حديث (الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة)
حديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث (الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة) حديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
قرر المحدثون أن هذا الحديث لا أصل، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني والسيوطي والسخاوي والعجلوني والفتني الهندي والألباني وغيرهم، قال السيوطي:
[ حديث الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة.قال الحافظ ابن حجر: لا أعرفه.] الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة 1/10، وقال الملا علي القاري:[ حديث
الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة، قال العسقلاني: لا أعرفه] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع1/99، وقال العجلوني:[ (الخير فيَّ وفي أمتي إلى
يوم القيامة) قال في المقاصد قال شيخنا لا أعرفه ولكن معناه صحيح، يعني في حديث (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة)،
وقال ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية: لم يرد بهذا اللفظ وإنما يدل على معناه الخبر المشهور: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من
خالفهم، وفي لفظ من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وفسر ذلك الأمر بريح لينة يرسلها الله لقبض أرواح المؤمنين ، ثم لا يبقى على وجه الأرض إلا
شرار أهلها فتقوم الساعة عليهم، كما في حديث لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله الله انتهى ] كشف الخفاء1/396، وقال العلامة الألباني:[ لا
أصل له، قال في المقاصد: قال شيخنا يعني ـ ابن حجر العسقلاني ـ: لا أعرفه .وقال ابن حجر الهيتمي
الفقيه في الفتاوى الحديثية 134: لم يرد هذا اللفظ. قلت
– أي الألباني-: ولذلك أورده السيوطي في ذيل الأحاديث الموضوعة رقم 1220 بترقيمي، ويغني عن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة
من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"
.أخرجه مسلم والبخاري بنحوه و غيرهما] سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة1/51. وبهذا يظهر لنا أن هذا الحديث لا أصل له... وإذا كان الحديث كذلك فتحرم نسبته
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن الحديث ليس في
صحيح مسلم ولا غيره من كتب السنة، ويجب أن يُعلم أن نشر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون التأكد من ثبوتها، يعتبر من باب الكذب
على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ جد خطير، لأن من ينسب حديثاً غير ثابتٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد يدخل في دائرة الكذب على
الرسول صلى الله عليه وسلم، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعاقبته وخيمة، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه،
فقال صلى الله عليه وسلم:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم (إن كذباً عليَّ ليس ككذبٍ
على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). قال الحافظ ابن حبان:
(ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى
الله عليه وسلم وهو غير عالمٍ بصحته)، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:(من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)،
وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان 1/210، وقال العلامة الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين
بنحوه، السلسلة الضعيفة 1/12. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من حدث حديثاً وهو
يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه.
وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً.... الخ).
وقال صلى الله عليه وسلم:(كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها
تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها
ونشرها بين الناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث،
بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما
بـــــريـــــــد الــــجــــمــــعـــــة لـــجـــريـــــدة الاهــــرام 20 / 8
بينهم، فيسهم هؤلاء في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وقد نص أهل
العلم على تحريم رواية الأحاديث المكذوبة، قال الإمام
النووي:[باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وغيره
من الأحاديث، ثم ذكر بعد ذلك:[باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها] واستدل
بقوله صلى الله عليه وسلم:(سيكون في آخر الزمان ناسٌ
من أمتي يُحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) رواه مسلم. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/62-70. وينبغي أن يُعلمَ أن في الآيات
القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. وقد سبق في أول الكلام أن العلماء قد ذكروا أنه
يغني عن هذا الحديث المكذوب( الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة )، أحاديث كثيرة صحيحة منها: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول:( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول
أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ) رواه مسلم. ومنها: عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى
يأتي أمر الله وهم ظاهرون) رواه البخاري. ومنها: وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه البخاري ومسلم.
ومنها:وعن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية رضي الله عنه يقول سمعت
النـبـي صلى الله عليه
وسلم يقول :( لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك. قال عمير فقال مالك بن يخامر:
قال معاذ وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام ) رواه البخاري. ومنها: وعن حميد قال سمعت معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه يخطب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسمٌ ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة
مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله ). رواه البخاري ومسلم. ومنها: عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أمتي كالمطر
لا يدرى الخير في أوله أم في آخره) رواه الترمذي وحسنه ورواه أحمد والبزار والطبراني وصححه العلامة الألباني في كتاب صلاة التراويح ص97 وفي السلسلة
الصحيحة 5/355. إذا تقرر هذا فإن الخيرية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثابتةٌ بنص كتاب الله تعالى:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }
سورة آل عمران الآية 110، قال الإمام ابن كثير:[يخبر تعالى
عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال:{ كنتم خير أمة أخرجت للناس }.قال البخاري: حدثنا محمد... عن أبي هريرة:{ كنتم خير أمة أخرجت للناس }
قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام...والمعنى:
أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ ولهذا قال:{ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }
، ثم قال ابن كثير:[والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع
الأمة، كل قرنٍ بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى:
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً }أي:خياراً {لتكونوا شهداء علىالناس}
الآية. وفي مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم من رواية حكيم بن
معاوية بن حيدة عن أبيه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأنتم أكرم على الله عز وجل" وهو حديث مشهور، وقد حسنه الترمذي...وإنما حازت هذه الأمة
قصبَ السَّبْق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أشرف خلق الله أكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبياً قبله ولا
رسولاً من الرسل. فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه، كما قال الإمام أحمد...قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء". فقلنا: يا رسول الله، ما هو؟ قال : " نُصرتُ بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض، وسُميتُ أحمد، وجُعلَ الترابُ
لي طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم". تفرد به أحمد من هذا الوجه، وإسناده حسن] تفسير ابن كثير 2/83-84.
منقول