رُب متزوج ليس له من زواجه إلا الهم و تعكير المزاج
هو : زوجتي لا تغلق أنبوب معجون الأسنان بالشكل المثالي ، وتسألني لماذا أنا غاضب ؟ .
هي : لا أستطيع الصمت والمعاناة أكثر من ذلك ، إنه لا يخلع حذائه قبل أن يدخل ويسير على السجادة بهما ! .
هو : سأخبرك بكل شيء كي تعرف كم أنا زوج صبور :
إنها لا تطفئ الأنوار ليلا قبل أن تنام ، هل تعرف ما الذي يعنيه هذا ، إنها مستهترة مبذرة ، تظنني آتيها بالمال من البئر الذي تركه لي أبي .
هي : لن أطيل عليك ، إنه ـ باختصار ـ يتعمد استفزازي وإهانتي تصور أنه يشاهد قناة الرياضة دائما ، ولا يدعني أشاهد قناة الأفلام عندما يكون في البيت !! .
بالرغم من أننا نشئنا نسمع عن الزواج وأهميته في استقرار الإنسان ،
وإعطائه الطاقة والدافع كي ينشط وينجز ويتألق في الحياة محرزا النجاح تلو الآخر ، إلا أننا وبعد انقضاء تقريبا السنة الأولى من عمرنا كأزواج ،
نبدأ في التعثر والانكفاء ، وتطل علينا مشكلات حياتية منوعة تعمل عملها في رج جدران البيت ، وخلخلة أعمدة الأسرة .
وقد يدفع هذا المرء إلى التفكير مجددا في اختياره لشريك حياته ،
وهل وفق في هذا الاختيار أم لا !
علميا أثبتت الأبحاث أن السنوات الثلاث الأول هي التي يحدث خلالها أكبر نسبة طلاق ، وأن الزواج الذي يصمد أمام مشكلات البداية ،
وأعاصير البدء يكون حظه في الاستمرار والاستقرار أكبر .
وأوعزوا ذلك إلى أن الاختلاف النفسي بين الرجل والمرأة ، واختلاف البيئة والتنشئة والثقافة ،
والتصادم الذي يمكن أن يحدث من جراء هذا الاختلاف هو السبب .
وكلما أعطينا الفرصة لأنفسنا وللطرف في الفهم والاستيعاب والتقرب كلما كان التوفيق والنجاح أقرب لنا .
العقل والتوقعات
يقول العالم ديفيس اختصاصي تطوير الطفل والأسرة بجامعة مينوستا :
إن الزواج عملية كاملة تحوى في إطارها النضج والنمو المستمر, كما تحوي التكيف والتأقلم وكذلك التغيير.
كل طرف يأتي إلى عش الزوجية بمجموعة من التوقعات, كل يتوقع من الآخر شيئا وأشياء, وكل يتوقع من نفسه أيضا ما يمكن أن يفعله في حياته الجديدة .
كل من الزوج والزوجة يحملان في عقليهما هذه الأفكار والتوقعات ، ويبحثا عنها ،
فإذا لم يجدوها تعاملا مع الأمر بشكل حاد وعنيف ، بسبب حالة الإحباط التي تنتابهم .
تكبر وتتسع دائرة المشاكل بقدر المسافة بين التوقعات السابقة والواقع الحالي .
ولذلك نسمع العبارات المألوفة عند حدوث المشكلات :
لم يعد يحبني ..
ليس هذا هو الشخص الذي تزوجته .
وتبدأ المشكلات العابرة في السيطرة على حياة الزوجين والاتساع والتمدد في فراغ الحياة الزوجية .
أحمد وهند تزوجا بعد قصة حب عنيفة ـ كما أخبراني ـ لكنهما وبعد مرور ست أشهر على الزواج بدأ في العراك والتشاجر ،
لدرجة أن أحمد حطم في أسبوع واحد فقط 3 أطباق ، و 12 كوب زجاجي و المكواة ، وجميعهم كما علمت مسجلين في قائمة الزواج .
وفي المقابل قامت هند بالذهاب إلى بيت والدها ثلاث مرات ، ودفع فاتورة هاتف بمبلغ 1200 جنية ، وإهمال تنظيف البيت طوال فترة المشاكل .
ـ وعندما بدأ أحمد بالتلويح بالطلاق ، وصراخ هند بأن هذا التهديد لا يخيفها ، وأن عليه أن يفعل ما بوسعه ،
تدخلت لأشاهد تفاصيل مملة ومكررة لمشاكل أنشأتها التوقعات المبالغ فيها من كلا الحبيبين ، تدمرت على صخرة الواقع ، ولم يستطيعا التعامل معها بعقلانية وهدوء .
وكاد القلب بعاطفته وأحلامه ، أن يطيح بالعقل ومنطقه .
وبعد أسبوعين من التنقل بين أحمد وبيت أم هند حيث تسكن ، قررنا استنادا إلى صوت العقل والحب القديم الذي يجمع بينهما والقائمة ومؤخر الصداق الذي سيلقي به في السجن ،
أن تعود المياه إلى مجاريها واستمرار الحياة .
إن الحياة الزوجية عزيزي القارئ أعمق من أن نعيشها خشية مؤخر الصداق ، أو من أجل الأبناء .
بل يجب أن نعمل على استمرارها لأنها جزء لا يتجزأ من منظومة النجاح والسعادة التي يطمح فيهما كل واحد منا .
كيف نتغلب على مشكلة التوقعات السابقة :
1/ دع التوقعات المثالية ، وتمسك بروعة التجربة ، كن واقعيا وتعامل بمرونة مع الأمر الواقع ، تماسك وبصلابة أمام منغصات الحياة اليومية .
2/ ركز على أخطائك واستدعها باستمرار ، فحينها ستدرك أن الكمال لله ، وأن الخطأ والزلل قاسم مشترك بين بني البشر جميعا .
3/ بح بمكنونات صدرك ، لا تترك صدرك يغلي كالمرجل بأحاديث سلبية وأفكار هدامة ، صارح الطرف الآخر بما يزعجك ويقلقك ويثير غيظك .
4/ تأكد من أن المشكلات لا تعني غياب الحب : أنتم مختلفين في الأفكار والرؤى ، كلاكما أتى من بيئة مختلفة ، ويحمل خلفية مختلفة ،
مما ينشئ خلافا في الرأي وتضاربا في وجهات النظر ، اقبل بهذا ، ولا تربط بينه وبين غياب الحب أو موته .
5/ نمي الحوار دائما ، فالحوار يضيء بأنواره جوانب العقل ، ويذيب بصراحته الفجوات والشقوق ، ويكشف بشفافيته الأوهام والمشكلات الزائفة .
ـ مقياس الذكاء الناجح
كيف أقيس حرارة الحب ، ودرجة التوفيق في حياتي الزوجية ؟
بالرغم من أن كل أسرة تختلف عن جارتها ، في إدارة وتقييم أمورها ، إلا أن هناك جملة من الأعمدة التي تتكئ عليها البيوت السعيدة ،
والتي يجب أن تعمل على النظر إليها وتعهدها بين الحين والآخر ، قبل أن تتآكل أو تزحف إليها الأمراض القاتلة ومنها :
1/ توافر البيئة الصحية للحوار الإيجابي : وكما أسلفنا فالحوار يعول عليه كثيرا في تنمية الحب وازدهاره من ناحية ، ومحاصرة المشكلات وقتلها في مهدها من ناحية أخرى .
2/ العطاء المتزن : كل طرف يحمل في قلبه دوافع قوية وصادقة للعطاء وتقديم الخير للطرف الآخر ، وأقصد بالمتزن أن يكون عطاءً خالصا ، فهناك عطاء يُسجل في ركن ما في الذاكرة حتى إذا حانت لحظة الصدام حدثت المقارنة بين ما قدمت أنا ، ومالم تُقدم أنت .
3/ الاتزان النفسي : وثبات الجنان أمام كل جديد سواء جيد أو سيد يقابل أي من الطرفين أو كلاهما في الحياة .
4/ الإيمان باختلاف الطبائع : والتعامل معها بهدوء وصبر وروية ، ومحاولة الفهم وتفهيم الطرف الآخر .
5/ المرونة : تجاه المستجدات .
6/ الإخلاص : وعدم الخيانة .
فخ الذوبان في الآخر
إن الرجل والمرأة قبل أن يغلق عليهما باب واحد ، كان لدى كل منهم ثقافة وبيئة وردود أفعال تجاه الأشياء تختلف عن شريك حياته .
وكما أسلفت فإن هذا الاختلاف ينشئ نوع من المشكلات والمناوشات بين كلا الزوجين ، لكنني أحب أن ألفت الانتباه إلى مشكلة في غاية الأهمية وهي مشكلة مطالبة أحد الأطراف ذوبان الطرف الآخر في دائرته .
والتي يستخدم فيها أسلحته من قوة الشخصية أو النفوذ ( المادي أو الاجتماعي ) .
علماء النفس أكدوا على أنه يجب على الزوجين إن أرادا حقا حياة زوجية ناجحة وسعيدة أن يتفاعلا مع بعضهما البعض ، وألا يذوبا في كيان واحد .
معللين ذلك بأن الزواج هو عبارة عن مؤسسة بين شخصين يضاف إليها أعضاء جدد ( الأبناء ) ، و تتأثر سعادة وراحة وقوة كل طرف بحالة الطرف الآخر .
فهناك تفاعل بين الشريكين يثير الحب ويحفزه ، ويستفز المشاعر الطيبة ويدفعها إلى التعبير عن نفسها .
أما محاولة الاندماج فإنها في بدايتها ـ والذي غالبا ما يكون في بداية الزواج ـ تثير مشكلات وتصادم ،
وإن تحققت يوما ما فإنها تلغي شخصية طرف على حساب طرف آخر ، مما يجر مجموعة من المشكلات للطرف المسلوب كفقدان الثقة في النفس ، وغياب المبادرة والايجابية بداخله ،
وعدم التفاعل الحار مع الشريك الآخر ، أما الشخص المذاب فيه فإنه و برغم سعيه إلى هذا الاندماج يتذمر ويشتكي من سلبية الطرف الآخر وغياب بريق شخصيتها !