الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
الذي خلق سبع سموات متناسقة, بعضها فوق بعض, ما ترى في خلق الرحمن- أيها الناظر- من اختلاف ولا تباين, فأعد النظر إلى السماء: هل ترى فيها مِن شقوق أو صدوع؟
ثم أعد النظر مرة بعد مرة, يرجع إليك البصر ذليلا صاغرًا عن أن يرى نقصًا, وهو متعب كليل.
- مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ أي اضطراب واختلافٍ.
وأصله من "الفوت" وهو: أن يفوت شيء شيئا، فيقعَ الخللُ ولكنه متصل بعضُه ببعض.
هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ؟ أي من صُدوع. ومنه يقال: فَطَر نابُ البعير؛ إذا شَقَّ اللحم وظهر.
4- خَاسِئًا مبعَدًا. من قولك: خسأتُ الكلبَ؛ إذا باعدتَه .
وَهُوَ حَسِيرٌ أي كَلِيلٌ منقطعٌ عن أن يَلحق ما نظَر إليه.
آ:3 "الذي" نعت لـ الْغَفُورُ ، "طباقًا" نعت لـ "سبع"، وهو جمع طَبَق نحو: جَبَل وجِبال، جملة "ما ترى" مستأنفة، الجار "في خلق" متعلق بحال من "تفاوت"، و"تفاوت" مفعول به، و"من" زائدة، وجملة "فارجع" مستأنفة، وجملة "هل ترى" مفعول به للفعل "ارجع البصر" مضمنا معنى انظر؛ لأنه بمعناه، و"فطور" مفعول به لـ "ترى"، و"من" زائدة.
آ:4 "كرّتين" نائب مفعول مطلق، وهو مثنى يراد به التكثير، "خاسئا" حال، وجملة "وهو حسير" حال من الضمير المستتر في الحال قبلها فهي متداخلة.
قال: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات
بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك
حديث الإسراء وغيره.< 8-177 >
وقوله: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) أي: بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛ ولهذا قال: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟.
قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والثوري، وغيرهم في قوله: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ )
أي: شقوق.
وقال السدي: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: من خُروق. وقال ابن عباس في رواية: (مِنْ فُطُورٍ ) أي: من وُهِيّ وقال قتادة: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: هل ترى خَلَلا يا ابن آدم؟.
وقوله: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال: مرتين. (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ) قال ابن عباس: ذليلا؟ وقال مجاهد، وقتادة: صاغرًا.
(وَهُوَ حَسِيرٌ ) قال ابن عباس: يعني: وهو كليل. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي: الحسير: المنقطع من الإعياء.
ومعنى الآية: إنك لو كررت البصر، مهما كررت، لانقلب إليك، أي: لرجع إليك البصر، (خَاسِئًا ) عن أن يرى عيبًا أو خللا (وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي: كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا.