خير الناس أنفعهم للناس

خير الناس أنفعهم للناس

ما ينفقه الإنسان في وجوه الخير والبر غير محدد في كثير من الآيات، مثل قوله تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى) [سورة الليل: 5]، وقوله تعالى: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [سورة البقرة: 3]. بما يعني أن الإنسان قد ينفق مالاً أو علمًا أو جهدًا، أو نصيحة، أو مساعدة وتسمى إنفاقًا، فإذا أخرج المسلم زكاة ماله وفطره، فإن الصدقات الواردة بهذا الكم الكبير في القرآن والحاجات التي زادت في الأمة الآن تحتاج إلى جميع أنواع الصدقات من بذل الوقت والجهد والمال والعلم والمساندة لكل أعمال البر والخير،



ولذا أرجو من كل أخ وأخت أن يخرج من أمرين:

الأمر الأول: رتابة الحياة والاستيقاظ إلى العمل، ثم العودة والطعام والنوم، والقيام، والعشاء مع زيارة أو استقبال الأقارب والأصدقاء، ثم مشاهدة التلفاز والنوم، وهي حياة رتيبة تفرز إنسانًا تافهًا لا قيمة له، وقد أنف شاعر الجاهلية من هذه الحياة فقال:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يرجى الفتى كيما يضر وينفع

أي افعل شيئًا ليحس الناس بك، لكنا نفعل الخير فقط ليرضى عنا

ربنا سبحانه وتعالى.


أكبر مدخل للشيطان

الأمر الثاني: الفراغ الذي يشعر به كثير من الرجال والنساء والشباب والفتيات، وهذا الفراغ هو أكبر مدخل للشيطان كي يملأه بالسيئات والكبائر.

ويقول الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجدة ... مفسدة للمرء أي مفسدة

فإذا أراد المسلم أن يخرج من رتابة الحياة الرخيصة، والفراغ الممل، فلا بد أن يكون لأعمال البر أثر في اندماج وانخراط المسلم والمسلمة في مؤسسات البر والنفع العام، سواء كانت مؤسسة تعليمية أو اجتماعية أو كفالة الأيتام، أو إصلاح ذات البين، أو مساندة قضايا الأمة العادلة مثل فلسطين، والعراق، أفغانستان، والسودان، والصومال، و ... أو مؤسسات العمل السياسي الهادف إلى مصلحة الوطن والأمة والعالم، أو مؤسسات محاربة الثلاثي الرهيب: الجهل، والفقر، والمرض في أي مكان في العالم، أو مساعدة مكنوبي الزلازل والبراكين والعواصف أو الحروب، أو مؤسسات إحياء الفقه الإسلامي، والأنشطة الرياضية، وجمعيات الحفاظ على البيئة أو رعاية الموهوبين أو المعوقين أو تقوية الطلاب، أو بناء المساجد والمدارس والوقف الإسلامي لهم،

أو طباعة كتب وشرائط ونشرات إسلامية وتوزيعها، أو المشاركة في النظافة العامة للحي

أو المنطقة أو البلد.




والمهم هنا أن يكتشف الإنسان نفسه قبل أن يتقدم لمؤسسات البر والنفع العام ليحدد أمرين:

1ـ نقاط القوة فيه، بمعنى .. ما الأنشطة الخيرية التي تتوافق مع قدراتك وملكاتك؟ فهناك شخص يصلح للتخطيط ولا يقدر على تنفيذ خطوة واحدة عملية مثل مهندس التصميم للمبنى ويترك التنفيذ للمهندس الإنشائي، وهناك من يجيد العلاقات العامة، وآخر يجيد فقط توصيل المعلومات للآخرين، وثالث يجيد ترتيب الأماكن والطعام و...، وهناك من يجيد كتابة الشعر والقصة والرواية ولا يجيد حتى قراءة شعره أمام الجمهور، ومن ثم هذه الملكات إذا وظفت في مواضعها الصحيحة أثمرت وأنتجت، وإلا كانت ضررًا على الشخص والمجتمع.

2ـ نقاط الضعف في الإنسان، فإذا كان يدرك أن تولي المسئولية الإدارية في مؤسسات النفع العام لا يتناسب مع ضعفه الإداري، أو سيؤثر على دوره العلمي والتربوي، وهذا من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث اختار أشجع الصحابة علي بن أبي طالب لينام في فراشه ليلة الهجرة، بينما أخذ معه في الصحبة أبا بكر الصديق لصبره وجلده، ووظف طاقة عبد الله بن عباس في العلم والتعليم، وعمرو بن العاص في الولاية (القيادة)، ومصضعب بن عمير في السفارة بالإسلام في المدينة، وحذر أبا ذر أن يولي نفسه أميرًا على اثنين وهكذا.



الاهتمام بالمجتمع

نحن إذن نريد أن يكون لنا حضور وذكاء اجتماعي، فأما الحضور فهو الاهتمام بالمجتمع الذي أعيش فيه إصلاحًا وتحسينًا وتغييرًا، وأما الذكاء فيكون هذا بنضج روحي وعقلي وخلقي، ويجعل الجهد القليل مثمرًا، والعطاء القليل مؤثرًا، والعمل القليل مغيرًا.

هذا وأقسم عليه حل الأزمات في بيوت كثيرة من آثار الفراغ الروحي والاجتماعي، حيث يتحول العاطل عن الأداء الاجتماعي إلى إنسان محبط عنده ملل وكلل، فيؤثر سلبيًا على علاقاته، أما إن وجد بابه مطروقًا وجدوله مزحومًا لمجتمعه فتلك سعادة الدارين.



لو أخذنا هذا الحديث مأخذ الجد والعمل والتطبيق وتقدمنا لفعل الخير ونفع الغير، فسيكون لن اإن شاء الله تعالى هذه النفس السوية والروح النقية، والحياة الراقية، والهمة العالية التي لا تزال إلى السفاسف، ولا تهبط إلى المكاره، وتظل ترقى في المعالي حتى تلقى الله تعالى.