمر لحظات تتغير فيها وجه المعركة ، يتغير فيها وجه التاريخ ، تمر لحظة تتغير فيها النتائج وتمس القلوب وقفه النبي r وصموده أمام الموت ويعود الفارين إلي أرض المعركة يتصايحون من كل جانب لبيك ... لبيك يا نبي الله ، ويلوي كل رجل عنان فرسه ليقتحم المعركة من جديد وتلتحم الأسنة وتنقلب الهزيمة إلي نصر بفضل الله سبحانه وتعالي وبفضل ثبات رسوله، وأحصي المسلمون من الغنائم في ذلك اليوم إثنين وعشرين ألفا من الإبل وأربعين ألفا من الشاه وأربعة آلاف أوقيه من الفضة وستة آلاف أسير نقلوا محروسين إلي الجعراعنه ولتعلم أي أنواع من الأعداء إنكسر في ذلك اليوم ؟ يكفي أن تعلم الحوار الذي دار بين المسلم الذي جرد سيفه ليقطع رقبة عدوه فلم يغن السيف شيئاً فقال الكافر في ثبات وصلف وسخريه " بئس ما سلحتك أمك ! .. خذ سيفي هذا في مؤخرة الرحل ، ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كذلك كنت أضرب به الرجال . ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمه ، فرب يوم والله منعت فيه نساءك " كان هؤلاء الأعداء رجالاً الواحد منهم بألف، كان الإسلام يحارب صناديد ولم يكن يحارب أشباحاً .
ولم يخف النبي r إعجابه بقائد الأعداء مالك بن عوف وكان قد هرب بعد الهزيمة وتحصن في حصون الطائف مع بقيه جيشه فأرسل النبي إليه رسولا ً من أهله يبلغه إن أتاه مسلماً أن يرد عليه السبايا من أهله ويرد عليه ماله وعليه زيادة مائه من الإبل وما كاد مالك يسمع بهذا الوعد السخي حتي انسل عائداً إلي النبي فأعلن إسلامه وأخذ أهله وماله والمائة من الإبل وهنا حنكه السياسي المخضرم الذي يحاول أن يكسب القلوب والأرواح لا الرقاب والغنائم هنا القائد العظيم الذي يعرف قدر الرجال حتي ولو كانوا أعدائه . وقد ألف النبي r بهذه الغنائم قلوب كانت منذ أيام من ألد أعدائه فأعطي مائه من الإبل إلي أبو سفيان وابنه معاوية والحارث بن قلده والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي والأشراف ورؤساء العشائر ممن أراد أن يؤلف قلوبهم بعد فتح مكة , وأعطي خمسين من الإبل آخرين للأقل شأناً ومكانه ، مما جعل الأنصار يتهامسون ، سوف يوزع والله محمد الغنائم علي قومه ، وسمع رسول الله ما قالته الأنصار فماذا فعل ؟
لقد جمعهم وتحدث أليهم فكان مما قال :-
يا معشر الأنصار ما هذا الذي سمعته ؟ ألم آتكم ضالين فهداكم الله وعاله فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟
قالوا :- بلي والله
قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟
قالوا :- بماذا نجيبك يا رسول الله ؟
قال :- أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتكم ولصُدقتم أتيتنا مكذباً فصدقناك ومهزوماً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك .
أاستكثرتم يا معشر الأنصار لعاعه من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ؟! ووكلتكم إلي إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاه والبعير وترجعوا برسول الله في رحالكم ؟ فو الذي نفسُ محمداً بيده لولا الهجرة لكنت واحداً من الأنصار ولو سلكت الناس شِعباً وسلكت الأنصار شِعباً لسلكت شِعب الأنصار .
اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال النبي r هذه الكلمات البليغة في تأثر فبكي الأنصار وقالوا ﴿ رضينا برسول الله قسماً وحظاً ﴾ , وبذلك أظهر رسول الله زهده في هذا المال الوافر الذي غنم في حنين وعلم أحبابه الزهد وجعل من هذا المال وسيلة لكسب قلوب الذين كانوا منذ أيام كفاراً ليروا في الدين الجديد وسيلة إلي ربح الدنيا وربح الآخرة , وهذا منتهي الذكاء وبعد النظر والبصيرة بقلوب الرجال وحسن السياسة للجموع المختلفة الأهواء والمصالح , هذا محمد r قد إجتمعت فيه كمالات كل شئ بلغ في كل منها الذروه فهو العابد المبتهل الذي يذوب خشوعاً ويفني حباً في ذات الله وهو المقاتل الشجاع الجرئ الذي يتعرض لجحافل الموت فيقف ثابتاً لا تهزه الأنواء والأعاصير وألوف الأبطال والفرسان يفرون من حوله .
وهذا هو المخطط العسكري العبقري الذي يرسم الخطط فيتفوق علي عباقرة التكتيك والخبرة ، وهذا هو السياسي البارع الذي يحرك الجموع ويمسك بمقاليد الأمور ويمس المشاعر ويخاطب القلوب , وهذا هو اللبق الذي ينطق بجوامع الكلم ، هو الأب والزوج والصديق الحنون ، هو صاحب الدعوة الذي أقام نظاماً وأنشأ دوله من عدم .. من قبائل وشراذم متفرقة لا تعرف إلا قطع الطرق والثأر والتفاخر بالأنساب والأحساب . هو برزخ الأسرار والمكاشف بالملكوت المتصل بالسماء الذي يستمع من الله والذي ينزل عليه الوحي وهو الذي يري الملائكة رأي العين كما نري بعضنا البعض فهل هو بهذا بشر مثلنا ؟ بالطبع لا .. فهو بشر مثلنا وليس بمثلنا .
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ الكهف110
فمن منا يوحي إليه من منا يستطيع تحمل الوحي أصلاً، من منا يستطيع أن يلتبس الملك بجسده ، من منا يستطيع تحمل نور الله ، من منا يصلي الله وملائكته عليه،من منا صعد إلي السموات العُلا وخاطبه ربه وكان قاب قوسين أو أدني ، بلغ r من العلوم ذروتها بلغ القمة في علوم الظاهر وعلوم الباطن معاً ، فهو الكريم الحليم الودود الرءوف الصبور اللطيف العشره " لم تمنعه الأعباء الجسام من ملاطفه الطفل الصغير من تحنيك الطفل الرضيع فكان يحملهم علي كتفه راكعاً ساجداً لم تمنعه مهامه من حسن عشرته لأهله وأزواجه فهو معين الحنان والمودة الذي لا ينضب لعواطفه معين .
" هذه هي الذات المعجزة ذات نبينا r فإجتماع كل هذه الكمالات في نفس واحدة معجزة وليست عبقرية فالعبقرية أن تتفوق في جانب واحد أما أن تكون عبقري في كل المجالات فتلك هي المعجزة
,, فمحمد r معجزة في ذاته ,,
فإننا أمام ذات منفردة تماماً مستوفيه لأسباب الكمال، جامعه لأقصي الكمالات في كل شئ ، فاعله ومؤثره تصنع بطلاً من كل رجل تلمسه وكأن لها أثر أقوي من السحر في كل من حولها ، ثم في التاريخ فلقد غير مجري التاريخ علي الكره الأرضية ..
نحن إذن لسنا أمام بشر عادي كما يفهم البعض وكما يتوهم البعض .. فمن فهم ذلك فقد ظلم نفسه وظلم نبيه r ونقصه قدرة ، نحن أمام ذات منفردة مؤدبه من لدن الله سبحانه وتعالي متصلة بالسماء تتلقي المدد الإلهي ، نحن أمام ذات تسبح وتقدس من أنشأها في الأزل وبعثها للأبد رحمه للعالمين ،
صلوات الله وسلامه عليه "
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ الأحزاب56" صلوات الله وسلامه عليك يا علم الهدي يا من تعجز الألسن عن ذكر مناقبك تلك كانت لمحة من عبقريته r والمتابع لسيرته r يجد في كل موطن وفي كل تصرف من تصرفاته العبقرية الفذة في كافة جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية والتربوية والإقتصادية والعلمية هذا إلي جانب رسالته السامية رسالة السماء وشرع الله الذي تولي تبليغه لعباده فكان وبحق رحمة الله للعالمين أخرج الله به عبادة من ظلمات الجهل إلي نور العلم واليقين .
" فاللهم ارزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل تقر به عينه ل | |
| | | عبدالجواد عضو / ة
الساعة الأن : عدد المساهمات : 23 نقاط : 23 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 28/09/2010
| موضوع: رد: محمد صلي الله علية وسلم معجزة في ذاته السبت 30 أكتوبر 2010, 6:49 pm | |
| | |
| | | nanoo المشرفة المميزة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 42 نقاط : 58 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/07/2011 العمر : 41
| موضوع: رد: محمد صلي الله علية وسلم معجزة في ذاته الأحد 17 يوليو 2011, 10:53 pm | |
| | |
| | | | محمد صلي الله علية وسلم معجزة في ذاته | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر | |
المواضيع الأخيرة | » حتى لا يفترق الزوجان ( هناك 60 سببا للطلاق)الإثنين 17 نوفمبر 2014, 2:52 pm من طرف مرموقة2000 » أسرار النوم في أحدث الاكتشافات العلميةالخميس 10 أبريل 2014, 7:59 pm من طرف سعد يونس» ظاهرة راينود برودة الأطرافالخميس 10 أبريل 2014, 7:59 pm من طرف سعد يونس» فن معالجة الأخطاء الخميس 10 أبريل 2014, 7:58 pm من طرف سعد يونس» أعراض مبكرة للسرطان يتجاهلها الرجالالخميس 10 أبريل 2014, 7:57 pm من طرف سعد يونس» كنز من المعلومات حول فوائد بعض المشروبات العشبيةالخميس 10 أبريل 2014, 7:57 pm من طرف سعد يونس» البصل صيدلية الفقيرالخميس 10 أبريل 2014, 7:56 pm من طرف سعد يونس» حدث في مثل هذا اليوم ( متجدد ان شاء الله )الخميس 11 أبريل 2013, 1:01 am من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 11\4\2013الخميس 11 أبريل 2013, 1:01 am من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 23\3\2013السبت 23 مارس 2013, 1:24 pm من طرف خالتى بامبة» حدث في مثل هذا اليوم 22\3\2013الجمعة 22 مارس 2013, 7:28 am من طرف خالتى بامبة» حدث في مثل هذا اليوم 12\3\2013الإثنين 11 مارس 2013, 11:02 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الثلاثاء 12/3/2013الإثنين 11 مارس 2013, 10:58 pm من طرف نور القلوب» حظك اليوم ( متجددة دائـــــــــــــــما )الإثنين 11 مارس 2013, 10:57 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الاثنين 11/3/2013الأحد 10 مارس 2013, 11:17 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 11\3\2013الأحد 10 مارس 2013, 11:14 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الاحد 10/3/2013الأحد 10 مارس 2013, 10:20 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 10\3\2013الأحد 10 مارس 2013, 10:14 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم السبت 9/3/2013الجمعة 08 مارس 2013, 11:58 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 9\3\2013الجمعة 08 مارس 2013, 11:54 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الجمعة 8/3/2013الخميس 07 مارس 2013, 11:50 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 8\3\الخميس 07 مارس 2013, 11:45 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 3\3\السبت 02 مارس 2013, 10:47 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 2\3\السبت 02 مارس 2013, 10:44 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الاحد 3/3/2013السبت 02 مارس 2013, 10:42 pm من طرف نور القلوب» حظك اليوم 2/ 3 / 2013الجمعة 01 مارس 2013, 11:07 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الجمعة 1/3/2013الخميس 28 فبراير 2013, 10:54 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 1\3\2013الخميس 28 فبراير 2013, 10:51 pm من طرف نور القلوب» ابراج اليوم الخميس 28/2/2013الأربعاء 27 فبراير 2013, 11:52 pm من طرف نور القلوب» حدث في مثل هذا اليوم 28\2\الأربعاء 27 فبراير 2013, 11:51 pm من طرف نور القلوب |
| |
مصر الأمن والأمان |
|
مركز تخميل اولاد حارتنا |
|
|