العمل الاجتماعي.. وضرورته الشرعية / أ . د وصفى عاشور أبو زيد
بعد أن من الله علي مصر برئيس منتخب وتخلصنا من نظام جثم علي صدور الشعب, واستبد به, وتسلط عليه عقودا من الزمان, وعاث في الأرض فسادا, ونهب خيراتها, وهرب أموالها بالبلايين, وجرف بنيتها التحتية, سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا واجتماعيا.
وبعد أن ظل المعارضون والمناهضون لحكم مبارك يعملون في ظل مطاردة للأنشطة ومصادرة للأفكار وتحجيم للعمل الدعوي أو الاجتماعي, فضلا عن السياسي والحزبي الذي تم تجريفه وتجفيف منابع بنيته التحتية, بل كسبوا ولاءها; رغبا ورهبا, أو بسيف المعز مرة وذهبه مرارا.
أصبحت البيئة متاحة للعمل الاجتماعي, والعمل الدعوي, بل أصبحت البيئة المصرية مهيأة للعمل الحزبي الحقيقي, والتنافس السياسي القوي الذي يجب أن يخلو من فجور الخصومة, وقبح الاستقطاب, وكذب الإشاعات التي تقلب الباطل حقا والحق باطلا.
إن أولي ما يمكن أن نقوم به بعد أن هيأ الله لنا هذه البيئة الجميلة هو العمل الاجتماعي, العمل مع المجتمع, العمل مع الناس كل الناس, وقضاء مصالح الناس, والسعي في حوائجهم, والعمل من أجل تنظيف البيئة, والعمل من أجل كفاية المعوزين, والعمل علي محو أمية الأميين من هذا الشعب الذي يتأثر بالإشاعات الكاذبة, ويتشكل ثقافته ووجدانه من الفجور الإعلامي الذي يطل عليه صباح مساء, ففي تعليم الأميين من هذا الشعب وتثقيفهم وقاية له من الوقوع في براثن الأكاذيب والتضليل والإشاعات.
إن الإسلام بحسبانه دينا وفكرة ودعوة يضع العمل للناس رسالة كبري وغاية عظمي من أجل وأعظم مقاصد هذا الدين, والله تعالي قال:
" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " آل عمران:.110
فهذه الأمة أمة مخرجة لم تخرج نفسها, وإنما أخرجها الله تعالي, لا لنفسها, وإنما للناس, واللام هنا للناس للملكية يعني أن الأمة المسلمة هي ملك للناس, أخرجها الله لصالح الناس, لمصالح الناس, لإيصال كل خير لهم, ودفع كل شر عنهم, ولإسعاد الناس في الدنيا والآخرة.
وقد كان العمل من أجل الناس, العمل الاجتماعي, رسالة للإسلام واضحة منذ البداية, ونحن نعلم حين عاد النبي صلي الله عليه وسلم من أول مرة ينزل عليه الوحي فيها مرتجفا إلي بيته, دثره أهل بيته وغطوه, ثم قالت له خديجة رضي الله عنها: كلا, أبشر, فوالله لا يخزيك الله أبدا; إنك لتصل الرحم, وتصدق الحديث, وتحمل الكل, وتقري الضيف, وتعين علي نوائب الحق.
وبالتأمل في كل هذه الحيثيات التي جعلتها السيدة خديجة أسبابا لنصرة الله له ولعدم خذلانه إياه, نجدها أخلاقا اجتماعيا وأعمالا اجتماعية وأنشطة مع المجتمع ومع الناس, فمنذ بداية الدعوة ورسالته للعمل الاجتماعي والعمل من أجل خير الناس واضحة وجلية ومرفوعة.
والعمل في قضاء حاجات الناس ومصالحهم أجره مضاعف عند الله تعالي, وبالتدبر في النصوص التي تبين الأجر والمثوبة المترتبة علي قضاء حوائج الناس والسعي في مصالحهم يتبين لنا أن أجرها مضاعف وأعظم بكثير من الأعمال التربوية والشعائرية التي يعود نفعها علي الفرد فقط, فالنصوص الشرعية التي وردت في الإحسان إلي الناس, وقضاء مصالحهم والسعي في حوائجهم وإدخال السرور عليهم, وهي أعمال اجتماعية جميعا, يفوق أجرها بل يضاعف أجر الأعمال التي يقوم بها الفرد لنفسه, وحسبنا ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من سعي لأخيه المسلم في حاجة قضيت له أو لم تقض- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وكتبت له براءتان: براءة من النار, وبراءة من النفاق.
إذا أضيف لذلك أننا نحتفل بعيد الأضحي وأياما مباركة تضاعف فيه المثوبة ويزيد فيها الأجر, وإذا أضيف لذلك أننا نعمل في مصر ولأجل مصر وهي دولة فاعلة ورائدة, وغيرها يقتدي بها, فانظر مدي الأهمية والمكانة والمثوبة المستمرة التي تعود علي العامل والمضحي من أجل الناس وخيرهم وإسعادهم, وما يكون له من مكانة عند الله تعالي.
فالله الله في العمل مع الناس, لأجل إصلاح أحوالنا ومجتمعاتنا وخيرها ورخائها وتقدمها وازدهارها, هذا هو واجب الوقت وفريضة العصر حتي ننهض بمجتمعاتنا أخلاقيا وتربويا وسياسيا وثقافيا; ليقبل الله منا, ويرضي عنا, ونعود بمصر لمكانتها وريادتها.