يوميات رمضانية (3)
درس اليوم
حداء الصائمين
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد ..
للصائمين نغمات خاصة ، وأهازيج موقرة وحداء خالد.
الصائمون أكثر الناس ذكرا لله عز وجل تسبيحا وتهليلا وتكبيرا واستغفارا ، إذا طال النهار على الصائمين قصروه بالأذكار ،
وإذا آلمهم الجوع أذهبت حرارته الأذكار ، فهم من ذكرهم في متعة ، ومن تسبيحهم في سعادة. يذكرون الله فيذكرهم: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
البقرة: من الآية152.
الصائمون الصادقون يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم.
الصائمون الصادقون تطمئن قلوبهم بذكر الله ، وتسعد أرواحهم بحب الله ، وترتاح نفوسهم بالشوق إلى الله.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت ) رواه البخاري.
فلا إله إلا الله كم من ميت ما عرف الذكر وهو يعيش في الحياة ويأكل ويشرب ويسرح ويمرح ؟ ولكنه ما عرف الحياة أبدا.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ) رواه مسلم.
الصائم الذاكر أسبق الناس إلى الخيرات ، سريع إلى الجنة ، بعيد عن النار ، سجلاته مليئة بالحسنات ، مفعمة بالخيرات ، فهنيئا له.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لرجل سأله عن عمل يتشبث به. قال له: ( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ) رواه الترمذي.
والتعبير هذا جميل كل الجمال ، غاية في الروعة ، نهاية الإبداع ، كيف يجوع الصائم وهو يذكر الله دائما ، كيف يظمأ الصائم وهو يسبح بحمد الله أبدا.
أذكـرونـا مـثـل ذكـرانا لـكم رب ذكرى قربت من نزحا
واذكـروا صـبا إذا مـر بـكم سـكب الـدمع ونادى الفرحا
الذاكرون الله كثيرا هم الذين يذكرونه مع خروج الأنفاس وتلاقي الشفتين. وتعاقب اللحظات.
الذاكرون الله كثيرا سجلوا بذكرهم أعظم الأجور وأعلى الأمنيات وأجزل الأعطيات.
إذا أعرض بعض المقصرين عن ذكر رب العالمين ، اجتاحتهم الهموم ، وأحدقت بهم الغموم ، وتوالت عليهم الأحزان ، عندهم الدواء ولكن تناولوه ، ولديهم العلاج ولكن ما عرفوه: ﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد: من الآية28.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ) رواه الترمذي.
فكم من النخيل يفوت أهل النوم الثقيل والعبث الطويل.
أتشفق للمصر على الخطايا وتـرحمه ونـفسك ما رحمتا
تـقطعني على التفريط دوما وبـالتفريط دهرك قد قطعتا
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( لئن أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ) رواه مسلم.
ما هي الدنيا ؟ ما هو ذهبها ؟ وما هي فضتها ؟ أي شئ قصورها ودورها ؟ هكذا يزنها عليه الصلاة والسلام ، ويثمنها فكل ما طلعت عليه الشمس لا يساوي " سبحان الله ولا اله إلا الله والله أكبر ".
فهل من ذاكر يملأ ساعاته بهذه الكلمات الغاليات ليجدها يوم العرض الأكبر نورا وحبورا وسرورا.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا بلى يا رسول الله: قال ذكر الله تعالى ) رواه الترمذي.
كان الأبرار إذا صلوا الفجر يذكرون الله عز وجل حتى يرتفع النهار ، كان بعضهم ينشر مصحفه بعد صلاة الفجر فيسرح طرفه في الآيات البينات والحكم البالغات فيملأ صدره نورا وديوانه أجرا.
إن المقصر كل التقصير من فاته رمضان ، ولم يسعد فيه بذكر ربه ، ولم يصرف ساعاته في تسبيح مولاه .
فهل من مثابر يغتنم أنفاس العمر ودقائق الزمن ؟
دقــات قـلـب الـمـرء قـائلة لـه إن الــحـيـاة دقــائــق وثــوانـي
فارفع لنفسك قبل موت ذكرها فـالـذكر لـلإنـسان عـمـر ثـاني
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حديث اليوم
عن ابي زهيرعمارة بن رؤيبة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر" فقال له رجل من أهل البصرة آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم قال الرجل وأنا أشهد أني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته أذناي ووعاه قلبي . رواه مسلم
قطوف
مَا ضَرَّ مَنْ كَانَتِ الْفِرْدَوْسُ مَسْكَنُهُ مَاذَا تَجَرَّعَ مِنْ بُؤْسٍ وَإِقْتَارِ
تَرَاهُ يَمْشِي كَئِيبًا خَائِفًا وَجِلا إِلَى الْمَسَاجِدِ يَمْشِي بَيْنَ أَطْمَارِ
ذكرى
قال نافع : خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع
فقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة.
فقال : إني صائم
فقال له عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم
فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر
وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها
قال : إنها ليست لي إنها لمولاي
قال : فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ !
فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟
قال : فلم يزل ابن عمر يقول : قال : الراعي فأين الله
فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله
خاطرة
لا تعلق قلبك بالدنيا
يا ابن آدم، إنّ لك عاجلا وعاقبة، فلا تؤثر عاجلتك على عاقبتك، فقد، والله رأيت أقواماً آثروا عاجلتهم على عاقبتهم، فهلكوا وذلوا وافتضحوا.
الحسن البصري
يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً.
يا ابن آدم، لا يضرّك ما أصابك من شدة الدنيا إذا ادّخر لك خير الآخرة، وهل ينفعك ما أصبت من رخائها إذا حرمت من خير الآخرة.
يا ابن آدم، الدنيا مطيّة، إن ركبتها حملتك، وإن حملتها قتلتك.
يا ابن آدم: إنك مرتهن بعملك، وآت على أجلك، ومعروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، وعند الموت يأتيك الخبر.
يا ابن آدم: لا تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر متعلق، حسبك أيها المرء ما بلّغك المحل.
فتاوى
سوال : أيهما أفضل في نهار رمضان قراءة القرآن أم صلاة التطوع ؟
جواب : الحمد لله كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات وكان جبريل يدارسه القرآن ليلا وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف ، هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وفي هذا الشهر الكريم .
أما المفاضلة بين قراءة القارئ وصلاة المصلي تطوعا فتختلف باختلاف أحوال الناس وتقدير ذلك راجع إلى الله عز وجل لأنه بكل شيء محيط .
المفتي:عبدالعزيز بن باز رحمه الله