| قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الإثنين 06 أغسطس 2012, 2:09 am | |
| من بـــــدر إلى الحديبيــــــــة
مقتل ابن أبي الحقيق
يوجد من الناس من تمرس على المكر والكيد والظلم والعدوان، وصار مجرم حرب لا يرجى منه خير، وهذا النوع لا يفيد معه نصح أو تخويف، فلا بد من تطهير المجتمع منه ومن شره، ففي بقائه ضرر على..
يوجد من الناس من تمرس على المكر والكيد والظلم والعدوان، وصار مجرم حرب لا يرجى منه خير، وهذا النوع لا يفيد معه نصح أو تخويف، فلا بد من تطهير المجتمع منه ومن شره، ففي بقائه ضرر على الناس، ومنعٌ للخير، وجلبٌ للشر. و سلام بن أبي الحقيق - أبو رافع - هو من هذا الصنف، حيث إنه من أكابر مجرمي اليهود، الذين حزبوا الأحزاب وأعانوهم بالمؤن والأموال ضد المسلمين، وكان ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كثير التحريض على الدولة الإسلامية، فلا بد أن ينال عقابه ، ويحصد ما جنت يداه . فبعد فراغ المسلمين من بني قريظة، أرادت الخزرج أن يكون لها فضل التخلص من أبي الحقيق ، كما نالت الأوس فضل التخلص من صاحبه كعب بن الأشراف . فأرسلت الخزرج مجموعة رجال من بني سلمة بقيادة عبدالله بن عتيك قاصدين قتل أبي الحقيق وذلك بعد استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة . وتوجه الصحابة قبل غروب الشمس من المدينة إلى حصن أبي رافع الذي كان يقبع فيه بخيبر من أرض الحجاز، فلما دنوا من الحصن، وقد غربت الشمس، وراح الناس بمواشيهم ودوابهم وأدخلوها إلى حصونهم وعادوا من الرعي، قال عبد الله بن عتيك لأصحابه رضي الله عنهم، اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطّف للبواب لعلّي أن أدخل، فأقبل عبد الله حتى دنا من الباب، وهاهنا فقد بعض اليهود من أهل الحصن حماراً لهم، فاستغل فرصة انشغال اليهود في البحث، فقام ودخل الحصن متقنعاً، وجلس أصحابه ينتظرونه، ثم نظر في الداخل يريد مكاناً آمناً له يختبئ فيه،فوجد مربط حمارٍ عند باب الحصن فاختبأ فيه، ولما دخل اليهود إلى الحصن لاحظ عبد الله أين سيضع البواب المفاتيح. فلما تيقن عبد الله من خلو المكان، أخذ المفاتيح من الموضع الذي وضعت فيه، ثم توجه إلى بيت أبي رافع ، وأخذ في فتح الأبواب التي توصل إليه، وكلما فتح بابا أغلقه من الداخل حتى انتهى إليه، فإذا هو في بيت عال من الحصن لا يصل إليه أحد إلا عن طريق السُّلم، وعندما أقبل على البيت إذا به بيت مظلم و أبو الحقيق وسط عياله، فلم يستطع عبد الله أن يعرفه إلا بعد أن ناداه، فأهوى عبد الله بالسيف نحو الصوت فلم يفلح في قتله، ثم عاد الثانية يناديه وفي كل مرة يغير صوته حتى تمكن منه وقتله دون أن يؤذي أحدا من أولاده وزوجه. يقول عبد الله بن عتيك : فخرجت مسرعاً من داره فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً، حتى أتيت السُلّم، فوضعت رجلي وأنا أظن أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، وقد ذكر ابن إسحاق رحمه الله أن عبد الله بن عتيك كان ضعيف البصر. وفي رواية عند البخاري : "فانخلعت رجلي"، ثم تحامل على نفسه حتى عاد إلى إخوانه، ، وعادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بالحدث ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عتيك : (ابسط رجلك ، قال : فبسطت رجلي ، فمسحها ، فكأنها لم أشتكها قط) رواه البخاري . وفي هذا يقول شاعر الإسلام حسان بن ثابت عن مقتل أبي الحقيق يا ابن الحُقيق وأنت يا ابن الأشرف للـه در عصـابة لاقيتهـم يسرون بالبيض الخفاف إليكم مرحـاً كأُسـد فـي عرين مُغرّف حتـى أتوكم في محل بيوتكم فسقوكـم حتفـاً ببيـضٍ ذُفَّـفِ مستنصرين لنصـر دين نبيهم مستصـغرين لكـل أمـرٍ مُجحِفِ تلك هي نهاية الظالمين المعتدين، وعاقبة الخائنين الغادرين، الذين لا يجدي معهم سوى هذا النوع من العلاج، وبهذا تم التخلص من ذلك المجرم اليهودي، لعله يكون عبرة لغيره، ودرساً يستفيد منه الآخرون.
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الإثنين 06 أغسطس 2012, 2:14 am | |
| غزوة بني المصطلق (المريسيع)
جرت أحداث هذه الغزوة في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة، وسببها أنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار -رأس وسيد بني المصطلق- سار في قومه وبعض من حالفه من..
جرت أحداث هذه الغزوة في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة، وسببها أنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار -رأس وسيد بني المصطلق- سار في قومه وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ابتاعوا خيلاً وسلاحاً، وتهيّأوا للخروج، حينها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي ، ليستطلع له خبر القوم، فأتاهم حتى ورد عليهم مائهم، وقد تألبوا وجمعوا الجموع، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله فأخبره خبرهم، فندب رسول الله الناس، فأسرعوا في الخروج، وخرج معه سبعمائة مقاتل وثلاثون فرساً، وكان منهم جماعة من المنافقين، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة . وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله إليه، فخافوا خوفاً شديداً، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله إلى المريسيع وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه عائشة و أم سلمة ، وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لملاقاة القوم . وجعل راية المهاجرين مع أبي بكر الصديق ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم . والصحيح من روايات هذه الغزوة كما يذكر الإمام ابن القيم وأهل السير أنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغاروا عليهم عند الماء، وسبوا ذراريهم، وأموالهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون- أي غافلون- وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية ) رواه البخاري و مسلم . وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث ، وهي بنت خمس وعشرين سنة. وكان السبب في زواجه منها أنه لما قسم عليه الصلاة والسلام السبايا، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس ، وأرادت جويرية من رسول الله أن يقضي عنها مكاتبتها، ففعل ذلك رسول الله وتزوجها، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها . وكانت رضي الله عنها ذات صبر وعبادة، فعن ابن عباس قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية وكان اسمها برة ، فحول اسمها (إلى جويرية )، فخرج وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها فقال: لم تزالي في مصلاكِ هذا، قالت: نعم، قال: قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته ) رواه أبو داود . وكان الهدف من زواج رسول الله من جويرية بنت الحارث الطمع في إسلام قومها، وقد تحقق هذا الهدف السامي، فأعز الله المسلمين بإسلام قومها. وكشفت هذه الغزوة حقد المنافقين على الفئة المؤمنة، فما إن علموا بأن المسلمين انتصروا في المريسيع، حتى سعوا في إثارة العصبية بين المهاجرين والأنصار، ومن تلك المواقف التي اشتهرت ما رواه جابر رضي الله عنه، حيث قال: (كنا في غزاة فكسع -وهو ضرب دبر غيره بيده أو رجله- رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قال: ما هذا؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، قال جابر وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ثم كثر المهاجرون بعد، فقال عبد الله بن أبي أو قد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) رواه البخاري .وقد باءت محاولتهم الدنيئة هذه بالفشل، فلم يتمكنوا من فعل ما أرادوا. ثم سعوا إلى إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهل بيته، فشنوا حرباً نفسية مريرة من خلال حادثة الإفك التي اختلقوها على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تحدثنا عن تفاصيل هذه الحادثة في مقال مستقل. ولنا أن نستفيد من هذه الغزوة دروساً وعظات، نستخلصها من الحوادث المصاحبة لهذه الغزوة، وخاصة حادثة الإفك التي أظهرت خطر المنافقين وجرأتهم، حتى نالوا من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما ينبغي على المؤمن فعله عند سماع الشائعات من حفظ اللسان وعدم الخوض فيها ، يضاف إلى ذلك الصبر، وعدم التعجل في الأمور عند الابتلاء، أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما برز في هذه الغزوة خلق العفو والتسامح، وتجسد ذلك في موقفه مع اليهود وخاصة مع رأس المنافقين أبي بن سلول . ومما يشار إليه في أحداث هذه الغزوة نزول سورة المنافقون، التي كشفت أخبار المنافقين، وأشارت إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم، وفضحت أكاذيبهم.
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الإثنين 06 أغسطس 2012, 2:35 am | |
| بيعة الرضوان
القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتاريخ دعوة الإسلام يجد ارتباطًا وثيقًا بين أحداثها ومجرياتها، وخير ما يشهد لهذه المقولة بيعة الرضوان، إذ كانت ذات علاقة وثيقة بصلح الحديبية،..
القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتاريخ دعوة الإسلام يجد ارتباطًا وثيقًا بين أحداثها ومجرياتها، وخير ما يشهد لهذه المقولة بيعة الرضوان، إذ كانت ذات علاقة وثيقة بصلح الحديبية، وربما كانت سببًا مباشرًا لهذا الصلح، الذي كان خيرًا للمسلمين، وفتحًا مبينًا للجماعة المؤمنة. وفيما يلي شيء من تفصيل مجريات وملابسات بيعة الرضوان، ذلك الحدث الجلل في حياة الدعوة الإسلامية وتاريخها المجيد . ذلك أنه لما استقر أمر المسلمين بالمدينة، وأسسوا دولتهم الفتية، وأخذت الأمور تسير إلى حد كبير لصالحهم، بدأت طلائع الفتح الإسلامي، ورايات الدعوة الإسلامية تبدو شيئًا فشيئًا، وبدأت التمهيدات والاستعدادات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام، وهو بالمدينة، أنه داخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وآخذ مفتاح الكعبة، وطائف بالبيت العتيق. فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا بهذه الرؤية فرحًا شديدًا، وتشوَّقت نفوسهم لتلك الساعة، وحسبوا أنهم داخلو مكة خلال وقت ليس بالبعيد . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى إثر تلك الرؤيا المبشرة، أخبر أصحابه أنه معتمر، وطلب منهم أن يأخذوا أهبة السفر، فتجهزوا لما أمرهم به، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم . وخرج قاصدًا مكة غرة ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وصحبته في هذا السفر زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وكان عدد الذين خرجوا معه يريدون مكة قد قاربوا ألفًا وأربعمائة رجل، ولم يخرج معه أحد بسلاح المعركة، بل خرج الجميع بسلاح المسافر فحسب . وكانت قريش لما سمعت بخروج النبي صلى الله عليه وسلم قد عقدت جلسة طارئة، لبحث الموقف وتداعياته، وخرجت من تلك الجلسة بقرار جماعي، حاصله صد المسلمين عن البيت الحرام كيفما كان، ومهما كلفها ذلك من ثمن . ثم إن قريشًا بدأت خطواتها التنفيذية، وإجراءاتها العملية لمواجهة الموقف؛ بإرسال الرسل للمفاوضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى أن تثمر تلك المفاوضات عن ثنيه عن عزمه وقصده من دخول البيت الحرام . ولما رأى شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب، رغبة زعمائهم في الصلح، فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، وأخذوا زمام المبادرة، إذ إن الموقف - حسب منطق هؤلاء - لم يكن يحتمل المفاوضة، ولا يتسع للأخذ والمناورة، فقرروا - حسمًا للموقف - أن يخرجوا ليلاً، ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثًا تشعل نار الحرب، وتؤجج سعير المعركة. وفعلاً قاموا بتنفيذ هذا القرار، واتخذوا خطوات عملية وميدانية في هذه الاتجاه، فخرج منهم سبعون أو ثمانون رجلاً ليلاً، وهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين . بيد أن عيون المسلمين كانت لهم بالمرصاد، فحالما تسلل أولئك النفر إلى المكان الذي كان ينـزل فيه المسلمون اعتقلوا جميعًا، وفشلت محاولتهم التي كانوا يرمون إليها، وأخذوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرر في أمرهم ما يراه مناسبًا للموقف . ورغبة منه صلى الله عليه وسلم في الصلح، وتمشيًا مع القصد الذي خرج صلى الله عليه وسلم لأجله، فقد أطلـق سراحهم وعفا عنـهم، وفي ذلك أنزل الله قوله الكريم: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } (الفتح:24) . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبلغ قريشًا موقفه وهدفه وغايته من هذا السفر؛ فعزم على أن يبعث إليها سفيراً يؤكد لها موقفه ذلك، فانتدب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليرسله إليهم، فاعتذر عمر رضي الله عنه قائلاً: يا رسول الله، ليس لي أحد بمكة من بني عدي بن كعب ، يغضب لي إن أوذيت، فأرسلْ عثمان بن عفان ، فإن عشيرته بها، وإنه مبلِّغ ما أردت. فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه، وأرسله إلى قريش، وقال: أخبرهم أنا لم نأتِ لقتال وحرب، وإنما جئنا عُمَّارًا - أي: نبتغي العمرة - وادعهم إلى الإسلام، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان . فانطلق عثمان رضي الله عنه لما وجَّهه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى قريشًا، وبلَّغ زعماءها الرسالة التي حمَّله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من إبلاغ رسالته، عرضوا عليه أن يطوف بالبيت، فرفض هذا العرض، وأبي أن يطوف إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأت قريش هذا الموقف من عثمان رضي الله عنه، وهو موقف لم يَرُقْ لها بحال، لجأت إلى أسلوب الضغط والتهديد، فاحتبست عثمان عندها - ولعلها أرادت من وراء هذه الخطوة، أن تتشاور فيما بينها في الوضع الراهن، وتبرم أمرها. أو لعلها أرادت أن تتخذ من عملية اعتقال عثمان رضي الله عنه ورقة ضغط في وجه المسلمين - وأشاعت خبر ذلك بين المسلمين، وطال احتباس عثمان رضي الله عنه، حتى شاع بين المسلمين أنه قتل. فلم بلغ خبر تلك الإشاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( لا نبرح حتى نناجز القوم ) ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على ألا يفروا، وبايعته جماعة على الموت، وأول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال: ( هذه عن عثمان ). ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له: جَدُّ بن قَيْس . وقد ذكر القرآن الكريم خبر هذه البيعة، ومدح أصحابها، ورضا الله عنهم، قال تعالى في ذلك: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } (الفتح:18) ولأجل ما ذكر الله، سميت هذه البيعة ( بيعة الرضوان ) وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البيعة من صحابته رضوان الله عليهم تحت شجرة، وكان عمر رضي الله عنه آخذًا بيده، و مَعْقِل بن يسار آخذًا بغصن الشجرة، يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ذكرت كتب السيرة خبر هذه البيعة بطرق متعددة، وبألفاظ متقاربة؛ من ذلك ما رواه الطبري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: بينما نحن قافلون من الحديبية، نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، البيعة البيعة ! نزل روح القدس. قال: فسرنا إلى رسول الله، وهو تحت شجرة سمرة، قال: فبايعناه، قال: وذلك قول الله تعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } فأخبر سبحانه نبيه أنه قد رضي عن أصحابك المؤمنين، لمبايعتهم إياك على الجهاد، ومواجهة قريش في موقفها العنيد، وعلى أن لا يفروا ولا يولوهم الأدبار، مهما كلفهم ذلك من التضحيات . وكان أول من بايع بيعة الرضوان رجل يقال له أبو سنان ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أبسط يديك حتى أبايعك، فقال: على ماذا، قال: على ما في نفسك، قال: وما في نفسي، قال: الفتح أو الشهادة. فبايعه، وكان الناس يجيئون فيقولون: نبايع على بيعة أبي سنان . قال ابن اسحاق صاحب السيرة: فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة، قال: كان جابر بن عبد الله رضي الله عنه، يقول: لكأني أنظر إليه، لاصقًا بإبط ناقته، قد ضبأ ( أي: لصق بها واختبأ ) إليها، يستتر بها من الناس . ولما تمت البيعة المرضية، رجع عثمان رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعضهم: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال: بئس ما ظننتم بي، والذي نفسي بيده لو مكثت بها سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها، حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت، فقال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلمنا بالله، وأحسننا ظنًا . وقد ثبت في صحيح الحديث - ناهيك على ما جاء في القرآن - الشهادة بالجنة لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية؛ فعن أم مبشر رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها: ( لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها ، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة : { وإن منكم إلا واردها } (مريم:71) فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله عز وجل: { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } (مريم:72) رواه مسلم ، وفي "سنن" أبي داود : ( لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ) وفي "المصنف" ل ابن أبي شيبة ،قال: السابقون الأولون، من أدرك بيعة الرضوان. وقد وعد سبحانه هؤلاء بالجنة، قال الله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } (التوبة0) . وعلى العموم، فإن وقائع هذه البيعة تفيد العديد من العبر، ويُستنتج منها الكثير من الفوائد، وهاك بعضًا من ذلك: - صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وصدق بصائرهم, وأنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء لله; إذ من غير الجائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم، إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة، وصدق الإيمان, وقد أكد ذلك المعنى سبحانه، بقوله: { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم } (الفتح:18) وهذا يدل دلالة واضحة على أن التوفيق والتسديد والتأييد مصاحب وملازم لمن صَدَق النية مع الله, وهذا الملحظ في معنى قوله تعالى: { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } (النساء:35) . - كانت تلك البيعة مقدمة وتمهيدًا وسببًا مباشرًا لإبرام صلح الحديبية، ذلك الصلح الذي كان فتحًا مبينًا، وكسبًا عظيمًا للمسلمين. فعندما علمت قريش بتلك البيعة، ومدى صلابة المسلمين في موقفهم، وقوتهم، وصبرهم، وثباتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمت أن ذلك هو الحق، فأرسلت إلى المسلمين فريقًا للتفاوض معهم، وإبرام الصلح . - ومما يستفاد من هذه الحادثة قوة العلاقة والترابط والتلاحم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؛ إذ إنهم بايعوه على الثبات والمصابرة وعدم التولي، ومواجهة الموقف بكل ما يقتضيه من إيمان وإخلاص؛ يتجلى ذلك في سرعة استجابة الصحابة لما دعاهم إليه رسول الله، ومسارعتهم لتلبية متطلبات ومستحقات الإيمان بالله، وبرسالة نبيه عليه الصلاة والسلام، إذ إن الصدق في الإيمان سبيل إلى تحصيل رضا الرحمن أولاً، وهو طريق أيضًا لحصول نصره وتأييده { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } (الحج:40) . - على أن من الدلالات المهمة في هذه البيعة، والتي تدل على كل ما سبق وتدعمه، ما يستفاد من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم من رسولهم صلى الله عليه وسلم، فيما ذكره أصحاب السِّيَر من أن عروة - وهو أحد أعضاء وفد قريش، الذين ذهبوا للمفاوضة والمصالحة - وكان قد رجع إلى أصحابه يصف لهم ما رأى، قال: أي قوم !! والله لقد وفدت على الملوك، على كسرى و قيصر والنجاشي ، والله ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه، ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله إن تنخَّم نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدِّون إليه النظر تعظيما له. وفي فعل الصحابة هذا على ما وصف عروة ما يدل على أنه لا إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم دون محبة له، وأن هذه المحبة ليست معنى عقلانيًا مجردًا، وإنما هي أثر ملموس، وسلوك مشهود، يستحوذ على القلب، فيطبع صاحبه، بمثل الطابع الذي وصف به عروة بن مسعود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومما يتصل بهذا الحدث، ويحمل من الدلالة ما يحمل، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في "الصحيحين" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ( أنتم خير أهل الأرض ) قال جابر - وكان قد كفَّ بصره -: ولو كنت أبصر اليوم، لأريتكم مكان الشجرة . وقد قُطعت هذه الشجرة ونسي مكانها، وكان في ذلك خير للمسلمين؛ إذ لو بقيت إلى اليوم، لشُدت إليها الرحال، ولضُربت عليها القباب، ولظن الناس فيها الظنونا، ولربما كانت قِبلة لبعض الجهال، ولكن الله { غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الإثنين 06 أغسطس 2012, 2:43 am | |
| صلح الحديبية وشروطه
لم تخمد مشاعر المسلمين في المدينة شوقاً إلى مكة ، التي حيل بينهم وبينها ظلماً وعدواناً ، وما برحوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم فيه فرصة العودة إليها والطواف ببيتها العتيق ، إلى أن..
لم تخمد مشاعر المسلمين في المدينة شوقاً إلى مكة ، التي حيل بينهم وبينها ظلماً وعدواناً ، وما برحوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم فيه فرصة العودة إليها والطواف ببيتها العتيق ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي برز فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ليخبرهم برؤياه التي رأى فيها دخوله لمكة وطوافه بالبيت ، فاستبشر المسلمون بهذه الرؤيا لعلمهم أن رؤيا الأنبياء حق ، وتهيّؤوا لهذه الرحلة العظيمة . وفي يوم الإثنين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ، يريد العمرة ومعه ألف وأربعمائة من الصحابة ، وليس معهم إلا سلاح السفر ، فأحرموا بالعمرة من ذي الحليفة ، فلما اقتربوا من مكة بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت .
فلما نزل الرسول بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له : أخبرهم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً ، وادعهم إلى الإسلام ، وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح ، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان . فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فقالوا : إلى أين ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً . قالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ إلى حاجتك .
ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل ، فدعا إلى البيعه ، فتبادروا إليه ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا ، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها قوله : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } (سورة الفتح 18) .
وأرسلت قريش عروة بن مسعود إلى المسلمين فرجع إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك -كسرى ، وقيصر والنجاشي- والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً . والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، ثم قال : وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها . ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم ، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح ، وهي : الأولى : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه وعدم دخول مكة ، وإذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب ، فأقاموا بها ثلاثاً . الثانية : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس . الثالثة : من أحب أن يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه . الرابعة : من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد إليه .
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ، فدعا الكاتب -وهو علي بن أبي طالب - فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن ، فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال صلى الله عليه وسلم : اكتب : باسمك اللهم ، ثم قال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال : إني رسول الله ، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله، ثم تمت كتابة الصحيفة ، ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش .
فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ، وقد خرج من أسفل مكة يرسف-يمشي مقيداً- في قيوده ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال : إذاً والله لا أصالحك على شئ أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي، قال : ما أنا بمجيزه لك . قال : بلى، فافعل، قال : ما أنا بفاعل . قال أبو جندل : يا معشر المسلمين ! كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت ؟ -وكان قد عذب في الله عذاباً شديداً- قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! ألست نبي الله ؟ قال : بلى، قلت : ألسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : علام نعطى الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال : إني رسول الله ، وهو ناصري ، ولست أعصيه . قلت : ألست كنت تحدثنا : أنا نأتي البيت ، ونطوف به . قال : بلى ، أفاخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا، قال : فإنك آتيه ومطوف به . قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ، وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق .
فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا، ثم احلقوا، وما قام منهم رجل ، حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً . ثم جاء نسوة مؤمنات ، فأنزل الله : {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} (سورة الممتحنة 10) . وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم : أنزل الله سورة الفتح : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } الآية ، فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال الصحابة : هذا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الآيتين إلى قوله : {فوزا عظيما} (سورة الفتح 1-5) .
ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير -رجل من قريش- مسلماً ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به ، حتى بلغا ذا الحليفة . فنزلوا يأكلون من تمر لهم . فقال أبو بصير لأحدهما: إني أرى سيفك هذا جيداً. فقال: أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال : أرني أنظر إليه ، فقتله بسيفه ، ورجع أبو بصير إلى المدينة ، فقال : يا نبي الله ! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت منهم أبو جندل ، فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم عصابة . فما سمعوا بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن أتاه منهم فهو آمن .
وكان هذا الصلح فتحاً عظيماً ، ونصراً مبيناً للمسلمين ، وذلك لما ترتب عليه من منافع عظيمة ؛ حيث اعترفت قريش بالمسلمين ، وقوتهم ، وتنازلت عن صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية ، فلا عجب إذاً أن يسمّيه الله تعالى فتحا مبينا .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 9:12 pm | |
| وقفة مع عام الوفود
لما فتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة في العام الثامن للهجرة، وفرغ من تبوك، أقبلت الوفود إليه من كل مكان معلنة إسلامها، حتى زاد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستين..
لما فتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة في العام الثامن للهجرة، وفرغ من تبوك، أقبلت الوفود إليه من كل مكان معلنة إسلامها، حتى زاد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستين وفدا، وكان أهم تلك الوفود: وفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة ـ وفيهم مسيلمة الكذاب ـ، وفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد بني سعد بن بكر وفيهم ضمام بن ثعلبة، ووفد نجران .. وكانت الوفادة إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قد بدأت قبل الفتح، إلا أن الوفادة العامة، وفي صورة متوالية مستمرة إنما وقعت بعد عام فتح مكة في السنة التاسعة، ولذلك سميت السنة التاسعة من الهجرة بعام الوفود .. وقد اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الوفود وحرص على تعليمها ، وكان - صلى الله عليه وسلم ـ يبعث مع بعضهم من يعلمهم أحكام دينهم ..
وفد عبد القيس :
كانوا من أول من أسلم خارج المدينة، فلما قدموا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، رحب بهم، وسألوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمر واضح يعملون به، ويخبرون به من وراءهم . عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: من القوم؟ـ أو من الوفد؟ ـ، قالوا: ربيعة، قال مرحبا بالقوم أو بالوفد، غير خزايا ولا ندامى . فقالوا يا رسول الله: إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصْل(واضح)، نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة. فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس ..)(البخاري) . وكان فيهم عبد الله بن عوف الأشج الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة ) (مسلم) .
وفد بني حنيفة :
جاء وفد بني حنيفة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم مسيلمة الكذّاب، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث التي كانت مخصّصة للوفود، أما مسيلمة فكان يطمع في المُلك والرياسة واستنكف عن الإسلام، وكان يقول لمن حوله: " إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته "، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ مقالته أقبل إليه ومعه ثابت بن قيس ، وفي يده ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطعةٌ من جريد النخل، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن أتعدى أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وهذا ثابت يجيبك عني، ثم انصرف عنه ) (مسلم).. وفي رواية البخاري: (ولن تعدو أمر الله فيك ). قال النووي: " قال القاضي: هما صحيحان، فمعنى الأول: لن أعدو أنا أمر الله فيك، من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة، ومن أني أبلغ ما أنزل إليَّ، وأدفع أمرك بالتي هي أحسن .. ومعنى الثاني : ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أمَّلته من النبوة وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك . وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ولئن أدبرت ليعقرنك الله ): أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله، وقتله الله تعالى يوم اليمامة وهذا من معجزات النبوة " ..
وفد الأشعريين وأهل اليمن :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يقدم عليكم غدا أقوام هم أرق قلوبا للإسلام منكم، قال: فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري ، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غدا نلقى الأحبة محمداً وحزبه، فلما أن قدموا تصافحوا ، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة )(أحمد) .
وفد ضِمَام بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ عن قومه بني سعد بن بكر :
قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: ( بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله(ربطه)، ثم قال لهم: أيكم محمد؟، ـ والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم ـ، فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد أجبتك، فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني أسألك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليَّ(تغضب) في نفسك، فقال: سل عما بدا لك . فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم . قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم . قال: أنشدك بالله. آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم . قال: أنشدك بالله. آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها في فقرائنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم نعم. فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر)(البخاري). ورجع ضمام بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ إلى قومه مسلما، وأخبرهم بما أمره به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ودعاهم إلى الإسلام، فما أمسى من قومه رجل ولا امرأة إلا أسلم, وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول :" فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة " (أبو داود). وكان عمرـ رضي الله عنه ـ يقول: " ما رأيت أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام " ..
وفد نصارى نجْران :
كان هذا الوفد مؤلفا من ستين رجلا، بينهم العاقب وهو أميرهم الذين يمتثلون رأيه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وقد لبثوا عنده ـ صلى الله عليه وسلم ـ أياما يجادلونه في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ، ووحدانية الله تعالى، وقد تلا عليهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قول الله تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ .فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (آل عمران59 :61).. فلما أبوا أن يسلموا دعاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المباهلة ، أي الدعوة إلى أن يبتهل كل طرف إلى الله أن يجعل لعنته على الطرف الكاذب ، فخافوا وأبوا، فصالحهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على دفعهم الجزية .. عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا ، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين . فاستشرف له أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح ، فلما قام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا أمين هذه الأمة )(البخاري) . وذكر ابن سعد: " أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك فأسلما، ثم انتشر الإسلام فيهم "
وفد ثقيف :
قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهو يدعوهم إلى الإسلام، حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضية صلح بينه وبين ثقيف، يأذن لهم فيه بالزنا وشرب الخمور وأكل الربا، ويترك لهم اللات، وأن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبَى ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل شيئاً من ذلك، فخلوا وتشاوروا فلم يجدوا محيصاً عن الاستسلام لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاستسلموا وأسلموا، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة يهدمان اللات، وبذلك تم القضاء على ثاني أكبر طواغيت الشرك في الجزيرة العربية ..
لطالما آذت ثقيف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أرسل الله ـ عز وجل ـ له مَلَك الجبال ليأمره بإهلاكهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( .. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )(البخاري). ذلك هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لا يعرف انتقاما لنفسه، ولا يحمل ضغينة لأحد، بل يحمل هم هداية الناس ـ وإن آذوه ـ، والأخذ بأيديهم إلى الله ..
لقد تركت لنا تلك الوفود وغيرها منهجاً نبويَّا كريماً في تعامله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم، وبينت لنا اهتمامه - صلى الله عليه وسلم ـ بهم، وحرصه على تعليمهم أمور دينهم، وحكمته في تعامله ودعوته لهم مع اختلاف معتقداتهم وأفكارهم، فرجعت تلك الوفود دعاة هداة، يعلمون أقوامهم مما تعلموا فأسلموا، وبذلك تمت سيادة الإسلام على كافة أنحاء الجزيرة العربية في العام التاسع الهجري ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 9:17 pm | |
| وقفة مع إسلام عكرمة بن أبي جهل
كان عكرمة من أشد الناس عداوة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد شرب هذه العداوة من أبيه ـ فرعون هذه الأمة ـ ، مما جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فتح مكة يعفو ويؤمّن الناس..
كان عكرمة من أشد الناس عداوة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد شرب هذه العداوة من أبيه ـ فرعون هذه الأمة ـ ، مما جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فتح مكة يعفو ويؤمّن الناس جميعا إلا أربعة ، بل ويأمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة .. فعن مصعب بن سعد عن أبيه ـ رضي الله عنهما ـ قال : " لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وسماهم .." ، وكان منهم عكرمة بن أبي جهل .. فهرب وذهب إلى البحر ليأخذ سفينة وينطلق بها إلى اليمن ، إلا أن الله ـ عز وجل ـ شاء له الهداية فأسلم .. يقول سعد : " .. وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا فان آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا ، فقال عكرمة : لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ، ما ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك عليَّ عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه آتي محمدا فأضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما ، قال : فجاء فأسلم .."(أبو داود).. ويروي عبد الله بن الزبير قصة إسلام عكرمة ـ كما ذكر الواقدي والسيوطي ـ فيقول : " .. قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله ، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن ، وخاف أن تقتله فأمنه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هو آمن ) .. فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي ، فراودها عن نفسها ، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حي من عك ، فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطا .. وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر ، فجعل نوتي(ملاح) السفينة يقول له : أخلص! فقال : أي شيء أقول ؟ ، قال: قل لا إله إلا الله ، قال عكرمة : ما هربت إلا من هذا .. فجاءت أم حكيم على هذا الكلام ، فجعلت تلح عليه وتقول : يا ابن عم ، جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس ، لا تهلك نفسك .. فوقف لها حتى أدركته فقالت : إني قد استأمنت لك محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: أنت فعلت ؟ ، قالت: نعم ، أنا كلمته فأمنك فرجع معها ، وقال : ما لقيت من غلامك الرومي ؟ ، فخبرته خبره فقتله عكرمة ، وهو يومئذ لم يسلم .. " .. ويكمل عبد الله بن الزبير القصة فيقول : " .. وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها ، فتأبى عليه وتقول : إنك كافر وأنا مسلمة ، فيقول : إن أمرا منعك مني لأمر كبير .. فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عكرمة وثب إليه ، وما على النبي - صلى الله عليه وسلم ـ رداء ، فرحا بعكرمة .. ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف بين يديه ، وزوجته منتقبة ، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( صدقت ، فأنت آمن ) ، فقال عكرمة : فإلى ما تدعو يا محمد ؟ ، قال : ( أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتفعل ، وتفعل ـ ، حتى عَدَّ خصال الإسلام.. ) ، فقال عكرمة : والله ما دعوتَ إلا إلى الحق وأمرٍ حسن جميل ، قد كنتَ والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا .. ثم قال عكرمة : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. فسُرَّ بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال : يا رسول الله علمني خير شيء أقوله ، قال : ( تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ) ، قال عكرمة : ثم ماذا ؟ ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تقول أُشْهِد الله وأشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد ) ، فقال عكرمة ذلك .. فقال رسول الله : ( لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه ) ، فقال عكرمة : فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها ، أو مسير وضعت فيه ، أو مقام لقيتك فيه ، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك ، فاغفر له ما نال مني من عرض في وجهي أو أنا غائب عنه ) .. فقال عكرمة : رضيت يا رسول الله ، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدٍ عن سبيل الله إلا أنفقتُ ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالا كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله .. ثم اجتهد في القتال حتى قتِل شهيدا (أي في يوم اليرموك) .. وبعد أن أسلم رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأته له بذلك النكاح الأول .." . وقد أخرج ابن عساكر عن عمرو(ابن دينار) قال : " .. لما قدم عكرمة بن أبي جهل المدينة ، اجتمع الناس ، فجعلوا يقولون : هذا ابن أبي جهل ، هذا ابن أبي جهل ! ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تؤذوا الأحياء بسبِّ الأموات ) .. وفي قصة إسلام عكرمة ـ رضي الله عنه ـ بيان لحكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمو خلقه ، ورحمته وسماحته .. فرغم أن عكرمة كان أحد الذين عادوا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل ذلك وآذوه إيذاء شديدا ، فقد كان لعفوه وسماحته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكلماته وترحيبه في استقباله ، وأمره لأصحابه بعدم إيذائه بسبهم لأبيه ، ومعانقته عند قدومه ، الأثر الكبير في إزالة ما على قلبه من ركام الجاهلية ، وكان كافيا لتغيير حياته ، واجتذابه إلى الإسلام .. ومن ثم تأثر عكرمة ـ رضي الله عنه ـ بموقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاهتزت مشاعره ، وتحركت أحاسيسه ، ودخل نور الهداية قلبه فأسلم ، وقال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " .. قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا .. " .. فأي حكمة وأخلاق كريمة كانت عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ !! ، وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4)، ويقول : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء7) .. وكذلك في إسلام عكرمة ـ رضي الله عنه ـ تتجلى لنا صورة من صُوَر عِفَّة المرأة المسلمة ـ أم حكيم - رضي الله عنها -، فقد دعاها عكرمة ـ زوجها ـ إلى الجماع ولكنها رفضت ، وأبت عليه ذلك مُبَرِّرة رفضَها قائلة : " إنك كافر، وأنا مسلمة " .. فهي ما سعت وراءه لرغبات نفسها ، بل لَحِقَت به لتريه طريقَ الإسلام ، ولتهديه - بإذن الله - سواء السبيل .. فما كان من عكرمة إلاَّ أنْ قال : " إنَّ أمرًا منعكِ مني لأمرٌ كبير " .. وهكذا نجحت أم حكيم ـ رضي الله عنها ـ في زرع البذرة الطيبة في نفس زوجها ، وعادت به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليعلن إسلامه بين يديه ، بعد أن كاد يضيع في ظلمات الشرك والوثنية .. لقد تغير عكرمة ـ رضي الله عنه ـ بعد إسلامه تغيرًا كاملاً .. وهكذا الإسلام يصنع الرجال والنساء على نَهْجه ، بصورة مختلفة تمام الاختلاف عن حياتهم قبل الإسلام ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 9:53 pm | |
| تطهير الجزيرة العربية من الأصنام في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة فتح الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة المكرمة وهو الفتح الأعظم، الذي أعز الله به دينه ورسوله، ودخل به الناس في دين الله أفواجا، ودخل النبي ـ.. في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة فتح الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة المكرمة وهو الفتح الأعظم، الذي أعز الله به دينه ورسوله، ودخل به الناس في دين الله أفواجا، ودخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد الحرام، وحوله أصحابه، فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعن بعود تلك الآلهة المزيفة المنثورة حول الكعبة، وهو يردد قول الله تعالى: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }(الإسراء1)، والأصنام تتساقط على وجهها على الأرض، ونادى مناديه بمكة قائلاً : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره .. فطهر الله جزيرة العرب من رجس الوثنية، وهيمنة الأصنام والتماثيل .. ولما اطمأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد فتح مكة بعث خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـإلى العزى ـ أعظم أصنامهم ـ بنخلة ليهدمها، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وَكِنَانَة وَمُضَر كلها، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارساً حتى انتهى إليها، فهدمها . عن أبي الطفيل ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما فتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة،وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات(شجرات) ، فقطع السمرات ، وهدم البيت الذي كان عليها ، ثم أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره .. فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئا . فرجع خالد فلما أبصرت به السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الجبل، وهم يقولون : يا عزى، فأتاها خالد فإذا هي امرأة عريانة، ناشرة شعرها، تحثو(تلقي) التراب على رأسها، فعممها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره، فقال: تلك العزى )( النسائي ). وكذلك بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سرية عمرو بن العاص إلى سواع، وسـواع اسم صنم كان لقوم نوح - عليه السلام - ثم صار بعد ذلك لقبيلة هذيل المضرية، وظل هذا الوثن منصوبًا تعبده هذيل وتعظمه، حتى إنهم كانوا يحجون إليه، حتى فُتِحت مكة، ودخلت هذيل فيمن دخل في دين الله أفواجا، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية عمرو بن العاص لتحطيم سواع .. ويحدثنا قائد السرية عن مهمته ـ كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد ـ فيقول : " .. فانتهيت إليه وعنده السادن، فقال: ما تريد؟ قلت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أن أهدمه، قال: لا تقدر على ذلك، قلت: لِم؟ قال: تُمنع، قلت: حتى الآن أنت في الباطل، ويحك! هل يسمع أو يُبْصر؟! قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا شيئا، ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟ قال : أسلمتُ لله " .. وعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيتا في خثعم، يسمى كعبة اليمانية قال: فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل قال: وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري، حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها، فكسرها وحرقها ثم بعث إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبره، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف، أو أجرب .. )( البخاري )..قال الداودي : " .. شبهها ـ حين ذهب سقفها وكسوتها فصارت سوداء ـ بالجمل الذي زال شعره ونقص جلده من الجرب وصار إلى الهزال " .. ولما سألت ثقيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يترك لهم صنمهم اللات لا يهدمها، وألحوا عليه في أن يؤجل هدم الصنم ثلاث سنين، أبَى، فما برحوا يسألونه ويأبى عليهم ، فألحوا على أن يؤجل تحطيمها سنة ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً فأبى أن يتركها، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ http://downloads.roro44.com/22214وhttp://downloads.roro44.com/66229ـرضي الله عنهما ـ يهدمانها، فهدماها في مشهد عظيم .. يقول http://downloads.roro44.com/45144يم في زاد المعاد ـ في فقه قصة وفد ثقيف ـ: " .. هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير، وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله، ويشرك بأربابها مع الله، لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين " .. هكذا كان موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حماية التوحيد، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك بالله، لأن الشرك إذا حدث وسُكِت عنه وعن الأسباب التي ربما تؤدي إليه، لا يلبث أن يصير في حكم الواقع ومن المسلَّمات،ومن ثم فقد دلت الأدلة الشرعية من سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته على وجوب هدم الأصنام، ومن ذلك ما رواه عمرو بن عبسة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وبأي شيء أرسلك؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أرسلني بِصِلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُوحَد الله لا يُشْرك به شيء )( مسلم ). ومن ثم كان من أهم فوائد فتح مكة انتزاع تلك البقعة المباركة من براثن الكفر وضمها لحمى الإيمان، وانتهاء عهد الخرافة و الأصنام والشرك، وبدء عصر النور والتوحيد والإسلام .. | |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 10:04 pm | |
| من الحديبيــــــــة إلى تبـــوك
مواقف تربوية من غزوة حنين
إن المتأمل في حياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليعجب من فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها وإصلاح أخطائها، وعلاج ما بها من خلل ، يظهر ذلك في مواقف كثيرة من سيرته..
إن المتأمل في حياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليعجب من فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها وإصلاح أخطائها، وعلاج ما بها من خلل ، يظهر ذلك في مواقف كثيرة من سيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعاملته لأصحابه، ومن ذلك ما حدث من بعض المواقف في غزوة حنين، التي وقعت أحداثها في شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة، ودارت رحاها في وادي حنين، وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في هذه المعركة اثنا عشر ألفًا، على غير عادتهم بهذه الكثرة، حتى نظر بعض المسلمين الجُدُد إلى جيشهم الكبير فاغتروا بهذا العدد وقالوا : لن نغلب اليوم من قلة ..
وهذه الغزوة وما رافقها من أحداث ومواقف، أشار إليها القرآن الكريم : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ }(التوبة 25 : 26).. ومع ما حققته غزوة حنين من أهداف على الصعيد الميداني من غنائم كثيرة وانتصار كبير للمسلمين، فقد أبرزت مواقف حكيمة وتربوية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه، تستحق الوقوف عندها للنظر فيها والاستفادة منها ..
لا رجعة للوثنية :
خرج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين بعض حديثي العهد بالجاهلية، وكانت لبعض القبائل ـ قبل الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها ، وبينما هم يسيرون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ وقع بصرهم على الشجرة .. يقول أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - : ( .. إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم )(الترمذي) . وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد الخالص رغم إسلامهم، ولكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع رفقه بمن أخطأ لم يسكت على هذا الخطأ، بل حذر من آثاره ونتائجه ، وأوضح لهم خطورة ما في طلبهم .. وهكذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يربي أصحابه ، ويصحح ما يظهر من انحراف في القول أو السلوك أو الاعتقاد، حتى في أشد الظروف والمواجهة مع الأعداء .. فالمخطئ والجاهل له حق على مجتمعه، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه برفق، وبأفضل الطرق وأقومها، فلو أن المسلمين ـ وخاصة الدعاة والمعلمين ـ اقتدوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبذلوا جهدهم في نصح وتعليم المخطئ بهذا الأسلوب النبوي الكريم، وما فيه من حلم ورفق، ونصح وحكمة، لأثروا بتعليمهم وأسلوبهم فيه، تأثيراً يجعله يستجيب لتنفيذ أمر الله وهدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
لن نُغلب اليوم من قلة :
الغرور يمنع النصر، وإذا كانت غزوة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئا بجانب كثرة أعدائهم، فإن غزوة حنين أكدت أن كثرة المسلمين ـ أيضا ـ لا تفيدهم ولا تنفعهم إذا لم يكونوا مؤمنين صادقين، إذ كان المسلمون في حنين أكثر عددا منهم في أي معركة أخرى خاضوها من قبل، ومع ذلك لم تنفعهم الكثرة شيئا لما دخل إلى قلوبهم العجب والغرور، فقد حجب هذا الغرور النصر عن المسلمين في بداية المعركة، حينما قال رجل من المسلمين : " لن نُغْلب اليوم من قلة "، فشق ذلك على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ }(التوبة:25) .
ونبه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أهمية الاستعانة بالله في الحروب وغيرها، ونسْبة النصر والتوفيق إلى الله في كل شيء، فكان دائما في غزواته وحروبه إذا لقي العدو يقول : ( اللهم بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل )(أحمد) . بك أحول : أتحرك، وبك أصول : أحمل على العدو .. ولعلَّ هذا من أبلغ الدروس التربوية في هذه الغزوة، وقد انتفع به الصحابة بعد ذلك في حروب كثيرة دارت مع الفرس والروم وغيرهما من أجناس الأرض، وما فر المسلمون الذين شهدوا حُنَيْنًا بعد ذلك، فكلهم أيقنوا أن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة، وأن الكثرة لا تغني شيئا، ولا تجدي نفعاً في ساحات المعارك، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وأخذت بأسباب النصر وقوانينه .. فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة والعدة فقط ، وإنما ثمة أمور أُخَرلا تقل شأنا عنها، إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارا، فكانت حنين بهذا درساً، استفاد منه المسلمون غاية الفائدة، وتعلموا منه أهم قواعد النصر وقوانينه، وأن النصر من عند الله، قال الله تعالى: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(آل عمران: من الآية126)، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }(محمد : 7)..
الغنائم وتأليف القلوب :
غنم المسلمون في حنين مغانم كثيرة، وكانت قسمة هذه الغنائم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفْهَم في أول الأمر، فأُطْلِقتْ بعض الألسنة بالاعتراض .. فقد رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتألف البعض بالغنائم تأليفا لقلوبهم، وذلك لحداثة عهدهم بالإسلام، فأعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاء عظيما، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، ومن هؤلاء : أبو سفيان بن حرب ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وصفوان بن أمية ، وعيينة بن حصن الفزاري ، والأقرع بن حابس ، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان ، وقيس بن عدي ، وترك الأنصار ثقة في قوة إيمانهم وسماحة نفوسهم .. وقد تأثر بعض الأنصار من هذا العطاء بحكم الطبيعة البشرية ، فظهر بينهم نوع من الاعتراض على ذلك، فراعى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الاعتراض وعمل على إزالته بحكمة ورفق .. عن أبى سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد(غضب) هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم : لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله، إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟، قال: يا رسول الله، ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا من ذلك، قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال : فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة، قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال : فأتاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وعالة (فقراء) فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل، قال: أما والله لو شئتم لقلتم، فَلَصَدَقْتُمْ، وَصُدِّقْتُمْ، أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحالكم؟، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفرقوا)(أحمد).. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين: ( أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم .. قال أنس بن مالك : فحدث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قولهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم )(البخاري).
لقد اتبع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الأنصار منهجاً تربوياً فريداً ، خاطب فيه عقولهم وعواطفهم، فكانت النتيجة أن انقادوا طائعين مختارين راضين بقسمة الله تعالى ورسوله .. وكان هدف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذا العطاء المجزي للبعض ـ مع تأليفهم وتثبيتهم ـ تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام، بعد أن يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، ويتذوقون حلاوته، ويتربون في مدرسته، وقد حدث ذلك بالفعل .. عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها )(مسلم). وقد عبر عن هذا صفوان بن أمية ـ رضي الله عنه ـ بقوله : ( لقد أعطاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ )(مسلم).
فائدة :
يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد : " .. ومعلوم : أن الأنفال لله ولرسوله يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل، ولما عميت أبصار ذي الخويصرة التميمي وأضرابه عن هذه المصلحة والحكمة ، قال له قائلهم : اعدل فإنك لم تعدل . وقال مشبهه : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله .. ولعمر الله إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله، ومعرفته بربه، وطاعته له، وتمام عدله، وإعطائه لله، ومنعه لله، ولله سبحانه أن يقسم الغنائم كما يحب، وله أن يمنعها الغانمين جملة كما منعهم غنائم مكة، وقد أوجفوا عليها بخيلهم وركابهم، وله أن يسلط عليها نارا من السماء تأكلها، وهو في ذلك كله أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، وما فعل ما فعله من ذلك عبثا، ولا قدره سدى، بل هو عين المصلحة والحكمة والعدل والرحمة، مصدره كمال علمه، وعزته، وحكمته، ورحمته، ولقد أتم نعمته على قوم ردهم إلى منازلهم برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقودونه إلى ديارهم، وأرضى من لم يعرف قدر هذه النعمة بالشاة والبعير، كما يعطى الصغير ما يناسب عقله ومعرفته، ويعطى العاقل اللبيب ما يناسبه، وهذا فضله، وليس هو سبحانه تحت حجر أحد من خلقه، فيوجبون عليه بعقولهم، ويحرمون، ورسوله منفذ لأمره .. فإن قيل : فلو دعت حاجة الإمام في وقت من الأوقات إلى مثل هذا مع عدوه، هل يسوغ له ذلك؟، قيل : الإمام نائب عن المسلمين يتصرف لمصالحهم، وقيام الدين، فإن تعين ذلك للدفع عن الإسلام، والذب عن حوزته، واستجلاب رؤوس أعدائه إليه ليأمن المسلمون شرهم، ساغ له ذلك، بل تعين عليه، وهل تجوز الشريعة غير هذا، فإنه وإن كان في الحرمان مفسدة، فالمفسدة المتوقعة من فوات تأليف هذا العدو أعظم، ومبنى الشريعة على دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل بناء مصالح الدنيا والدين على هذين الأصلين .." .
حلم وصبر :
لقد ظهر من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حنين الصبر على جفاء الأعراب، فكان مثالا للمربي الذي يصبر، ويبين لهم بحكمة ورفق، ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيما، ولهم مربيا ، وعلى أذاهم صابرا، ومع علو قدره ومنزلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان كأحد أصحابه، يخاطبونه ويعاتبونه، ولا يحتجب عنهم قط، وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة، وأما جفاة الأعراب فقد صبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سوء أدبهم وجفائهم، وارتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم له .. عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه ـ قال : ( .. فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل : والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال : فقلت : والله لأخبرن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصِرف(صبغ أحمر)، ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!، قال : ثم قال : يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر.. قال : قلت : لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا )(مسلم) . وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال : مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء )(البخاري) .
وفي صبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أنواع الأذى في حنين وغيرها من غزوات وأحداث أمثلة رائعة يجدر بالدعاة إلى الله أن يقفوا عندها ويتأملوها، ليتأسَّوا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
لقد كانت غزوة حنين آخر غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمشركي العرب ، وقد سُجلت هذه الغزوة في القرآن الكريم لكي تبقى للمسلمين في كل زمان ومكان يتعلمون منها الدروس والعبر ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 10:17 pm | |
| دروس من سرية ذات السلاسل
علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد عودة سرية مؤتة إلى المدينة سنة ثمان للهجرة، أن قضاعة التي اشتركت في القتال إلى جانب الروم، بدأت تتجمع تريد الاقتراب من المدينة لتهديدها، ومحاولة..
علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد عودة سرية مؤتة إلى المدينة سنة ثمان للهجرة، أن قضاعة التي اشتركت في القتال إلى جانب الروم، بدأت تتجمع تريد الاقتراب من المدينة لتهديدها، ومحاولة القضاء على المسلمين بعد أن غرها ما حدث للمسلمين في مؤتة .. فجهز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سرية من ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وأمَّر عليها عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ بهدف أن يقضي على خطر قضاعة في مهده . عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بعث إليَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمرني أن آخذ علي ثيابي وسلاحي ثم آتيه . قال: ففعلت، ثم أتيته وهو يتوضأ، فصعد في البصر ثم طأطأ، ثم قال: يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، قال: فقلت: يا رسول الله إني لم أسلم رغبة في المال، ولكني أسلم رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: يا عمرو نعم المال الصالح للرجل الصالح ) ( أحمد ) . وأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمرو بن العاص بأن يستعين بمن مر به من بلاد بَلِي وعُذْرَةَ وبَلْقَيْنِ . فانطلق عمرو ـ رضي الله عنه ـ في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وأمر بالسير بالليل والراحة بالنهار، فلما اقترب من مكان تجمع الأعداء، بلغه أن لهم جموعاً كثيرة، فبعث رافع بن مَكِيثٍ الجُهَنِي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، فيهم أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ، وعقد له لواء، وأمره أن يلحق بعمرو ، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا . واصل عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ السير، حتى وطئ بلاد قُضَاعَة وتوغل في ديارهم، ولقي جمعا منهم، فحمل عليهم المسلمون وقاتلوهم، فهربوا في البلاد متفرقين مذعورين منهزمين . فبعث عمرو ـ رضي الله عنه ـ عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ليخبره برجوعهم وسلامتهم، وما كان في غزاتهم . وسُميت هذه السرية بذات السلاسل، لأن المسلمين نزلوا على ماء يقال له: السلسل .. ومع ما حققته هذه المعركة من أهداف على الصعيد الميداني، فقد أسهمت كذلك في إبراز عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ كشخصيّة عسكرية فذّة، وقيادة حكيمة، كان لها دورها في الفتوحات الإسلامية بعد ذلك . ومن ملامح شخصيته ـ رضي الله عنه ـ : إخلاصه لله عز وجل، وقوة إيمانه ويقينه، وحبه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يظهر ذلك في قوله ـ رضي الله عنه ـ: " ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ " . كذلك حكمته وخبرته العسكرية ـ رضي الله عنه ـ وقد ظهر ذلك من خلال بعض المواقف في هذه السرية . ففي إحدى الليالي حاول بعض الجنود إشعال النيران ليتقوا بها من شدة البرد، فنهاهم عمرو ـ رضي الله عنه ـ عن ذلك أشدّ النهي، فشكى الناس إلى أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ شدّة عمرو ، فذهب إليه وكلّمه ، لكنَّ عمرو ـ رضي الله عنه ـ أصرّ على رأيه ومنعهم، معتمداً في ذلك على عمق فكره العسكري، وخوفهً من وقوع مفسدة أعظم من تلك المصلحة وهي أن يمتد ضوء النار فيكشف المسلمين - وهم قلة - لأعدائهم فيهجموا عليهم . وكان يسير ليلا، ويختفي ويستريح نهارا، وقد حقق بذلك أمرين مهمين: إخفاء تحركاته عن عدوه، وبذلك يضمن سلامة قواته، وحماية الجند من حر الشمس، وفي ذلك حماية وتقوية وعونا لهم على القتال .. ومن فقهه - رضي الله عنه ـ في هذه السرية ما حدث به حين قال: ( احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } (النساء: من الآية29)، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئاً ) ( أبو داود ). وقد استُنبط العلماء من ذلك : أن التيمم يقوم مقام الغسل بالنسبة للجنب مع وجود الماء إذا خشي أن يؤدي استخدام الماء إلى الضرر، فلقد تيمم عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ لما أصبح جنباً مع وجود الماء عنده وصلى، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه . لقد مكنت هذه السرية الناجحة ـ مع صغرها ـ من استعادة هيبة المسلمين في شمال الجزيرة، بعد أن تزعزعت في أعقاب سرية مؤتة، كما بسطت هيبة الدولة الإسلامية، وكسرت عصا التمرد التي طالما أشهرتها بعض القبائل العربية الموالية للروم . وأسهمت كذلك في إسلام الكثير من أهالي بني مرة، وبني ذبيان،، وكذلك فزارة وسيدها عيينة بن حصن ، وتبعها بنو سُلَيم، وعلى رأسهم العباس بن مرداس ، وبنو أشجع، ومن ثم أصبح المسلمون هم الأقوى في شمال بلاد العرب ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 10:21 pm | |
| تطهير الجزيرة العربية من الأصنام
في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة فتح الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة المكرمة وهو الفتح الأعظم، الذي أعز الله به دينه ورسوله، ودخل به الناس في دين الله أفواجا، ودخل النبي
في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة فتح الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة المكرمة وهو الفتح الأعظم، الذي أعز الله به دينه ورسوله، ودخل به الناس في دين الله أفواجا، ودخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد الحرام، وحوله أصحابه، فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعن بعود تلك الآلهة المزيفة المنثورة حول الكعبة، وهو يردد قول الله تعالى: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }(الإسراء1)، والأصنام تتساقط على وجهها على الأرض، ونادى مناديه بمكة قائلاً : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره .. فطهر الله جزيرة العرب من رجس الوثنية، وهيمنة الأصنام والتماثيل .. ولما اطمأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد فتح مكة بعث خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـإلى العزى ـ أعظم أصنامهم ـ بنخلة ليهدمها، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وَكِنَانَة وَمُضَر كلها، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارساً حتى انتهى إليها، فهدمها . عن أبي الطفيل ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما فتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة،وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات(شجرات) ، فقطع السمرات ، وهدم البيت الذي كان عليها ، ثم أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره .. فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئا . فرجع خالد فلما أبصرت به السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الجبل، وهم يقولون : يا عزى، فأتاها خالد فإذا هي امرأة عريانة، ناشرة شعرها، تحثو(تلقي) التراب على رأسها، فعممها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره، فقال: تلك العزى )( النسائي ). وكذلك بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سرية عمرو بن العاص إلى سواع، وسـواع اسم صنم كان لقوم نوح - عليه السلام - ثم صار بعد ذلك لقبيلة هذيل المضرية، وظل هذا الوثن منصوبًا تعبده هذيل وتعظمه، حتى إنهم كانوا يحجون إليه، حتى فُتِحت مكة، ودخلت هذيل فيمن دخل في دين الله أفواجا، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية عمرو بن العاص لتحطيم سواع .. ويحدثنا قائد السرية عن مهمته ـ كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد ـ فيقول : " .. فانتهيت إليه وعنده السادن، فقال: ما تريد؟ قلت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أن أهدمه، قال: لا تقدر على ذلك، قلت: لِم؟ قال: تُمنع، قلت: حتى الآن أنت في الباطل، ويحك! هل يسمع أو يُبْصر؟! قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا شيئا، ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟ قال : أسلمتُ لله " .. وعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيتا في خثعم، يسمى كعبة اليمانية قال: فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل قال: وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري، حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها، فكسرها وحرقها ثم بعث إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبره، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف، أو أجرب .. )( البخاري )..قال الداودي : " .. شبهها ـ حين ذهب سقفها وكسوتها فصارت سوداء ـ بالجمل الذي زال شعره ونقص جلده من الجرب وصار إلى الهزال " .. ولما سألت ثقيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يترك لهم صنمهم اللات لا يهدمها، وألحوا عليه في أن يؤجل هدم الصنم ثلاث سنين، أبَى، فما برحوا يسألونه ويأبى عليهم ، فألحوا على أن يؤجل تحطيمها سنة ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً فأبى أن يتركها، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا سفيان بن حربوالمغيرة بن شعبةـرضي الله عنهما ـ يهدمانها، فهدماها في مشهد عظيم .. يقول ابن القيم في زاد المعاد ـ في فقه قصة وفد ثقيف ـ: " .. هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير، وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله، ويشرك بأربابها مع الله، لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين " .. هكذا كان موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حماية التوحيد، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك بالله، لأن الشرك إذا حدث وسُكِت عنه وعن الأسباب التي ربما تؤدي إليه، لا يلبث أن يصير في حكم الواقع ومن المسلَّمات،ومن ثم فقد دلت الأدلة الشرعية من سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته على وجوب هدم الأصنام، ومن ذلك ما رواه عمرو بن عبسة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وبأي شيء أرسلك؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أرسلني بِصِلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُوحَد الله لا يُشْرك به شيء )( مسلم ). ومن ثم كان من أهم فوائد فتح مكة انتزاع تلك البقعة المباركة من براثن الكفر وضمها لحمى الإيمان، وانتهاء عهد الخرافة و الأصنام والشرك، وبدء عصر النور والتوحيد والإسلام ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 10:25 pm | |
| رسائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الملوك والأمراء
بعد أن أدت الغزوات والسرايا دورها في إظهار قوة المسلمين، والقضاء على صناديد الكفر، ومنذ أن عقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلح الحديبية مع قريش، وما تلا ذلك من إخضاع اليهود، فإن..
بعد أن أدت الغزوات والسرايا دورها في إظهار قوة المسلمين، والقضاء على صناديد الكفر، ومنذ أن عقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلح الحديبية مع قريش، وما تلا ذلك من إخضاع اليهود، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يدخر جهداً لنشر الإسلام، وقد عبّرـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك بإرساله لعدد من الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم المعاصر خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام، فجاءت هذه الكتب وسيلة دعوية هامة، لإعلام الناس وإبلاغهم بدعوة الإسلام، وقد كان بعضهم يجهلها مثل كسرى، وبعضهم ينتظرها مثل قيصر.. انطلقت مواكب رسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحمل بشائر وأنوار الهداية، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكانت تلك الرسائل تحمل حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إسلام هؤلاء الملوك، وإبلاغ دعوته إليهم . عن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي - وهو غير الذي صلّى عليه - وإلى كل جبّار يدعوهم إلى الله عز وجل )( مسلم ). توجه سفراء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى المقوقس عظيم القبط في مصر، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى هرقل عظيم الروم، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وغيرهم من ملوك وأمراء .. وكان اختيار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسفرائه قائما على مواصفات رباهم عليها، فكانوا يتحلون بالعلم والفصاحة، والصبر والشجاعة، والحكمة وحسن التصرف، وحسن المظهر . فاختار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دحية الكلبي ، وأرسله إلى هرقل عظيم الروم . يقول ابن حجر في الإصابة عن دحية : " كان يُضرب به المثل في حسن الصورة ". وكان دحية ـ مع حسن مظهره ـ فارسا ماهرا، وعليما بالروم .. وأرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن حذافة إلى كسرى عظيم الفرس، وكان له دراية بهم ولغتهم، وكان ابن حذافة مضرب الأمثال في الشجاعة ورباطة الجأش . وأرسل ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس ملك مصر حاطب بن أبي بلتعة ، وقد قال فيه ابن حجر في الإصابة :" كان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية "، وكان له علم بالنصرانية، ومقدرة على المحاورة .. رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهرقل عظيم الروم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى: أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت عليك إثم الأريسيِّين، { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }(آل عمران64) )( البخاري ) . وقد تسلم هرقل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودقق في الأمر كما في الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان وهرقل، حين سأله عن أحوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال هرقل بعد ذلك لأبي سفيان : ( .. إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ) ( البخاري ). ومعنى تجشمت: تكلفت الوصول إليه، وارتكبت المشقة في ذلك . وفي رواية مسلم : " لأحببت لقاءه " . كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي ملك الحبشة ذكر الواقدي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى النجاشي كتابا، وأرسله مع عمرو بن أمية الضمري ، فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، أسلم أنت، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس، السلام المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم، وروح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول، فحملت به، فخلقه من روحه، ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى ). كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس ملك مصر ذكر الواقدي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى المقوقس، مع حاطب بن أبي بلتعة : ( بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط ، { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }(آل عمران:64) ) . كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى ملك فارس وقد أرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع عبد الله بن حذافة ـ رضي الله عنه ـ كما ذكر الواقدي ، وكان فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس ) . قال الطبري في تاريخه : " وقد اختلف تلقي الملوك لهذه الرسائل، فأما هرقل والنجاشي والمقوقس، فتأدبوا وتلطفوا في جوابهم، وأكرم النجاشي والمقوقس رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأرسل المقوقس هدايا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وأما كسرى لما قريء عليه الكتاب مزقه، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي ، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه ) . قال ابن المسيب : فدعا عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أن يمزقوا كل ممزق )( البخاري ). وقد وقع ما دعا به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد استولى على عرش كسرى ابنه قباذ الملقب بـشيرويه، وقُتِل كسرى ذليلاً مهاناً، وتمزق ملكه بعد وفاته وأصبح لعبة في أيدي أبناء الأسرة الحاكمة، فلم يعش شيرويه إلا ستة أشهر، وتوالى على عرشه في مدة أربع سنوات عشرة ملوك، وهكذا تحقق دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ومن خلال هذه الرسائل أظهر الرسول - صلى الله عليه وسلم – دراية وحكمة في سياسته الخارجية، وأصبحت مثالاً لمن جاء بعده من الخلفاء، كما أظهر - صلى الله عليه وسلم - قوة وشجاعة فائقتين، فلو كان غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخشي عاقبة ذلك الأمر، لاسيما وأن بعض هذه الكتب قد أرسلت إلى دول كبيرة وملوك أقوياء، كهرقل وكسرى والمقوقس، ولكن حرص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعزيمته على إبلاغ دعوة الله، وإيمانه المطلق بتأييد الله سبحانه وتعالى له، كل ذلك دفعه لأن يقدم على ما أقدم عليه . وأظهرت كذلك هذه الرسائل حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدعوة، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال الرجوع إلى ما تضمنته هذه الرسائل . حيث كان هرقل والمقوقس ممن يدينان بالنصرانية المحرّفة التي تغلو في المسيح ـ عيسى عليه السلام ـ وترفعه إلى درجة الألوهية، ومن ثم أكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عبودية الناس عموما، والرسل خصوصاً لله رب العالمين، فذكر في رسالته إليهما قوله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران:64). وفي جانب الفرس ـ كان كسرى وقومه ممن يعبدون الشمس والنار، فحرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تصحيح هذا المفهوم من خلال إيراده لحقيقة التوحيد في ثنايا رسالته. ومن حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه الرسائل : أخذه بوسائل عصره المتاحة للدعوة، فقد اتخذ خاتما كتب عليه محمد رسول الله، تختم به الرسائل، وقبِل ـ صلى الله عليه وسلم ـ الهدايا من الملوك، وتعامل بأعرافهم ـ ما لم تكن إثما أو حراما ـ . وكذلك من حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتماده لغة المجاملة في مخاطبة الملوك والأمراء، وقد ظهر ذلك في رسالته إلى هرقل عظيم الروم، وبمثلها خاطب كسرى وسائر الملوك. ولم تحمل رسائله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تهديدا، بل تضمنت في ثناياها طمأنتهم على ملكهم، إن أسلموا أو هادنوا، ففي رسالته إلى المنذر بن الحارث صاحب دمشق جاء فيها كما قال الواقدي : ( سلام على من اتبع الهدى وآمن به، وأدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى ملكك ). وفي رسالته إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين، قال له : ( أسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك ) ، وفي رسالته إلى جيفر وأخيه ملك عمان : ( فإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما ). فآمن بعض الملوك فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر، وكان من هؤلاء المنذر بن ساوى ملك البحرين، وجَيْفر وعبد ابني الجُلُنْدَي صاحبي عمان، وبقي البعض يتخبط في ظلمات الكفر، طمعاً في جاهٍ زائل، أو خوفاً من حاشيته وقومه .. وبهذه الرسائل نقل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعوته إلى ملوك الأرض، وعرفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين، وفي ذلك دلالة على عالمية الإسلام، تلك العالمية التي أكد عليها القرآن في قول الله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الأنبياء 7 ).. وهكذا، فإن رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والأمراء تعتبر نقطة تحول في سياسة دولة الإسلام، فعظم شأنها، وأصبحت لها مكانة بين الدول ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 10:38 pm | |
| دروس من حادثة حاطب بن أبي بلتعة
عندما أكمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه ـ إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم،..
عندما أكمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه ـ إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم، ثم أعطاه امرأة، وجعل لها أجراً على أن تبلغه إلى قريش، فجعلته في ضفائر شعرها، ثم خرجت به إلى مكة، ولكن الله ـ تعالى ـ أطلع نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما صنع حاطب ، فقضى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذه المحاولة، ولم يصل قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وسيرهم لفتح مكة .. فعن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: بعثني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنا والزبير والمقداد ، فقال: ( انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ(مكان قرب المدينة في طريق مكة )، فإن بها ظعينة (امرأة على بعير) معها كتاب، فخذوه منها . قال: فانطلقنا تعادى(تجري) بنا خَيْلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب . قال: فأخرجته من عِقاصها (شعرها المضفور)، فأتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة ، إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: رسول الله صلى ـ الله عليه وسلم ـ: يا حاطب ، ما هذا؟، قال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ، إني كنت امرءاً ملصقا في قريش (كنت حليفا)، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين، من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام . فقال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أما إنه قد صدقكم . فقال عمر : يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ( البخاري ) . فأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } (الممتحنة:1). وكانت هذه الآية ـ تمهيداً بين يدي فتح مكة، حيث حث الله المسلمين على عدم موالاة الكفار، حتى لا يتأثر المهاجرون بروابط الرحم والقربى وبعض المصالح التي كانت تربط كثيراً منهم بأهل مكة، ورسمت منهجاً للمسلمين في تعاملهم مع الكافرين، من عداوتهم وعدم موالاتهم، لأنهم آذوا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وأخرجوهم من ديارهم .. وعلى الرغم من كل ما ذاقه المهاجرون من العنت والأذى من قريش، فقد ظلت بعض النفوس تود لو تمت بينهم وبين أهل مكة المصالحة، وانتهت هذه الخصومة القاسية التي كلفتهم قتال أهليهم وذوي قرابتهم، وقطعت ما بينهم من صلات، وكان الله يريد تربية هذه النفوس بالأحداث والمواقف، ومن هنا جاءت حادثة حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه ـ وما فيها، للاستفادة من دروسها، ومنها : إقالة ذوي العثرات، وهذا درس هام من دروس هذه الحادثة، فالخطأ الذي اقترفه هذا الصحابي الجليل ليس بالخطأ اليسير، إنه كشف أسرار الدولة المسلمة لأعدائها، ثم هذا الصحابي ليس من عوام الصحابة، بل هو من أولي الفضل منهم، إنه من أهل بدر، ويكفيه هذا شرفًا، والصحابة بمجموعهم خير القرون بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومع كل هذا زلت به القدم في لحظة من اللحظات، وكم للنفس البشرية من زلات، وهذا من سمات الضعف البشري والعجز الإنساني، ليُعْلِم الله عباده المؤمنين بأن البشر ما داموا ليسوا رسلاً ولا ملائكة فهم غير معصومين من الخطأ، وهذا الذي عناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )( أحمد ) . وقد عامل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاطبا ـ رضي الله عنه ـ معاملة رحيمة تدل على إقالة عثرات ذوي السوابق الحسنة، فجعل - صلى الله عليه وسلم - من ماضي حاطب سبباً في العفو عنه، وهو منهج تربوي حكيم . فلم ينظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب من زاوية مخالفته تلك فحسب ـ وإن كانت كبيرة ـ، وإنما راجع رصيده الماضي في الجهاد في سبيل الله وإعزاز دينه، فوجد أنه قد شهد بدراً، وفي هذا توجيه للمسلمين إلى أن ينظروا إلى أصحاب الأخطاء نظرة متكاملة، وأن يأخذوا بالاعتبار ما قدموه من خيرات وأعمال صالحة في حياتهم، في مجال الدعوة والجهاد، والعلم والتربية .. قال ابن القيم : " من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث." . وإلى ذلك أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله لعمر : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ). إن إقالة العثرة، والعفو عن صاحب الخطأ والزلة، ليس إقرارا لخطئه، ولا تهوينا من زلته، ولكنها ـ مع الإنكار عليه ومناصحته ـ إنقاذ له، بأخذ يده ليستمر في سيره إلى الله، وعطائه لدين الله .. يقول الذهبي : " إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلِم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلته، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم ، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك .." ومن دروس تلكم الحادثة الغريبة والفريدة في حياة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ: عدم التسرع في إصدار الأحكام، فحينما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن حاطباً خان الله ورسوله )، أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحاطب وسأله، ليتثبت منه ويستمع له، ويعرف عذره، في مصارحة ووضوح، ويعطيه الفرصة للدفاع عن نفسه، فقال له رسول الله صلى ـ الله عليه وسلم ـ: ( يا حاطب ، ما هذا؟ ) . وفي هذه الحادثة يتجلى أدب الصحابة مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعمر ـ رضي الله عنه ـ يقترح على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل حاطب ، وله ما يبرر هذا الطلب، ولكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرد عليه بأنه من أهل بدر، وفي هذا الرد ما فيه من معان يعرفها عمر ، فما أن سمع هذه الإجابة حتى سكت دون أن يردد كلمة واحدة، أو أن يجادل في رأيه ويصر عليه، مع ما فيه من وجاهة .. كما لم ينقل في الروايات جميعها أي رد من صحابي آخر غير عمر ، مما يدل على أدب المسلمين مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. كما ظهر في هذه الحادثة أهمية الاستماع إلى الرأي المخالف، ومحاولة إقناعه، وذلك في مراجعة عمر ـ رضي الله عنه ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: ( إنه خان الله ورسوله والمؤمنين )، واستماع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له، ورده عليه بقوله عن حاطب : ( صدق، لا تقولوا له إلا خيرا )،ومرة أخرى: ( لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم )، ولم يعنف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر لأنه خالفه، مع أنه رسول مؤيد بالوحي .
ويظهر من هذه الحادثة أيضا يقين الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ بصدق ونبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وذلك من قولهم للمرأة حينما لم يجدوا معها الكتاب في أول الأمر: ( ما كذب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ). وفي قصة حاطب ـ رضي الله عنه ـ أيضا، نجد أنفسنا أمام معجزة من معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وما كان يؤيد به من الوحي من قِبَل ربه، فقد أعلمه الله ـ عز وجل ـ بما فعله حاطب ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه: ( اذهبوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها )، وقد نفذ الصحابة أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأمسكوا بالمرأة في الموضع الذي حدده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومعها الكتاب الذي أشار إليه، وهذه إحدى معجزاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ... قال ابن حجر : " .. من أعلام النبوة إطْلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة " . إن حادثة حاطب ـ رضي الله عنه ـ حادثة غريبة في تاريخ الإسلام، حدثت في جيل الصحابة، لتكون درساً لهم ولمن يأتي بعدهم من المسلمين، يستنيرون به في حياتهم ..
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الثلاثاء 07 أغسطس 2012, 10:45 pm | |
| عمرة القضاء فوائد وحِكم
في شهر ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة، خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ألفين من المسلمين، سوى النساء والصبيان، متجهين نحو مكة لأداء العمرة، في موكب مهيب، يشق..
في شهر ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة، خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ألفين من المسلمين، سوى النساء والصبيان، متجهين نحو مكة لأداء العمرة، في موكب مهيب، يشق طريقه عبر القرى والبوادي، بزي واحد من الإحرام، وهم يرفعون أصواتهم بالتلبية، ويسوقون هديهم، في مظهر لم تشهد مكة له مثيلا من قبل .. حيث كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تَعاهد مع قريش في الحديبية على القدوم لأداء العمرة، وأن تترك له قريش مكة ثلاثة أيام، وألا يدخل المسلمون ومعهم سلاح، إلا السيوف في أغمادها .. ولقد أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه بأخذ أسلحتهم خشية من غدر قريش، وأمر بالإبقاء عليها خارج حدود الحرم، وترك عليها مجموعة من المسلمين لحراستها .. دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه مكة، وطافوا بالكعبة، وأمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإظهار القوة والجلد في طوافهم وسعيهم، ردا على إشاعة قريش بأنهم ضعفاء قد أوهنتهم حمى يثرب، فسارعوا في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، كما هرولوا في السعي، ليُظهروا للمشركين قوتهم .. وكانت قريش قد خرجت من مكة وتجمعت على جبل قعيقعان، ينظرون إلى المسلمين في طوافهم وسعيهم، ويتعجبون من قوتهم .. وبعد أن أدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مناسك العمرة هو ومن معه، أرسل جماعة من الصحابة إلى موضع سلاحهم، ليتيحوا الفرصة لإخوانهم الذين كانوا يحرسون السلاح لأداء عمرتهم . ولما انقضت الأيام الثلاثة على إقامة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة، جاء المشركون إلى علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، وقالوا له: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل. فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ونزل بسرف (مكان قرب التنعيم) حتى اكتمل الناس، ثم انصرف بهم إلى المدينة .. يقول عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج معتمرا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا، ولا يقيم بهم إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل، فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثا، أمروه أن يخرج فخرج )( البخاري ).. ويقال لهذه العمرة عمرة القضاء وعمرة القضية، وتعتبر تصديقا إلهيا، لما وعد به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه من دخول مكة وطوافهم بالبيت، قال تعالى: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } (الفتح:27) . وظهرت في عمرة القضاء حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي مهدت بعد ذلك لفتح مكة، فقد رأى المشركون ذلك العدد الكبير من المسلمين، وهم محيطون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عزة وقوة، في طوافهم وسعيهم وسائر مناسكهم، ومن ثم دخل إلى نفوسهم الرعب، إذ فوجئوا بقوة المسلمين، على عكس ما كانوا يتصورون من ضعف المسلمين وخمولهم، بسبب ما قد يحتمل من إصابتهم بحمى يثرب وسوء مناخها .. فهذا الخوف الذي وقع في نفوس المشركين، والذي كان سببا من أسباب فتح مكة بعد ذلك، أثر من حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم، وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يرملوا(يسرعوا) الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين ). قال الحافظ ابن حجر : ويؤخذ من ذلك جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم، وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول، وربما كان بالفعل أولى .. وقد قصد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما أمر به أصحابه من الاضطباع والسعي والتلبية أن يرهب قريشا، وأن يظهر لهم قوة المسلمين، وكان لذلك الأثر البالغ في نفوس المشركين. وقد ذكر ابن القيم : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كان يكيد المشركين بكل ما يستطيع.. ففي غزوة أحد أذن لأبي دجانة أن يمشي متبخترا أمام المشركين لإظهار عزة المؤمن وقوته، وفي ذلك غيظ للمشركين، وفي الحديبية ساق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمامه جمل أبي جهل الذي غنمه في بدر لإغاظتهم.. ومن خلال هذه العمرة المباركة، علَّم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمة أن تأخذ الاحتياط والحذر من غدر الكفار، حيث أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اصطحب معه السلاح الكامل، ولم يقتصر على السيوف، تحسبا لأي طارئ قد يقع، خاصة أن الكفار غالبا ـ والتاريخ شاهد على ذلك ـ لا يحافظون على عهد قطعوه، ولا عقد عقدوه، فلم يأمن غدر قريش وخيانتهم، فقد تسول لهم أنفسهم أن ينصبوا كمينا للمسلمين، أو يشنوا عليهم هجوما مفاجئا، ومن ثم احتاط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم، مع وفائه لهم بعهده، وفي ذلك درس هام للأمة أفرادا ومجتمعات، بالوفاء بالعهد، وأخذ الحيطة والحذر من الأعداء .. لقد أثرت أحداث هذه العمرة المباركة، على أهل مكة تأثيرا كبيرا، فبعد مدة يسيرة منها، أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وحارس الكعبة عثمان بن طلحة ، بل ظهر الإسلام في بيوت كثيرة في مكة. كما خرج المسلمون منها بالعديد من الفوائد الأخرى . فعن البراء بن عازب قال: ( لما أراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخروج من مكة بعد أدائه للعمرة، تبعته ابنة حمزة تنادي يا عم، يا عم، فتناولها علي ، فأخذ بيدها وقال لفاطمة ـ رضي الله عنها ـ: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر ـ رضي الله عنهم ـ، فقال علي : أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر : هي ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد : ابنة أخي .. فقضى بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم، وقال لعلي : أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر : أشبهت خَلقي وخُلقي، وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا. وقال علي لزيد : ألا تتزوج بنت حمزة ؟، قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة، وتزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ميمونة وبنى بها ِبسَرف )( البخاري ).. ويؤخذ من ذلك: أن الخالة بمنزلة الأم، وتقدم في الحضانة على سائر الأقارب بعد الأبوين، كما ذكر ذلك ابن القيم في كتابه زاد المعاد . وتزكية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجعفر بن أبي طالب ، ووصفه له بقوله: أشبهت خَلقي وخُلقي.. وكذلك فضل علي وزيد ـ رضي الله عنهم ـ. وأن آخر من تزوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نسائه ميمونة بنت الحارث ـ رضي الله عنها ـ، وهي آخر من مات من نسائه، وقد تزوجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسرف (مكان قرب التنعيم)، وماتت بعد ذلك ودفنت فيه، فمكان عُرسها هو مكان دفنها ـ رضي الله عنها ـ .. هذا وقد اعتمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أربع عمرات وحج حجة واحدة، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة في حجته ) ( مسلم ).. لقد كشفت عمرة القضاء وما جرى فيها من أحداث، أن المسلمين أصبحوا يشكلون قوة متماسكة، وصفا واحدا كالبنيان المرصوص، وهذا ما جعل قريش تشعر بخطورتهم، وتفقد الأمل في التغلب عليهم، وتدرك أن الخلاص يكمن في الانضمام إلى المعسكر الإسلامي عاجلا أم آجلا .. ومن ثم كانت هذه العمرة المباركة، تمهيدا للفتح الكبير الذي جاء من بعدها، إذ كانت سببا لفتح قلوب أهل مكة قبل فتح أبوابها .. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 12:38 am | |
| معركة مؤتة
أعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. هناك في مؤتة، بدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل من المسلمين يواجهون مائتي ألف مقاتل كافر، معركة عجيبة..
أعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. هناك في مؤتة، بدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل من المسلمين يواجهون مائتي ألف مقاتل كافر، معركة عجيبة سجلها التاريخ بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت رياح الإيمان جاءت بالعجائب .. وقد وقعت في العام الثامن من الهجرة، وكانت مقدمة لفتح بلدان النصارى . وسبب هذه المعركة أن رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى ملك الروم، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملا على البلقاء من أرض الشام ـ من قِبل قيصرـ، فأوثقه رباطا، ثم قدمه فضرب عنقه، وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، وهو بمثابة إعلان حرب، فاشتد ذلك على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى المسلمين، ومن ثم جهز رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وأمَّر عليهم زيد بن حارثة ، وقال:( إن قُتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ) ( البخاري )، وأمرهم أن يأتوا مكان مقتل الحارث بن عمير ، وأن يدعوا مَن هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا، وإلا استعانوا بالله عليهم وقاتلوهم. وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمر رجلا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال :( اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) ( أبو داود ) . ـ فانطلق الجيش الإسلامي حتى وصل إلى معان من أرض الشام، فعلموا أن أعداءهم حشدوا لهم حشودا ضخمة لقتالهم، إذ جمعوا لهم مائة ألف مقاتل نصراني من الروم ومائة ألف نصراني من العرب، فتشاور المسلمون، فقال بعضهم: نكتب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما يأمرنا بأمره فنمضي.. لكن عبد الله بن رواحة حسم الموقف بقوله: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون ـ الشهادة ـ ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة.. فألهبت كلماته مشاعر المجاهدين، واندفع زيد بن حارثة بالمسلمين إلى منطقة مؤتة(جنوب الكرك بالشام)، حيث قاتل الروم هناك، فكانت ملحمة كبيرة، سجل فيها القادة الثلاثة بطولة عظيمة انتهت باستشهادهم .. ثم اتفق المسلمون على إمرة خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ، فحمل الراية وأخذ يقاتل ويحاول إنقاذ الجيش من هذا المأزق الخطير، بالانسحاب المنظم من أرض المعركة، وقتال الانسحاب شاق ومن أصعب العمليات العسكرية، حتى دخل الليل فكان هدنة مؤقتة، فأعاد خالد فيها تنظيم جيشه، وهجم على الروم بعد الفجر وقتل منهم الكثير، واستشهد من المسلمين اثنا عشر رجلا فقط، ورجع خالد ـ رضي الله عنه ـ بجيشه إلي المدينة .. ويمكن القول إن خالدا بخطته وشجاعته، قد أنقذ المسلمين من هزيمة ماحقة، ولا تعد خسائر المسلمين شيئا يذكر، بجانب خسائر النصارى، ومن ثم كان انسحابه قمة النصر بالنسبة لظروف المعركة .. لقد أظهرت معركة مؤتة معجزة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فرغم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يشارك فيها، إلا أنه نعى للمسلمين القادة الثلاثة، وأخبر باستشهادهم، وهم ما زالوا في أرض المعركة، وبينهم مسافات شاسعة، فحدث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه بالمدينة عن أحداث المعركة وكأنه يشاهد سير القتال، ولم يخطئ في شيء منها، وهذا يدل على أن الله زوى له الأرض، فأصبح يرى ما يحدث لأصحابه وهم يقاتلون على مشارف الشام، وهذه من جملة معجزاته وآياته الدالة على أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويتلقى الوحي من الله عز وجل . فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعى زيدا وجعفر وابن أبي رواحة قبل أن يرجعوا إلى المدينة أو يأتي خبرهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:( أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن أبي رواحة فأصيب، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم )( البخاري )..وهذا الحديث بجانب إظهاره لمعجزة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإنه يسجل فضلا خاصا لخالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ، حيث لقبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسيف الله.. كما أعطتنا معركة مؤتة درسا هاما ـ ما أحوج أمتنا إليه اليوم ـ في أثر الإيمان بالله على سير المعارك ونتائجها، فما يثير الدهشة في هذه المعركة، ذلك الفرق الكبير بين عدد المسلمين وعدد أعدائهم، فقد رأينا أن عدد الروم ومن معهم ما يقرب من مائتي ألف مقاتل، كما روى ذلك ابن إسحاق وابن سعد وعامة كتاب السيرة، على حين أن عدد المسلمين لم يتجاوز ثلاثة آلاف، وهي نسبة تجعل الجيش الإسلامي أشبه بنواة صغيرة في أرض كبيرة سوداء، وما يزيد من الدهشة، أن يصمد المسلمون وهم سرية ليس فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أمام هذا اليم المتلاطم، فيقتل أميرهم الأول ثم الثاني ثم الثالث، وهم يقتحمون أبواب الشهادة في نشوة بالغة وإقبال عجيب، وينشد جعفر ـ رضي الله عنه ـ قائلا : يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردا شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها فأخذ الراية بيده اليمنى فقطعت، فتناولها بشماله فقطعت، فاحتضنها بعضديه حتى استشهد وهو ابن ثلاث وثلاثين، مثخنا بالجراح . يقول نافع أن ابن عمر ـ رضي الله عنهماـ أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، قال: ( فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره(يعني ظهره) ) ( البخاري ) . وبعد استشهاد جعفر تسلم الراية عبد الله بن رواحة ، فامتطى جواده وهو يقول: يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت وتقدم يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه. والدلالة التي تعلو على الريب في هذه المعركة أن شجاعة المسلمين بلغت حدا عجيبا، لم تعرفه أمة سابقة أو لاحقة، ـ شجاعةـ تحطم أمامها كبرياء أمم، ـ كفارس والروم ـ عاشت مع التاريخ دهرا تصول وتجول لا يوقفها شيء. . لكن العجب يزول، إذا تذكرنا ما يفعله الإيمان بالله، والاستعانة به، واليقين بوعده ونصره. . ثم إن الشجاعة والاستهانة بالموت لم يكن قاصرا على الرجال فحسب، بل تعدى الرجال إلى الأطفال، فقد رأى أولئك الصغار أن انسحاب خالد ومن معه ـ دون نصر حاسم أو شهادة في سبيل الله ـ فرارا يقابل بحثو التراب عليهم، وقالوا لهم: يا فرار، أفررتم في سبيل الله؟، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى ).. لقد كانت معركة مؤتة من أهم المعارك التي وقعت بين المسلمين وبين النصارى من عرب وعجم، لأنها أول صدام مسلح بينهما، وأظهرت الروح المعنوية العالية للمسلمين، وضعف الجندي النصراني.. ومن ثم فإن التأمل بعمق في هذه المعركة يساعدنا في معالجة الهزيمة النفسية التي تمر بها الأمة، وإقامة الحجة على القائلين بأن سبب هزيمتنا التفوق التكنولوجي والعسكري لدى الأعداء، فقد رأينا ما يفعله الإيمان بالله عز وجل بالرجال بل بالأطفال. .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 12:52 am | |
| أهم الأحداث بين عمرة القضاء وغزوة مؤتة
بين عمرة القضاء وغزوة مؤتة أيام قليلة ، ولكنها لم تخل من أحداث مهمّة ومواقف مشهودة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – خاصة ، وحياة المسلمين عامة. فبعد عمرة القضاء التي كانت..
بين عمرة القضاء وغزوة مؤتة أيام قليلة ، ولكنها لم تخل من أحداث مهمّة ومواقف مشهودة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – خاصة ، وحياة المسلمين عامة. فبعد عمرة القضاء التي كانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة ، وما تحقّق خلالها من معاني العزة والكرامة ، جاءت الأحداث التالية : الزواج من أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بمجرّد أن انتهى النبي – صلى الله عليه وسلم – من مناسك الإحرام تقدّم للزواج من ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها وهو بمكّة ، فأوكلت رضي الله عنها أمر زواجها للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وبذلك تكون ميمونة رضي الله عنها آخر من تزوّج بهنّ النبي – صلى الله عليه وسلم . وقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – من زواجه هذا أن يكون حلقة وصلٍ بينه وبين أهل مكّة ، لكنّهم منعوه من المكوث في الحرم بعد انقضاء المهلة التي اتفقوا عليها وقالوا : "إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا " ، فقال لهم : ( وما عليكم لو تركتموني ، فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما ، فحضرتموه ؟ ) ، فقالوا له : " لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا " ، رواه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي . فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم من مكّة ، وبنى بميمونة رضي الله عنها في موضع يُقال له " سرف " ، وهو ذات الموضع الذي توفّيت فيه ، فرضي الله عنها وأرضاها . لحوق بنت حمزة بن عبد المطلب بركب المسلمين كان لحمزة رضي الله عنه بنت تقيم في مكة يُقال لها عمارة ، وعندما أنهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عمرته وتوجّه إلى المدينة لحقته عمارة وقامت تناديه ، فأدركها ابن عمّها علي بن أبي طالب رضي الله عنها وسلّمها لفاطمة عليها السلام وقال : " دونك ابنة عمك فاحمليها " ، فاختصم في شأنها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم كلّهم يريد رعايتها وتولّي شؤونها ، فقال علي : " أنا أحق بها ، وهي ابنة عمي " ، وقال جعفر : " ابنة عمي وخالتها تحتي " ، وقال زيد : " ابنة أخي " ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) ، ثم أراد تطييب خاطر الثلاثة فقال لعلي : ( أنت مني وأنا منك ) ، وقال لجعفر : ( أشبهت خَلقي وخُلُقي ) ، وقال لزيد : ( أنت أخونا ومولانا ) رواه البخاري . إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة من النتائج العظيمة التي أفرزتها عمرة القضاء إسلام ثلاثة من خيرة فتيان قريشٍ وأشرافها ، فقد أسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، القائد المظفّر الذي لم يهزم في معركة طيلة حياته ، وأسلم عمرو بن العاص داهية العرب وخيرة فرسانها ، وأسلم معهما أيضاً عثمان بن طلحة حارس الكعبة المشرّفة ، فكان ذلك الحدث يوم فرح للمسلمين . وقد هيّأ الله تعالى أسباب إسلام هؤلاء الثلاثة مبكّراً ، فبعد غزوة الأحزاب جمع عمرو بن العاص رضي الله عنه عدداً من أصحابه ، وأشار عليهم بالرحيل إلى النجاشي حتى يروا ما يؤول إليه أمر المسلمين ، فإن انتصروا على قريشٍ عاشوا في الحبشة ما بقي من عمرهم ، وإن هزمتهم قريش عادوا إلى بلادهم ، فاستحسن أصحابه رأيه ، فتجهّزوا للرحيل ولم ينسوا هداياهم إلى ملك الحبشة . وبينما هم في الغربة إذ قدم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي يسأل عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه ، فرأى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنها فرصة سانحة للقضاء عليه ، فدخل على النجاشي وسأله أن يمكّنه من قتل ابن أمية ، فغضب الملك غضباً شديداً وضرب ابن العاص في أنفه حتى كاد أن يكسره ، فقال له : " أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه " ، فأجابه الملك : " أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ " ، فتعجّب عمرو رضي الله عنه وقال : " أيها الملك ، أكذاك هو ؟ " ، فقال له : " ويحك يا عمرو ، أطعني واتّبعه ؛ فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرنّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده " ، عندها شرح الله صدره بالإسلام ، وطلب من النجاشي أن يبايعه على الإسلام ، فبايعه . وكتم عمرو بن العاص رضي الله عنه خبر إسلامه عن أصحابه ، وعاد إلى مكّة ، حتى رجع النبي – صلى الله عليه وسلم – من عمرة القضاء ، فخرج رضي الله عنه يريد اللحاق بالنبي عليه الصلاة والسلام وإعلان إسلامه ، وفي طريقه لقي خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة رضي الله عنهم واتفقوا على السير سويّاً ، وقد عبّر خالد عن قناعته بالإسلام قائلاً : " والله لقد استقام المنسم – يعني تبيّن الطريق - ، وإن الرجل لنبي ، أذهبُ والله أسلم ، فحتى متى ؟ " . وتسامع الناس في المدينة بقدوم هذا الركب المبارك مسلماً ، فأسرعوا بإخبار النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فاستقبلهم ورحّب بهم ، وهنّأهم على الهداية إلى الحق ، وبايعهم على الإسلام ، رواه أحمد . ولما جاء دور عمرو بن العاص رضي الله عنه للمبايعة تردّد وقبض يده ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( مالك يا عمرو ؟ ) ، فقال له : " أردت أن أشترط " ، فقال : ( تشترط بماذا ؟ ) ، فقال عمرو : " أن يُغفر لي " ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ ، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ) رواه مسلم . سرية غالب بن عبدالله إلى الكديد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غالب بن عبد الله الكلبي رضي الله عنه للإغارة على بني ملوِّح في " الكديد " ، فانطلق رضي الله عنه ومعه بضعة عشر رجلاً ، وفي الطريق لقي المسلمون الحارث بن مالك الليثي فأمسكوا به واقتادوه إلى قائدهم ، فقال الحارث : " إنما جئت لأسلم " ، فشكّ غالب رضي الله عنه في أمره فقال له : " إن كنت إنما جئت مسلماً فلن يضرّك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك " ، فأوثقوا رباطه ثم جعلوا عليه حارساً ، وأوصى غالب رضي الله عنه بالحذر من الحارث وقتله إذا ظهرت منه بوادر الخيانة . ووصلت تلك السريّة إلى " الكديد " وقت الغروب ، وانطلق جندب بن مكيث رضي الله عنه يستطلع المكان ، فرآه أحد المشركين وظنّ أنه إحدى الحيوانات ـ فرماه بسهم ، فلم يتحرّك رضي الله عنه حتى لا يكشف أمر أصحابه ، ونزع السهم من جسده ، فرماه المشرك بسهم آخر فأصاب منكبه ، ولكنّه رضي الله عنه احتمل ذلك كلّه ، حتى قال المشرك لمن كان معه : " والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان دابة لتحرّك " ، فتركه ومضى . وعندما اشتدّت ظلمة الليل أغار المسلمون على أعدائهم ، فقتلوا خلقاً كثيراً وغنموا منهم ، ثم عادوا ليأخذوا الحارث بن مالك الليثي وحارسه ، وفي تلك الأثناء انطلقت صرخات الاستغاثة ، وامتلأ المكان بقوّات عظيمة لا قبل للمسلمين بها ، واشتدّت المطاردة بين الفريقين ، وعندما اجتاز المسلمون بطن الوادي أرسل الله سيلاً عظيماً قطع الطريق على المشركين فلم يتمكّنوا من اللحاق بهم ، وعادت السريّة مكلّلة بالنصر إلى المدينة سالمة غانمة ، والقصّة رواها الإمام أحمد في مسنده . لقد جاءت تلك الأحداث لتجني ثمار الحاضر وتحمل بشائر المستقبل ، فالغارة التي قام بها المسلمون أسهمت في بسط هيبتهم وتوطيد مكانتهم عند القبائل العربية ، وإسلام قائدين عظيمين من أمثال عمرو بن العاص و خالد بن الوليد رضي الله عنهما كان مكسباً عظيماً للمسلمين خصوصاً بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فكان لهما الأثر البالغ في حركة الفتوحات واتساع رقعة الدولة الإسلاميّة بعد ذلك .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 1:07 am | |
| سرية ذات السلاسل
لو سألنا التاريخ : ما هي السريّة التي بسطت هيبة الدولة الإسلامية في شمال الجزيرة ، وكسرت عصا التمرّد التي طالما أشهرتها بعض القبائل العربيّة الموالية للروم ، وكانت أيضاً سبباً في..
لو سألنا التاريخ : ما هي السريّة التي بسطت هيبة الدولة الإسلامية في شمال الجزيرة ، وكسرت عصا التمرّد التي طالما أشهرتها بعض القبائل العربيّة الموالية للروم ، وكانت أيضاً سبباً في إسلام الكثير من أهالي بني مرة ، وبني ذبيان ، ودخول غيرهما في حلف مع المسلمين ، لأجابنا بدون تردّد : إنها سريّة ذات السلاسل ، التي وقعت في السنة الثامنة للهجرة. وكان الباعث لهذه السريّة ، هو إحساس النبي – صلى الله عليه وسلم – بالخطر المحدق بهم جرّاء التحركات المريبة التي تقوم بها قبيلة قضاعة ، والتي تنبيء عن وجود محاولات حثيثة للهجوم على المدينة وتطويقها . ومن هذا المنطلق أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بالنفير ، على الرغم من عودتهم القريبة من معركتهم في مؤتة ، ولم يمض وقت طويل حتى كان ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار على أهبة الانطلاق . وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو بن العاص قائلا : ( خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني ) ، فأتاه رضي الله عنه وقد لبس عدة الحرب ، فقال له : ( إني أريد أن أبعثك على جيش ، فيسلّمك الله ويغنمك ، وأرغب لك من المال رغبة صالحة ) . لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يريد أن يستفيد من الخبرات القتالية لعمرو بن العاص رضي الله عنه ويتألّف قلبه في الوقت ذاته ، فلم يمضِ على إسلامه وقت طويل ، لكن إجابة عمرو رضي الله عنه كانت تعكس رسوخ إيمانه ويقينه فقد قال : " يا رسول الله ، ما أسلمت من أجل المال ، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام ، وأن أكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " ، فتهلّل وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – بشراً وقال له : ( يا عمرو ، نعم المال الصالح للمرء الصالح ) رواه أحمد . وسار الجيش الصغير بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه مستحضراً وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي كان يوصي بها البعوث ، وفي أثناء ذلك مرّ بموضع ماء يقال له " السلسل " ، ومن هنا جاءت تسمية هذه السريّة ( ذات السلاسل ). وترامت الأنباء إلى عمرو رضي الله عنه بالأعداد الكبيرة التي سيواجهها جيش المسلمين ، وحينها أدرك أن المعركة لن تكون متكافئة ، فأرسل رافع بن مكيث الجهني رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يطلب المدد ، فبعث إليه بمائتي صحابي تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح ، وبصحبة أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهم أجمعين . ووصلت الإمدادات إلى جيش عمرو بن العاص رضي الله عنه فتلقّاهم المسلمون بالفرح الشديد ، وسار الجميع على نحو بالغ الحذر حتى لا يتمكّن العدوّ من رصد تحرّكاتهم ، فكانوا يتابعون السير تحت جنح الظلام فقط مع الاختفاء في أوقات النهار . وفي إحدى الليالي حاول بعض المسلمين إشعال النيران ليتقوا بها شدة البرد ، فنهاهم عمرو رضي الله عنه عن ذلك أشدّ النهي ، وهددّ من يخالف أمره أن يلقيه في النار ، فشكى الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه شدّة عمرو ، فذهب إليه وكلّمه ، لكنّ عمْراً رضي الله عنه أصرّ على رأيه ولم يتنازل عنه ، وكان إصراره مثار استغراب. وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى وجهته صال وجال موجّهاً ضرباته المؤلمة على قضاعة ومن معها ، وأثخن فيهم القتل ، ولم يطل صمود الأعراب كثيراً فبادروا بالفرار ، وتأهّب الصحابة لمتابعة فلولهم ، لكنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه منعهم من الإقدام على ذلك ، وأصدر أوامره بالعودة ، فأطاعه المسلمون على مضض . ثم جاء الموقف الثالث الذي أثار حفيظة البعض ، وذلك حينما تيّمم عمرو بن العاص رضي الله عنه بدلاً من اغتساله للجنابة ، وصلّى بالناس إماماً ، ولم ينجح أحدٌ في كشف الغموض المحيط بتلك المواقف . ووصل الناس إلى المدينة ، وكان أول ما فعلوه هو الذهاب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يشكون إليه ما فعل بهم عمرو بن العاص رضي الله عنه في أثناء رحلتهم ، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن السبب الذي دعاه إلى فعل كل ذلك ، فبيّن أن منعه من إيقاد النار كان لأجل ألا يرى العدو قلّة عددهم فيطمع فيهم ، وأن إصراره على عدم مطاردة العدو بسبب مخافته أن يكون الهروب مجرّد كمين منصوب لهم ، وأن امتناعه عن الاغتسال بالماء كان استناداً إلى قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } ( النساء 29 ) ، وقد خشي على نفسه أن يهلك من شدّة البرد ، فأعجب النبي – صلى الله عليه وسلم – بذكائه وحنكته ، وعلمه واجتهاده . ومع ما حققته هذه المعركة من أهداف على الصعيد الميداني ، فقد أسهمت كذلك في إبراز عمرو بن العاص رضي الله عنه كشخصيّة فذّة ، وقيادة حكيمة ، كان لها دورها في الفتوح الإسلامية بعد ذلك .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 1:48 am | |
| مشاهد من معجزات غزوة تبوك
شهدت معركة تبوك العديد من المعجزات التي أجراها الله على يد نبيه – صلى الله عليه وسلم – تأييداً له ، وإظهاراً لصدقه ، وتخفيفاً للشدّة والمعاناة التي لقيها المسلمون أثناء سيرهم..
شهدت معركة تبوك العديد من المعجزات التي أجراها الله على يد نبيه – صلى الله عليه وسلم – تأييداً له ، وإظهاراً لصدقه ، وتخفيفاً للشدّة والمعاناة التي لقيها المسلمون أثناء سيرهم إلى أرض الروم . وقد ذكر المؤرّخون عشر معجزات حدثت في تلك المعركة ، بعضها يتعلّق بالإخبار عن أمورٍ غيبيّة ، والبعض الآخر يتعلّق بمعجزاتٍ حسّية شهدها الصحابة ووقفوا عليها ، ومن تلك المعجزات : إمطار السحاب ببركة دعائه خرج المسلمون للغزو في جوٍّ شديد الحرارة ، ولم يكن معهم ما يكفي من الماء ، مما أدّى إلى شعورهم بالعطش الشديد ، فانطلقوا يبحثون عن الماء من حولهم ، لكنهم لم يجدوا له أثراً ، فاضطرّ كثيرٌ منهم إلى ذبح راحلته وعصر أحشائها لاستخراج الماء الذي بداخلها ، فلما رأى أبوبكر الصدّيق رضي الله عنه حال المؤمنين أسرع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – وقال : " يا رسول الله ، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيراً ، فادع لنا " ، فقال له : ( أتحب ذلك ؟ ) ، قال : " نعم " ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم – يده إلى السماء ، فما كاد أن يرجعهما حتى تجمّع السحاب من كلّ مكان وأظلمت الدنيا ، ثم هطل مطرٌ غزيرٌ ، فارتوى الناس وسقوا أنعامهم ، وملأوا ما معهم من الأوعية ، ولما غادروا المكان وجدوا أن تلك السحب لم تجاوز معسكرهم ، والقصّة رواها ابن خزيمة في صحيحه . إخباره بمكان ناقته التي ضلّت في الطريق إلى تبوك نزل جيش المسلمين في مكان للراحة ، فافتقد النبي – صلى الله عليه وسلم – ناقته ، وأرسل من يبحث عنها ، ولمّا لم يجدوها ، قال أحد المنافقين: " أليس يزعم أنه نبي ، ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ " ، فأوحى الله إلى نبيّه بمقولة ذلك المنافق ، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وأخبرهم الخبر ، ثم قال : ( إني والله لا أعلم إلا ما علّمني الله ، وقد دلّني الله عليها ، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها ) فانطلق الصحابة إلى ذلك الموضع ، فوجدوها وأتوه بها . تكثير الماء في تبوك والإخبار عن تحوّلها إلى جنان في طريق الذهاب أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – من معه أنهم سيصلون إلى عين ماءٍ في تبوك ، وطلب منهم أن يتركوها على حالها ولا يمسّوها ، فلما وصلوا إلى تلك العين أسرع إليها رجلان واغترفا منها ، فنقص ماؤها ، ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم – غضب من فعلهما ، ثم طلب من الصحابة أن يأتوه من ماء تلك العين ، فغرفوا بأيديهم قليلاً حتى تجمّع لديهم شيء يسير ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغسل به يديه ووجهه ، ثم أعاده فيها ، فسالت بماء غزير حتى ارتوى الناس ، والتفت النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال : ( يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مُلئ جناناً ) رواه مسلم ، وكانت معجزةً عظيمةً تنبّأ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم – بتحوّل تلك المنطقة القاحلة إلى بساتين خضراء خلال فترةٍ وجيزة ، وقد تحقّق ما أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم – ، وصارت منطقة تبوك معروفةً بوفرة أشجارها وكثرة ثمارها . تكثير الطعام أصاب الناس المجاعة نظراً لقلّة الزاد ، وبعد المكان ، فاستأذن بعض الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذبح الإبل والأكل منها ، فأذن لهم ، فجاء عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وبيّن له أن ذلك سيتسبّب في قلّة الرواحل ، واقترح عليه أن يأمر الناس بجمع ما لديهم من طعامٍ قليلٍ ، ثم الدعاء له بالبركة ، فكان الرجل يأتي بكفّ التمر ، وآخرُ يأتي بالكسرة ، وثالثٌ بكفّ الذرة ، حتى اجتمع شيءٌ يسير ، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يُبارك الله لهم في طعامهم ، فأخذوا في أوعيتهم ، حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملأوه ، وأكلوا حتى شبعوا وبقيت زيادة ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة ) رواه مسلم . التنبّؤ بحال ملك كندة حينما وصل المسلمون إلى تبوك لم يجدوا فيها أثراً لجيوش الروم أو القبائل الموالية لها ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ، وأخبره بأنّه سيجد زعيمها أكيدر بن عبد الملك وهو يصيد البقر ، وفي تلك الليلة وقف أكيدر وزوجته على سطح القصر ، فإذا بالبقر تقترب من القصر حتى لامست أبوابه بقرونها ، فتعجّب أكيدر مما رآه وقال لامرأته : " هل رأيت مثل هذا قط ؟ " قالت : " لا والله " ، فنزل وهيّأ فرسه ، ثم خرج للصيد بصحبة أفرادٍ من أهل بيته، فرآه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقام بملاحقته ، حتى استطاع أن يأسره ، وقدم به على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصالحه على الجزية ، وخلّى سبيله ، رواه البيهقي . إخباره بالريح الشديدة أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في تبوك عن هبوب ريحٍ شديدة ، وطلب من الناس أخذ الحيطة والحذر حتى لا تصيبهم بأذى ، وأمرهم بربط الدوابّ وعدم الخروج في ذلك الوقت ، ولما حلّ الليل جاءت الريح ، فقام رجلٌ من المسلمين من مكانه ، فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء ، رواه مسلم . إخباره عن موت أبي ذر كان أبو ذرّ الغفاري رضي الله ممّن تأخّر عن الجيش في غزوة تبوك ، ثم لحق به بعد ذلك ، ولمّا رآه النبي – صلى الله عليه وسلم - مقبلاً نحو الجيش يمشي وحده قال : ( رحم الله أبا ذر ؛ يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ) ، ومضت سنين طويلة حتى جاءت خلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، فانتقل أبو ذر رضي الله عنه للعيش في منطقة " الربذة " ، وعندما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه أن يقوموا بتغسيله وتكفينه ووضعه في طريق المسلمين عسى أن يمرّ به من يقوم بدفنه ، فأقبل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في جماعةٍ من أهل الكوفة ، وما أن عرفه حتى بكى وتذكر النبوءة وقال : " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم تولّى دفنه بنفسه . دعاؤه لرواحل المسلمين وتنبؤه بركوب أصحابه للسفن في هذه الغزوة أُصيبت رواحل المسلمين بالإجهاد والتّعب ، فشكا الصحابة ذلك إلى - النبي صلى الله عليه وسلم – ، ولما اقتربوا من مضيق وقف النبي - صلى الله عليه وسلم – على بابه وأمر المسلمين أن يمرّوا من أمامه ، وجعل ينفخ على ظهور الرواحل ويقول : (اللهم احمل عليها في سبيلك ، إنك تحمل على القوي والضعيف ، وعلى الرطب واليابس ، في البر والبحر ) ، فعاد النشاط إليها وانطلقت مسرعةً ، حتى وجد الصحابة صعوبةً في السيطرة عليها . وفي هذه الدعوة أيضاً إخبارٌ بأمر غيبيّ ، وهو استخدام الصحابة للسفن في الغزو والجهاد ، وقد أشار فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه إلى ذلك فقال " فلما قدمنا الشام غزونا في البحر ، فلما رأيت السفن وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - " رواه أحمد . تلك هي المعجزات التي شهدتها غزوة تبوك ، والتي تُعتبر خاتمةً لدلائل كثيرةٍ ، ومعجزات باهرةٍ ، وقف عليها الصحابة من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم – في المعارك ، وبقيت شاهدةً على صدق نبوّته ، وعظمة رسالته .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 2:03 am | |
| غزوة الغابة
تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة مع الأعراب ، والقبائل التي اعتادت..
لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة بعد غزوة الحديبية وقيل غزوة بني لحيان لم يقم إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل لغطفان على لقاح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالغابة وكانت عشرين لقحة وفيها رجل من بني غفار وامرأته فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح. ولما أغار عيينة بن حصن الفزاري على اللقاح في يومهم ذلك جاء الصريخ فنادى: الفزع الفزع، ونودي: يا خيل الله اركبي. وأول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي. ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خمسمائة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم كعادته. وخلف سعد بن عبادة رضي الله عنه في 300 رجل يحرسون المدينة. وعقد لواء للمقداد رضي الله عنه في رمحه. وقال امض حتى تلحقك الخيول وأنا على إثرك.وكانت نتيجة هذه الغزوة أنهم أدركوا العدو فهزموه وقتلوا رؤساءه واستنقذوا اللقاح. وقيل بعضها ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد وسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ ذا قرد في اتجاه خيبر فالتجأ العدو إلى بني غطفان. وقد أبلى في هذه الغزوة سلمة بن الأكوع بلاءً حسنًا وكان راميًا. والرجل الذي قتلوه هو ابن أبي ذر رضي الله عنه واسمه ذر وكان يرعى الإبل وامرأته التي أسروها اسمها ليلى وقد نجت لأنهم أوثقوها وكانوا يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانطلقت وركبت ناقة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليلًا على حين غفلتهم. ويقال إن الناقة اسمها العضباء. فانطلقت ولما علموا بها طلبوها فأعجزتهم ونذرت لئن نجت لتنحرنها، فلما قدمت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبرته بذلك، وقالت: يا رسول الله إني نذرت لله تعالى أن أنحرها إن نجاني الله عليها. فقال: بئسما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك أن تنحريها إنه لا نذر لأحد في معصية ولا لأحد فيما لا يملك إنما هي ناقة من إبلي. ارجعي إلى أهلك على بركة الله. وقد روى سلمة بن الأكوع غزوة الغابة حيث قال بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بظهره مع غلامه رباح، وأنا معه بفرس أبي طلحة، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة، وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قمت على أكمة، واستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وارتجز، أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلي فارس جلست في أصل الشجرة، ثم رميته فتعقرت به، حتى إذا دخلوا في تضايق الجبل علوته، فجعلت أرديهم بالحجارة، فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله تعالى من بعير من ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم أتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحًا يستخفون، ولا يطرحون شيئًا، إلا جعلت عليه آرامًا (علامات) من الحجارة، يعرفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. حتى أتوا متضايقًا من ثنية فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قرن، فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قلت: هل تعرفونني؟ أنا سلمة بن الأكوع، لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني فيدركني، فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخللون الشجر. فإذا أولهم أخرم، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود، فالتقى عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه، ولحق قتادة بعبد الرحمن فطعنه فقتله، وولى القوم مدبرين، ونتبعهم، أعدو على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذا قرد، ليشربوا منه، وهم عطاش فأجليتهم عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخيل عشاء، فقلت: يا رسول الله إن القوم عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما عندهم من السرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال: يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح، ثم قال: إنهم ليقرون الآن في غطفان. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة. وأعطاني سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. وتدخل غزوة الغابة ضمن الغزوات مع أنها تعتبر مطاردة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدر جهود الصحابة ويقيمهم ويقدم لهم ما يدخل الفرح سواء في زيادة سهم الأرباح حيث جعل سهمين لـ (سلمة) سهم الفارس وسهم الراجل، كما أردفه -صلى الله عليه وسلم- وراءه على العضباء (ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-). وهذا تقدير معنوي كبير ويلاحظ أن غزوة الغابة أو غزوة ذي القرد كانت آخر غزوة لتأديب القبائل المحيطة بالمدينة المنورة، حيث لم تفكر أي قبيلة في الاعتداء عليها بعد تلك الغزوة وتسمى هذه الغزوة كما سبق غزوة ذي قرد، لأن الماء الذي نزل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقال له ذو قرد، كما تظهر فضيلة سلمة بن الأكوع وأبي قتادة فقد قدرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال (خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالنا سلمة بن الأكوع)، وتظهر غزوة ذي قرد حلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكرمه وحسن سياسته وكمال أدبه -صلى الله عليه وسلم-، حيث لم يلحق بالقوم الذين استاقوا لقاحه ولم يأذن لـ (سلمة) باللحاق بهم للقضاء عليه، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- تركهم وقال لـ (سلمة): ملكت فأسجح.
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 2:17 am | |
| الكتب والرسائل
أتاح صلح الحديبية بين المسلمين وقريش فرصة عظيمة للمسلمين للتوجه نحو النشاط الدعوي ، وبداية مرحلة جديدة ، وهي توسيع رقعة الدعوة الإسلامية ، ونقل تعاليم ومباديء هذا الدين إلى أكبر شريحة..
أتاح صلح الحديبية بين المسلمين وقريش فرصة عظيمة للمسلمين للتوجه نحو النشاط الدعوي ، وبداية مرحلة جديدة ، وهي توسيع رقعة الدعوة الإسلامية ، ونقل تعاليم ومباديء هذا الدين إلى أكبر شريحة من الناس عن طريق مخاطبة ملوكهم وأمرائهم . وقد بدأت هذه المرحلة منذ أواخر السنة السادسة للهجرة ؛ حين انطلقت مواكب الرسل تحمل الخير ونور الهداية ، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم ، وموجهة إلى الزعماء ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، لينالوا ملك الدنيا والآخرة ، ويسعدوا بالسعادة الحقيقية ، التي لا تكون إلا بالعبودية لله بحق ، والبعد عن عبادة غيره ، أو الإشراك به . فتوجهت الكتب والرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة ، وإلى المقوقس ملك مصر ، وإلى كسرى ملك فارس ، وإلى قيصر ملك الروم ، وإلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين ، وإلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق ، وإلى ملك عُمان جيفر بن الجلندي وصاحبه عبد بن الجلندي الأزدي . واختار النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمّة عددا من خيرة أصحابه ، كان منهم عبدالله بن حذافة السهمي ، و عمرو بن أمية الضمري ، و دحية بن خليفة الكلبي ، و شجاع بن وهب ، و حاطب بن أبي بلتعة ، رضي الله عنهم أجمعين . وحين نستعرض سير هذه الثلّة ندرك أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عشوائياً ، بل كان قائما على أسس ومواصفات ارتأى النبي صلى الله عليه وسلم توفّرها فيمن أراد أن يقوم بتلك المهمّة الحساسة ، فإنهم باديء ذي بدء دعاة توفّر لديهم العلم الشرعي ، ثم إنهم كانوا على قدر كبير من طلاقة اللسان وحسن البيان ، وقد ضمّوا إلى ذلك جمالا في المظهر يعطي انطباعا حسناً لمن يلقاهم – كما هو الحال عند دحية الكلبي رضي الله عنه - ، وأخلاقا رفيعة وحكمة وحسن تصرّف ، وسرعة بديهة يتطلبها الحوار مع الساسة والقادة . وكانت تلك الخطابات تحمل في طيّاتها الرأفة ومحبة الخير والهداية لهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامهم حرصه على بلوغهم الدعوة . ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال الرجوع إلى مضامين تلك الرسائل ، فلما كان " هرقل " عظيم الروم و" المقوقس " عظيم الأقباط ممن يدينان بالنصرانية المحرّفة التي تغلو في المسيح عيسى عليه السلام وترفعه إلى درجة الألوهية ، نرى التنصيص على عبودية الناس عموما والرسل خصوصاً لله رب العالمين ، وتأكيدا لذلك أورد في كلا الرسالتين قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ( آل عمران : 64 ) ، وفي المقابل كان " كسرى " وقومه ممن يعبدون الشمس والنار ، فحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تصحيح هذا المفهوم من خلال إيراده لحقيقة التوحيد في ثنايا رسالته . ومع ذلك تبقى الهداية فضلاً من الله يؤتيه من يشاء ، ويمنعه عمن يشاء ، فآمن بعض الملوك ، واتبع الهدى ، فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر ، وكان من هؤلاء المنذر بن ساوى ملك البحرين ، وجيْفر بن الجلندي وهبد بن الجلندي صاحبي عمان ، وبقي البعض على الكفر يتخبّط في ظلامه ، طمعاً في جاهٍ زائل ، أو حرصاً على دنيا فانية ، أو خوفاً من حاشيته وقومه : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } (القصص : 56) . وبهذه الخطوة نقل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته المباركة إلى ملوك الأرض ، وعرفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين ، وفي هذا أعظم دلالة على عالمية الدعوة وشموليتها زمانا ومكانا .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 7:26 pm | |
| فتح مكة
لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر..
لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة ، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم ، فأغاروا عليها ليلاً ، فاقتتلوا ، وأصابوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها .
وأرادت قريش تفادي الأمر ، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين ، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهئ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة ، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها .
وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة ، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه .
ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً .
وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة .
وكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسس الأخبار ، فوجده العباس ، فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ، فجاء به راكباً معه ، حتى أدخله على رسول الله ، فقال له الرسول : ( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ....ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله) ، فقال العباس : ويحك أسلم ، فأسلم وشهد شهادة الحق ، ثم أكرمه الرسول فقال : (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) رواه مسلم .
ولما تحرك الجيش لدخول مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي ،حتى تمر به جنود الله فيراها ، فمرّت القبائل على أبي سفيان ، و العباس يخبره بها ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار ، فقال أبو سفيان : سبحان الله ؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة . ثم أسرع إلى قومه ، وصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد . ودخل رسول الله مكة متواضعاً لله الذي أكرمه بالفتح ، وكان قد وزع جيشه إلى مجموعات ، أو كتائب احتياطاً لأي مواجهة .
ودخل الجيش الإسلامي كل حسب موضعه ومهامه ، وانهزم من أراد المقاومة من قريش ، ولم يستطع الصمود أمام القوى المؤمنة ، ثم دخل رسول الله المسجد الحرام والصحابة معه ، فأقبل إلى الحجر الأسود ، فاستلمه ، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها بقوس في يده ، ويكسرها ، ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً} ( الإسراء 1 ) ، { قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سبأ : 49) ، والأصنام تتساقط على وجوهها ، ثم طاف بالبيت .
ثم دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت ، فدخلها فرأى فيها الصور فمحاها ، وصلى بها ، ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع ، فقال : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟) قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : ( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : {لا تثريب عليكم اليوم } اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
وأعاد المفتاح ل عثمان بن طلحة ، ثم أمر بلالاً أن يصعد الكعبة فيؤذن ، وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين ، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة .
وفي اليوم الثاني قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى خطبته المشهورة ، وفيها : ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ،لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي قط إلا ساعة من الدهر ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شوكها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) رواه البخاري .
وخاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة ، فقال لهم : ( معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم ) رواه مسلم .
ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة ، وأقام بمكة تسعة عشر يوماً ، يجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى ، ويكسر الأصنام .
وبهذا الفتح حصل خير كثير ، فبه أعز الله الإسلام وأهله ، ودحر الكفر وأصحابه ، وبه استنقذ مكة المكرمة ، والبيت العتيق من أيدي الكفار والمشركين ، وبه دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وأشرقت الأرض بنور الهداية ، وهكذا يفعل الإسلام في أتباعه، ومع أعدائه ، فهو دين الرحمة ، فهل يوجد دين يماثله ، في قيمه ومبادئه وتعاليمه في السلم والحرب ، إن الإسلام هو دين الإنسانية جمعاء ، وهي تحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 7:52 pm | |
| فوائد من فتح مكة
كان فتح مكة أهم فتح للإسلام والمسلمين ، أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة والمسلمين عامة ، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام..
كان فتح مكة أهم فتح للإسلام والمسلمين ، أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة والمسلمين عامة ، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام ، فتوج مرحلة مهمة من مراحل الدعوة الإسلامية ، وكان أشبه ما يكون بنهاية المطاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدار ، وبداية المطاف لمن بعده لإتمام مهمة نشر الدعوة في أرجاء الأرض كافة . ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا : إن فتح مكة يحمل من الدلالات والفوائد والعبر ما لا يحيط به كتاب فضلا أن يحيط به مقال كهذا ، وحسبنا في هذا المقام أن نقف عند بعض الفوائد والدلائل التي حملها ذلك الحدث التاريخي ، لنعرف أهميته في تاريخ الإسلام ، وندرك مكانته في مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه . إن من أولى فوائد فتح مكة أنه انتزع تلك البقعة المباركة من براثن الشرك، وضمها لحمى التوحيد . فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فكان من أول ما فعل أن كسَّر الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وهو يردد قوله تعالى:{ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } ( الإسراء : 81 ) وقوله: { قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد } (سـبأ:49) ، وصعد بلال على سطح الكعبة وصدح بالأذان ، فكانت كلماته تتردد في أرجاء مكة معلنة انتهاء عهد الخرافة والشرك ، وبدء عصر النور والتوحيد . وقد كان من فوائد فتح مكة رفعُ سيف الكفر المسلط على رقاب المستضعفين من أهل مكة - سواء ممن أسلم ، أو ممن كان يرغب في الإسلام - الذين أرهبهم سيف قريش ، وسَلَبَ حقهم في اختيار الدين الحق ، فجاء ذاك الفتح ليرفع السيف عن رقابهم وليدخلوا في دين الله دون خوف أو وجل . ومما أسفر عنه هذا الفتح العظيم تحطيم وإزالة رهبة قريش من قلوب قبائل العرب ، التي كانت تؤخر إسلامها لترى ما يؤول إليه حال قريش من نصر أو هزيمة، روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة : " أن العرب كانت تَلَوَّمُ - تنتظر - بإسلامها الفتح ، يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم " . وكان من فوائد هذا النصر المبارك زيادة إيمان المؤمنين بتحقق وعد ربهم ، دخول البيت والطواف به ، بعد أن منعهم منه المشركون، فقال سبحانه: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون } ( الفتح: من الآية27) . ومن فوائد فتح مكة اكتساب المسلمين شرف حماية البيت وخدمته ، مما جعل لهم من المكانة عند العرب نظير ما كان لقريش من قبل ، بل وأعظم . ومن فوائد فتح مكة تضعضع مركز الكفر والشرك في جزيرة العرب ، وتحول رؤوس الكفر إلى القتال على جبهات ليس لها منزلة ولا مكانة عند العرب كثقيف وهوازن ، وما هي إلا جولة أو جولتان حتى خضعت جزيرة العرب للحكم الإسلامي ، وأصبحت الجزيرة مركزاً لنشر الدين الجديد وانطلقت الجيوش المسلمة الفاتحة لتدك عروش كسرى وقيصر ، ولتخضع أكبر إمبراطوريات الشر لحكم الدين الإسلامي. ومن أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ بتبليغ دعوته ، فبعد أن أكرمه الله عز وجل بدخول مكة توجه إلى أهلها ليقول لهم ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) رواه البيهقي فيا له من موقف كريم يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين . هذه بعض فوائد فتح مكة ، ذلكم الفتح الذي ليس ثمة فتح يوازيه في مكانته وأهميته ، حتى سماه العلماء الفتح العظيم ، وذلك لما ترتب عليه من نتائج عظيمة ليس أقلها إعادة أعظم بقعة في الأرض من براثن الشرك إلى حمى التوحيد ، وليس أدناها اقتران هذا الفتح المبارك بدخول الناس في دين الله أفواجاً ، كما قال تعالى: { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } ( النصر:1-3 ). والله الموفق .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 8:08 pm | |
| غزوة حنين تداعياتها ونتائجها
وافقت أحداث هذه الغزوة السابع من شهر شوال، من السنة الثامنة من هجرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ودارت رحاها في وادي حنين، وهو وادٍ إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة سبعة وعشرون.. وافقت أحداث هذه الغزوة السابع من شهر شوال، من السنة الثامنة من هجرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ودارت رحاها في وادي حنين، وهو وادٍ إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة سبعة وعشرون كيلو مترًا تقريبًا، من جهة عرفات. وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في هذه المعركة اثنا عشر ألفًا؛ عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة . * سبب الغزوة : لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم : " الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين. وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا " . وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا ( هوزان ) و( ثقيف ). فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد ( هوزان ). وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم .
* مجريات الغزوة ووقائعها : وكان مالك بن عوف رجلاً شجاعًا ومقدامًا، إلا أنه كان سقيم الرأي، وسيء المشورة؛ فقد خرج بقومه أجمعين، رجالاً ونساء وأطفالاً وأموالاً؛ ليُشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها. وقد اعترضه في موقفه هذا دريد بن الصمة - وكان فارسًا مجربًا محنكًا، قد صقلته السنون، وخبرته الأحداث - قائلاً له: وهل يرد المنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك، لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك: فضُحْتَ في أهلك ومالك. فسفَّه مالك رأيه، وركب رأسه، وأصر على المضي في خطته، لا يثنيه عن ذلك شيء .
وانتهى خبر مالك وما عزم عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يجهز جيشه، ويعد عدته لمواجهة هذا الموقف. وكان مالك بن عوف قد استبق زمام المبادرة وتوجه إلى حنين، وأدخل جيشه بالليل في مضائق من ذلك الوادي، وفرق أتباعه في الطرق والمداخل، وأصدر إليهم أمره، بأن يرشقوا المسلمين عند أول ظهور لهم، ثم يشدوا عليهم شدة رجل واحد . وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد عبأ جيشه بالسَّحَر، وعقد الألوية والرايات، وفرقها على الناس، وقبل أن يبزغ فجر ذلك اليوم، استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بما كان قد دُبِّر لهم بليل. وبينما هم ينحطون على ذلك الوادي، إذا بالنبال تمطر عليهم من كل حدب وصوب، وإذا بكتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانهزم المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة لذلك الجمع الكبير . وانحاز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، وهو يقول: ( إلي يا عباد الله، أنــا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار . وقد روى لنا العباس رضي الله عنه هذا الموقف العصيب، وصوَّره لنا أدق تصوير، فقال: ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عباس ! نادِ أصحاب السَّمُرَة - أي: أصحاب بيعة العقبة - فقال عباس : أين أصحاب السمرة ؟ قال: فوالله لكأَن عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي، عَطْفة البقر على أولادها - أي: أجابوا مسرعين - فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار...فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: حمي الوطيس ، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد ، قال: فذهبت أنظر، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً، وأمرهم مدبرًا - يعني قوتهم ضعيفة، وأمرهم في تراجع وهزيمة - ) هذه رواية مسلم في "صحيحه". وقد فرَّ مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه، والتجؤوا إلى الطائف، وتحصنوا بها، وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فريقًا من الصحابة، حاصروهم، وقاتلوهم حتى حسموا الأمر معهم . وهذا الحدث وما رافقه من مجريات ووقائع، هو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى، بقوله: { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين } (التوبة:25-26) . لقد كان موقف رسول الله وثباته في هذه المعركة مع قلة من الصحابة دليلاً ناصعًا، وبرهانًا ساطعًا على عمق إيمانه بالله، وثقته بنصره وتأييده، وتحققه بأن نتيجة المعركة سوف تكون إلى جانب الحق. وإنك لتبصر صورة نادرة، وجرأة غير معهودة في مثل هذه المواقف؛ فقد تفرقت عنه صلى الله عليه وسلم الجموع، وولوا الأدبار، لا يلوي واحد منهم على أحد، ولم يبق إلا رسول الله وسط ساحات الوغى، حيث تحفُّ به كمائن العدو من كل جانب، فثبت ثباتًا عجيبًا، امتد أثره إلى نفوس أولئك الفارين، فعادت إليهم من ذلك المشهد رباطة الجأش، وقوة العزيمة .
* موقف أم سليم : ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه. وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله ! هذه أم سليم ، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن ) . * تداعيات هذه الغزوة : ثم إن من تداعيات هذه المعركة، ما كان من مسألة تقسيم الغنائم - وقد غنم المسلمون مغانم كثيرة في هذه المعركة - وكانت هذه القسمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفْهَم أول الأمر، فأُطْلِقتْ ألسنة شتى بالاعتراض، والقيل والقال . وحاصل خبر تداعيات تقسيم الغنائم، ما رواه ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لما أعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وَجَدَ هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القَالَةُ - يعني كثرة الكلام بين الناس - حتى قال قائلهم: لقي - واللّه - رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال: يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: ( فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ ) قال: يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي. قال: ( فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ). فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا. وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال: لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال: ( يا معشر الأنصار، ما قَالَة بلغتني عنكم، وَجِدَةٌ وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه؟ وعالة فأغناكم اللّه؟ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ؟) قالوا: بلى، اللّه ورسولـه أمَنُّ وأفضل. ثم قال: ( ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟) قالوا: بماذا نجيبك يا رسول اللّه؟ للّه ورسوله المن والفضل. قال: ( أما واللّه لو شئتم لقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ: أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك. أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم فيَّ لَعَاعَةٍ من الدنيا - يعني شيئًا تافهًا - تَألفَّتُ بها قومًا ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكتُ شِعب الأنصار. وإنكم ستلقون أثرة من بعدي، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. اللّهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار ) فبكي القوم حتى اخضلت - تبللت - لحاهم، وقالوا: رضينا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وتفرق الجمع . * الدروس والعبر المستفادة : لقد كانت غزوة حنين هذه درسًا عظيمًا في العقيدة الإسلامية، وممارسة عملية لفهم قانون الأسباب والمسببات؛ فإذا كانت وقعة بدر قد علَّمت الجماعة المسلمة أن القلة إذا كانت مؤمنة بالله حق الإيمان، وآخذة بأسباب النصر، لا تضر شيئًا في جنب كثرة الأعداء؛ فإن غزوة حنين قد علمت تلك الجماعة درسًا جديدًا، حاصله أن الكثرة الكاثرة لا تغني شيئًا، ولا تجدي نفعًا في ساحات المعركة، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وإذا لم تكن قد أخذت بأسباب النصر وقوانينه. فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة، وإنما ثمة أمور أخر ورائها، لا تقل شأنًا عنها، إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارًا، لتقرير نتيجة أي معركة . فكانت حنين بهذا درساً، استفاد منه المسلمون غاية الفائدة، وتعلموا منه قواعد النصر وقوانينه، قال تعالى: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } (محمد:7) . ويدل موقف أم سليم في هذه المعركة على مدى حرص الصحابيات رضي الله عنهن على مشاركتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وتبليغ رسالته، ومواجهة أعدائه . ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة، والعبر المستخلصة منها، حكمة سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الغنائم وتوزيعها، فقد اختص في هذه المعركة الذين أسلموا عام الفتح بمزيد من الغنائم عن غيرهم، ولم يراع في تلك القسمة قاعدة المساواة بين المقاتلين. وفي هذا دلالة على أن لإمام المسلمين أن يتصرف بما يراه الأنسب والأوفق لمصلحة الأمة دينًا ودنيا .
ويستفاد من بعض تصرفاته صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، أن الدافع الأول وراء مشروعية الجهاد، هو دعوة الناس إلى دين الإسلام، وهدايتهم إلى الطريق المستقيم، وإرشادهم إلى الدين القويم، وهو الهدف الأساس الذي جاءت شريعة الإسلام لأجله؛ ولم يكن الهدف من مشروعية تلك الغزوات تحقيق أهداف اقتصادية، ولا تحصيل مكاسب سياسية. يشهد لهذا المعنى موقفه صلى الله عليه وسلم من مالك بن عوف - وكان المحرك الأساس، والموجه الأول لمعركة حنين - فقد سأل صلى الله عليه وسلم أصحابه عن مالكٍ، فقالوا: إنه بالطائف مع ثقيف، فقال لهم: أخبروه، أنه إن أتى مسلمًا رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مئة من الإبل، فأُخبر مالك بذلك، فجاء يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مئة من الأبل، وأسلم فحسن إسلامه. والخبر ذكره ابن إسحاق .
كل هذا - وغيره كثير - يدل دلالة واضحة على أن الجهاد في أصله ليس إلا ممارسة لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الوظيفة الأساس من الجهاد، والهدف المرام من تشريعه، دعوة الناس إلى الدين الحق، وضمان حريتهم في اعتناق هذا الدين .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 8:12 pm | |
| غزوة الطائف
بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال عام 8هـ قاصداً الطائف يريد فتحها، وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد رضي الله..
بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال عام 8هـ قاصداً الطائف يريد فتحها، وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد رضي الله عنه ؛ حيث جعله على مقدمة الجيش ، وطلب منه أن يسير أولاً لمحاصرتها . وكانت قبيلة ثقيف - وهم أهل الطائف- قد حصنت مواقعها ، وأعدت عدتها ، وتهيأت للقتال ، والدفاع عن أرضها. ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف نزل قريباً من الحصن ، وأقام معسكره فيه ، فانتهزت ثقيف الفرصة ، وأخذت توجه سهامها إلى معسكر المسلمين ، فأصابت منهم اثنا عشر رجلاً ، كان منهم : عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه الذي استشهد على أثر رمية أصابت منه مقتلاً. واستمر حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائف قرابة أربعين يوماً ، تخللها العديد من المناوشات بين المسلمين والمشركين ، ورغبة في إضعاف معنويات ثقيف ، أخذ المسلمون في تحريق نخلهم ، فناشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم ، فاستجاب لهم ، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر" ، فخرج منهم بضعة عشر رجلاً ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل رجلٍ منهم إلى رجلٍ من المسلمين ليقوم بشأنه واحتياجاته. ولما طال الحصار ، وأصيب عدد من المسلمين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم بعض القوم ، ثم قرر رفع الحصار والرحيل ، فعن عبد الله بن عمرو قال :حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا ، فقال : ( إنا قافلون إن شاء الله ، قال أصحابه : نرجع ولم نفتتحه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغدوا على القتال ، فغدوا عليه فأصابهم جراح ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قافلون غدا ، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري و مسلم . وتروي كتب السير أن بعض الصحابة أتوا رسول الله وقت الحصار ، وقالوا : يا نبي الله ، ادعُ الله على ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم ) . ثم أذن مؤذن رسول الله بالرحيل ، فرحل الجيش وهم يقولون : ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) . وهكذا عاد المسلمون من غزوة الطائف ، منتصرين وإن لم يفتحوا الحصن ، منتصرين بإيمانهم ، وثباتهم ، وصبرهم ، إضافة لما حصل من استسلام بعض أهل الطائف وإسلامهم . ومما يستفاد من هذه الغزوة سرعة استجابة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد غزوة حنين مباشرة ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لنشر دعوتهم ، ومواجهة المعارضين لها ، والواقفين في سبيلها . ويستفاد أيضاً ضرورة الأخذ بالوسائل الحربية ، والاستراتيجية ، والخطط النافعة ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث استخدم المنجنيق ، وكان أول ما رمي به في الإسلام. ويستفاد أيضاً ضرورة التشاور وخاصة وقت المحن والشدائد ، وعدم التفرد باتخاذ القرار ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شاور في فك الحصار ، وذلك لبيان أهمية هذا المبدأ العظيم مبدأ الشورى . وقبل هذا وذاك نستفيد من أحداث هذه الغزوة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من رحمة وشفقة بالآخرين ، ولو لم يكونوا مسلمين ، لأن مهمته تتمثل في هداية الآخرين وليس النيل منهم والكيد بهم ، وفي دعوته صلى الله عليه وسلم لثقيف -وليس الدعاء عليهم- أبلغ دليل على ما ذكرنا.
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 8:19 pm | |
| أحداث بين غزوة الطائف وغزوة تبوك
كانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه حياة جِدِّ وعمل ، ومما يدل على ذلك أحداث السيرة العطرة ، التي يراها الناظر متتابعة متلاحقة في إنجازاتها العظيمة التي تدل..
كانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه حياة جِدِّ وعمل ، ومما يدل على ذلك أحداث السيرة العطرة ، التي يراها الناظر متتابعة متلاحقة في إنجازاتها العظيمة التي تدل ولا شك على عظمة القائد ، وجَلده وصبره في تبليغ الحق الذي جاء به ، والثبات عليه مهما كانت الصعاب والعقبات ، ومعه في ذلك الطريق أصحابه الكرام. فبعد غزوة الطائف التي كانت في شوال سنة 8هـ ، لحقتها عدة أحداث نوجزها باختصار:- 1- قدوم وفد هوازن حيث أقبلوا مسلمين طائعين مبايعين ، وكان عددهم أربعة عشر رجلاً ، ويرأسهم زهير بن صُرَد ، وفيهم أبو بُرْقَان عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وكان من جملة ما طلبوا من الرسول أن يعيد إليهم السبايا التي أصابها المسلمون منهم ، فأجابهم النبي الكريم إلى ذلك بعد استشارة أصحابه ، واستطابة خاطرهم . 2- أداء العمرة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة غنائم حنين في الجعرانة ، حيث أخّر قسمتها ، أملاً في قدوم وفد هوازن تائبين ، فتُعاد إليهم ، ولما لم يأته أحد قسمها ، ثم أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة منها ، وبعد انتهاء العمرة انصرف من مكة عائداً إلى المدينة بعد تولية عتّاب بن أسيد على مكة ، وكان دخوله المدينة أواخر ذي القعدة سنة 8هـ . 3- البعوث بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، بدأ أوائل سنة 9هـ في بعث الوفود إلى القبائل ، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم ، و يزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار ، و عباد بن بشر الأشهلي إلى سُليم ومزينة ، و رافع بن مكيث إلى جهينة ، و عمرو بن العاص إلى بني فزارة ، و الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب ، و بشير بن سفيان إلى بني كعب ، و ابن اللّتبية الأزدي إلى بني ذبيان ، و المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ، و زياد بن لبيد إلى حضرموت ، و عدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد ، و مالك بن نويرة إلى بني حنظلة ، و الزِّبْرِقَان بن بدر و قيس بن عاصم إلى بني سعد ، و العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، و علي بن أبي طالب إلى نجران . وكانت هذه البعوث تقوم بالدعوة إلى الله ، وتعليم الناس أمور دينهم ، وجمع الصدقات ، وأخذ الجزية . 4- السرايا وكما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم البعوث ذات الطابع السِّلمي ، أرسل السرايا التي يغلب عليها الطابع العسكري الجهادي من أجل الوقوف بحزم مع أولئك الذين يثيرون القلاقل بين حين وآخر : فكانت سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم ، في خمسين فارساً . وسرية قُطبة بن عامر إلى حي من خثعم ، في عشرين رجلاً . وسرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب . وسرية علقمة بن مُجزِّر المُدلجي إلى سواحل جُدَّة ، في ثلاثمائة . وسرية علي بن أبي طالب إلى صنم لطيئ من أجل هدمه ، في خمسين ومائة . وكانت نتائج هذه السرايا انتصار المسلمين ، وكسب الغنائم ، مع نيل الشهادة لبعض القادة والمقودين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . تلك بعض الأحداث التي كانت بين غزوتي الطائف وتبوك ، وهي تدل على الصبر والجلد عند أولئك الرجال العظام ، وكيف أنهم كانوا يواصلون الخير والعطاء ، ونشر الهداية بين الناس ، والجهاد في سبيل الله باللسان والسنان دون كلل أو ملل ، وفي ذلك درسٌ عظيم لأمة الإسلام كي تنهض من كبوتها ، وتأخذ بهدي نبيها ، عسى الله أن يجعل لها من بعد عُسرها يُسرا .
| |
|
| |
مصطفى ابراهيم الشافعى عضو / ة
الساعة الأن : الجنس : عدد المساهمات : 797 نقاط : 1473 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2011 العمر : 28
| موضوع: رد: قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأربعاء 08 أغسطس 2012, 8:34 pm | |
| من تبـــوك إلى الوفــــاة
دروس من : الثلاثة الذين تخلفوا
خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحاربة الروم في رجب من العام التاسع الهجري، واشتهرت هذه الغزوة باسم غزوة تبوك نسبة إلى عين ماء يقال لها تبوك، وعرفت كذلك بغزوة العُسْرة، لصعوبة وشدة..
خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحاربة الروم في رجب من العام التاسع الهجري، واشتهرت هذه الغزوة باسم غزوة تبوك نسبة إلى عين ماء يقال لها تبوك، وعرفت كذلك بغزوة العُسْرة، لصعوبة وشدة الظروف التي وقعت فيها، من شدة الحر، وقلة الماء، وبعد المكان، وقلة المال والدواب التي تحمل المجاهدين، وكثرة العدو وقوته . وقد قال الله تعالى عن هذه الغزوة: {}(التوبة: من الآية117) .. وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: " خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه ".. لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ وقد استجاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجال من المسلمين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فنفروا للجهاد مسرعين، يسيرون في الصحراء المترامية، بين الحر الشديد ووعورة الطريق، لا يكترثون بوعثاء السفر، ولا يثنيهم عن غايتهم ما يحيط بهم من المتاعب، بل يَجِّدون في طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم ـ .. وقد تخلف ثلاثة رجال من أصحابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الخروج للجهاد معه، من غير عذر شرعي ولا نفاق، ولكن كسلا وتسويفاً، وهم: كعب بن مالك و مرارة بن الربيع وهلال بن أبي أمية .. ورغم فداحة الذنب وعظمته، تجاوز الله عنهم، وغفر لهم صنيعهم، لأنهم كانوا صادقين، ولم يخادعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولم يأتوا بأعذار كاذبة، بل صدقوا واعترفوا بتخلفهم، ورجعوا إلى الله تائبين، فتاب الله عليهم .
وقد وردت هذه القصة في صحيحي البخاري ومسلم ، وملخصها كما جاء على لسان كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أحد وأبرز أصحابها : " غزا النبي ـ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة، حين طابت الثمار، فتجهز رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتجهز المسلمون معه ولم أتجهز، وأقول في نفسي سألحق بهم، حتى إذا خرجوا ظننت أني مدركهم، وليتني فعلت، فلما انفرط الأمر، أصبحت وحدي بالمدينة لا أرى إلا رجلاً مغموصاً(معروفا) عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، فلما بلغني أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد راجعاً من تبوك حضرني الفزع، فجعلت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخط رسول الله؟، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي . فلما دنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المدينة، زال عني الباطل، وعلمت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت(عزمت) صدقه ..
فلما وصل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمدينة بدأ بالمسجد فصلى ركعتين وجلس للناس، فجاء المخلفون وجعلوا يعتذرون له ويحلفون، فيقبل منهم ظواهرهم ويستغفر لهم، وكانوا بضعاً وثمانين رجلاًَ، فجئت فسلمت عليه، فتبسم تبسم المغضب، فقال لي: ( ما خلفَّك؟ )، قلت: يا رسول الله، والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لخرجت من سخطه بعذر، ولقد أُعْطيتُ جدلاً، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك ) .. فخرجت من عنده فلحقني بعض أهلي يلوموني على أني لم أعتذر، ويستغفر لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى هممت أن أرجع عن صدقي، فسألت: هل قال أحد بمثل ما قلت؟ فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً : مرارة بن الربيع وهلال بن أبي أمية ، وكان فيهما لي أسوة .. ثم إن رسول الله نهى عن محادثتنا نحن الثلاثة، فاجتبنا الناس، وتغيروا لنا، فتنكرت لي نفسي والأرض، أما صاحبيّ فاستكانا وقعدا في بيتيهما، أما أنا فأُصلى مع المسلمين وأطوف الأسواق ولا يكلمني أحد حتى أقاربي .
قال كعب : و بينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطِيٌّ(فلاح) من أنباط أهل الشام، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدلني على كعب بن مالك ؟ فطفق(أخذ) الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إليَّ كتابا من ملك غسان في سَرَقَةٍ من حرير(قطعة من جيد الحرير)، فإذا فيه: قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك .. فقلت: وهذا أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور(أحرقتها) . حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسول مِنْ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأتيني فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل أهلك، وأرسل إلى صاحبيَّ مثل ذلك، فقلت: الحقي بأهلك .. فلبثت بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا .. فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا، سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء الفرج ..
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما سلمت عليه، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يبرق وجهه من السرور: ( أبشر بخير يوم مَرَّ عليك منذ ولدتك أمك )، فأنزل الله ـ عز وجل ـ : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (التوبة 117 : 119) . قال كعب : فما أنعم الله عليَّ بنعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يومئذ، والله ما أعلم أحداً ابتلاه الله بصدق الحديث بمثل ما ابتلاني " ..
علم كعب وهلال ومرارة ـ رضي الله عنهم ـ مما تربوا عليه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطورة الكذب، فعزموا على سلوك طريق الصراحة والصدق، وإن عرّضهم ذلك للتعب والبلاء، ومن ثم قال كعب ـ رضي الله عنه ـ : فلما قيل : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أظلَّ قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه.. ومن ثم كان ذلك سبباً في قبول الله توبتهم، وما أجمل قول الله تعالى في ختم توبته على كعب ومن معه بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (سورة التوبة آية9) ..
وفي قصة هؤلاء الثلاثة ـ رضي الله عنهم ـ ظهر تربص أعداء الإسلام بالمسلمين، إذ كان العدو الصليبي يراقب ويرصد المجتمع الإسلامي، فأراد ـ كعادته ـ أن يستغل الفرصة لكي يمزق الجبهة الداخلية ويشعل نار الفتنة بين المسلمين، ليوهن بنيان الدولة الإسلامية، فاستغل ملك غسان فرصة هجران المسلمين لكعب بن مالك ، فأرسل له سفيره برسالة خاصة، يغريه فيها، وكان رد كعب على هذه الرسالة قوله: وهذا أيضاً من البلاء .
وكما يدل هذا الموقف على تربص أعداء الإسلام بالمسلمين، فإنه يدل كذلك على شدة ولاء كعب لله ورسوله، وقوة إيمانه وعظمة نفسه، إذ رمى بكتاب ملك غسان في النار وأحرقه، ولم يلتفت لإغرائه، وخرج من محنته وهو أقوى ما يكون إيماناً وثباتاً على دينه ..
وقد تبين من خلال هذه القصة من السيرة مشروعية الهجر بسبب شرعي، فهو هجر تربوي له منافعه وأهدافه في تربية الفرد والمجتمع المسلم على الاستقامة، ومنع أفراده وتحذيرهم من التورط في المخالفات، إما بترك شيء من الواجبات، أو فعل شيء من المحرمات، لأن من علم أنه إذا وقع في شيء من ذلك سيهجر من جميع أفراد المجتمع، فإنه لا يفكر في الإقدام عليه، مع الأخذ في الاعتبار العلم بأن تطبيق هذا الهجر يجب أن يتم مع أمن الوقوع في الفتنة لمن يُطَبَق عليه .. وهذا الهجر الشرعي يختلف عن الهجر الذي يكون بين المسلمين على أمور الدنيا، فهذا دنيوي وذاك ديني، فالهجر الديني ـ بضوابطه ـ مطلب شرعي يثاب عليه فاعله، وهو وسيلة تربوية، أما الهجر الدنيوي فإنه منهي عنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) (مسلم)..
الفرحة بالتوبة وشكر الله عليها :
عندما نزلت الآيات الكريمة التي بينت توبة الله على هؤلاء الثلاثة، كان ذلك اليوم من الأيام العظيمة عند المسلمين، وظهرت الفرحة على وجوه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حتى صاروا يتلقون كعباً وصاحبيه يهنئونهم بما تفضل الله به عليهم من التوبة . وجاء كعب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجهه يبرق من السرور فقال له ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك )، ومن شدة فرحه ـ رضي الله عنه ـ سجد لله شكراً، وأعطى ثوبيه اللذين لا يملك يومئذ غيرهما لمن بشره، ثم استعار ثوبين فلبسهما، وأراد أن ينخلع من ماله كله صدقة لله تعالى، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - لم يتقبل منه التصدق بجميع ماله، وقال له: ( أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك ) .. وهذا يدل على عِظَم مقام التوبة، والفرح بها، والشكر عليها .. إذ التوبة تعني عودة العبد إلى الدخول تحت رضوان الله تعالى، وهو أعلى هدف ينشده المسلم في حياته .. وكذلك كانت فرحة صاحبيه عظيمة غير أن كعباً ـ رضي الله عنه ـ لم يذكر في هذا الخبر إلا ما حدث معه، وقد جاء في رواية الواقدي : " وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد فسجد، قال سعيد : فما ظننته يرفع رأسه حتى تخرج نفسه .. " .
فدل ذلك على أن سجود الشكر لله عبادة مشروعة، فقد كان من عادة الصحابة - رضي الله عنهم - أن يسجدوا شكراً لله تعالى كلما تجددت لهم نعمة أو انصرفت عنهم نقمة، وقد تعلموا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ .. فعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله )( أبو داود ) . قال ابن القيم : " .. وقد سجد أبو بكر الصديق لما جاءه قتل مسيلمة الكذاب، وسجد علي بن أبي طالب لما وجد ذا السدية مقتولا في الخوارج، وسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما بشره جبريل أنه : مَنْ صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرا .." .
إن في قصة هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد، درس بليغ لكل مسلم، أن لا يتخلف عن عملٍ يقتضيه دينه، فالراحة والسعادة لا معنى ولا طعم لهما مع معصية الله، وأن التخلف عن القيام بواجباتنا نقص في الإيمان، وخلل في الدين لابد فيه من التوبة الصادقة مع الله ..
| |
|
| |
| قطوف من سيـــرة الحبيب صلى الله عليه وسلم | |
|