الإعــلام الفـرعــونــي -- عندما يكون الجزاء من جنس العمل !!

الإعــلام الفـرعــونــي -- عندما يكون الجزاء من جنس العمل !!
أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام؛ أسلوب قديم جدًا، أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد دعوة موسى ـ عليه السلام ـ، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ, بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر26
بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ، فزعموا أن موسى والمؤمنين؛ هم سببُ الأزمات، {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}الأعراف131؛ وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}القصص38 ، صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني؛ وليقول الجميع: إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى.
دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين؛ يخطب فيهم، يدلس، يكذب، يزور، يتهكم، يَقلبُ الحقائق..اقرأ هذه الآية بعناية: {فَحَشَرَ فَنَادَى}النازعات23، إنها آيةٌ من لفظتين, الحشر والنداء؛ أي أسلوب الحشر والحشد، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية.
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الزخرف51 ، وهي آيةٌ ـ أخرى ـ تشي بجو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون، جو الاستعلاء، والاستكبار، والعلو، والعتو، والشخصنة، والعجرفة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الباطل، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان.
ومارس أيضًا أسلوب المباريات الإعلامية، ولم ينس أيضًا أن يحشد الجماهير والغواغاء على موعد إعلامي ومكان إعلامي:
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}طه59 ، وقبلُ قد أرسل الفرعونُ ـ لعنه الله ـ مبعوثيه إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر، وذلك لجَمع السحرة على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم، فجاءوا بالساحر العادي, و " السَّحار " الماهر الخبير بالسحر، وكان موعدُ المبارة يومَ الزينة، وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ العرضِ والملك، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}الشعراء، 39، 40
وأساء فرعون ـ لعنه الله ـ إلى شخص النبي الكريم موسى ـ عليه السلام ـ، فاستهزأ من لسان موسى، وطريقته في الكلام، وزعم أنه عييٌ لا يكاد يتكلم كلمةً واضحة: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}الزخرف52 ، بل سَخِرَ من زي موسى ومظهره، فسخر من كون موسى لا يتحلى بالأساور والحلي الذهبية كما كان الفراعنة ـ قبحهم الله ـ يفعلون: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}الزخرف53 ، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}الزخرف54
ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ؛ كان العقاب من جنس العمل؛ إعلاميًا أيضًا، حيث أغرق اللهُ فرعونَ، وأخرج بدنه من البحر، ثم، جسدًا محنطًا، وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}يونس92
العجيب أيضًا أن تمثال فرعون موجودٌ حاليًا في أكبر ميادين مصر، وأجمل ما في الأمر أنك لو سألت طفلاً أو شيخًا يمر في الميدان، لمن هذا التمثال؟ لأجابك على التو: هذا الفرعون الملعون[1]!
{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} الزخرف: 56 ؛ ولم يكن العقاب الإعلامي مقصورًا عليه في الدنيا فحسب، بل في الآخرة أيضًا،إذ {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}هود98
ومن مات على شيء بُعث عليه.
هذا مات يحاربُ الإسلام بالإعلام؛ فقتله اللهُ قتلةً إعلاميةً، وبعثه ـ يوم القيامة ـ بعثةً إعلامية.

