دعهم يكتشفون الحياة
عمر السبع
كثير من الآباء يدفعه حب الابن إلى الإفراط في العناية به, وإسعاده حتى لو أصبح من فرط عنايته أن يكون ابنه عديم الجدوى.
ولا يعلم هؤلاء الأباء أن (السعادة التى يريدونها لإبنهم إنما هي حصيلة العمل والكدح فى الحياة, وأنها تقتضي أحيانًا أن يتذوف طعام الفشل!!
لسنا بالطبع فى حاجة أن نخطط لفشله, وإنما نقول: أننا إذا وجدناه يقابل مشاكله الصغيرة بالبكاء والعجز, لم نسترضه بالقيام بمواجهتها بدلًا منه, وإنها تبقي على رباطة جأشنا حتى يستطيع عو مواجهة العاصفة, وإن أحس من مواجهتها ببرودة القدمين.
ولا نقوم باتخاذ القرارات التى تخصه خوفًا من وقوعه فى الأخطاء, أو رغبة فى حمايته من النتائج التى قد تكون مؤلمة.
إننا قد حرمناه من فرص التعلم واكتساب المهارات، وأعطيناه فى ذات الوقت إحساسًا بعدم القدرة على اتخاذ قراراته بنفسه.
إن العالم الذى نعيشه لابد فيه من أن نتعلم كيف نتعامل مع الإحباط والقسوة والحساسيات والعمل من أجل حياة أفضل, ونحن كآباء لا بد أن نساعد أبناءنا على تطوير مهاراتهم لعمل هذه الأمور ومقاومة تلك المعوقات.
ولذلك فإن من الحكمة التربوية أن نؤكد: كلما أظهر أبناؤك نضجًا؛ فامنحهم مزيدًا من الحرية فى اختيار أفعالهم ونشاطاتهم، بل وحفزهم على القيام بما يخصهم من أمور, واعلم أن هذا يشعرهم بقدرتهم على تحمل المسئولية, ويعطيهم ثقة فى أنفسهم, ولا تحاول أبدًا زرع الحكمة فى طفلك, أو تحرمه من الشعور بعواقب أفعاله، دعه يجرب كيف تسير الدنيا, قبل أن يحصل على حكمته الخاصة، فلا تحرم ابنك من الخبرات, ولو سببت له بعض الألم, فهو بحاجة للشعور بالحياة لكى يتعلم منها] [حاول أن تروضني، راى ليفي، ص(78)].
مثال عملي:
قد يختلط الطفل فى الشارع أو المدرسة بمستويات أخلاقية دنيا، ولكن البديل المتمثل فى تقييد الطفل فى البيت أشد ضررًا من تعريضه لمخالطه تلك المستويات الدنيا من البشر, لأن هذا التقييد والحبس وعدم المخالطة من المجتمع بكل طبقاته وأجناسه؛ سيعرض شخصية الطفل للضمور, ثم الإضطراب والحيرة عند مخالطة المجتمع فيما بعد.
فإن "خسائر" النزول إلى الشارع أقل بكثير من خسائر البقاء مقيدًا داخل البيت .. ومع قيام الأب بعملية غسيل يومية لما أصاب الإبن من قذر الطريق أو المدرسة، فهو يدربه على تكوين الصداقات منذ الصغر لأن "تكوين الصداقات تعد مهنة يصعب تعلمها بعد مرجلة الطفولة, فهى تشبه العوم الذى يسهل على الأطفال تعلمه إذا ما تم تعويدهم على النزول فى الماء وهم حديثو العهد بالمشي.
ولكن عندما يحاول الكبار تعلم العوم لأول مرة فإن أجسامهم تتصلب وتصير حركتهم غير طبيعية.
الحرص لا يكون بالحبس:
ليس من الحرص على الأبناء أن نحجر عليهم التحاور مع الآخرين أو البقاء بلا أصدقاء، فإن ذلك لا يحميهم من الضياع, بل لا نبالغ إن قلنا أن هذا قد يكون من أكبر عوامل التمرد على سلطة الآباء , ومن ثم مصادقة أى أحد بلا مشروة من أحد، ومن ثم يكون الضياع!!!
ومن هنا وجب تدريب الأبناء على اختيار أفضل الأصدقاء، ولا يعني هنا إجبارهم على أصدقاء بعينهم, وإنها يعني بضروة توضيح أهمية الدور الذى يلعبه الأصدقاء فى حياة الإنسان، ويكون ذلك بتوضيح الصورة التى تتناسب مع عمر الابن, ففى سن الثالثة إلى السابعة نحاول توفير أنشطة مشتركة بين أبنائنا وغيرهم من الأطفال, وبالطبع تعد أجهزة الكومبيوتر من أهم العناصر فى تحقيق هذا الهدف.
وأما فى مرحلة ما بين سن السادسة والثانية عشرة فيتم تشجيع الإبن على إقامة صداقات مع الآخرين, ودفعه إلى أن يقص عليك تجاربه فى ذلك, واحذر أن تنقص من قدر المشاعر الإيجابية تجاه أصدقائه, وفى ذات الوقت عليك مقاومة الميل إلى مشاركة الإبن شكواه من زملاء الدراسة .. فقط اصغ السمع لإبنك وهو يشكو.
ثم أخيرًا تأتى مرحلة ما بين سن التاسعة والثانية عشرة, حيث يأتى دورك فى حل المشكلات الناشئة عن صداقات أبنائك وفق خبرتك الخاصة فى الصداقة فى الحاضر أو الماضى.
وهنا لابد من التأكيد على أنه يجب أن نحتفظ بمشاعرنا نحو أصدقاء أبنائنا, ونتجنب إبداء النصائح المباشرة بهذا الخصوص, وإنما نؤكد لأبنائنا دائمًا على أهمية الصبر والتحمل، فإذا أراد الابن قطع علاقته بصديقه؛ فيجب أن يكون هذا قرارًا خاصًا به وحده, ذلك أن أى إختيار خاطئ من غيره قد يدفعه إلى تجنيب الأصدقاء جميعًا, والميل إلى العزلة عن المجتمع.
أخي المربي:
إن إحدى أخطائنا التربوية الكبرى, أننا نريد أن ندخل حكمتنا وتجربتنا إلى رءوس أبنائنا بنفس السرعة التى يدخل بها مصل شلل الأطفل إلى مجرى الدم، وعلى الرغم من أن هذه الأمنية جميلة, إلا أننا يجب أن ندرك أن أبناءنا لا يمكن أن يكتسبوا الحكمة بهذه الطريقة،ذلك أن هناك طريقة واحدة ناجحة ألا وهى المرور بالتجربة والخطأ على مدى فترة طويلة من الوقت.
قد تؤلمنا تجاربهم أكثر مما تؤلمهم، ولكنا لا بد أن نوقن أن هناك طريقة وحيدة ليصبحوا حكماء؛ بل ومبدعين، هذه الطريقة هى أن يكتشفوا بأنفسهم حقيقة الحياة بالجهد والمحاولة’ ودون وصاية من أحد
فهل نجعل شعارنا جميعًا: دعهم يكتشفون الحياة؟!
ورقة العمل:
الاستقلالية طريق النجاح:
إن (الوضعية العامة لأمة الإسلام تبني لدى الأبناء النفسية السلبية, فالابن لا يسمع من أبويه منذ تفتح وعيه سوى التلاوم والشكوى من سوء الأحوال, والتأفف من هيمنة الأعداء, إلى جانب التذمر من سوء الخدمات التى تقدم للناس، وهكذا يشعر الإبن أن كل شئ مقلوب رأسًا على عقب؛ ولذا فإنه يتعلم التذمر والقوقعة, ويفقد روح المبادرة الشخصية, ومع الأيام يكبر الصغير ويصبح جزءًا من مشكلات الأمة عوضًا عن أن يسهم فى حلها) [دليل التربية الأسرية، عبد الكريم بكار، ص(92)].
بل يتعلم الابن من هذه الوضعية أن (يلقى اللوم على الآخرين ويتهمهم بالتقصير, وإثارة المشاكل والتفتيش عن نقاط ضعفهم وأخطائهم, وسيركز جل أهتمامه هو الشكوى الدائمة من الظروف المحيطة به, لأنه لم يتعلم من مربيه سوى أن يشك فى قدراته, وفي الآخرين من حوله, فهو لا يثق بهم, وستكون مشاعره سلبيه, تميل إلى التشاؤم والإحباط وضعف التوافق مع الآخرين) [25طريقة لتصنع من إبنك رجلًا فذًا، أكرم مصباح عثمان، ص(6)].
وهذا ما نراه في شباب أمتنا إلا من رحم الله نرى فيهم شيخوخة الهمم والعزائم, فالشبان يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون, وإن اللهو قد خف بهم حتى ثقلت عليهم حياة الجد, فأهملوا الممكنات فرجعت لهم كالمستحيلات, وإن الهزل قد هون عليهم كل صعبة فاختصروها (فإذا هزءوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة, وإن الشاب منهم يكون رجلًا تامًا ورجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله) [وحي القلم، مصطفى صادق الرافعي، (2/230)، بتصرف].
ولقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحصاب الهمم الضعيفة بقوله: (وأهل النار خمسة: الضعيفة الذى لا زبر له ( أى لا عقل له يمنعه مما لا ينبغي) الذين هم فيكم تبعًا, لا يبغون أهلًا ولا مالًا) [رواه مسلم]، نعم إن من يتهيب صعود الجبال, يعش أبد الدهر بين الحفر.
والطفل لكي ينمو نموًا نفسيًا طبيعيًا لا بد له من الشعور بالحرية والاستقلال, والإحساس بأنه قادر على تسيير أموره بنفسه دون معاونة الآخرين، فهذه الأمور هي المقدمة الصحيحة لثقته بنفسه, ومن ثم قدرته على تحمل المسؤوليات في مستقبل حياته.
ومن الأساليب التي تعين الآباء والمربين على الوصول إلى هذا الهدف (وضع الثقة في الأبناء لكي يصبحوا أكثر ابتكارًا وإيجابية من خلال إعطائهم المزيد من الحرية، والإيمان بأن الأخطاء البشرية يمكن تخطيها والتغلب عليها عندما يعمل الجميع متعاونين في جو من الثقة والحرية والاحترام المتبادل، وذلك عكس ما يحدث حين يكون هؤلاء يعملون في ظل كم من القواعد والإجراءات والقيود التي وصفها أشخاص آخرون، هم أنفسهم لا يتصفون بالكمال) [إدارة الأولويات، ستيفن كوفي].
ومما يساعد على استقلالية الأبناء، أن يتعود أهل البيت الحوار والمناقشة في مختلف الأمور، والتخفيف من الكلام عن الآخرين وذمهم بينما قد يرى الأبناء أن أهليلهم ليسوا أفضلم ممن يتحدثون عنهم، ومن قبل ذلك ومن بعده تعويد الأبناء ممارسة المقارنة، فإذا ذكر الابن ميزات أمر من الأمور، سألناه: وما هي سلبياته؟ وإذا تحدث عن سلبيات شخص من الأشخاص أو طريقة من الطرق، سألناه عن الإيجابيات.
المصادر:
· إدارة الأولويات، ستيفن كوفي.
· وحي القلم، مصطفى صادق الرافعي.
· حاول أن تروضني، راى ليفي.
· 25طريقة لتصنع من إبنك رجلًا فذًا، أكرم مصباح عثمان.
· دليل التربية الأسرية، عبد الكريم بكار.