بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم
لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما،
وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه واجْعلنا ممن يسْتمعون
القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الفوائد لابن القيم
بين الهدى والرحمة- والضلال والشقاء
وكما يقرن سبحانه بين الهدى والتقى والضلال والغي, فكذلك يقرن بين الهدى والرحمة والضلال والشقاء, فمن الأول قوله:{ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة5, وقال أيضا:{ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}البقرة 157.
وقال عن المؤمنين:{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك انك أنت الوهاب} آل عمران 8.
وقال عن أهل الكهف:{ ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} الكهف 10, وقال:{لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}يوسف 111, وقال:{ وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} النحل 64, وقال:{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين }, وقال:{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس 57.
ثم أعاد سبحانه ذكرهما فقال:{ قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا} يونس 58.
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير الفضل والرحمة, والصحيح أنهما الهدى والنعمة, ففضله هداه, ورحمته نعمته ( وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما: فضل الله القرآن, ورحمته الاسلام, وعنهما أيضا: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله, وعن الحسن, والضحّاك, ومجاهد وقتادة فضل الله:الايمان, ورحمته القرآن. تفسير القرطبي 8\226) ولذلك يقرن بين الهدى والنعمة كقوله في سورة الفاتحة:{ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم}5-6.
ومن قوله لنبيهيذكره بنعمته عليه:{ ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى}الضحى 6-8, فجمع له بين هدايته له وانعامه عليه بايوائه واغنائه.
ومن ذلك قول نوح:{ يا قوم أرأيتم ان كنت على بيّنة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا} هود88, وقال عن الخضر:{ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما} الكهف 65.
وقال لرسوله صلى الله عليه وسلّم:{ انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا} الفتح1-3, وقال:{ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}النساء 113, وقال:{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا} النور21, ففضله هدايته, ورحمته انعامه واحسانه اليهم وبره بهم.
وقال:{ فامّا يأتينّكم مني هدى فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى} طه 123, والهدى منعه من الضلال, والرحمة منعته من الشقاء, وهذا هو الذي ذكره في أوّل السورة في قوله:{ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}طه 1-2, فجمع له بين انزال القرآن عليه ونفى الشقاء عنه, كما قال في آخرها في حق أتباعه:{ فلا يضل ولا يشقى} طه 123.
فالهدى والفضل والنعمة والرحمة متلازمات لا ينفك بعضها عن بعض, كما أن الضلال والشقاء متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر, قال تعالى:{ انّ المجرمين في ضلال وسعر} القمر 47, والسعر جمع سعير وهو العذاب الذي في غاية الشقاء. وقال تعالى:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} الأعراف 179, وقال تعالى عنهم:{ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} الملك 10.
ومن هذا أنه سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيّبة وبين الضلال وضيق الصدر والمعيشة الضنك, قال تعالى:{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيّقا حرجا} الأنعام 125, وقال:{ أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه}الزمر22.
وكذلك يجمع بين الهدى والانابة والضلال وقسوة القلب, قال تعال:{ الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب}الشورى13, وقال تعالى:{ فويل للقا