من كتاب " قلب جديد لمن يريد " للشيخ محمد حسين يعقوب

من كتاب " قلب جديد لمن يريد " للشيخ محمد حسين يعقوب

لكي تصبر على خطوات الاستعداد، وتنال العتق، والفردوس الأعلى من أول ليالي رمضان إن شاء الله .. ينبغي أن تصحح نيتك، وتُطهِّر طويتك؛ لتبلغ مرادك ويتم في الدارين إسعادك ..
يقول الله عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]
ويقول الرسول ناصحًا " إن تَصْدُق الله يصدُقْكَ" [صحيح الجامع (1415)]
يقول الإمام ابن القيم في (منزلة الصدق) "وهي منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علَّت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين" [مدارج السالكين (2:268)]
ولا سبيل لهذا الصدق إلا بوفقة جادة مع النفس؛ لتصدق مع نفسك وتصدق مع ربَّك ..
والوقفة مع النفس يحين وقتها خصوصًا في زمان الاستعداد لرمضان ..
هات يدك وتعالَ معنا .. نقف وقفة للمحاسبة قبل الإبحار ..

فلابد قبل ركوب السفينة من التفتيش والمرور عبر جهاز الكشف عن العيوب .. الذي لا تستطيع خداعه .. ولا تحتــاج لذلك أبدًا؛ للأسباب التالية:
1) لأنك تريد الإصلاح والنجـــاة .. لكي تكون عند ربك مرضيًا.
2) لأن هذا العمل لله عزَّ وجلَّ .. والله سبحانه سميع بصير عليم خبير.
3) الحقيقة إن لم تظهر اليوم فستظهر: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18]

وتلك الوقفة لابد لها أولاً من نية:
1) طاعة لأمر الله .. يقول الله عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]
ويروى عن عمر بن الخطاب قال "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا"، ويروى عن ميمون بن مهران قال "لا يكون العبد تقيًا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه، من أين مطعمه وملبسه؟"
2) للتوبة وتجديد العهد مع الله.
3) لإصلاح ما فسد والانتباه من الغفلة.
4) لاستدراك الفائت والاجتهاد قبل فوات العمر.

تعالَ بهدوء وروية واجب نفسك عن أسئلة العمر التالية:
1) كيف مضت هذه السنة بحلوها ومُرَّها .. هل أنت راضٍ عن نفسك في هذه السنة؟
2) كيف كانت محاسبتك لنفسك على مدار السنة .. هل كانت كل يوم أم أسبوع أم مع كل مصيبة وحادثة؟ أم نسيت وغفلت وفاتتك المحاسبة طوال السنة؟
3) كيف أنت في أيام السنة: صخرة أم قشَّة؟
هل كنت صخرة تتحطم عليها أمواج الشبهات والشهوات بالثبات؟
أم كنت قشة يتلاعب بها التيار وسبحت مع كل شهوة عرضت وكل شبهة وردت؟!
4) هل كان همك من دنيـاك لقمة تأكلها وشربة تشربها؟ أم غلب هَم الآخرة؟ .. لا تقل ساعة وساعة؛ بل أجب بالأعم الأغلب.
5) ما الذي آلمك في هذه السنة: منصب فاتك ... أموال ضاعت .. أذى البشر؟
أم نقصان دينك .. وغفلة قلبك .. وضعف طاعاتك؟
6) ما أشد ما آلمك وما أعظم ما سرَّك؟ دنيــا أو آخرة؟

7) هل ترى أن طاعاتك زادت هذه السنة وتحسنت نوعيًا؟ .. ما الذي زاد تحديدًا وتحسَّن فعلاً؟
هل هي الصلوات؟ حضور القلب؟ المحافظة على الجماعة؟
فكِّر بتركيز: ما الذي نقص من طاعاتك وفقدته أو افتقدته في هذه السنة؟
8) كيف حال أخلاقك في تعاملاتك؟ .. هل زادت الحِدَّة؟ أم زادته الرحمة والرأفة؟
9) كيف حال الحب والكره في قلبك؟
هل يمتليء بحب المال والشهوات والمناصب واللهو وحب نفسك؟ .. أم إنه فاض بحب الله، حب العبادة، حب المصحف، حب الخير للآخرين، حب الدين وحب الصالحيــن؟
10) هل زاد علمك بأحكام الحلال والحرام في الدين؟ .. هل زاد الحلال في حياتك أم الحرام؟
11) عند الفتاوى والأحكــام .. هل أخذت بعزائم الأمور وبالأحوط في الدين؟ أم أخذت بالاستسهال واتباع الهوى؟

12) العلم الشرعي .. هل تعلمت شيئًا جديدًا في الفقه .. التفسير .. الحديث .. العقيدة؟
هل ساعدت على نشر العلم الشرعي بطريقةٍ ما؟
13) هل كان لك منهج في الحيــاة؟ .. هل سرت على خطة هذا العام لإصلاح دينك ودنيــاك؟
أم تركت الأمور تجري كيفما اتفق، ومر بك العمر وضاعت السنة؟
14) بالنسبة والتناسب .. هل أديت الحقوق هذه السنة بنسبة كم بالمائة:
- حق الله عليك: العبادة، الصلاة، الذكر، الحب ..
- حق زوجتك أو زوجك .. حق أولادك .. حق والديك .. حق أرحامك .. حق جيرانك.
15) هل زاد غض البصر عندك، أم زاد إطلاق البصر؟
16) هل زاد حب الشهوة في قلبك، أم خَفَّ وكرهت المعاصي؟
17) هل انضبط لسانك، أم كَثُرَ كلامك؟
18) الأمر بالمعروف .. هل دللت على خير وأمرت بالمعروف؟
هل نصحت لله؟ هل علَّمت أحدًا خيرًا؟
19) النهي عن المنكر .. هل نهيت عن المنكر وزجرت عن الشر؟
هل ساعدت على الإقلاع عن المعاصي؟ .. هل أنكرت على المعاصي التي تراها؟
20) بالنسبة للمعاصي المعتادة .. كم معصية أقلعت عنها؟ وكم معصية عدت إليها؟
21) هل تظن أنك في خلال سنة كنت دليلاً على الخير، داعية إلى الإسلام بسمتك، وفعلك، وتصرفاتك، ومواقفك؟
أم أنك شجعت الآخرين على ارتكاب المعاصي، وصددت عن سبيل الله؟
22) مرََّت معارك كثيرة خلال السنة .. معارك مع الشيطان يؤزك على المعاصي، ومعارك مع النفس تأمرك بالسيئـات ..
تذكَّر كم مرة انتصرت على النفس والشيطان ولم تفعل ما دعوك إليه؟
أم إنك كنت تسارع في تلبية نداء النفس والشيطان؟
23) هل ترى نفسك ألين وأطوع وأقرب إلى الحق وحب السير في الطريق إلى الله؟
أم أنها كما هي؟ أم أنها صارت أسرع إلى المعاصي وأكثر تطلعًا للشهوات؟
24) هل شبعت نفسك؟ .. هل شبعت من المال والشهوات والنوم وأنواع الأكل والمدح؟ .. هل شبعت من الأصحــاب وكثرة من حولك؟
متى ستشبع؟!
نعوذ بالله من نفسٍ لا تشبع ..

اعلم إن وقفتك مع نفسك لا تنتهي بمجرد إجابتك عن الأسئلة الماضية ..
بل تحتاج إلى وقت، وتفريغ، وصفاء ذهن؛ لتتضح الرؤية ..
كيف ذلك؟ ..
تابعونا في المقالة القادمة إن شاء الله،،
المصادر:
كتاب (قلب جديد لمن يريد) لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.