رسالة إلى زوجة ملتزمة
ღرِسَالَةٌ إلَى زَوْجَةٍ مُلْتَزِمَةღ
❤مَدْخَل :
هذه رسالة إلى رفيقتي في الدّرب تلك الأخت الملتزمة التي آثرت الاستقامة و نذرت نفسها لحمل قضيّة نصرة دين الله ، قد تكون مجرّد خواطر عابرة ، وقد تكون مجرّد أحلام زاهرة ، لكنّ يقيني لازال يحملني على الكتابة أملا في أن تبكي عينٌ لبكاء قلب يرجو مثل هذه العيشة الرّبانيّة فيأتي القرار ثمّ يتلوه النّصر عن قريب...
❤❤❤
إنّ طيور القلب ما برحت على أفنان سعادته تغرّد منذ أن لامسته بُشرى زواجكِ ، فما أصبحتُ ولا أمسيتُ إلاّ وأنا أفكّر في صناعة عقد من همسات أهديه لك حتّى تزيّني به أيّامكِ المقبلة...
حبيبة قلبي ، لمّا منّ الله على عباده بالنّكاح قدرا وأباحه شرعا ، بل أحبّه ورضيه وحثّ عليه جعل فيه أحكاما كثيرة وحقوقا متنوّعة تدور كلّها حول الصّلاح وإصلاح الزّوجين ودفع الضّرر والفساد وهي من محاسن الشّريعة ، والشّريعة كلّها محاسن وجلب للمصالح ودرء للمفاسد (1)
فاحرصي – رحمكِ الله – على التّفقّه في أحكام وآداب النّكاح حتّى يبارك لك في حياتك الزّوجية.
أختي الحبيبة، أسدل أجفاني على مقلتيّ لعلّي أفرّ من احتدام ضغوط الواقع وأمسك بلجام الحلم لأبصرك في الغد القريب تلك الجوهرة النّادرة في هذا الزّمان...
فتاة قد أسلمت وجهها لله فلا ترفع قدما ولا تضع أخرى إلاّ وهي تحتسب الأجر عند الله ولا تلتفت إلى ما دون ذلك من حظوظ النّفس ومطالعةِ نظر المخلوقين ...
فتاة قد ارتضت الله لها وليّا ، فلمّا زوّجها سجدت بكلّها له تعبّدا ورقّا، وخضعت له روحها وجسدها شكرا وثناء وعظم في عينها كرم الله وتفضّله عليها فرأت ذلك الزّوج سبيلا من سبل الوصول
إلى جنّة الخلد.
جلست هذه الأمة الشّكورة جلسة مصارحة وأقبلت على نفسها تحاسبها مبتدئة بأصل الأصول فتقف وقفة صرامة لتسأل " أي يا نفس ما نيّتك في هذا الزّواج؟" فإن صفا القلب ولم تكذّبه الأفكار وكان الاعتراف بأنّ القصد هو وجه الله وطلب جنّته فبها ونعمت ، وإن كان قد مازجه بعض تلك المنغّصات التي تقطع بين العبد وربّه فإنّ الكلام حينها يصبح عن معنى المجاهدة وكيفيّة ترويض النّية، ولا تزال تلك الأمة كذلك حتّى تنبت في فؤادها زهرة الإخلاص فينتشر عبيرها حيثما حلّت...
ثمّ إنّ تلك المباركة قد علمت أنّ اتّباع قاعدة التّخلية قبل التّحلية من أنجح طرق تحصيل القلب السّليم الذي هو نواة كلّ خير يصيب المرء في دنياه وأخراه، فإذا بها تأتي على تعداد عيوبها فإذا فرشتْ منها ما اهتدت إليه أشعلت فيها نار العزم فحرّقت جلّها بصدق اللّجأ إلى الله والإنابة إليه...
وبعدها أبصرتُها تحمل حقيبة فارغة وهي تبغي أن تملأها بمكارم الأخلاق حتّى تبلّغها إلى مرتبة الصّديقيّة فأكرم بها من رحلة !
ღღღ
وبعد تلك الوقفة التفتت الدّرة إلى زوجها فقالت له :
" الحمد لله الذي جمعنا بمنّته وكرمه وجعل بيننا مودّة ورحمة وفضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلا والصّلاة والسّلام على رسول الله قدوتنا في حياتنا ومشكاة هدايتنا إلى دار السّلام
ثمّ أمّا بعد :
فإنّه قد عظمت في عيني نعمة الله متمثّلة في شخصك، وقد أتيت على نفسي فحاسبتها حسابا عسيرا غير يسير وجئتك اليوم وقلبي مولود جديد يتربّى في حجر العبوديّة لإله الأوّلين والآخرين ، ونفسي لا ترى بعينيها إلاّ أعلى الجِنان مطمع كلّ جَنان...فهذه يدي أبسطها لتضمّها يدك فتعانق آمالي روحك وتعلن السّعادة حلول ربيع حياتنا فتشرق شمس الأمل ويغرّد عصفور العمل...
أي زوجي ، قد جئت أسقيك كؤوسا من نبع طموحاتي لأرسم على شفتيك السّعد ،فأراك في هذه الدّنيا تتقلّب بين أحضان الإيمان حتّى إذا انقضى الأجل جاءت البشرى بأنّك من أهل الجنان!
فيا شقيق الرّوح، أنصت إلى حديث خبّأته لك وحدك وبخلت به عمّن سواك ، لأنّك لطالما كنت الفارس الذي سيزيل اللّثام الملقى على أحلام أنفاسي!
فدعني أحدّثك عن أنفاسي بهمسْة :
"أرِيدُكَ أَنْ تَكُونَ قَلْبًا تَحْيَا بِهِ هَذِهْ الأُمَّة "
و ما دخلت بيتك إلاّ لأجعل شرايين الهمّة تسري دماؤها في جسدك حتّى إذا ارتوى منها الفكر أثمر العزم فكنت الزّاهد الذي طلّق الدّنيا ثلاثا فلم يرعها سمعه ولا بصره ولا فؤاده!
وكنت المهاجر الذي رحل بنفسه التّواقة إلى الجنّة، فكان لا يقلّب صفحة من صفحات أيّامه إلاّ وقد أمضاها صدقه بإمضاء واحد "
...