من هو الشهيد المجاهد يوسف السركجي ؟؟؟
لن تبكي ارض فلسطين رجلا مثلما تبكيك يا أبا طارق ، سيذكرك سوق محني يهودا وشارع بن يهودا في القدس وان ترسل إليهما قوافل الاستشهاديين في أيلول من العام 1997 ، وستذكرك خلية شهداء من أجل الأسرى وهي تلحق بالعدو العار تلو العار
الميلاد والنشأة
من مواليد نابلس جبل النار في العام 1961 لغائلة محافظة معروفة بهدوئها واخلاقها الكريمة ومتزوج من خيرة الاخوات الصابرات المؤمنات "ام طارق" وله من الاولاد اثنين البكر طارق 16 عاما ومعاذ 15 عاما وكلاهما في طلاب في المدرسة الاسلامية بالمدينة بالاضافة لكريماته " شهد" 12 عاما وصفاء"9" اعوام.
مسيرته التعليمية
تلقى علومه الاساسية والثانوية في مدارس نابلس ثم نال شهادة البكالوريس في الشريعة من الجامعة الاردنية بعمان وتتلمذ على ايدي علماء وقادة اسلاميين بارزين منهم الشهيد الدكتور عبد الله عزام رحمه الله والدكاترة الاساتذة احمد نوفل وفضل عباس ومحمد عويضة وآخرون ولكن اخرت المخابرات الاردنية تسليمه شهادته الجامعية عقوبة له على نشاطه في العمل الاسلامي في الجامعة وصويلح كما نال درجة الماجستير في الشريعة من جامعة النجاح الوطنية .
الاعتقال والابعاد
اعتقل مرات عديدة في سجون الاحتلال الظالم ومن ثم ابعدته سلطات البغي الصهيوني مع 417 من قادة وكوادر حماس والجهاد الى لبنان عام 1992 فيما اعتقل بعد الابعاد في العام 1995 لدى الصهاينة في سجن عسقلان وعانى من المرض اثناء التحقيق ووصل لدرجة اقرب من الفشل الكلوي ما دعاها لاطلاق سراحه وابعاده الى غزة وبعد توسط لدى المحتلين من السلطة اعيد الى نابلس بعد عدة ايام وادخل الى المستشفى وتم استئصال احدى كليتيه.
كما اعتقل لدى سلطة الحكم الذاتي اكثر من مرة على خلفية اعترافات من الشهيدين نسيم ابو الروس وجاسر سمارو اللذين كانوا مسؤولين عن معمل للمواد المتفجرة بحي وادي التفاح بنابلس .
ولقد عانى بشدة من التحقيق اثناء وجوده في مسالخ التحقيق لدى السلطة وتدهورت صحته حتى كاد ان يموت من التعذيب كما ذكرت عائلته ونشرت الصحف الفلسطينية تقارير عن وضعه آنذاك.
كما واعيد للتحقيق اكثر من مرة لدى الامن الوقائي في اريحا بعد نقله من سجن جنيد بنابلس وكان كلما اعتقل عنصرا من كتائب القسام اعادوا الشيخ ابو طارق للتحقيق في اريحا ونابلس ووجهت له تهم بالمسؤولية عن كتائب القسام في الضفة اثناء التحقيق.
واخيرا اختفى عن الانظار عقب اطلاق سراحه مع قادة وكوادر حماس والجهاد من سجن جنيد قبل عام اثر قصف الصهاينة الشهير لغزة ورام الله.
القائد الذي غير مجرى الانتفاضة
لن تبكي ارض فلسطين رجلا مثلما تبكيك يا أبا طارق ، سيذكرك سوق محني يهودا وشارع بن يهودا في القدس وان ترسل إليهما قوافل الاستشهاديين في أيلول من العام 1997 ، وستذكرك خلية شهداء من اجل الأسرى وهي تلحق بالعدو العار تلو العار ، وسيذكرك محمود أبو هنود وقد لازمته منذ وخططت معه جميع مراحل جهاده وانطلقتما غير عابئين بالجيش الذي لا يقهر ، سيذكرك القائد عادل عوض الله وأنتما تسهران الليل لتبنيا أسسا قسامية لا يمكن ان تجتثث بعد ان آتى الزرع آكله ،لقد عرفه أهالي عصيرة الشمالية خطيبا مفوها وعرفته نابلس إماما لمسجد السلام يطرب بعذب كلامه القلوب ، ويغسل عنها ادرانها ، عرفه الناس ضحوكا مبتسما يمازح الآخرين دائما حتى وان لم يكن يعرفهم فانطبعت صورته في القلوب واحبه الناس بشغف ، انه القائد الكبير الشيخ يوسف السوركجي ،لقد جمع بين حنكة جعلته في قمة الهرم الحمساوي وشدة أضحى من خلالها راس الهرم القسامي وبساطة جعلته محبوبا بين الناس ، لقد بدء عطاءه منذ بداية شبابه في الأردن وهو يدرس العلوم الإسلامية في الجامعة الأردنية ويتتلمذ على يد أستاذه الشيخ الشهيد عبد الله عزام ، فكان أحد ابرز رموز الدعوة هناك مما جعله ملاحقا من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية لعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين إلا ان شيئا ما لم يفتت من عضده ، إذ ما لبث ان عاد الى فلسطين ليشهد نمو المارد الإسلامي فيها ويلحظ هذا الغرس وهو يكبر ويكبر حتى استأصل على الاقتلاع ، وما ان اطمأن على الغرس الحمساوي حتى بدء يربي بالغرس القسامي ، وبالتالي فليس غريبا ان تتباهى (إسرائيل) بعملية الاغتيال قائلة أنها دمرت هيئة أركان حماس " إلا أنها أغفلت ان هذا الرجل ورفاقه لم يكونوا سوى أساتذة لهم عشرات التلاميذ ممن يضرون أنفسهم الآن للثار لدماء الأستاذ ،لقد عرفت المخابرات الصهيونية السيخ يوسف عن قرب ، فلقد تعرض للإبعاد الى مرج الزهور عام 1992 مع 417 من إخوانه وتعرض للاعتقال مرارا وتكرارا على يديها ، إلا أنها لم تستطع مرة واحدة ان تنتزع منه كلمة أو اعترافا يدينه أو أحدا من اخوته ، فكان سدا منيعا يحجب عن العدو مبغاه مما عرضه للتنكيل في أقبية التحقيق والتي كان آخرها صيف عام 1995 عندما فقد إحدى كليتيه من شدة التعذيب ،إلا ان هذا الفصل من المعاناة على يد المحتل الغاصب لم يكن الوحيد في معاناة هذا الشيخ القائد ، فقد كان للسلطة الفلسطينية نصيب كبير في معاناته فقد عرفته سجونها واحدا تلو الآخر منذ العام 1997 أي بعد عمليات سوق محني يهودا واتهم خلالها بالمسئولية عن تلك العمليات ، وبقي بعدها وطوال ثلاثة أعوام ونصف في سجن جنيد في نابلس يتعرض للتحقيق المتواصل على يد جهاز الأمن الوقائي ، فكلما كشفت خلية عسكرية لحماس أو حدث هجوم ما أعيد الشيخ الى التحقيق ،ولعل سبب استشهاده في تلك المنطقة تحديدا " المعاجين " هو بسبب هروبه من أعين السلطة الفلسطينية التي نشطت في ملاحقته في الفترة الأخيرة.
السركجي الرجل الذي غير مجــرى الانتفاضـة
يوسف السركجي ، رجل ليس كباقي الرجال .. صدق ما عاهد الله عليه فقضى نحبه شهيدا في سبيله بعد مسيرة علم وعطاء وجهاد لم يبخل فيها بالغالي والنفيس إرضاء لوجه الله تعالى.
شمس تطلع على جبل النار
أشرقت شمس الثلاثين من أيار عام 1962 على جبل النار لتزف نبأ ميلاد يوسف خالد عبد المجيد السركجي ذلك الطفل الذي سيكون له فيما بعد مستقبل حافل بالجهاد وسيتولى لفترة من الزمن قيادة كتائب العز القسامية .
نشأ يوسف السركجي في عائلة ملتزمة وتلقى تعليمه الأساس والثانوي في مدارس نابلس وقد تميزت سيرة حياته بإضاءات وملامح تنبثق من شخصية تتجذر فيها الأخلاق الإسلامية السامية، فقد نشأ وترعرع على هذه الأخلاق حيث كان التزامه بالإسلام وهو في حداثة سنه مذ كان يبلغ أربعة عشر ربيعا، فجعل من الإسلام منهجه وطريقه ومن شدة حبه لدينه فقد اتخذ من دراسة الشريعة الإسلامية وسيلة لإرواء عطشه وحبه لهذا الدين وأكمل فيما بعد دراسته العليا وحصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة النجاح الوطنية.
وكان قد درس البكالوريوس في الجامعة الأردنية في كلية الشريعة وتتلمذ على أيدي مشايخ أفاضل ، كالشيخ أحمد نوفل، لكن كان للشيخ المجاهد البطل عبد الله عزام-رحمه الله- تأثيرا خاصا لا يوازيه أي تأثير حيث تنفس معه حب الجهاد والاستشهاد وبقي متمسكا بهذا الإرث الذي ورثه من شيخه الجليل إلى أن لقي ربه، ونتيجة لنشاطه في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن فقد تعرض لصنوف المضايقات والمساومات من قبل السلطات الأردنية والتي تجلت في حرمانه من استلام شهادته الجامعية لعدة سنوات .
وبعد انتهاء فترة دراسته في الأردن عاد أبو طارق إلى مدينة نابلس وعمل إماما وخطيبا في عدة مساجد قبل أن يستقر به المقام في مسجد السلام وهناك نشأ على يديه جيل من الشباب المسلم الذي حمل هم دينه ووطنه وشعبه .. فكان من بينهم الشهيدان القائدان جاسر سمارو ونسيم أبو الروس الذين كان لهما شرف مرافقته في سجنه ومطاردته واستشهاده.
كان إخوانه وأقرانه يحبون التعلم منه والاستماع لأحاديثه التي كان يحرص على أن تكون بالفصحى، وكان حديثه ممتعا يزخر بالعلم، وكان من شدة حرصه على العلم والتعلم لا يفوت فرصة إلا ويغتنمها، فكلما أتيحت له فرصة السفر بمستهل حياته حرص على مقابلة الفقهاء والعلماء لينهل من علومهم، فكان ممن انفرد برواية الحديث المسلسل بالأولية وهو حديث الرحمة حيث أجازه بروايته أحد أعلام الحديث في السعودية .
في سبيل الله
عاش أبو طارق حياة مليئة بمعاناة المجاهد الذي نذر نفسه فداء لدينه ووطنه، فكان له مع زنازين الاعتقال صولات وحكايات، حيث قدر له أن يعيش خلف قضبان المعتقلات الصهيونية من عام 1988 وحتى عام 1995 على فترات متقطعة تخللها سنة من الإبعاد في عام 1992 حيث كان ممن أبعدوا إلى مرج الزهور، وهذه مرحلة لها حكاياتها ووقفاتها.
وعندما انتهت مرحلة الإبعاد بعودة المبعدين إلى ديارهم قدر له أن يعيش حياة الاعتقال مرات ومرات، وكان أن خسر إحدى كليتيه في إحدى هذه الجولات حيث كان معتقلا في سجن عسقلان، وحتى حينما قدر له أن يفلت من قبضة الصهاينة الحاقدين ، كان لا ينجو من قبضة أبناء جلدته حيث عانى مرارة الاعتقال السياسي في سجون السلطة الفلسطينية أكثر من مرة من تاريخ 23/9/1997 وحتى تاريخ 18/4/2001 على خلفية اعترافات من الشهيدين نسيم أبو الروس وجاسر سمارو اللذين كانا مسئولين عن معمل للمواد المتفجرة في وادي التفاح بنابلس وعانى بشدة أثناء وجوده في مسالخ التحقيق في سجون السلطة وتدهورت صحته حتى كاد أن يموت من التعذيب ونشرت الصحف الفلسطينية تقارير عن وضعه آنذاك.
وأعيد للتحقيق أكثر من مرة لدى الأمن الوقائي في أريحا بعد نقله من سجن جنيد بنابلس وكان كلما يعتقل مجاهد من كتائب القسام أعادوا الشيخ أبا طارق للتحقيق في أريحا ونابلس.
وكان أقسى ما في نهاية هذا الاعتقال انه حرم هو وعائلته فرصتهم الأخيرة من أن يمارسوا حياة أسرية طبيعية، حيث كان الخيار الوحيد المتاح أمامه بعد أن أطلق سراحه أن يعيش مطاردا، وكان هذا منذ بداية شهر ايار2001 وحتى تاريخ استشهاده.
ولا شك أن مأساة حياة الاعتقال والإبعاد والاختفاء كان لها عند أبو طارق وجه آخر لا يعرفه إلا من جرب وعاش هذا النوع من الحياة، فكما قال العالم الكبير ابن تيمية –رحمه الله- :"إن سجني خلوة ونفيي سياحة"، فقد أتيح لشيخنا المجاهد أبو طارق أن يزيد من علومه ومعرفته في السجن وان يواصل هذا العلم إلى تلامذته المخلصين، وأتيح له أن يدخل باب الجهاد الحقيقي ويأخذ دوره الفاعل فيه، فكان ما كان وما كشف عنه النقاب لاحقا وبعد أن نال منه أعداء الله والإنسانية حيث أعلنوا بعد اغتياله عن دوره المهم والبارز كقائد لكتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية.
وكما كان للاعتقال أثره في تأصيل دور هذا الشيخ المجاهد الفذّ، كذلك كان للإبعاد حيث اختص بتجربة سياسية وجهادية فريدة، وكان ممن حظي بفرصة ممارسة حياة نموذجية في مجتمع إسلامي نقي وفريد، مما أخرجهم من هذه المحنة بمكاسب ما كانوا ليدركوها لو لم يعيشوا هذه التجربة الفريدة.
شخصية مرحة.. وصاحب نكتة
وكما كانت لمعاناة هذه المرحلة لحظاتها المظلمة القاتمة، كان لها أيضا لحظات أضاءها الأمل والأخوة والحب في الله، وحدثت فيها طرائف ودعابات سجلها أبطال هذا الحدث وأصبحت تاريخا يذكر حتى اليوم، فكان من طرائف الإبعاد، يوم احتفل فيه معسكر الإبعاد بأكمله لوصول حذاء يناسب ومقاس قدم الشيخ حيث أوصله أحد الصحفيين بعد عناء، وحيث أن الشيخ قد عرف بجسامته وضخامة حجمه وطوله، مما جعل من مقاس حذائه مقاسا متميزا بكبره وكان طول رباط الحذاء يوافي طول رجل قصير.
وكذلك من الدعابات التي سجلت بتاريخ الإبعاد أن أجريت مصارعة من نوع خاص بينه كأطول رجل بين المبعدين وبين الشيخ حسن يوسف – فرج الله عنه وفك أسره- حيث عرف عن الأخير بأنه أقصر الأخوة المبعدين.
كان لوجوده بين إخوانه المبعدين نكهة خاصة طيبت لهم تلك الأجواء القاسية ببرودتها وخشونتها ووحشتها، فقد كان صاحب روح دعابية مرحة، وكان شديد الحنان والحب والدفء لإخوانه، وكان شديد الإيثار ومحب لخدمة الآخرين، كان معروفا بحبه وإتقانه لفنون الطهي، وكانت لأطباقه النابلسية الشهية دورا في تخفيف المعاناة وإدخال السرور والبهجة على نفوس أصحابه وإخوانه المبعدين.
لكن معاناة المرحلة الأخيرة من حياته فاقت كل صنوف المعاناة ولحقه وإخوان دربه الأذى الشديد، حيث كان حرمانه الأهل والأحبة شديد الوطء، إذ انه في حياة المطارد لم يكن يتسنى له ملاقاة أهله وأحبته وحتى مهاتفتهم أو حتى رؤيتهم من خلف القضبان .
إيمان قوي.. وإرادة كالصخر
كانوا يعيشون أياما في العراء وتحت البرد القارس لا يجدون ما يلتحفونه أو يقتاتونه، ومع هذا لم تفت هذه المعاناة القاسية من عضده ولم تجد طريقا لتنال من عزمه، فقد كان صاحب يقين عال، وثقة بقضاء الله وقدره وإرادته التي تهيمن على كل أمر، فكان في أيام المطاردة إذا لاقاه إخوانه مصادفة في مكان ما يتعرفون عليه بشدة ويذكرونه انه ما كان ينبغي أن يتواجد في ذاك المكان خوفا على حياته، فكان يرد عليهم"وما أدراكم فقد تسبقوني بالشهادة وقد يكتب لي من بعدكم الحياة" وهذا ما كان فقد ودّع الكثير من أحبابه وأصدقاء دربه، فودع الجمالين وأبو هنود وأبو النور والكثيرين غيرهم.
اعتقل احد الأشخاص لدى الاحتلال وفي أثناء التحقيق معه اخبروه أن السلطات تنوي قتل أو اعتقال الشيخ يوسف السركجي، ولما بلغ الخبر للشيخ كان رده: "إن نهاية حياته بيد الله ولا يملك أحد من الناس أن يضع لها حدا، لذلك لا يخيفني هذا الكلام"، وكان بدروسه ومواعظه وأحاديثه يشحن إخوانه ويشحن هممهم وينتقل بينهم ليرفع من معنوياتهم ويبقيهم دائما على أهبة الاستعداد.
كذلك من صفاته التي تميز بها انه كان مستجاب الدعوة موصول بالله، فقد تعرض ذات مرة لظلم شديد في سجنه الانفرادي حيث منع من حقوقه ومن الخروج من زنزانته فدعا على سجانه بان يقع عليه مثل ما يعانيه الشيخ فما لبث حتى استجاب الله دعوته وبات ذلك السجان من ليلته تلك سجين الفراش بغرفة العناية المكثفة بعد أن أصابته جلطة حادة، ومنع حتى أقرب أقربائه من زيارته، فما كان من بقية سجانيه إلا أن تحاشوا تحديه حتى لا يعرضوا أنفسهم لدعواته.
ولكنه لم يستخدم سلاحه هذا إلا ضد أعداء الله، أما إخوانه وبقية من عامله فما وجدوا منه إلا سماحة وطيبة ولينا ندر أن يوجد مثلها.
كان من صفاته انه شديد الصبر، لا يشكو الألم، يعمل بصمت، شفوق على أهله وأسرته وإخوانه المجاهدين، ويؤثرهم ويقدم لهم أفضل ما يملك، أتاه أحد إخوانه المطاردين ذات يوم يطلب ما يلتحف به، إذ كان ينام بالعراء، فما تردد لحظة بأن يحمله فراشه الذي ينام عليه وكان أفضل ما لديه، وقد جاء فقيرا ذات يوم لم يطعم اللحم منذ مدة فتقاسم معه كل ما لديه في الثلاجة مناصفة، وكان رده دائما على من احتج على سلوكه هذا بترديده قوله تعالى:"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
من شدة حبه للناس كان يحس بألمهم ويقف إلى جانب أصحاب الحاجة حتى ممن لا يعرف، فقد كان يزور الجرحى بالمستشفيات في الانتفاضة الأولى، ويقلم أظافرهم ويقص شعورهم ويطعمهم بيديه ويشتري لهم المرطبات والحلوى.
كان من أبرز خصاله بره الشديد بوالديه، حتى انه كان يقبل قدم أمه إرضاء لها، وكان في أيام إجازته في معتقل السلطة، حيث كان يسمح للمعتقلين أحيانا بالخروج وزيارة أهلهم لمدة يوم أو يومين، فكان يقضي إجازته مع والديه وإخوانه وأهله جميعا ولا يخصص زيارته لأهل بيته كما يفعل الآخرون، وكان في أجازاته يتصل هاتفيا مع إخوانه في الخارج ويدعوا لهم.
كان حسن العشرة لأهل بيته مستنا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فكان في خدمة أهله طالما توافر له الوقت والظرف، ويساعد زوجته في أعمال البيت ويشعر بإرهاق العمل والوظيفة التي تمارسها، فكان كلما تسنى له يطلب منها أن تنال قسطا من الراحة ريثما يعد الطعام بدلا عنها، كذلك كان قريبا من أبنائه وبناته ليبخل بوقته وجهده، يلاعبهم وينزل إلى مستواهم العمري، ومما يذكره عنه أهل بيته بهذا الخصوص أنه يرسل أثناء غيابه لابنته الصغرى شريطا مسجلا يحادثها به وينشد لها الأناشيد المحببة ويطلب إليها أن تردد معه وكأنه إلى جانبها، مما دفعها أن تتخذ هذا الأمر كعادة محببة حتى وبعد استشهاده فداومت صفاء، وهي صغرى أبناء الشهيد وبناته، على الوقوف أو الدوران حول قبره والنشيد له قبل أن تذهب إلى مدرستها، ومما يؤلم صفاء ويؤرقها أنها لم تنعم بدفء وحنان والدها الشيخ الشهيد مدة كافية فهي تصف حياتها مع والدها بقولها:" أبي عاش معنا مشاهد وصور فقط." وأمنيتها أن تنام في حضنه في الجنة حتى تعوض ما فقدته في الدنيا مما تنعم به غيرها من فتيات جيلها، وهي في هذا كله محقة كل الحق، فصفاء وشهد وطارق ومعاذ أحبوا أباهم الشيخ القائد حبا عظيما، حبا يتناسب مع حبه وعطفه وحنانه، فقد كان حليما صبورا متفهما يراعي أبناءه ويحل مشاكلهم بنفسه ويراعي مناسباتهم الخاصة العزيزة على قلبه ولم يكن ليبخل عليهم بشيء.
ومن شدة حبه لأبنائه وتعهده لشؤونهم انه وفي أثناء أيام اختفائه وعيشته الطويلة مطاردا، كان يمتلك منظارا فيحمله ويذهب إلى بقعة تواجه منطقة سكناهم فيراقبهم أثناء مغادرتهم لمدارسهم ويكحل عيناه برؤيتهم ولو عن بعد، وذات يوم شديد المطر اتصل ليرسل إليهم سيارة أجرة لتنقلهم إلى مدارسهم، فقد كان غائبا حاضرا بروحه وقلبه وتفكيره.
الشهيد أبو طارق.. رجل ليس ككل الرجال، ولعله ممن ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتاق إليهم حينما قال لأصحابه اشتقت لإخواني، الذين وصفهم بصفات لم يدع أبا طارق منها شيئا فمما لا شك فيه أن الله يصطفي من عباده ويختار منهم شهداء، فكان أبو طارق من هذه الصفوة المختارة هذا علمنا به ولا نزكي على الله أحدا .
على أعتاب الشهادة
ولقد كان مدركا انه ذات يوم سينال الشهادة التي حلم بها طيلة عمره وأحس بقربها منه منذ أن نالها أحباؤه أبو النور والجمالان وزاد إحساسه بدنوها منه منذ أن استشهد أبو هنود، لذا كان دائما يوصي أهله ويذكرهم بالصبر وتحمل ما هم مقبلون عليه من أمر استشهاده ولكنه كان أيضا مدركا بأن الله سبحانه وتعالى الذي أكرمه بهذا التكريم لن يضيع أهله ولن يضيع أبناءه وسيتولاهم برحمته ورعايته، فكان حريصا أن يذكر أهله دائما بهذا الأمر فكانت كلمته لزوجته الصابرة المجاهدة "أم طارق" التي طالما واساها بها: لا تخافي من الفراق فلن يضيعك الله وأولادك، فلو اطلع العباد الصالحين على حالنا لأشفقوا علينا فكيف بالله سبحانه وتعالى !! ".وفي ذلك تقول أم طارق بعد استشهاد زوجها "لقد صدقت يا أبا طارق لن يضيعنا الله، وان ندمت على شيء فهو خروجك من بيننا مطاردا فلم نتمكن من أن نشبع منك ومن إيمانك، وإننا ورغم معرفتنا بك إلا أننا كنا نجهلك ولم نعرف عنك كثيرا إلا بعد استشهادك فهنيئا لك".
في نحو الثالثة من فجر الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 2002 كانت نابلس على موعد مع مجزرة رهيبة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائم العدو .
مجموعة من الوحدات الخاصة تتسلل إلى المدينة من جهة الشمال وتطوق شقة سكنية تقع في الدور الأرضي من بناية مؤلفة من تسع طبقات في شارع عصيرة في الجبل الشمالي يتواجد بداخلها أربعة من قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام هم الشهيد القائد " يوسف السركجي" و"نسيم أبو الروس" و"جاسر سمارو" و"كريم مفارجة" ، وتتبعها بعد ذلك نحو عشر دبابات وناقلات جند من جهتين وتتخذ مواقع لها في محيط البناية.
وبدأ جنود الاحتلال بإطلاق القذائف الحارقة داخل الشقة قبل أن يقتحموها، ثم بدؤوا بإطلاق النار على رؤوس الأربعة بعد الاقتحام، بغرض التأكد من قتلهم .. فارتقى الأربعة إلى بارئهم شهداء بدم بارد ليشهدوا على إجرام بني صهيون.
وبعد انسحاب القوات الصهيونية سارع الناس إلى مسرح الجريمة ليجدوا أربعة أجساد محترقة وقد مُثّل بها وأطلق الرصاص على رؤوسهم من مسافة قصيرة .. وتعالت أصوات التكبير المنددة بالجريمة وخرج الآلاف في مسيرة غاضبة تجوب شوارع المدينة مطالبة بالثأر العاجل فيما أصدرت حركة حماس بيانا مقتضبا نعت فيه الشهيد القائد وإخوانه الشهداء وتعهدت فيه بالنيل من كل عصابات الإجرام الصهيونية .
رحل أبو طارق .. ولمّا ترتوِ من فيض جهاده الجماهير.. رحل وودع الدنيا إلى غير رجعة ..وسلم الراية من بعده إلى رجال تربوا على يديه الطاهرتين .. فلم يطل ثأرهم لدماء شيخهم ، وكانت عمليات الثأر التي وعدت بها كتائب القسام وزغردت لها تل الربيع والقدس وأم خالد ودفع الصهاينة ثمن ما اقترفت أيديهم
مراحـــل حيـــاة الشهيد الجهــاديــة
كانت حياة الشهيد يوسف السركجي مليئة بالمعاناة والصبر والاحتساب فقد تعرض إلى الاعتقال في سجون الاحتلال والسلطة والإبعاد إلى غزة ومرج الزهور وأدى إلى تكرار اعتقاله لفترات أن أصيب بعدة أمراض أهمها الفشل الكلوي الذي حصل له والذي أدى إلى استئصال كليته اليسرى.
مراحل الاعتقال
فقد تعرض الشهيد إلى أول اعتقال له في العام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين أمضى احد عشرا شهرا في سجون الاحتلال وأفرج عنه وهو في المحكمة بعدها اعتقل مرة ثانية وابعد إلى مرج الزهور في لبنان مع أربعمائة من إخوانه وكانت هذه الفترة من أصعب الفترات على المبعدين الذين تعرضوا إلى البرد القارص والشتاء ولكنه تميز الشهيد بأسلوبه الذي يخفف من معاناة إخوانه أثناء الإبعاد وكان يمزح ويضحك معهم ويطهو لهم الأطباق النابلسية الشهيرة ذات المذاق الطيب والمتقن من أيدي الشهيد وهناك تعرف على ابرز القادة السياسيين لحركة المقاومة الإسلامية حماس وخاصة الدكتور "محمود الزهار" و"عبد العزيز الرنتيسي" وغيرهم.
أعيد من مرج الزهور إلى الضفة الغربية وفي العام ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين تعرض للاعتقال من قبل الاحتلال، وفي هذا الاعتقال تعرض للضرب والتعذيب الشديد على أيدي قوات الاحتلال ، ما أدى إلى إصابته بفشل كلوي، وأطلق سراحه بعد شهر واحد من اعتقاله وتم الإفراج عنه من السجن وإبعاده إلى غزة.
أول معتقل يبعد إلى غزة
وكان الشهيد يوسف هو أول معتقل يبعد إلى غزة من الضفة الغربية ونزل الشهيد في غزة في منزل الدكتور الزهار ليقيم فيه حتى يتسنى له المحاولة أن يرجع إلى نابلس وبعد الاتصالات والمحاولات أعيد الشهيد إلى نابلس بعد إبعاده إلى غزة لمدة يومين، وبدأ المرض يشتد بالشيخ الشهيد، حيث نقل إلى المستشفى وقام الأطباء بأجراء عدة عمليات جراحية لاستئصال كليته اليسرى وكان الشهيد "أبو هنود" هو الذي يحرس الشهيد أثناء تواجده في المستشفى ويقوم على رعايته والاعتناء به.
استطاع أن يسترد عافيته من جديد وقضاء بضعة أشهر مع عائلته التي كانت تتوق شوقا وحنينا إليه وفي أواخر شهر أيلول من العام سبعة وتسعين اعتقل من قبل السلطة الفلسطينية وقضى أربع سنوات بداخل معتقلات السلطة في سجن أريحا والجنيد في نابلس، وقد تعرض الشهيد يوسف السركجي إلى أبشع أساليب التعذيب والتنكيل والشبح لفترات طويلة من قبل السجانين خاصة في سجن أريحا المركزي، حيث أصيب بعدة أمراض نتيجة التعذيب والاعتقال في سجون السلطة وأثناء تواجده في الاعتقال خرج من السجن إلى المستشفى لإجراء عملية الزائدة، وكان العديد من الحراس من السلطة يحرسونه خوفا من هربوه منهم، ولكن كان يقابل هذا العمل بإطعامهم من طعامه حتى أن زوجة الشهيد أم طارق كانت تقول له أنهم سجانين كيف تطعمهم الطعام وكان يردد لا بأس ولا عليك. وأطلق سراحه في نيسان من العام 2004 بعد سبعة أشهر من انطلاق انتفاضة الأقصى.
بداية المطاردة
من هذا التاريخ أصبح الشهيد مطاردا من قبل الاحتلال وكانت الحكومة الصهيونية تتحدث انه رجل عسكري مهم في كتائب عز الدين القسام وبشهادة السياسيين والعسكريين أن الشهيد يوسف السركجي استطاع أن يغير من مجرى الانتفاضة وتخاذها سيرا أخر غير رشق الاحتلال بالحجارة وتعتبر فترة مطاردة الشهيد يوسف له من قبل الاحتلال بالفترة التي شهدت العديد من العمليات الاستشهادية الضخمة في الكيان الصهيوني والتي تكبد العدو الصهيوني فيها خسائر فادحة في الأرواح.
يوسف السركجي رأس الهرم القسامي
لن تبكي أرض فلسطين رجلا مثلما تبكيك يا أبا طارق ، سيذكرك سوق محني يهودا وشارع بن يهودا في القدس وأنت ترسل إليهما قوافل الاستشهاديين في أيلول من العام 1997 ، وستذكرك خلية شهداء من اجل الأسرى وهي تلحق بالعدو العار تلو العار ، وسيذكرك محمود أبو هنود وقد لازمته وخططت معه جميع مراحل جهاده وانطلقتما غير عابئين بالجيش الذي لا يقهر ، سيذكرك القائد عادل عوض الله وأنتما تسهران الليل لتبنيا أسسا قسامية لا يمكن أن تجتث بعد أن آتى الزرع أكله ،لقد عرفه أهالي عصيرة الشمالية خطيبا مفوها وعرفته نابلس إماما لمسجد السلام يطرب بعذب كلامه القلوب ، ويغسل عنها أدرانها ، عرفه الناس ضحوكا مبتسما يمازح الآخرين دائما حتى وان لم يكن يعرفهم فانطبعت صورته في القلوب وأحبه الناس بشغف ، انه القائد الكبير الشيخ "يوسف السوركجي" ،لقد جمع بين حنكة جعلته في قمة الهرم الحمساوي وشدة أضحى من خلالها رأس الهرم القسامي وبساطة جعلته محبوبا بين الناس ، لقد بدء عطاؤه منذ بداية شبابه في الأردن وهو يدرس العلوم الإسلامية في الجامعة الأردنية وتتلمذ على يد أستاذه الشيخ الشهيد "عبد الله عزام "،
فكان أحد ابرز رموز الدعوة هناك مما جعله ملاحقا من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية لعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين إلا أن شيئا ما لم يفتت من عضده ، إذ ما لبث أن عاد إلى فلسطين ليشهد نمو المارد الإسلامي فيها ويلحظ هذا الغرس وهو يكبر ويكبر حتى استأصل على الاقتلاع ، وما أن اطمأن على الغرس الحمساوي حتى بدء يربي بالغرس القسامي ، وبالتالي فليس غريبا أن يتباهى العدو الصهيوني بعملية الاغتيال قائلة أنها دمرت هيئة أركان حماس "
إلا أنها أغفلت أن هذا الرجل ورفاقه لم يكونوا سوى أساتذة لهم عشرات التلاميذ ممن يدربون أنفسهم الآن للثار لدماء الأستاذ ،لقد عرفت المخابرات الصهيونية الشيخ يوسف السركجي عن قرب ، فلقد تعرض للإبعاد إلى مرج الزهور عام 1992 مع 417 من إخوانه وتعرض للاعتقال مرارا وتكرارا على يديها ، إلا أنها لم تستطع مرة واحدة أن تنتزع منه كلمة أو اعترافا يدينه أو أحدا من إخوته ، فكان سدا منيعا يحجب عن العدو مبتغاه مما عرضه للتنكيل في أقبية التحقيق والتي كان آخرها صيف عام 1995 عندما فقد إحدى كليتيه من شدة التعذيب ،إلا أن هذا الفصل من المعاناة على يد المحتل الغاصب لم يكن الوحيد في معاناة هذا الشيخ القائد ، فقد كان للسلطة الفلسطينية نصيب كبير في معاناته فقد عرفته سجونها واحدا تلو الآخر منذ العام 1997 أي بعد عمليات سوق محني يهودا واتهم خلالها بالمسئولية عن تلك العمليات ،
وبقي بعدها وطوال ثلاثة أعوام ونصف في سجن جنيد في نابلس يتعرض للتحقيق المتواصل على يد جهاز الأمن الوقائي ، فكلما كشفت خلية عسكرية لحماس أو حدث هجوم ما أعيد الشيخ إلى التحقيق ،ولعل سبب استشهاده في تلك المنطقة تحديدا " المعاجين " هو بسبب هروبه من أعين السلطة الفلسطينية التي نشطت في ملاحقته في الفترة الأخيرة
ممن عايشوا السركجـي يتحدثون عنــه
كان الشهيد على علاقة طيبة بكل من تعرف عليه وكان مشهورا بأنه ماسح للأدمغة أي شخص أمامه لديه فكر معين يتعارض مع الدين الإسلامي يقوم بإقناعه على الفور وتغير فكره.
السيد عزمي السركجي وهو يعمل تاجر للمفروشات يقول أن الشهيد يوسف السركجي كان محبوبا جدا لكل من يعرفه وكان في أيام الشباب يعد عزمي انه سيعطيه المال مقابل مواظبته على الصلاة ويصف عزمي الشهيد أن له الأثر الكبير عليه وعلى إخوانه أن من الله عليهم بالهداية والاستقامة.
ويضيف عزمي كان عند الشهيد يوسف أسلوب الضحك واللعب والمزاح حتى يحصل على ما يريد من هداية الشباب وذهابهم إلى المساجد وقراءة القرآن على رؤوس الأطفال من أجل هدايتهم.
نبيل البشتاوي أبو حسان وهو أستاذ متقاعد وهو ممن عايش الشيخ أثناء الدراسة فيقول أن الشهيد يوسف كالوردة كل من يتعامل معه سيسعد بريحها الطيب والعطر ويقول أبو حسان انه كان يتعلم من الشهيد أبو طارق أمور دينية رغم صغر سنه.
السيد روحي طبيلة وهو يعمل مقاول في العقارات والإنشاءات يتحدث عن الشهيد أبو طارق انه كان له الأثر الكبير في تفسير الآية التي تقول (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) والمقصود فيها حسب تفسير الشهيد أبو طارق هي تقبيل قدمي الوالدين وكان الشهيد أبو طارق يطبقها بتقبيل قدمي أمه وأبيه كلما سنحت له الفرصة.
ويضيف روحي طبيلة انه شاهد مرة الشهيد أبو طارق وهو يضع الكرتون ويفرشه لقطة تلد وقام على رعايتها والاعتناء بها حتى تضع.
شادي صبوح كان معتقلا مع الشهيد في سجون السلطة يقول ويسترجع الأيام التي قضها مع الشهيد بأنها مدرسة يتعلم من الشهيد كل يوم ويأخذ منه الحكمة والحنكة وتعلم الأحكام الدينية وتفسير الآيات القرآنية التي يجهلها البعض ويضيف أن الشهيد أبو طارق كان لديه صفة الدعاء المستجاب حيث كان لدى الشهيد قائمة بأسماء أصحابه وأصدقائه الذين يطلبون من الشيخ الدعاء لهم وكان الشهيد وأثناء اعتقاله لدى السلطة يخصص كل ليله لثلاثة أو أربعة من أصدقائه للدعاء لهم وكان دعائه مستجاب.
ويتذكر صبوح كيف كان الشهيد أبو طارق يعد لهم الطعام الشهي في الاعتقال ولا يزال يطوق شوقا إلى السندوتشات التي كان يعدها الشهيد لكل المعتقلين معه في القسم.
أما الشهيد أمجد الحناوي الذي استشهد بعد الشهيد أبو طارق يقول انه لم يرَ احد يطبق الآية الكريمة التي تقول "أذلة على المؤمنين" كما يطبقها أبو طارق، حيث كان وهو في الاعتقال اكبر المعتقلين سنا إلا انه كان هو من يقوم على راحتهم ورعايتهم وتوفير كل ما بوسعه لإسعادهم.
ويضيف الحناوي كان يجد المتعة في الخطب والدروس والمواعظ التي كان يلقيها الشهيد أبو طارق حيث كان لديه أسلوب من الإقناع والبساطة والتواضع وكان قد تميز الشهيد بتفسير سورة الكهف.
السيدة أم يوسف الرماحة وهي إحدى جارات الشهيد كانت كبيرة في السن ولا يوجد من يقوم على رعيتها والاعتناء بها فكان هو من يقوم بهذا العمل ابتغاء مرضاة الله وكان قد وصى الشهيد يوسف انه إذا رحل عن الحياة فلا تتركوا أم يوسف وحدها وبعد أن تلقت أم يوسف الرماحة نبأ استشهاد الشهيد أبو طارق توفيت بعد شهر من استشهاده لشدة حزنها عليه وألمها.
عاش الشهيد يوسف السركجي ليس كأي، رجل كان ذا هدف وقيمة في حياته سخر كل وقته وحياته من اجل إعلاء كلمة "لا اله إلا الله" ودافع عنها وعن المقدسات وترك أولاده وزوجته من اجل إرضاء الله وكان الشهيد يوسف على موعد مع الشهادة فجر الثلاثاء في 22/10/2002، حيث استشهد وهو ساجدا لله رحل معه حراسه ورفاق دربه جاسر سمارو ونسيم أبو الروس وهما من تلاميذ ومن رواد المسجد الذي كان أبو طارق يخطب ويؤم المصلين فيه بالإضافة إلى الشهيد كريم مفارجه وهو من سكان مدينة رام الله.
زوجة الشهيد الزوج الحنون والأب المثالي
تزوج الشهيد يوسف السركجي من السيدة "ميسر محمد حامد جابر" من مدينة طولكرم وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في الفيزياء من الجامعة الأردنية، وأنجبت منه طارق ومعاذ وشهد وصفاء.
كان الشهيد أبو طارق أول من نظم عرسا إسلاميا له في منطقة مسجد الإمام علي وهي منطقة ليست بقريبة من مكان سكن الشيخ، وعلل هذا العمل من اجل إحياء تلك المنطقة وتشجيع الشباب المسلم على تنظيم الأعراس الإسلامية التي كانت في تلك الفترة أمراً غريبا.
وتروي أم طارق قصة تعرف زوجها عليها قبل الزواج، حيث كانت أم طارق تقطن في طولكرم وسبق لها وان خطبت من رجل ولم يتسن لهذا العقد النجاح وبعدها تقدم العديد من العرسان إلى أم طارق ولكن لن يتم الأمر فتبين أنا هناك سحر عمل لأم طارق الأمر الذي أكده أصحاب الرقية أنها بحاجة إلى ماء مقروء عليه لفك السحر، وكان هذا الماء المقروء عليه سيأتي من نابلس، وان الذي سينقله هو الشيخ الشهيد يوسف السركجي، وفعلا عندما علم الشهيد بقصة أم طارق قرر وأصر أن يتقدم لخطبتها لكنها في البداية رفضت لأنها تكبره سنا بسنتين، ولكنه أصر على أن يقنعها بالزواج منه، وقال لها أن الرسول قد تزوج من السيدة خديجة وهي تكبره سنا وقد تم الزواج.
حبه لبيته وأسرته
وتضيف أم طارق أن الشهيد كان رجل يحب بيته وأولاده ويقدم كل ما لديه متسع من الوقت لإسعادهم وإدخال السرور إلى قلبهم، حتى انه كان يقوم بأعمال البيت ومساعدة زوجته التي تعمل مدرسة في إحدى مدارس المدينة.
وكان يطلب منها بعد الانتهاء من وظيفتها الاستراحة قليلا حتى يتسنى له إعداد الطعام للعائلة، حيث اشتهر أبو طارق بأنه يطهو الطعام بمذاق طيب.
وتذكر أم طارق أثناء مطاردة الاحتلال لأبي طارق وقبل استشهاد بعدة أشهر أنها دخلت بيتها وتفاجأت بوجود أبو طارق فيه خاصة أنها اعتادت أن يكون موعد مسبق له من اجل رؤيتها كونه مطارد من الاحتلال، وسألته لماذا جئت إلى البيت بدون موعد، فقال لها انه لاحظ أن البرد والشتاء قد اطل وأراد أن يفرش البسط والسجاد في البيت من اجل راحتها وراحة أولاده وان يوفر لهم جو من الدفء والحماية من البرد والشتاء القارس.
وتقول أم طارق أن الشهيد الشيخ كان من شدة حبه وخوفه على أبنائه أنه أثناء أيام اختفائه وعيشته الطويلة مطاردا، كان لديه منظارا فيحمله ويذهب إلى منطقة سكناهم فيراقبهم أثناء مغادرتهم لمدارسهم، وفي احد الأيام كان الجو في نابلس شديد المطر فقام الشهيد واتصل ليرسل إليهم سيارة أجرة لتنقل أبنائه إلى مدارسهم.