الغفلة
إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
من معاني الغفلة:
قال المناويّ: الغفلة: فقد الشّعور بما حقّه أن يشعر به.
وقيل: متابعة النّفس على ما تشتهيه.
الغفلة والإعراض والنسيان:
هذه الأمور سبب عظيم من أسباب نقص الإيمان، فمن اعترته الغفلة وشغله النسيان وحصل فيه الإعراض، نقص إيمانه وضعف بحسب هذه الأمور الثلاث، وأوجبت له مرض القلب أو موته باستيلاء الشهوات والشبهات عليه.
الفرق بين السهو والغفلة والنسيان:
قال الكفويّ: السّهو: غفلة القلب عن الشّيء بحيث يتنبّه بأدنى تنبّه، والنّسيان غيبة الشّيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد.
وقيل: النّسيان زوال الصورة عن القوّة المدركة مع بقائها في الحافظة، والسّهو زوالها عنهما معا.
والغفلة تشمل الأمرين، إذ الغفلة عمّا أنت عليه لتفقّده سهو، وعمّا أنت عليه لتفقّد غيره نسيان.
من عيوب النفس الغفلة والتواني:
ومن عيوبها الغفلة والتواني والإصرار والتسويف وتقريب الأمل وتبعيد الأجل.
ومداواتها ما سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفرًا الخلدي يقول: سئل الجنيد كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله؟ فقال: بتوبة تحل الإصرار، وخوف يزيل التسويف، ورجاء يبعث على قصد مسالك العمل، وذكر الله على اختلاف الأوقات، وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها عن الأمل. قيل: فبم يصل العبد إلى هذا؟ فقال: بقلب مفرد فيه توحيد مجرد.
الغفلة قد تحمد أحيانا:
قال الشّيخ العزّ بن عبد السّلام: الغفلة عن القبائح مانعة من فعلها، إذ لا يتأتّى فعلها إلّا بالعزم عليها، ولا عزم عليها مع عدم الشّعور بها، وتحصل هذه الغفلة بالأسباب الشّاغلة، وقد جعلها من المأمورات الباطنة، أمّا الغفلة عن ذكر اللّه فهي من المنهيّات الباطنة، والأولى محمودة والثّانية مذمومة.
أسباب الغفلة:
1. الجهل بالله -عز وجل- وأسمائه وصفاته.
والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي العارف أن يراه ربه على معصية، أو أن يراه غافلًا. فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، أما أُنس العارفين فبالذكر والطاعات.
2. الاغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها.
قال الله عز وجل: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ (سورة الحجر: آية 3).
إن حال هؤلاء هو سُكْر بحب الدنيا، وكأنهم مخلدون فيها، لن يخرجوا منها، مع أن القرآن يهتف بنا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ (سورة فاطر: آية 5).
إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين.
3. صحبة السوء.
فقد قيل: الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ (سورة الفرقان، الآيات 27-29).
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ) المرء على دين خليله ( الحديث.
ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: إن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه وأَولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.
أنواع الغفلة:
يُلبِس الشيطان على الإنسان بطرقٍ شتَّى كي يصل به إلى الغفلة، ويستخدم هوى الإنسان ليقوم بهذا الدور، وأبرز ما تكون الغفلة في أمرين:
الجهر بالمعصية:
من أبرز النقاط التي يتعامل فيها الشيطان مع الناس، هو جعلهم يجاهرون في المعصية، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ) كلُّ أمَّتي معافى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثمَّ يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه (.
وما ذاك إلا لأنَّ المجاهرة تكون حائلًا كبيرًا أمام التوبة، وفيها معاندةٌ ظاهرةٌ لله تعالى، وهذا من أكبر أنواع الغفلة.
الاغترار بالحسنة:
من أخطر أنواع الغفلة، حيث يدخل الشيطان من الطاعة ليصل بالعبد إلى الغفلة، وذلك بتكبير هذه الطاعة، وتعظيمها في عين العبد، فيظنُّ أنَّه بطاعته تلك قد ضمن الجنَّة ومفاتيحها، ولم يعد في حاجةٍ إلى طاعاتٍ أخرى، ولا يزال الشيطان بالعبد حتى يرديه المهالك، وتقتله الغفلة.
الدواء:
إن الغفلة حجاب عظيم على القلب يجعل بين الغافل وبين ربه وحشة عظيمة لا تزول إلاَّ بذكر الله تعالى، وإذا كان أهل الجنة يتأسفون على كل ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها، فما بالنا بالغافل اللاهي؟!!
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ (سورة المؤمنون، الآيتان 99-100).
إنهم عند نزول الموت بساحتهم يتمنون أن يؤخروا لحظات قلائل، والله ما تمنوا عندها البقاء حبًّا في الدنيا ولا رغبة في التمتع بها، ولكن ليتوبوا ويستدركوا ما فات، لكن هيهات ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ (سورة سبأ: آية 54).
لقد خُلقنا في هذه الدار لطاعة الله، وليست الدنيا بدار قرار:
أما والله لو علم الأنامُ
لِمَ خلقوا لما غفلوا ونامُوا
لقد خُلقوا لما لو أبصَرَته
عيونُ قلوبهم تاهوا وهامُوا
مماتٌ ثم قبرٌ ثم حشرٌ
وتوبيخ وأهوالٌ عظامُ
رِقَّةُ القَلْبِ:
«
فِي القَلْبِ قَسْوَةٌ لَا يُذِيبُهَا إِلَّا ذِكْرُ اللّه تَعَالَى، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُدَاوِيَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ بِذِكْرِ اللّه تَعَالَى؛ لأَنَّ القَلْبَ كُلَّمَا اشْتَدَّتْ بِهِ الغَفْلَةُ، اشْتَدَّتْ بِهِ القَسْوَةُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللّه تَعَالَى، ذَابَتْ تِلَكَ القَسْوَةُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ، فَمَا أُذِيبَتْ قَسْوَةُ القُلُوبِ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللّه عَزَّ وَجَلَّ».
قَالَ اللّه تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ (سورة الحديد، الآيتان 16-17).
فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ قَدِرَ عَلَى إِحْيَاءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِوَابِلِ القَطْرِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ القُلُوبِ المَيِّتَةِ القَاسِيَةِ بِالذِّكْرِ.
عَسَى مَنْ أَحْيَى الأَرْضَ المَيِّتَةَ بِالقَطْرِ، أَنْ يُحِييَ القُلُوبَ المَيِّتَةَ بِالذِّكْر.
المراجع:
• مباحث في العقيدة لعبد الله الطيار.
• إصلاح القلوب لعبد الهادي وهبي.
• عيوب النفس لمحمد السلمي.
• التذكرة في الوعظ لابن الجوزي.
• موسوعة البحوث العلمية والمقالات، جمع وإعداد علي الشحود.
• لطائف المعارف لابن رجب.
• نضرة النعيم بإشراف صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح.