هذا مقال مفيد جدا للشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة
أحببت أن انقله لكم للفائدة
س / ما مفهوم القوامة في الشريعة الإسلامية ؟
القيِّم هو السيد , وسائس الأمر .
وقيِّم القوم: الذي يقوّمهم ويسوس أمورهم .
وقيِّم المرأة: زوجها أو وليها ؛ لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج .
وفي التنزيل: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء" [النساء: من الآية34] والمراد والله أعلم: الرجال متكفلون بأمور النساء معنيون بشؤونهن .
فالمقصود إذًا بقوامية الرجل على زوجته : قيامُه عليها بالتدبير والحفظ والصيانة والنفقة والذبِّ عنها.
ويظهر من كلام أئمة التفسير والفقه أن قوامة الرجل على المرأة هي: قوامة تدبير, وحفظ ورعاية وذبٍّ عنهن وسعي فيما يجب عليهن لله ولأنفسهن, وليس المعنى المقصود -كما يخطئ في فهمه كثير من الناس -: قوامة القهر والتسلط والتعنت وذوبان وانمحاء هوية المرأة باسم القوامة .
والقوامة تكليف بهذا الاعتبار أكثر من كونها تشريفـاً , فهي تحمّل الرجل مسؤولية وتبعة خاصّة , وهذا يوجب اعتماد التعقّل والرويّة والأناة , وعدم التسرع في القرار , كما أنه لا يعني : مصادرة رأي المرأة ولا ازدراء شخصيتها .
س / ما الأسباب التي جعلت الشارع يخصّ الرجل بالقوامة , وهل لتركيب المرأة الخلقي أثر في ذلك ؟
ـ بينت الآية الكريمة سببين لقوامة الرجل على المرأة :
الأول : "بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" [النساء: من الآية34]
الثاني : "وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" [النساء: من الآية34]
وتحدث الإشكالية عند البعض من قول : الرجل أفضل من المرأة ؛ فتهبّ المنظمات والهيئات, ودعاة المساواة, وما إلى هنالك - في افتعال صراع حول هذه النقطة, ويشطحون في فكرهم, فبدل أن يفهموا معنى قوله تعالى: "بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض" فهماً سليماً, لا عوج فيه, على ضوء الكتاب والسنة, والتطبيقات المعتدلة - تجدهم يفرطون في إثبات حقوق – زعموا - للمرأة, ويدّعون أنها مهضومة, وأن الدين لم ينصفها؛ فيقودهم ذلك إلى التجرؤ على نصوص الكتاب والسنة, وفي النهاية يخرج ذلك في صورة المساواة في الإرث والحكم والإمارة وكل شيء، حتى يسعى الرجل بدوره إلى المساواة مع المرأة !!
ويطرح السؤال نفسه مرة أخرى؛ هل التفضيل راجع إلى التركيب الخَلْقِي أم لشيء آخر, والجواب على ذلك: أن المفسرين والأئمة اتجهوا اتجاهين:
الأول: أرجع ذلك إلى التركيب الخَلْقي، سواء كان ذلك في: العقل أو التدبير وزيادة قوة النفس والطبع, ولأن طبع الرجل غلب عليه الحرارة فيكون فيه قوة وشدة, وطبع النساء غلب عليه البرودة فيكون فيه معنى اللين والضعف .
الثاني: أرجع ذلك إلى أن الله - عز وجل - جعل الرجال هم الذين يؤدون المهور, وينفقون على النساء ويكفونهن مؤنهن, وذلك تفضيل الله - تبارك وتعالى - لهم عليهن, وأيضاً خص الله - عز وجل - الرجال بالنبوة؛ فلا تكون في النساء, وبالخلافة والحكم والإمارة والجهاد, وليس ذلك للنساء. وقيل أيضاً: في الشهادة, "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى" [البقرة: من الآية282]، وقيل: بظاهر العبادات كالجمعة والجماعة, وقيل: بنكاح الأربع, والمرأة لا يحل لها إلا زوج واحد, وقيل: بأن الطلاق في يده .
وهنا ملاحظتان:
الأولى: أن أصحاب القولين متفقون على أن تفضيل الرجل على المرأة بالإنفاق لنص الآية "وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ".
الثانية: تفسير المفسرين بالأفضلية على أنها راجعة للخِلْقَة أو غيرها اجتهاد من الجميع في توجيه الآية, لكن من العدل أن نقول: إن الله - عز وجل - خصّ الرجل بأشياء مثل: النبوة, الخلافة, الإمارة, الجهاد والغزو ... إلى غير ذلك؛ لأن طبيعة الرجل تختلف عن طبيعة المرأة, وهذا أمر يتفق عليه عقلاء البشر .
وقوامة الرجل على زوجته التي قضى بها الشرع هي ما تقتضيه الفطرة وأصل الخلقة لكل منهما, وهذه القوامة هي في مصلحة المرأة نفسها .
والمنهج الرباني يراعي الفطرة , والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس - الرجل والمرأة - لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات .
والمسلّم به ابتداءً: أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله, وأن الله – سبحانه - لا يظلم أحدًا من خلقه, وهو يهيئه لوظيفة خاصّة ويمنحه الاستعدادات لإحسان الأداء في هذه الوظيفة.
وجعل الله من خصائص المرأة: أن تحمل وتضع وترضع, وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل وهي وظائف ضخمة أولاً, وخطيرة ثانيـاً, وليست هيّنة ولا يسيرة بحيث تُؤدَّى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقـلي عميـق غائـر في كيان الأنثى؛ فكان عدلاً أن ينـوط بالشـطر
الثـاني - الرجل - توفير الحاجات الضرورية والحماية, وأن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه, بالإضافة إلى تكليفه بالإنفاق, وهو فرع من توزيع الاختصاصات. هذان العنصران هما اللذان أبرزهما النص القرآني .
ونلاحظ أيضاً أن أول ما يذكره جمهور المفسرين المعروفين في هذا التفضيل: النبوة والإمامة الكبرى وإقامة الشعائر كالأذان والإقامة والخطبة في الجمعة وغيرها، ولا شك أن هذه المزايا تابعة لكمال استعداد الرجال وعدم الشاغل لهم عن هذه الأعمال, على ما في النبوة من الاصطفاء والاختصاص, ولكن ليست هي أسباب قيام الرجال على شؤون النساء, وإنما السبب هو ما أشير إليه بباء السببية لأن النبوة اختصاص لا يبنى على مثل هذا الحكم، كما أنه لا يبنى عليها أن كل رجل أفضل من كل امرأة؛ لأن الأنبياء كانوا رجالاً, وأما الإمامة والخطابة, وما في معناها مما ذكروه, إنما كان للرجال بالوضع الشرعي, فلا يقتضي أن يُميَّزوا بكل حكم, ولو جعل الشرع للنساء أن يخطبن في الجمعة والحج ويؤذنَّ ويقمن الصلاة لما كان ذلك مانعاً أن يكون من مقتضى الفطرة أن يكون الرجال قوامين عليهن .
وأكرر أن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع النسائي, ولا إلغاء وضعها "المدني" وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة, وصيانتها وحمايتها, ووجود القَيِّم في مؤسسة ما, لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها, والعاملين في وظائفها, فقد حدد الإسلام صفة قوامة الرجل, وما يصاحبها من عطف ورعاية, وصيانة وحماية, وتكاليف في نفسه وماله, وآدابه في سلوكه مع زوجته وعياله .
س/كيف مارس النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحق مع زوجاته وبناته؟
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن "إمبراطوراً "مثل بعض الناس إذا دخل بيته, بل من تأمل حياته - صلى الله عليه وسلم - وجدها تقريرًا لما أسلفناه من: أن القوامة ليست تسلطاً ولا تعنتاً ولا قهرًا, فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عائشة - رضي الله عنها - "إذا كان في بيته يكون في مهنة أهله", واستيقظت إحدى نسائه فلم تجده بجوارها في ليلتها، فقامت وأغلقت الباب ظناً منها أنه ذهب لإحدى زوجاته الأخريات, فلما رجع وقال افتحي سألته لماذا خرجت؟! فقال: "وجدت حقناً من بول" وكانت نساؤه يختصمن بين يديه, وأمثال ذلك كثير, ومن مثل ذلك نتفهم طبيعة القوامة كما ذكرنا .
وقد كفل الشرع للمرأة ما لو تأملناه لأدركنا مدى التجني على الإسلام، ممن يظنون أنه باسم القوامة ظلم الإسلام المرأة .
فقد كفل الشرع للمرأة حرية الرأي, في حدود الشرع, والسنة حافلة بوقائع كثيرة منها:
قصة المجادلة التي جاءت تجادل النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوجها وهي خولة بنت ثعلبة ونزلت بسببها آيات معروفة, وهذه خنساء بنت خذام الأنصارية, زوّجَها أبوها وهي ثيّب فكرهت ذلك فأتت الرسول – صلى الله عليه وسلم - فردّ نكاحها, وفي رواية: زوَّجَها أبوها وهي بكر. وهذه امرأة أخرى تبدي رأيها لتعرف مالها من حقوق، كما رواه النسائي أن فتاة دخلت على عائشة فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه؛ ليرفع خسيسته, وأنا كارهه ... وفيه أنه – صلى الله عليه وسلم - جعل الأمر لها فقالت يا رسول الله! قد أجزت ما صنع أبي, ولكن أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيء .
وقصة بريرة وزوجها مغيث - أيضاً - معروفة , فكانت بريرة أَمَةً وأُعتقت, والأمة إذا أعتقت صار لها الخيار في زوجها, إذا كان رقيقاً أيضاً, فإن شاءت بقيت, وإن شاءت طلقت, وقد اختارت فراقه، وكان مغيث بعد فراق زوجته يمشي خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - لبريرة كما في البخاري: لو راجعتيه! قالت يا رسول الله: أتأمرني؟ قال إنما أنا أشفع, قالت: لا حاجة لي فيه .
وهذه امرأة أخرى, تناقش النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخصيص الرجال بالغزو والجماعات وما إلى ذلك, فسُرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حسن أدبها في الخطاب, وهذه المرأة هي أسماء بنت السكن الأنصارية.
وقصة المرأة التي ردت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر معروفة فقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة حسب الرواية المشهورة, وهذه أسماء بنت أبي بكر تجادل الحجاج وترد عليه .
وهذا باب يطول الكلام فيه فإن قوامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على نسائهم لم تمنع النساء من كل ما تقدم، ومن هنا نعلم روح القوامة التي قصدنا الكلام عنها