استوصوا بالنساء خيرا
استوصوا بالنساء خيرا
الحمد لله الكبير المتعال ، ذي العزة والجلال ، جعل النساء شقائق الرجال ، أحمده سبحانه وأتوب إليه ، وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، منه كل فضل وله كل كمال ، حفظ للمرأة حقها في كل حال ، أوصى الرجال بالنساء ، وجعلهما في الحقوق والواجبات سواء ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، أرسله ربه بأفضل القيم وأتم الخصال ، فأرشدَ به كل حيران وهدي به كل ضال ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فيا عباد الله :
لقد صان الإسلام للمرأة كرامتها، وحفظ لها حيائها وعفتها ، صانها أُماً وزوجةً وبنتاً ، وكرمها ربيبة وأُختا ، و أنقذها من مآسي الماضي ، وخطط لحمايتها في المستقبل ، ورسم لها طريقها الصحيح في الحياة ، حفاظاعلى إنسانيتها وعفتها وكرامتها ، وفرض عليها أن تساهم في إدارة الحياة وتسيير شؤون المجتمع ، وأن تشارك في أحداث العصر ، بكل ما وهبها الله من قدرات ، ومنحها من طاقات وخبرات ، فالمرأة أم المجتمع وصانعة رجاله ، فينبغي للمجتمع الاهتمام بها والاستفادة من قدراتها ، لأن إلغاء دورها يعني أن يعيش المجتمع أعرجاً يعتمد على رِجل واحدة ، فهي تمتلك طاقات عظيمة ، ولديها مواهب واستعدادات ضخمة ، وإهمالها يعني إهدار مواهبها واستعداداتها وخسارة طاقاتها ، لذا فقد عمل الإسلام على تنمية مواهب المرأة وتفعيل طاقاتها ، وتوجيه اهتماماتها نحو سعادتها وكمالها ، ونحو مصلحة المجتمع البشري والحياة الإنسانية ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
(استوصوا بالنساء خيرا ) رواه البخاري 3153
عباد الله :
إن من أهم مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام ، حثها على طلب العلم ، ليتسع أفق تفكيرها ، وليرتفع مستوى معرفتها وثقافتها ، جاء في الأثر ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) فبالعلم تنموا قدراتها ، فتنفع نفسها ومجتمعها ، وتنعم بالحياة الطيبة في الدنيا ، وتجني ثمرة عملها في الآخرة
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل97 وبالعلم ترتفع درجاتها عند الله وعند الناس ، قال سبحانه
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )
سورة المجادلة فالإسلام شجع المرأة على منافسة الرجل في الالتزام بصفات الكمال الإنساني ، والسعي إلى إدراك قيم الخير والفضيلة ، لأن المجال مفتوح أمامهما ، ولكل منهما كفاءاته وطاقاته التي تؤهله للسير والتقدم في دروب الخير ، يقول الله تعالى
( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )
الأحزاب : 35 والمجتمع اليوم في أمس الحاجة إلى المرأة المتعلمة ، والمثقفة الواعية الفاهمة ، النساء يحتجنها كطبيبة ، والطالبات يحتجنها كمعلمة ، والزوج معها يسعد ويستقر ، وتطيب الحياة معها وتستمر ، وتكون له خير معين على تربية أبناء صالحين ، وللمرأة المتعلمة خير إسهام ، في مواجهة الخرافات والأوهام ، حيث تساعد على نشر الفضيلة ، والحياة الطيبة والأخلاق الإسلامية الأصيلة
عباد الله :
إن الله أعطى الأم كل تكريم واحترام ، وأي تكريم أعظم من أن يقرن الله حقها بحقه ، قال تعالى
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)
الإسراء وجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أحق الناس بحسن الصحبة , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أُمك) , قال : ثم من ؟ قال( أُمك) , قال : ثم من ؟ قال ( أُمك) , قال : ثم من ؟ قال أبوك ( متفق عليه فالبر بها واجب في حياتها ، بطاعتها في غير معصية الله ، وصلتها وسماع نصيحتها ، والإنفاق عليها إذا أصابها الفقر والهرم ، وعدم الركون إلى الزوجة دونها ، والتواضع وخفض الجناح لها ، وعد م التضجر من توجيهاتها ، وتخير الأسلوب اللائق عند مخاطبتها ، وتعليم الأبناء برها ، وكذالك البر واجب لها بعد مماتها ، بالدعاء والاستغفار لها ، وتنفيذ وصيتها وصلة رحمها ، فقد جاء رجل من بني سلمة وقال يا رسول الله : هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال
(نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما )
رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان
عباد الله :
لقد كفل الإسلام للمرأة الحياة الزوجية السعيدة ، فأمر الرجل بحسن العشرة لها ، وجميل الصحبة معها ، قال تعالى :
( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
19النساء وجعل له من القوامة ما يكسب حبها ويخطب ودها ، أمره أن يقدم لها الإحسان والإكرام ، فتبادله مشاعر الحب والاحترام ، فتقوم الحياة بينهما على المودة والوئام ، ومن حسن العشرة للزوجة احترام مشاعرها ومعرفة شخصيتها ، فحري بالزوج أن يصبر على زوجته ويتخير وقت النصيحة لها حتى لا تمل ، وأن يحثها على أداء الفرائض وفعل الخيرات ، قال تعالى
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )
سورة طه 132 ، ويكون هينا لينا معها بحيث لا تستهين به ، ويتخير أسلوب الزجر لها عند التقصير بحيث لا ينكسر الضلع ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) رواه مسلم (كشف الخفاء ) 97 وقد كان صلى الله عليه وسلم يلاطف أزواجه ويلاعبهن ، عن عائشة رضي الله عنها قالت ، كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقته فسبقته على رجلي ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال ( هذه بتلك) رواه أحمد كشف الخفاء 2877 ، كما كان صلى الله عليه وسلم يوجه زوجاته للصواب عند الخطأ والتقصير بأسلوب بناء ، لا غلظة فيه ولا جفاء ، عن عائشة قالت جاءت امرأة قصيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالسة عنده فقلت بإبهامي هكذا فأشرت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنها مثل الإبهام ـ تقصد أنها قصيرة ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد اغتبتيها) مسند إسحاق بن راهويه1613 وفي رواية (قومي فتحلليها) يعني اطلبي منها العفو ، ومن حسن العشرة ، أخذ رأيها ومشاورتها لتنعم بالثقة والاحترام ، فلا يتعامل الرجل معها بالصلف والاستبداد بالرأي ، بل يكون التراضي والمعروف هما شعار الحياة بينهما، يقول الله تعالى
(فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) {233} وإذا ماتت الزوجة يراعي الله في حقها ، فلا يأخذ من تركتها إلا ما فرض الله له ، ولا يقطع أواصر الود والمحبة مع أهلها ، فقد دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبالغ في إكرامها ، فتعجبت عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد أو حفظ العهد من الإيمان) رواه الطبراني في الكبير 23
عباد الله :
لقد وضع الإسلام المرأة على بساط من الاحترام والتكريم والمودة ، بما يهيئ المجتمع نفسيًّا ليستقبل كل وليدة بصدر مطمئن ونفس راضية واثقة في عون الله ، قال تعالى:
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً {31} } الإسراء ومن تكريم الله للمرأة أن الشارع الحكيم منحها أهلية التعبير عن إرادتها في شؤون حياتها، وتكوين بيتها واختيار زوجها، قال النبي صلى الله عليه وسلم
( (لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن) ، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: أن تسكت) رواه مسلم وجعل الإسلام للمرأة كيانًا متفردًا، ومنحها العديد من الحقوق على قدم المساواة مع الرجل ، قال تعالى :
{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً {7} } سورة النساء ، ، وساوى القرآن بينها وبين الرجل أمام القانون في الحقوق والواجبات ؛ كحق إبرام العقود وتحمل الالتزامات ، والدفاع عن حقوقها أمام القضاء. فقال تعالى:
{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }
سورة البقرة
، وأما ما يقال عن أن بعض أحكام الإسلام فيها مساس بحق المرأة كالميراث ؛ حيث يكون نصيبها نصف نصيب الرجل، وأن شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل ، وإباحة تعدد الزوجات ، فهذه الأمور في جوهرها تكريم للمرأة ، وصون لمكانتها واحترام لطبيعتها ، فالأخت ترث نصف نصيب أخيها ، لأن الرجل ملزم بالإنفاق على المرأة ، أما النساء فمكفولات من الرجال في جميع أطوار حياتهن ، البنت نفقتها على أبيها أو أخيها أومن يقوم مقامهما، والزوجة فقتها على زوجها ولا نفقة عليها ، فضلا عن أن المرأة ترث مثل الرجل أحيانا ، وترث أكثر من الرجل أحيانا أخرى على حسب قرابتها ، وأما بالنسبة للشهادة؛ ، فإن هذا ليس امتهاناً للمرأة ولا احتقاراً لها، إنما هو اعتراف بها ، واحترام لطبيعة تكوينها ، فقد راعى الشارع الحكيم في ذلك الخصائص النفسية للمرأة ، فالمرأة عاطفية بحكم تكوينها النفسي ، وقد تُغلب عاطفتها ؛ ولذا قال تعالى:
{فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى]
سورة البقرة 282
كما أن المرأة بطبيعة حركتها الاجتماعية لا تشاهد ما يشاهده الرجل ، وغالبا تخدعها بعض المظاهر الكاذبة ، وقد يوقعها ذلك في المحظور من حيث لا تشعر، ومع ذلك فقد أعطى الشرع الحنيف للمرأة حق الشهادة فيما تختص به من أمور النساء ، أماتعدد الزوجات؛ فهو علاج لكثير من المشكلات ، وهو مشروط بالعدل بينهن وحفظ حقوقهن ، قال تعالى
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ {3} )
سورة النساء
فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أنه بتعاون المرأة مع الرجل تطيب الحياة وتسعد ، وتكون أسخى وأرغد
إذا كان الإسلام حفظ للمرأة حقوقها الإنسانية ، فقد احترم ذمتها المالية ، فشرع لها حقا في الميراث ، لا ينبغي أن يُهضم أو يُنقص ، ولا تتأخر في الحصول عليه ، وجعل الصداق حقا لها ، فلا تمتد يد للأخذ منه إلا بطيب نفسها ، قال تعالى
{وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً {4}
سورة النساء
ومما يدل على احترام الإسلام لذمة المرأة المالية ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثها على الصدقة ، وأباح لها أن تتصدق على زوجها إن كان فقيرا معسرا ، فقد جاءت زوجة عبد الله بن مسعود هي وامرأة من الأنصار تسألان رسول الله صلى الله عليه ، أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وأيتام في حجورهما ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة)
رواه مسلم 1000
إن المرأة إذا أحست بأن حقها مضمون ، ومالها محفوظ ومصون ، عملت بجد وإخلاص ، وشاركت في التنمية والإصلاح
عباد الله :
من خصائص هذا الدين أنه يحترم الكفاءات إذا توفرت في رجل أو امرأة ، بل إن المرأة مساوية للرجل في القيمة الإنسانية ، وفي حركة الحياة وتحمل المسؤولية ، والتاريخ خير شاهد على دور المرأة في الإصلاح ، فهذه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وظفت كل طاقاتها لخدمة الإسلام ، وهذه أسماء بنت أبي بكر تخاطر بنفسها ، تحمل الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما في الغار ، وهذه أُم عمارة ـ نسيبة بنت كعب المازنية ـ ضحت بكل مرتخص وغال فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل يشهد تاريخ الإسلام أن المرأة لها حق البيعة والاختيار، فقد بايعت المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة ، وشاورها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ برأيها في صلح الحديبية ، ولأن المرأة تثق بمكانتها ، وتعلم أن الدين احترم رأيها وكفاءتها ، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها وتشتكي إلى الله ، والله سمع التحاور ، وأقر لها الرأي والتشاور ، فقال سبحانة ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {1}) المجادلة
فاتقوا الله عباد الله ، وبالقوارير ترفقوا، واللهَ فيهن خافوا واتقوا ، بالخير منهن تَنعموا وتُرزقوا0 واستوصوا بالنساء خيرا ، تُرفعوا عند الله قدرا ، وينشر لكم ربكم من رحمته ويُعظم لكم يوم القيامة أجرا0
هذا وصلوا على إمام المرسلين
أقول قولي هذا وأستغفر الله