كتمان الأسرار والحوائج
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
أحمد الله وأستعينه واستغفره وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
يقول الشاعر :
إذا المـرء أَفْـشَي سِـرَّهُ بلسانــه و لام عليه غيرَهُ فَهـو أحـمـــقُ
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفـسـه فصـدر الذي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَـقُ
ويقول آخر :
ومستودعي سرا تضمنت سره فأودعته من مستقر الحشى قبرا
ولكنني أخفيه عني كأنني من الدهر يوما ما أحطت به خبرا
مما لا شك فيه أن الإختلاط بالناس والتعامل معهم أمر لا بد منه
وقد تستريح إلى بعضهم وتأنس إليه وقد لا تستريح إلى البعض الآخر .
وعندما تتولد الثقة والألفة قد يحتاج الإنسان إلى من يفضى له بسره
ويساعده فى إبداء الرأى وحل المشكلات العويصة .
ويجب أن يحترم المتلقى هذه الأمانة
ويتقى الله فى الثقة الممنوحة له ويحفظ السر ويصونه .
وتعتبر العلاقات الزوجية الخاصة من الأسرار التى يجب كتمانها وعدم البوح بها
وما أكثر ما يثار فى جلسات السمر من حكايات لا يصح التحدث فيها أو حتى التلميح لها .
ويعتقد البعض أن التحدث فى هذه الأمور من أبواب الفكاهة
ولا يلقى بالاً للتحذير النبوى الشديد :
( إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة ،
الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها )
صحيح مسلم 1437
إذن فهى أمانة وأمانة عظيمة لا يليق ولا يصح التحدث فيها مهما تكن الظروف والأسباب .
والغريب الذى يثير الإشمئزاز هو أننا أصبحنا نسمع هذه الأسرار على الفضائيات
وتحولت من جلسات سمر إلى نشرات عالمية ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ومن الضرورى أيضاً غرس هذا السلوك فى الطفل
بحيث يتعود على عدم البوح بأسرار المنزل امام الغرباء
وتربيته على الممنوع والمسموح فى هذا الشأن .
ولعل تعلم كتمان الإسرار له فوائده العظيمة خاصة فى الأمور الحساسة
كشئون الجيش مثلاً أو فى أحوال الحروب أو فى شئون الشرطة وحفظ الأمن .
لأن الكتمان هنا ضرورة واجبة حفاظاً على أمن الوطن .
ولكن على العكس تماماً يجب عدم كتمان الشهادة لأنها أيضاً أمانة
ومن لم يلتزم بها فهو آثم :
{ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
ولا يجوز أيضاً كتمان العلم لأنه من أكبر الذنوب وعقوبته كبيرة
كما جاء فى الحديث الشريف :
( من سئل عن علم فكتمه ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار )
صحيح 6284
أما الإستعانة بالكتمان فى قضاء الحوائج كما أمرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهى فعلاً وصفة قوية وفعالة لقضاء الحوائج وعن تجارب شخصية
فعندما أعلن بعض الأمور الهامة قبل البدء فيها لا أستطيع إنجازها وسبحان الله .
ولقد تاملت كثيراً فى هذا الحديث الشريف وحاولت أن أستخلص منه الدرس والعبرة
ولعل السبب يكمن فى أن نشر الأخبار قبل يصيب نفساً مريضة حسودة أو قلباً حقوداً
أو شخصاً لا يحب لك الخير يدبر لك أو يكيد لك فتقف محلك سر دون تقدم أو إنجاز .
وإن اصابتك أحد هذه الأسهم فهى كفيلة بتعطيل حوائجك ومشاريعك .
لذلك نصحك نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم
إلى الكتمان والأخذ بأسباب الحيطة وعدم الثرثرة حتى تنجز ما أردت من إحتياجاتك .
والحفاظ على أسرار الناس إن إئتمنوك عليها أمانة عظيمة
يجب أن تحفظها وتصنها
وتدرك تماماً أنك إن أفشيت سراً اليوم سُتشفى لك غداً أسرار .
فحافظ على اسرار الغير تماماً كأسرارك واتق الله فى الأمانة التى وكلت إليك .
والزوجة ايضاً يجب أن تحافظ على أسرار زوجها المادية والمعنوية
فلا تكثر الشكوى والتحدث عن إمكانياته المحدودة هنا وهناك .
ولا تفضح ستر بيتها لأنها إن فعلت ذلك أساءت إلى نفسها قبل زوجها
ونظر لها الناس نظرة الإحتقار والإستصغار ونشأت ذريتها
وخاصة الإناث على نشر اسرار المنزل .
كما يجب أن نفرق بين الكتمان والكذب فنبرر الكذب بالكتمان
ويجب أن نملك من الفطنة ما نستطيع به التفرقة بين الكتمان المباح والكذب .
أقوال فى كتمان الأسرار والحوائج :-
من القرآن الكريم :-
{ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }
يوسف 5
من السنة المطهرة :-
( استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ؛
فإن كل ذي نعمة محسود )
الراوي : معاذ بن جبل و عمر بن الخطاب و ابن عباس و علي بن أبي طالب
رضى الله عنهم أجمعين
المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم : 943
خلاصة حكم المحدث : صحيح
السلف الصالح :-
" قلوب العقلاء حصون الأسرار "
أحد الحكماء
" من كتم سره كان الخيار بيده"
عمر بن الخطاب
" من أفشى سره أفسد أمره، ومن كتم سره ملك أمره. وأضعف الناس من ضعف عن كتمان سره "
أحد الحكماء
وقيل لعدي بن حاتم رحمه الله : أي الأشياء أوضع للرجال؟
قال : كثرة الكلام، وإضاعة السرّ، والثقة بكل أحدٍ .
" سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره"
على بن أبى طالب
" القلوب أوعية الأسرار، والشفاء أقفالها والألسن مفاتيحها،
فليحفظ كل امرئ مفتاح سره "
عمر بن عبد العزيز يرحمه الله
" إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك "
الحسن رضى الله عنه
" إذاعة السر من قلة الصبر وضيق الصدر"
الأصفهانى