منتدى اولاد حارتنا
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الحارة

سنتشرف بتسجيلك

شكرا كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 829894
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 15761575160515761577
مراقبة الحارة
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 103798


منتدى اولاد حارتنا
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الحارة

سنتشرف بتسجيلك

شكرا كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 829894
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 15761575160515761577
مراقبة الحارة
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة 103798


منتدى اولاد حارتنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أجتمــــــــــــــــــــــاعى شــــــــــامل - دينى - ثقافى - علمى - نصائح
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أولاد حارتنا ترحب باى حوارجى وتدعوهم على قهوة حارتنا لشرب المشاريب وتدعوهم لسماع درس التاريخ من أستاذ فطين مدرس التاريخ ومشاهدة احدث الأفلام وكمان تحميل الالعاب وبرامج للموبيل وتسمع حكاوى خالتى بامبة  وتتفرج على صور استوديو عمى أنس وتسمع من ميشو على احلى المغامرات

 

 كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
وائل فايز
عضو / ة
عضو / ة
وائل فايز


الساعة الأن :
عدد المساهمات : 311
نقاط : 877
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/09/2010

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Empty
مُساهمةموضوع: كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة   كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Icon_minitime1السبت 08 أكتوبر 2011, 7:23 pm

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة

أيها المواطنون..

أيها المواطنون أعضاء المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية:

النهارده بنبتدى مرحلة هامة وشاقة فى كفاحنا من أجل تحقيق الأمانى التى نتمناها، وأنتم بالذات نيابة عن القوى الشعبية التى انتخبتكم؛ أمامكم مسئولية كبيرة فى هذه المناقشة الكبيرة والتى تبدأ اليوم، مشروع الميثاق طويل لسبب؛ وهو أنى أردت أن أضع فيه حصيلة التجربة الوطنية، من الماضى اللى عشناه إلى المستقبل الذى نريده.

الميثاق عشرة أبواب:

الباب الأول: نظرة عامة

الثانى: فى ضرورة الثورة

الثالث: جذور النضال المصرى

الرابع: درس النكسة

الخامس: عن الديمقراطية السليمة

السادس: فى حتمية الحل الاشتراكى

السابع: الإنتاج والمجتمع

الثامن: مع التطبيق الاشتراكى ومشاكله

التاسع: الوحدة العربية

العاشر: السياسة الخارجية

وقد يقتضى الأمر استراحة بعد الباب الخامس؛ ثم نستأنف بعد هذا تكملة الميثاق.

والآن مشروع الميثاق :
البــاب الأول
نظـرة عـامـة

إن يوم الثالث والعشرين من يوليو ١٩٥٢ كان بداية مرحلة جديدة، ومجيدة فى تاريخ النضال المتواصل للشعب العربى فى مصر.

إن هذا الشعب فى ذلك اليوم المجيد بدأ تجربة ثورية رائدة فى جميع المجالات؛ وسط ظروف متناهية فى صعوبتها، وظلامها، وأخطارها، وتمكن هذا الشعب بصدقه الثورى، وبإرادة الثورة العنيدة فيه؛ أن يغير حياته تغييراً أساسياً وعميقاً باتجاه آماله الإنسانية الواسعة.

إن إخلاص الشعب المصرى لقضية الثورة، ووضوح الرؤية أمامه، واستمراره الدائب فى مصارعة جميع أنواع التحديات، قد مكنه - دون أدنى شك - من تحقيق نموذج رائع للثورة الوطنية وهى الاستمرار المعاصر لنضال الإنسان الحر عبر التاريخ؛ من أجل حياة أفضل، طليقة من قيود الاستغلال والتخلف فى جميع صورها المادية والمعنوية.

إن الشعب المصرى فى يوم بدء ثورته المجيدة فى٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ أدار ظهره نهائياً لكل الاعتبارات البالية التى كانت تبدد قواه الإيجابية، وداس بأقدامه على كل الرواسب المتخلفة من بقايا قرون الاستبداد والظلم، وأسقط إلى غير ما رجعة جميع السلبيات التى كانت تحد من إرادته فى إعادة تشكيل حياته من جديد.

إن طاقة التغيير الثورى التى فجرها الشعب المصرى يوم ٢٣ يوليو تتجلى بكل القوى العظيمة الكامنة فيها؛ إذا ما عادت إلى الذاكرة كل جحافل الشر والظلام؛ التى كانت تتربص بكل عود أخضر للأمل ينبت على وادى النيل العظيم. لقد كان الغزاة الأجانب يحتلون على أرضه، وبالقرب منها القواعد المدججة بالسلاح؛ ترهب الوطن المصرى وتحطم مقاومته، وكانت الأسرة المالكة الدخيلة تحكم بالمصلحة والهوى، وتفرض المذلة والخنوع.

وكان الإقطاع يملك حقوله، ويحتكر لنفسه خيراتها، ولا يترك لملايين الفلاحين العاملين عليها غير الهشيم الجاف المتخلف بعد الحصاد.

وكان رأس المال يمارس ألواناً من الاستغلال للثروة المصرية؛ بعدما استطاع السيطرة على الحكم وترويضه لخدمته، ولقد ضاعف من خطورة المواجهة الثورية لهذه القوى المتحالفة مع بعضها وضد الشعب؛ أن القيادات السياسية المنظمة لنضال الجماهير قد استسلمت واحدة بعد واحدة، واجتذبتها الامتيازات الطبقية، وامتصت منها كل قدرة على الصمود، بل واستعملتها بعد ذلك فى خداع جماهير الشعب؛ تحت وهم الديمقراطية المزيفة، وحدث نفس الشىء مع الجيش الذى حاولت القوى المسيطرة المعادية لمصالح الشعب أن تضعفه من ناحية، وأن تصرفه - من ناحية أخرى - عن تأييد النضال الوطنى، بل وكادت أن تصل إلى استخدامه فى تهديد هذا النضال وقمعه.

وفى مواجهة هذه الاحتمالات صباح يوم الثالث والعشرين من يوليو سنة ١٩٥٢ رفع الشعب المصرى رأسه بالإيمان والعزة، ومضى فى طريق الثورة مصمماً على مجابهة الصعاب والأخطار والظلام، عاقداً العزم فى غير تردد على إحراز النصر؛ توكيداً لحقه فى الحياة مهما كانت الأعباء والتضحيات.

إن قوة الإرادة الثورية لدى الشعب المصرى تظهر فى أبعادها الحقيقية الهائلة، إذا ما ذكرنا أن هذا الشعب البطل بدأ زحفه الثورى من غير تنظيم سياسى يواجه مشاكل المعركة؛ كذلك فإن هذا الزحف الثورى بدأ من غير نظرية كاملة للتغيير الثورى.

إن إرادة الثورة فى تلك الظروف الحافلة لم تكن تملك من دليل العمل غير المبادئ الستة المشهورة؛ التى نحتتها إرادة الثورة من مطالب النضال الشعبى واحتياجاته، ولقد كان مجرد إعلانها فى حد ذاته فى جو المصاعب والخطر والظلام؛ دليلاً على صلابة إرادة التغيير الثورى، وعنادها الذى لا يلين فى مواجهة جيوش الاحتلال البريطانى الرابضة فى منطقة قناة السويس، كان المبدأ الأول هو القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة المصريين؛ فى مواجهة تحكم الإقطاع الذى كان يستبد بالأرض ومن عليها.

كان المبدأ الثانى هو القضاء على الإقطاع؛ فى مواجهة تسخير موارد الثروة لخدمة مصالح مجموعة من الرأسماليين.

كان المبدأ الثالث هو القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم؛ فى مواجهة الاستغلال والاستبداد الذى كان نتيجة محتمة لهذا كله. كان المبدأ الرابع هو إقامة عدالة اجتماعية؛ فى مواجهة المؤامرات لإضعاف الجيش، واستخدام ما تبقى من قوته لتهديد الجبهة الداخلية المتحفزة للثورة.

كان الهدف الخامس هو إقامة جيش وطنى قوى؛ وفى مواجهة التزييف السياسى الذى حاول أن يطمس معالم الحقيقة الوطنية؛ كان الهدف السادس هو إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
إن هذه المبادئ الستة التى أسلمها النضال الشعبى المتواصل إلى الطلائع الثورية؛ التى جندها لخدمته من داخل الجيش، والطلائع الثورية التى تجاوبت معها تلقائياً، وطبيعياً من خارجه؛ لم تكن نظرية عمل ثورى كاملة، ولكنها كانت - فى تلك الظروف - دليلاً للعمل، يمثل عمق هذه الإرادة الثورية، ويلبى احتياجاتها، ويبرز تصميمها على بلوغ الشوط إلى مداه.. إن الشعب العظيم الذى كتب المبادئ الستة بدم شهدائه، وبنور الأمل الذى أعطوا حياتهم من أجله، والذى دفع بالطلائع الثورية من أبنائه داخل الجيش وخارجه إلى التصدى لمسئولية العمل الثورى؛ على هدى من هذه المبادئ الستة التى تسلمتها أمانة من كفاح الأجيال.. هذا الشعب العظيم مضى بعد ذلك فى تعميق نضاله، وفى توسيع مضمونه.. لقد كان هذا الشعب العظيم هو المعلم الأكبر الذى تحمل على عاتقه - فى أعقاب بدء العمل الثورى فى ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ - عمليتين تاريخيتين لهما آثارهما الضخمة.

إن هذا الشعب المعلم راح أولاً يطور المبادئ الستة، ويحركها بالتجربة والممارسة، وبالتفاعل الحى مع التاريخ القومى؛ تأثراً به وتأثيراً فيه، نحو برنامج تفصيلى يفتح طريق الثورة إلى أهدافها اللامتناهية، ثم إن هذا الشعب المعلم راح ثانياً يلقن طلائعه الثورية أسرار آماله الكبرى، ويربطها دائماً بهذه الآمال، ويوسع دائرتها بأن يمنحها مع كل يوم عناصر جديدة قادرة على المشاركة فى صنع مستقبله.

إن هذا الشعب العظيم لم يكتف بأن يقوم بدور المعلم لطلائعه الثورية؛ وإنما هو فوق ذلك أقام من وعيه حفاظاً عليها، يحميها من شرور الغير، ومن شرور النفس كذلك.

إن الشعب لم يكتف بأن يهزم كل محاولة من أعدائه للنيل من طلائعه الثورية، وإنما قاوم كل الانحرافات التى قد تأتى من النسيان أو الغرور، وظل دائماً يرشد طلائعه الثورية إلى طريق واجبها. إن إرادة الثورة لدى الشعب العربى المصرى، والصدق الذى سلحت نفسها به، حققت مقاييس جديدة للعمل الوطنى، لقد أكدت هذه الإرادة وصدقها أنه لا يمكن أن تقوم عوائق أو قيود على إمكانية التغيير؛ إلا احتياجات الجماهير ومطالبها العادلة. إن المنطق التقليدى فى مثل الظروف التى واجهها نضال الشعب المصرى كان يغرى بطريق المساومات والحلول الوسط، والتفكير الإصلاحى الصادر عن العطاء، والتبرع. لقد كان ذلك بالمنطق التقليدى هو الممكن الوحيد فى مواجهة السيطرة الخارجية المعتدية، والسيطرة الداخلية المستغلة، وفى غيبة تنظيم سياسى مستعد، وبدون نظرية كاملة للعمل؛ لكن إرادة الثورة فى الشعب المصرى وصدقها تحدت هذا المنطق التقليدى، وجابهته بتفجير طاقات مليئة بإمكانيات العمل المبدع الرائد.

إن يوم ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ كان موعد هذا التفجير الثورى، وفيه استطاع الشعب المصرى أن يعيد اكتشاف نفسه، وأن يفتح بصره على إمكانيات هائلة كامنة فيه. إن هذه الإمكانيات الهائلة حققت تجربة جديدة فى تاريخ الثورات، وإن السنوات التى مضت حتى الآن منذ يوم ٢٣ يوليو سنة ٥٢ سوف تثبت أنها ذخيرة قيمة بالنسبة لنضال شعوب كثيرة. إن هذه التجربة أثبتت أن الشعوب المغلوبة على أمرها قادرة على الثورة، وأكثر من ذلك أنها قادرة على الثورة الشاملة.

إن الشعب المصرى خاض خلال هذه التجربة غمار ثورات كثيرة، تشابكت معاركها وتداخلت مراحلها؛ ثم استطاع فى حقبة قصيرة من الزمان أن يقهر جميع أعداء ثوراته المتعددة، وأن يخرج بقوة اندفاع متزايدة إلى مرحلة الانطلاق نحو التقدم. إن الشعب المصرى فى نضاله ضد الاستعمار استطاع أن يشل فاعليات طبقات من المجتمع القديم؛ كانت قادرة على خداعه بالتظاهر باشتراكها معه فى ضرب الاستعمار، بينما هى فى الواقع متصلة فى مصالحها به.

إن حرب التحرير التى كان يمكن بالمفهوم التقليدى أن تحتاج إلى وحدة جميع الطبقات فى الوطن؛ حققت انتصارها فى الواقع حين حمت نفسها من أى ضربة خائنة فى الظهر.

إن الشعب المصرى خاض معركة التحرير ضد الاستعمار، ولم تخدعه المظاهر، وحرص طول المعركة على أن يعزل عن صفوفه كل الذين ترتبط مع الاستعمار مصالحهم فى مواصلة الاستغلال، وفى نفس الوقت فإن الشعب المصرى وهو يجابه الثورة من أجل التطوير، ويحاول تجميع المدخرات وتشجيعها، وتحريكها فى اتجاه التنمية؛ لم يغب عن باله أن الرأسمالية المحلية الكبيرة، استطاعت فى ظروف ثورات وطنية عديدة أن تحول نتائج الثورة إلى أرباح لها؛ لأنها بامتلاكها للمدخرات القادرة على العمل فى التنمية تستطيع أن تحتل لنفسها مواقع الاحتكار التى تحصل منها على كل فوائد هذه التنمية.

إن الشعب المصرى فى ثوريته الأصيلة ضرب جميع الاحتكارات المحلية، فى نفس الوقت التى تتصور أن حاجته إليها بسبب ضرورات التطوير ماسة وشديدة. إن هذه الثورية الأصيلة هى التى مكنت الشعب المصرى وهو يتجه بكل جهوده إلى الإنتاج أن يتأكد أولاً من سيطرته الكاملة على كل أدوات الإنتاج، وفى نفس الوقت أيضاً فإن الشعب المصرى إبان نضاله ضد الاستعمار.. كذلك إبان نضاله ضد محاولات الرأسمالية أن تستغل الاستقلال الوطنى لخدمة مصالحها؛ تحت ضغط احتياجات التنمية.. فى نفس هذا الوقت فإن الشعب المصرى رفض ديكتاتورية أى طبقة من الطبقات، وصمم على أن يكون تذويب الفوارق بين الطبقات هو طريقه إلى الديمقراطية الكاملة لجميع قوى الشعب العاملة، وفى نفس الوقت أيضاً فإن الشعب المصرى تحت ظروف هذه المعارك الثورية المتشابكة المتداخلة كان مصراً على أن يستخلص للمجتمع الجديد الذى يتطلع إليه علاقات اجتماعية جديدة؛ تقوم عليها قيم أخلاقية جديدة، وتعبر عنها ثقافة وطنية جديدة.

لقد عبر الشعب المصرى مراحل التطور بحيوية وشباب؛ مجتازاً المسافة الشاسعة من رواسب مجتمع إقطاعى بدأ فيه عصر الرأسمالية إلى المرحلة التى بدأ فيها التحول الاشتراكى بدون إراقة دماء.

إن هذه الصور من الثورة الشاملة تكاد فى الواقع أن تكون سلسلة من الثورات، وفى المنطق التقليدى حتى لحركات ذات طابع ثورى سبقت فى التاريخ؛ فإن هذه الثورات كان لابد لها أن تتم فى مراحل مستقلة، يستجمع الجهد الوطنى قواه بعد كل واحدة منها؛ ليواجه المرحلة التالية.. لكن العمل العظيم الذى تمكن الشعب المصرى من إنجازه بالثورة الشاملة، ذات الاتجاهات المتعددة؛ يصنع حتى بمقاييس الثورات العالمية تجربة ثورية جديدة.

إن هذا العمل العظيم تحقق بفضل عدة ضمانات تمكن النضال الشعبى من توفيرها:

أولاً: إرادة تغيير ثورى ترفض أى قيد أو حد إلا حقوق الجماهير ومطالبها.

ثانياً: طليعة ثورية مكنتها إرادة التغيير الثورى من سلطة الدولة؛ لتحويلها من خدمة المصالح القائمة إلى خدمة المصالح صاحبة الحق الطبيعى والشرعى؛ وهى مصالح الجماهير.

ثالثاً: وعى عميق بالتاريخ، وأثره على الإنسان المعاصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لقدرة هذا الإنسان بدوره على التأثير فى التاريخ.

رابعاً: فكر مفتوح لكل التجارب الإنسانية؛ يأخذ منها ويعطيها، لا يصدها عنه بالتعصب، ولا يصد نفسه عنها بالعقد.

خامساً: إيمان لا يتزعزع بالله وبرسله، ورسالاته القدسية التى بعثها بالحق والهدى إلى الإنسان فى كل زمان ومكان. وإن أعظم تقدير لنضال الشعب العربى فى مصر، ولتجربته الرائدة؛ هو الدور الذى استطاع أن يؤثر به فى حياة أمته العربية، وخارج حدود وطنه الصغير إلى آفاق وطنه الأكبر، إن تجربة الشعب المصرى أحدثت أصداءاً بعيدة المدى فى نضال أمته العربية. إن ثورة الشعب المصرى حركت احتمالات الثورة فى الأرض العربية كلها، وليس من شك أن هذه الحركة كانت أحد الدوافع القوية التى مكنت من النجاح الثورى فى مصر. إن الأصداء القوية التى أحدثتها ثورة الشعب المصرى فى الأفق العربى كله.. عادت إليه مرة أخرى على شكل قوة محركة تدفع نشاطه، وتمنحه شباباً متجدداً. إن ذلك التفاعل المتبادل يؤكد فى حد ذاته وحدة شعوب الأمة العربية؛ وإذا كانت التجربة الثورية الشاملة قد ألقيت مسئوليتها الأولى على الشعب العربى فى مصر؛ فإن تجاوب بقية شعوب الأمة العربية مع التجربة كان من الأسباب القوية التى مكنت الشعب المصرى أن ينتصر، وليس من شك أن الشعب المصرى مطالب اليوم بأن يجعل انتصاره فى خدمة قضية الثورة الشاملة فى بقية شعوب أمته العربية.

إن أصداء النصر الذى حققه الشعب العربى فى مصر لم تقتصر على آفاق المنطقة العربية؛ وإنما كانت للتجربة الجديدة الرائدة آثارها البعيدة على حركة التحرير فى إفريقيا، وفى آسيا، وفى أمريكا اللاتينية.

إن معركة السويس التى كانت إحدى الذرى البارزة فى التجربة الثورية المصرية لم تكن لحظة اكتشف فيها الشعب المصرى نفسه، أو اكتشفت فيها الأمة العربية إمكانياتها فقط، وإنما كانت هذه اللحظة عالمية الأثر، رأت فيها كل الشعوب المغلوبة على أمرها أن فى نفسها طاقات كامنة لا حدود لها، وأنها تقدر على الثورة، بل إن الثورة هى طريقها الوحيد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل فايز
عضو / ة
عضو / ة
وائل فايز


الساعة الأن :
عدد المساهمات : 311
نقاط : 877
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/09/2010

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة   كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Icon_minitime1السبت 08 أكتوبر 2011, 7:25 pm

البــاب الثـانى
فى ضرورة الثورة

لقد أثبتت التجربة، وهى مازالت تؤكد كل يوم، أن الثورة هى الطريق الوحيد الذى يستطيع النضال العربى أن يعبر عليه من الماضى إلى المستقبل، فالثورة هى الوسيلة الوحيدة التى تستطيع بها الأمة العربية أن تخلص نفسها من الأغلال التى كبلتها، ومن الرواسب التى أثقلت كاهلها؛ فإن عوامل القهر والاستغلال التى تحكمت فيها طويلاً، ونهبت ثرواتها، لن تستسلم بالرضا، وإنما لابد على القوى الوطنية أن تصرعها، وأن تحقق عليها انتصاراً حاسماً ونهائياً، والثورة هى الوسيلة الوحيدة لمغالبة التخلف الذى أرغمت عليه الأمة العربية؛ كنتيجة طبيعية للقهر والاستغلال؛ فإن وسائل العمل التقليدية لم تعد قادرة على أن تطوى مسافة التخلف الذى طال مداه بين الأمة العربية وبين غيرها من الأمم السابقة فى التقدم، ولابد والأمر كذلك من مواجهة جذرية للأمور؛ تكفل تعبئة جميع الطاقات المعنوية والمادية للأمة لتحمل هذه المسئولية.

والثورة بعد ذلك هى الوسيلة الوحيدة لمقابلة التحدى الكبير الذى ينتظر الأمة العربية، وغيرها من الأمم التى لم تستكمل نموها، ذلك التحدى الذى تسببه الاكتشافات العلمية الهائلة، التى تساعد على مضاعفة الفوارق ما بين التقدم والتخلف؛ فإنها بما توصلت إليه من المعارف تيسر للمتقدمين أن يكونوا أكثر تقدماً، وتفرض على الذين تخلفوا أن يكونوا بالنسبة إليهم أكثر تخلفاً؛ برغم كل ما قد يبذلونه من جهود طيبة لتعويض ما فاتهم.

إن الطريق الثورى هو الجسر الوحيد الذى تتمكن به الأمة العربية من الانتقال بين ما كانت فيه وبين ما تتطلع إليه.

والثورة العربية أداة النضال العربى الآن، وصورته المعاصرة تحتاج إلى أن تسلح نفسها بقدرات ثلاث تستطيع بواسطتها أن تصمد لمعركة المصير التى تخوض غمارها اليوم، وأن تنتزع النصر محققة أهدافها من جانب، ومحطمة جميع الأعداء الذين يعترضون طريقها من جانب آخر، وهذه القدرات الثلاث هى:

أولاً: الوعى القائم على الاقتناع العلمى؛ النابع من الفكر المستنير، والناتج من المناقشة الحرة التى تتمرد على سياط التعصب أو الإرهاب.

ثانياً: الحركة السريعة الطليقة التى تستجيب للظروف المتغيرة التى يجابهها النضال العربى؛ على أن تلتزم هذه الحركة بأهداف النضال وبمثله الأخلاقية.

ثالثاً: الوضوح فى رؤية الأهداف، ومتابعتها باستمرار، وتجنب الانسياق الانفعالى إلى الدروب الفرعية التى تبتعد بالنضال الوطنى عن طريقه، وتهدر جزءاً كبيراً من طاقته.

وإن الحاجة إلى هذه الأسلحة الثلاثة تستمد قيمها الحيوية من الظروف التى تعيشها التجربة الثورية العربية، وتباشر تحت تأثيراتها دورها فى توجيه التاريخ العربى.

إن الثورة العربية مطالبة اليوم بأن تشق طريقاً جديداً أمام أهداف النضال العربى. إن عهوداً طويلة من العذاب والأمل بلورت - فى نهاية المطاف - أهداف النضال العربى ظاهرة واضحة، صادقة فى تعبيرها عن الضمير الوطنى للأمة؛ وهى الحرية والاشتراكية والوحدة، بل إن طول المعاناة من أجل هذه الأهداف كاد أن يفصل مضمونها ويرسم حدودها.

لقد أصبحت الحرية الآن حرية الوطن وحرية المواطن، وأصبحت الاشتراكية وسيلة وغاية.. هى الكفاية، والعدل، وأصبح طريق الوحدة هو الدعوة الجماهيرية لعودة الأمر الطبيعى لأمة واحدة مزقها أعداؤها ضد إرادتها وضد مصالحها، والعمل السلمى من أجل تقريب يوم هذه الوحدة، ثم الإجماع على قبولها تتويجاً للدعوة والعمل معاً.

لقد كانت هذه الأهداف نداءات مستمرة للنضال العربى، ولكن الثورة العربية الآن تواجه مسئولية شق طريق جديداً أمام هذه الأهداف، والحاجة إلى طريق جديد لا تصدر عن رغبة فى التجديد لذاته، ولا تصدر بدافع الكرامة الوطنية، وإنما لأن الثورة العربية تواجه ظروفاً جديدة، ولابد لها فى مواجهة هذه الظروف الجديدة أن تجد الحلول الملائمة لها؛ ومن ثم فإن التجربة الثورية العربية لا تستطيع أن تنقل ما توصل إليه غيرها، ومع أن خصائص الشعوب، ومقومات الشخصية الوطنية؛ تفرض خلافاً فى منهاج كل منها لحل مشاكله، إلا أن الخلاف الأكبر هو ما تفرضه الظروف المتغيرة التى تسود العالم كله وتحكمه؛ خصوصاً هذه التغييرات البعيدة المدى التى طرأت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية من سنة ١٩٣٩ إلى ١٩٤٥، إن هذه الظروف تأتى بتغييرات شاملة وعميقة على الجو الذى يجرى فيه النضال الوطنى لكل الأمم، وليس معنى ذلك أن النضال الوطنى للشعوب، وللأمم مطالب اليوم بأن يخترع مفاهيم جديدة لأهدافه الكبرى؛ ولكن معناه أنه مطالب اليوم بأن يجد الأساليب المسايرة لاتجاه التطور العام، والمتفقة مع طبيعة العالم المتغير.

إن أبرز التغييرات التى طرأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يمكن تلخيصها فيما يلى:

أولاً: تعاظم قوة الحركات الوطنية فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ حتى استطاعت هذه الحركات أن تخوض معارك عديدة ومنتصرة ضد القوى الاستعمارية، ومن ثم أصبح لهذه الحركات الوطنية تأثير عالمى فعال.

ثانياً: ظهور المعسكر الشيوعى كقوة كبيرة يتزايد وزنها المادى والمعنوى يوماً بعد يوم فى مواجهة المعسكر الرأسمالى.

ثالثاً: التقدم العلمى الهائل الذى حقق طفرة فى وسائل الإنتاج؛ فتحت آفاقاً غير محدودة أمام محاولات التطوير، كما أنه حقق طفرة فى أسلحة الحرب؛ بلغت خطورتها إلى حد أنها أصبحت رادعاً يحول دون نشوبها؛ بسبب ما تقدر على إلحاقه من الأهوال بجميع الأطراف فى أى معركة، هذا فضلاً عن التغيير الأساسى المذهل الذى حققه هذا التقدم العلمى فى وسائل المواصلات؛ لدرجة أن تلاشت المسافات وسقطت الحواجز، التى كانت تفصل ما بين الأمم فعلياً وفكرياً.

رابعاً: نتائج هذا كله فى محيط العلاقات الدولية، وأهمها زيادة تأثير القوى المعنوية فى العالم؛ كالأمم المتحدة والدول غير المنحازة، وقوة الرأى العام العالمى، وفى نفس الوقت اضطرار الاستعمار تحت هذه الظروف إلى الاتجاه نحو وسائل العمل غير المباشر؛ عن طريق غزو الشعوب، والسيطرة عليها من الداخل، وعن طريق التكتلات الاقتصادية الاحتكارية، وعن طريق الحرب الباردة التى تدخل فى نطاقها محاولة تشكيك الأمم الصغيرة فى قدرتها على تطوير نفسها، وعلى الإسهام الإيجابى المتكافئ فى خدمة المجتمع الإنسانى.

إن هذه التغييرات الضخمة فى العالم تأتى معها بظروف جديدة تؤثر تأثيراً لا جدال فيه على العمل من أجل أهداف النضال الوطنى لكل الأمم؛ بما فى ذلك أهداف الأمة العربية، وإذا كانت أهداف النضال العربى هى الحرية والاشتراكية والوحدة؛ فإن التغييرات العالمية حملت تأثيرها إلى وسائل العمل من أجلها، بتفاعل هذه التغييرات العالمية مع إرادة الثورة الوطنية.. لم يعد أسلوب المصالحة مع الاستعمار ومساومته هو طريق الحرية؛ فإن الشعب العربى فى مصر تمكن من أن يحمل السلاح بنجاح فى بورسعيد؛ دفاعاً عن الحرية، واستطاع أن يحقق سنة ١٩٥٦ انتصاراً حاسماً مازالت تتردد أصداؤه.

كما تمكن الشعب العربى فى الجزائر من مواصلة الحرب المسلحة أكثر من سبع سنوات؛ إصراراً على الحرية؛ كذلك فإن العمل الاشتراكى لم يعد حتماً عليه أن يلتزم التزاماً حرفياً بقوانين جرت صياغتها فى القرن التاسع عشر.

إن تقدم وسائل الإنتاج، ونمو الحركات الوطنية والعمالية فى مواجهة سيطرة الاستعمار، والاحتكارات، وازدياد فرص السلام فى العالم بتأثير القوى المعنوية، وبتأثير ميزان الرعب الذرى فى نفس الوقت؛ يخلق ظروفاً جديدة أمام التجارب الاشتراكية تختلف تماماً عن الظروف السابقة، بل إنها تستوجب هذا الاختلاف وتحتمه كضرورة؛ والأمر كذلك فى تجربة الوحدة، فإن النماذج السابقة لها فى القرن التاسع عشر، وأبرزها تجربة الوحدة الألمانية، وتجربة الوحدة الإيطالية، لم تعد تقبل التكرار.

وإن اشتراط الدعوة السلمية واشتراط الإجماع الشعبى ليسا مجرد تمسك بأسلوب مثالى فى العمل الوطنى، وإنما هو فوق كل ذلك ومعه ضرورة لازمة للحفاظ على الوحدة الوطنية للشعوب العربية فى ظروف العمل من أجل الوحدة القومية للأمة العربية كلها، وضد أعدائها الذين مازالت قواعدهم على الأرض العربية ذاتها؛ سواء أكانت هذه القواعد فى قصور الرجعية المتعاونة مع الاستعمار لضمان مصالحها، أو كانت فى مستعمرات الحركة العنصرية الصهيونية التى يستخدمها الاستعمار مراكز للتهديد العسكرى.

والثورة العربية وهى تواجه هذا العالم لابد لها أن تواجهه بفكر جديد لا يحبس نفسه فى نظريات مغلقة؛ يقيد بها طاقته، وإن كان فى نفس الوقت لا ينعزل عن التجارب الغنية التى حصلت عليها الشعوب المناضلة بكفاحها. إن التجارب الاجتماعية لا تعيش فى عزلة عن بعضها، وإنما التجارب الاجتماعية كجزء من الحضارة الإنسانية تعيش بالانتقال الخصب وبالتفاعل الخلاق. إن مشعل الحضارة انتقل من بلد إلى بلد، لكنه فى كل بلد جديد كان يحصل على زيت جديد يقوى به ضوءه على امتداد الزمان، وكذلك التجارب الاجتماعية.. إنها قابلة للانتقال، لكنها ليست قابلة لمجرد النقل، قابلة للدراسة المفيدة، لكنها ليست قابلة لمجرد الحفظ عن طريق التكرار، وهذه أولى مسئوليات القيادات الشعبية الثورية للأمة العربية، ومعنى ذلك أن هذا العمل الثورى الطليعى لابد أن تتحمل القسط الأكبر منه القيادات الشعبية الثورية فى الجمهورية العربية المتحدة؛ التى فرضت عليها الظروف الطبيعية والتاريخية مسئولية أن تكون الدولة النواة فى طلب الحرية والاشتراكية والوحدة للأمة العربية.

إن هذه القيادات الشعبية مطالبة الآن أن تتأمل تاريخها، وأن تنظر إلى واقع عالمها، ثم تقدم على صنع مستقبلها واقفة فى ثبات على أرضها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل فايز
عضو / ة
عضو / ة
وائل فايز


الساعة الأن :
عدد المساهمات : 311
نقاط : 877
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/09/2010

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة   كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Icon_minitime1السبت 08 أكتوبر 2011, 7:32 pm

البــاب الثـالـث
جذور النضال المصرى

منذ زمان بعيد فى الماضى لم تكن هناك سدود بين بلاد المنطقة التى تعيش فيها الأمة العربية الآن، وكانت تيارات التاريخ التى تهب عليها واحدة؛ كما كانت مساهمتها الإيجابية فى التأثير على هذا التاريخ مشتركة، ومصر بالذات لم تعش حياتها فى عزلة عن المنطقة المحيطة بها، بل كانت دائماً بالوعى - وباللاوعى فى بعض الأحيان - تؤثر فيما حولها، وتتأثر به كما يتفاعل الجزء مع الكل، وتلك حقيقة ثابتة تظهرها دراسة التاريخ الفرعونى صانع الحضارة المصرية والإنسانية الأولى، كما تؤكدها بعد ذلك وقائع عصور السيطرة الرومانية والإغريقية.

وكان الفتح الإسلامى ضوءاً أبرز هذه الحقيقة، وأنار معالمها، وصنع لها ثوباً جديداً من الفكر والوجدان الروحى، وفى إطار التاريخ الإسلامى، وعلى هدى من رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - قام الشعب المصرى بأعظم الأدوار دفاعاً عن الحضارة والإنسانية، وقبل أن ينزل ظلام الغزو العثمانى على المنطقة بأسرها كان شعب مصر قد تحمل ببسالة منقطعة النظير مسئوليات حاسمة لصالح المنطقة كلها؛ كان قد تحمل المسئولية المادية والعسكرية فى صد أول موجات الاستعمار الأوروبى التى جاءت متسترة وراء صليب المسيح؛ وهى أبعد ما تكون عن دعوة هذا المعلم العظيم، وكان قد تحمل المسئولية المادية والعسكرية فى رد غزوات التتار، الذين اجتاحوا سهول الشرق واجتازوا جباله؛ حاملين الخراب معهم والدمار، ثم كان قد تحمل المسئولية الأدبية فى حفظ التراث الحضارى العربى وذخائره الحافلة، وجعل من أزهره الشريف حصناً للمقاومة ضد عوامل الضعف والتفتت؛ التى فرضتها الخلافة العثمانية استعماراً ورجعية باسم الدين، والدين منها براء.

ولم تكن الحملة الفرنسية على مصر - مع مطلع القرن التاسع عشر - هى التى صنعت اليقظة المصرية فى ذلك الوقت، كما يقول بعض المؤرخين؛ فإن الحملة الفرنسية حينما جاءت إلى مصر وجدت الأزهر يموج بتيارات جديدة تتعدى جدرانه إلى الحياة فى مصر كلها؛ كما وجدت أن الشعب المصرى يرفض الاستعمار العثمانى المقنع باسم الخلافة، والذى كان يفرض عليه - دونما مبرر حقيقى - تصادماً بين الإيمان الدينى الأصيل فى هذا الشعب، وبين إرادة الحياة التى ترفض الاستبداد.. ولقد وجدت هذه الحملة مقاومة عنيفة لسيطرة المماليك، وتمرداً مستمراً على محاولاتهم لفرض الظلم على الشعب المصرى، وبرغم أن هذه المقاومة العنيفة والتمرد المستمر قد كلفا شعب مصر غالياً فى ثروته الوطنية وفى حيويته؛ فإن الشعب المصرى كان صامداً ثابت الإيمان. على أن الحملة الفرنسية جاءت معها بزاد جديد لطاقة الشعب الثورية فى مصر ذلك الوقت؛ جاءت ومعها لمحات من العلوم الحديثة التى طورتها الحضارة الأوروبية، بعد أن أخذتها من غيرها من الحضارات؛ والحضارة الفرعونية والعربية فى مقدمتها؛ كذلك جاءت معها بالأساتذة الكبار الذين قاموا بدراسة أحوال مصر والكشف عن أسرار تاريخها القديم، وكان هذا الزاد يحمل فى طياته ثقة بالنفس، كما كان يحمل آفاقاً جديدة تشد خيال الحركة المتحفزة للشعب المصرى. ولقد كانت هذه اليقظة الشعبية هى القوة الدافعة وراء عهد محمد على، وإذا كان هناك شبه إجماع على أن محمد على هو مؤسس الدولة الحديثة فى مصر؛ فإن المأساة فى هذا العهد هى أن محمد على لم يؤمن بالحركة الشعبية التى مهدت له حكم مصر، إلا بوصفها نقطة وثوب إلى مطامعه، ولقد ساق مصر وراءه إلى مغامرات عقيمة استهدفت مصالح الفرد؛ متجاهلة مصالح الشعب.

إن اليابان الحديثة بدأت تقدمها فى نفس هذا الوقت الذى بدأت فيه حركة اليقظة المصرية، وبينما استطاع التقدم اليابانى أن يمضى ثابت الخطى؛ فإن المغامرات الفردية عرقلت حركة اليقظة المصرية، وأصابتها بنكسة ألحقت بها أفدح الأضرار. إن هذه النكسة فتحت الباب للتدخل الأجنبى فى مصر على مصراعيه، بينما كان الشعب قبلها قد رد - بتصميم ونجاح - محاولات غزو متوالية، كانت أقربها فى ذلك الوقت حملة "فريزر" ضد رشيد.

ومن سوء الحظ أن النكسة وقعت فى مرحلة هامة من مراحل تطور الاستعمار؛ فإن الاستعمار كان قد تطور فى ذلك الوقت من مجرد احتلال المستعمرات واستنزاف مواردها إلى مرحلة الاحتكارات المالية لاستثمار رءوس الأموال المنهوبة من المستعمرات، وكانت النكسة فى مصر باباً مفتوحاً لقوى السيطرة العالمية. وبدأت الاحتكارات المالية الدولية دورها الخطير فى مصر، وركزت نشاطها فى اتجاهين واضحين، هما: حفر قناة السويس، وتحويل أرض مصر إلى حقل كبير لزراعة القطن؛ لتعويض الصناعة البريطانية عن أقطان أمريكا التى قل ورودها إلى بريطانيا بسبب انتهاء سيطرتها على أمريكا، ثم انقطع وصولها تماماً بسبب ظروف الحرب الأهلية الأمريكية، ولقد عاشت مصر فى هذه الفترة تجربة مروعة؛ استنزفت فيها كل إمكانيات الثروة الوطنية لصالح القوى الأجنبية، ولمصلحة عدد من المغامرين الأجانب؛ الذين تمكنوا من السيطرة على أمراء أسرة محمد على، وساعدهم على ذلك فداحة النكسة التى أصيبت بها حركة اليقظة المصرية.

على أن روح هذا الشعب لم تستسلم، وإنما استطاعت تحت المحن العصيبة فى هذه الفترة أن تختزن طاقات تحفزت لإطلاقها فى اللحظة المناسبة، وكانت هذه الطاقة هى العلم الذى حصل عليه آلاف من شباب مصر الرواد ممن أرسلوا - أيام الصحوة التى سبقت النكسة من حكم محمد على - إلى أوروبا ليتمكنوا من العلم الحديث؛ فإن هؤلاء استطاعوا بعد عودتهم إلى الوطن أن يجلبوا معهم بذوراً صالحة، ما لبثت التربة الثورية الخصبة لمصر أن احتضنتها؛ لتخرج منها بشائر نبت ثقافى جديد راح ينشر ألواناً رائعة من الأزهار على ضفاف النيل الخالد، وليس صدفة أن هذه الزهور المتفتحة على ضفاف وادى النيل كانت بمثابة الومضات اللامعة التى لفتت أنظار العناصر المتطلعة إلى التقدم فى المنطقة كلها نحو مصر، وجعلت منها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر منبراً للفكر العربى كله، ومسرحاً لفنونه، وملتقى لكل الثوار العرب من وراء الحدود المصطنعة والموهومة، ولقد أحست الاحتكارات الاستعمارية الطامعة فى المنطقة بالأمل الجديد يستجمع قواه ويتحفز، وكانت بريطانيا بالذات لا تحول أنظارها عن مصر؛ بحكم اهتمامها بالطريق إلى الهند، ومن ثم ألقت بثقلها كله فى المعركة الثورية التى لاحت مقدماتها بين القوى الشعبية وبين أسرة محمد على الدخيلة المغامرة، وكانت ثورة عرابى هى قمة رد الفعل الثورى ضد النكسة، وكان الاحتلال البريطانى العسكرى لمصر سنة ١٨٨٢؛ ضماناً لمصالح الاحتكارات المالية الأجنبية وتأييداً لسلطة الخديوى ضد الشعب، هو التعبير عن إرادة الاستعمار فى استمرار بقاء النكسة، ومواصلة القهر والاستغلال ضد شعب مصر.

إن قوة الاحتلال البريطانى العسكرية، ومؤامرات المصالح الاحتكارية الاستعمارية، والإقطاع الذى أقامته أسرة محمد على باحتكارها للأرض أو اقتسام جزء منها بين أصدقائها أو أصدقاء المستغلين الأجانب.. ذلك كله لم يستطع أن يطفئ شعلة الثورة على الأرض المصرية.

إن وادى النيل لم تنقطع فيه أصوات النداءات الثورية.. فى مواجهة هذا الإرهاب المتحكم؛ الذى تسنده قوى الاحتلال الأجنبى، والمصالح الدولية الاستعمارية.

إن أصداء المدافع التى ضربت الإسكندرية، وأصداء القتال الباسل الذى طعن من الخلف فى التل الكبير؛ لم تكد تخفت حتى انطلقت أصوات جديدة تعبر عن إرادة الحياة التى لا تموت لهذا الشعب الباسل، وعن حركة اليقظة التى لم تقهرها المصائب والمصاعب.

لقد سكت أحمد عرابى لكن صوت مصطفى كامل بدأ يجلجل فى آفاق مصر. ومن عجب أن هذه الفترة التى ظن فيها الاستعمار والمتعاونون معه أنها فترة الخمود كانت من أخصب الفترات فى تاريخ مصر؛ بحثاً فى أعماق النفس، وتجميعاً لطاقات الانطلاق من جديد.

لقد ارتفع صوت محمد عبده فى هذه الفترة ينادى بالإصلاح الدينى.

وارتفع صوت لطفى السيد ينادى بأن تكون مصر للمصريين.

وارتفع صوت قاسم أمين ينادى بتحرير المرأة.

وكانت تلك كلها مقدمة موجة ثورية جديدة؛ ما لبثت أن تفجرت سنة ١٩١٩ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وبعد خيبة الأمل فى الوعود البراقة التى قطعها الحلفاء على أنفسهم خلال الحرب، وفى مقدمتها وعود "ويلسون" الذى ما لبث هو نفسه أن تنكر لها واعترف بالحماية البريطانية على مصر. وركب سعد زغلول قمة الموجة الثورية الجديدة؛ يقود النضال الشعبى العنيد الذى وجهت إليه الضربات المتلاحقة أكثر من مائة عام متواصلة، دون أن يستسلم أو ينهزم.

إن ثورة الشعب المصرى سنة ١٩١٩ تستحق الدراسة الطويلة؛ فإن الأسباب التى أدت إلى فشلها هى نفس الأسباب التى حركت حوافز الثورة فى سنة ١٩٥٢.

إن هناك ثلاثة أسباب واضحة أدت إلى فشل هذه الثورة، ولابد من تقييمها فى هذه المرحلة تقييماً أميناً ومنصفاً.

أولاً: إن القيادات الثورية أغفلت إغفالاً يكاد أن يكون تاماً مطالب التغيير الاجتماعى؛ على أن تبرير ذلك واضح فى طبيعة المرحلة التاريخية التى جعلت من طبقة ملاك الأراضى أساساً للأحزاب السياسية التى تصدت لقيادة الثورة، ومع أن اندفاع الشعب إلى الثورة كان واضحاً فى مفهومه الاجتماعى إلا أن قيادات الثورة لم تتنبه لذلك بوعى؛ حتى لقد ساد تحليل خاطئ فى هذه الظروف ردده بعض المؤرخين؛ مؤداه أن الشعب المصرى ينفرد عن بقية شعوب العالم بأنه لا يثور إلا فى حالة الرخاء. ولقد استدلوا على ذلك بأن الثورة وقعت فى ظروف الرخاء الذى صاحب ارتفاع أسعار القطن فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وذلك استدلال سطحى؛ فإن هذا الرخاء كان محصوراً فى طبقة ملاك الأراضى، وطبقة التجار والمصدرين الأجانب، الذين استفادوا من ارتفاع الأسعار؛ وبذلك زاد التناقض بينهم وبين الكادحين من الفلاحين، الذين كانوا يروون حقول القطن بعرقهم ودمائهم؛ دون أن تتغير أحوالهم بارتفاع أسعاره، وكان هذا الحرمان فى القاعدة بتناقضه مع الرخاء فى القمة من أسباب الاحتكاك الذى أشعل شرارة الثورة.

إن المحرومين كانوا هم وقود الثورة وضحاياها، لكن القيادات التى تصدت فى مقدمة الموجه الثورية سنة ١٩١٩، بإغفالها للجوانب الاجتماعية من محركات الانفجار الثورى لم تستطع أن تتبين بوضوح أن الثورة لا تحقق غاياتها بالنسبة للشعب إلا إذا مدت اندفاعها إلى ما بعد المواجهة السياسية الظاهرة من طلب الاستقلال؛ ووصلت إلى أعماق المشكلة الاقتصادية والاجتماعية. ولقد كانت الدعوة إلى تمصير بعض أوجه النشاط المالى هى قصارى الجهد فى ذلك الوقت، فى حين أن الدعوة إلى إعادة توزيع الثروة الوطنية أصلاً وأساساً كانت هى المطلب الحيوى الذى يتحتم البدء فيه من غير تأخير أو إبطاء.

ثانياً: إن القيادات الثورية فى ذلك الوقت لم تستطع أن تمد بصرها عبر سيناء، وعجزت عن تحديد الشخصية المصرية، ولم تستطع أن تستشف - من خلال التاريخ - أنه ليس هناك صدام على الإطلاق بين الوطنية المصرية وبين القومية العربية.

لقد فشلت هذه القيادات فى أن تتعلم من التاريخ، وفشلت أيضاً فى أن تتعلم من عدوها الذى تحاربه، والذى كان يعامل الأمة العربية كلها على اختلاف شعوبها طبقاً لمخطط واحد.

ومن هنا فإن قيادات الثورة لم تنتبه إلى خطورة وعد "بلفور" الذى أنشأ إسرائيل لتكون فاصلاً يمزق امتداد الأرض العربية، وقاعدة لتهديدها؛ وبهذا الفشل فإن النضال العربى فى ساعة من أخطر ساعات الأزمة حرم من الطاقة الثورية المصرية، وتمكنت القوى الاستعمارية من أن تتعامل مع أمة عربية ممزقة الأوصال مفتتة الجهد.

واختصت إدارة الهند البريطانية بالتعامل مع شبه الجزيرة العربية ومع العراق، وانفردت فرنسا بسوريا ولبنان، بل وصل الهوان بالأمة العربية فى ذلك الوقت إلى حد أن جواسيس الاستعمار تصدروا قيادة حركات ثورية عربية، وكانت بأمرهم وبمشورتهم تقام العروش للذين خانوا النضال العربى، وانحرفوا عن أهدافه.

كل هذا والحركة الثورية الوطنية فى مصر تتصور أن هذه الأحداث لا تعنيها، وأنها لا ترتبط مصيرياً بكل هذه التطورات الخطيرة.

ثالثاً: إن القيادات الثورية لم تستطع أن تلائم بين أساليب نضالها وبين الأساليب التى واجه الاستعمار بها ثورات الشعوب فى ذلك الوقت.

إن الاستعمار اكتشف أن القوة العسكرية تزيد ثورات الشعوب اشتعالاً؛ ومن ثم انتقل من السيف إلى الخديعة، وقدم تنازلات شكلية لم تلبث القيادات الثورية أن خلطت بينها وبين الجوهر الحقيقى، وكان منطق الأوضاع الطبقية يزين لها هذا الخلط.

إن الاستعمار فى هذه الفترة أعطى من الاستقلال اسمه وسلب مضمونه، ومنح من الحرية شعارها واغتصب حقيقتها.

وهكذا انتهت الثورة بإعلان استقلال لا مضمون له، وبحريه جريحة تحت حراب الاحتلال، وزادت المضاعفات خطورة بسبب الحكم الذاتى الذى منحه الاستعمار، والذى أوقع الوطن باسم الدستور فى محنة الخلاف على الغنائم دون نصر.

وكانت النتيجة أن أصبح الصراع الحزبى فى مصر ملهاة تشغل الناس، وتحرق الطاقة الثورية فى هباء لا نتيجة له. وكانت معاهدة سنة ١٩٣٦ التى عقدت بين مصر وبريطانيا، والتى اشتركت فى توقيعها جبهة وطنية تضم كل الأحزاب السياسية العاملة فى ذلك الوقت؛ بمثابة صك الاستسلام للخديعة الكبرى الذى وقعت فيها ثورة سنة ١٩١٩، فقد كانت مقدمتها تنص على استقلال مصر؛ بينما صلبها فى كل عبارة من عباراته يسلب هذا الاستقلال كل قيمة له وكل معنى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل فايز
عضو / ة
عضو / ة
وائل فايز


الساعة الأن :
عدد المساهمات : 311
نقاط : 877
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/09/2010

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة   كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Icon_minitime1السبت 08 أكتوبر 2011, 7:34 pm

البــاب الـرابـع
درس النكسة

لقد كانت فترة الخطر الحقيقى على نضال الشعب المصرى الطويل؛ هى هذه الفترة الحافلة بالخديعة، ما بين انتكاسة سنة ١٩١٩ إلى حين تنبهت القوى الشعبية للخطر الذى يتهددها من منطق المساومة والاستسلام؛ ومن ثم بدأ التأهب النفسى لثورة يوليو سنة ١٩٥٢.

إن هذه الفترة كانت قادرة؛ لولا صلابة الشعب، ومعدنه الأصيل، أن تحمل البلاد إلى حالة من اليأس، تخنق كل حوافز الرغبة فى التغيير، أو تلحق بها الشلل الذى يمنعها من الحركة.

إن هذه الفترة التى يمكن أن ننظر إليها الآن باعتبارها فترة الأزمة الكبرى كانت حافلة بالواجهات المضللة التى تخفى وراءها الأطلال المتهاوية من بقايا ثورة سنة ١٩١٩.

لقد كانت القيادات الباقية من ذكريات الثورة مازالت واقفة فى المقدمة، ولكن هذه القيادات فقدت كل طاقاتها الثورية، وأسلمت كل الشعارات التى رفعها الشعب سنة ١٩١٩ إلى كبار ملاك الأرض الذين كانوا دعامة التنظيمات الحزبية القائمة، وأشركوا فيها بعض الانتهازيين الذين اجتذبتهم عملية تقسيم الغنائم بعد انتكاسة الثورة، ولقد ظهرت فى هذا الجو فئات طفيلية.. لقد استطاع هذا الانحراف أن يجذب إلى الجو الحزبى الفاسد جماعات من المثقفين كان فى قدرتهم أن يكونوا حراساً على أمانى الثورة الحقيقية، لكن الإغراء كان أقوى من مقاومتهم.

كذلك استطاع هذا الانحراف أن يمهد لفئة من الرأسماليين ورثوا - فى حقيقة الأمر - نفس دور المغامرين الأجانب فى القرن التاسع عشر، بكل سطحيته التى لا تهتم بتطوير الوطن ذاته قدر اهتمامها باستغلال أكبر جزء من ثروته، ونزحها فى أقل وقت ممكن.

ثم انتهى المطاف بهذه الأحزاب جميعاً إلى الحد الذى دفعها للارتماء فى أحضان القصر تارة، وفى أحضان الاستعمار تارة أخرى. وفى الواقع كان القصر والاستعمار بحكم مصالحهما فى صف واحد؛ وإن بدت الخلافات السطحية بينهما فى بعض الظروف، لكن الحقيقة الكبرى أن كليهما كان يقف فى الصف المعادى لمصالح الشعب، والمضاد لاتجاه التقدم.

إن سلطة الشعب كانت خطراً على أوضاعهما الدخيلة، واتجاه التقدم كان محققاً أن يجرفهما معاً إلى نفس المصير، وفى ذلك الوقت أيضاً كانت هناك واجهة ديمقراطية مضللة؛ استعانت بها الفلول المنهزمة من ثورة ١٩١٩ لتخدع بها الشعب عن حقيقة مطالبه.
إن الديمقراطية بالطريقة التى جرت بها ممارستها فى مصر تلك الفترة كانت ملهاة مهينة. إن الشعب لم يعد صاحب السلطة؛ وإنما أصبح الشعب أداة فى يد السلطة، أو بمعنى أصح ضحية لها. ولم تعد أصوات الجماهير هى التى تقرر خط السير الوطنى؛ وإنما أصبحت أصوات الجماهير تساق وفقاً لإرادة السلطات الحاكمة وأصدقائها.

ولقد كان ذلك نتيجة طبيعية لإغفال الجانب الاجتماعى من أسباب ثورة الشعب سنة ١٩. إن الذى يحتكر رزق الفلاحين والعمال، ويسيطر عليه؛ يقدر بالتبعية أن يحتكر أصواتهم، وأن يسيطر عليهم، ويملى فوقهم إرادته.

إن حرية رغيف الخبز ضمان لابد منه لحرية تذكرة الانتخابات. إن هذه الأزمة العنيفة فتحت أمام سلطات الأسرة المالكة أبواباً جاهد النضال الشعبى طويلاً لكى يسدها، لكن انتكاسة الثورة شجعت الأسرة المالكة على تجاوز كل الحدود، وفى جو الأزمة لم يعد الدستور، الذى رضيت به القيادات الثورية منحة من الدخيل ومنة؛ إلا مجرد قصاصة ورق بهتت عليها الحقوق الشكلية التى كانت قد ألقيت للشعب لينشغل بها ويتلهى.

ولقد استسلمت القيادات التى تصدت للنضال الشعبى أمام سلطة القصر المتزايدة؛ بسبب ضعفها المتزايد، وركعت جميعاً تلتمس الرضا الذى يصل بها إلى مقاعد الحكم، وتخلت بذلك عن الشعب، وأهدرت كل قيمة له؛ ناسية بذلك أنها تتخلى طواعية عن مصدر قوتها الوحيد، ومنبعها الأصلى، وانتهى الأمر إلى حد أنهم هانوا على الشيطان الذين باعوه أرواحهم، فوصل بهم الهوان إلى حد أن تغيير الوزارات أصبح له ثمن معلوم يدفع للقصر ولوسطائه. إن القيادات الوطنية حين تخلع جذورها من التربة الشعبية تحكم على نفسها بالذبول وبالموت.

ولسوف يبقى الوطن زماناً طويلاً يشعر فى حلقه بمرارة الذل الذى أحسه فى هذه الفترة المتأزمة؛ من جراء استهانة الاستعمار بنضاله استهانة فاقت كل حدود الاحتمال البشرى.

إن الثورة على الاستعمار حق طبيعى لكل الشعوب المستعمرة، لكن الكراهية المرة التى يشعر بها شعبنا تجاه المستعمرين، والتى مازال يشعر بها حتى الآن رغم بعد أسبابها؛ تستمد مبرراتها من هذه الفترة.

إن الاستعمار فى هذه الفترة لم يكتف بإرهاب شعوب الأمة العربية كلها؛ وإنما استهان بنضالها وبحقها فى الحياة.

إن الاستعمار تنكر لكل عهوده التى قطعها على نفسه خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت الأمة العربية تتصور أنها قريبة من يوم الاستقلال ويوم الوحدة.

إن الأمل فى الاستقلال تلقى ضربات قاسية؛ فإن البلاد العربية قسمت بين الدول الاستعمارية وفق مطامعها، بل وفق نزواتها، واخترع ساسة الاستعمار كلمات مهينة لتغطية الجريمة التى أقدموا عليها ككلمات الانتداب، والوصاية.

إن قطعة من الأرض العربية فى فلسطين قد أعطيت من غير سند من الطبيعة أو التاريخ لحركة عنصرية عدوانية؛ أرادها المستعمر لتكون سوطاً فى يده؛ يلهب به ظهر النضال العربى إذا استطاع يوماً أن يتخلص من المهانة، وأن يخرج من الأزمة الطاحنة كما أرادها المستعمر فاصلاً يعوق امتداد الأرض العربية، ويحجز المشرق عن المغرب، ثم أرادها عملية امتصاص مستمرة للجهد الذاتى للأمة العربية؛ تشغلها عن حركة البناء الإيجابى.

إن ذلك كله تم بطريقة تحمل طابعاً استفزازياً؛ لا تقيم وزناً لوجود الأمة العربية أو لكرامتها. إن سخرية القدر من الأمة العربية وصلت إلى حد أن جيوشها التى دخلت فلسطين لتحافظ على الحق العربى فيها؛ كانت تحت القيادة العليا لأحد العملاء الذين اشتراهم الاستعمار بالثمن البخس، بل إن العمليات العسكرية تحت هذه القيادة العليا كانت فى يد ضابط إنجليزى؛ يتلقى أوامره من نفس الساسة الذين أعطوا للحركة الصهيونية وعد "بلفور"؛ الذى قامت على أساسه الدولة اليهودية فى فلسطين.

إن سنوات طويلة سوف تمضى قبل أن تنسى الأمة العربية مرارة التجربة التى عاشتها فى هذه الفترة، محصورة بين الإرهاب والإهانة. إن الأمة العربية خرجت من هذه التجربة بإصرار عميق على كراهية الاستعمار وعلى هزيمته.. إنها خرجت بدرس عظيم الفائدة عن حقيقة أن الاستعمار ليس مجرد نهب لموارد الشعوب؛ وإنما هو عدوان على كرامتها وعلى كبريائها.

إن الشعب المصرى بدأ يتأهب لاستئناف دوره التاريخى؛ حتى قبل أن تنتهى الحرب العالمية الثانية، وقبل أن تنزاح الأشباح الكئيبة لدبابات الاحتلال عن مدنه الكبرى.

ولقد عبر الشعب المصرى عن نفسه؛ برفضه العنيد أن يشترك فى الحرب التى لم تكن فى نظره إلا صراعاً على المستعمرات والأسواق، بين العنصرية النازية وبين الاستعمار البريطانى - الفرنسى؛ جرت على البشرية كلها ويلات لا حدود لها من القتل بالجملة والدمار الشامل.

لقد رفض الشعب المصرى كل الشعارات التى رفعها المتحاربون أعلاماً فوق رءوسهم ليخدعوا بها الشعوب، وسحب الشعب المصرى كله البقايا الباقية من تأييده للذين تعاونوا مع سلطة الاحتلال؛ طمعاً فى مكاسب السوق السوداء التى فرضتها الحرب وظلالها القاتمة، وعمت الشباب المصرى موجة من السخط والغضب على كل الذين مدوا أيديهم للاحتلال وقبلوا وجوده. ولقد ترددت فى مصر ذلك الوقت أصداء طلقات الرصاص، وتجاوبت أصداء انفجارات القنابل، وكثرت التنظيمات السرية بمختلف اتجاهاتها وأساليبها، ولم تكن تلك هى الثورة؛ وإنما كان ذلك هو التمهيد لها.. كانت تلك هى مرحلة الغضب التى تمهد لاحتمالات الثورة.

إن الغضب مرحلة سلبية. إن الثورة عمل إيجابى يستهدف إقامة أوضاع جديدة. إن غضب الشعب المصرى الممهد للتغيير بدأ يجاوز النطاق الفردى إلى النطاق الجماعى. إن ثورات الفلاحين ضد استبداد الإقطاع وصلت إلى حد الاشتباك المسلح بين الذين ثاروا على عبودية الأرض وبين سادة الأرض المتحكمين فيها، وفى أقدار الذين ارتبطت حياتهم بها منذ أقدم العصور؛ وإن كانوا منذ أقدم العصور قد حرموا منها. وحريق القاهرة مهما يكن وراءه من تدبير المدبرين كان يمكن إطفاؤه لكن ثورة السخط الشعبى زادته اشتعالاً. إن الفئة المتحكمة فى العاصمة لم تكن تشعر باحتياجات الشعب، وكانت غارقة فى حياتها المترفة؛ لا تشعر بعذاب الجوع أو آلامه.

إن شرار الغضب أشعل من الحرائق فى القاهرة أكثر مما أشعلت يد التدبير الخفية التى بدأت عملية الحريق.

إن الجماهير فى القرية وفى المدينة كانت قد عبرت بما فيه الكفاية عن إرادتها الحقيقية مع مطلع السنة الحاسمة فى تاريخ مصر؛ سنة ١٩٥٢.

إن أعظم ما فى ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ أن القوات التى خرجت من الجيش لتنفيذها لم تكن هى صانعة الثورة؛ وإنما كانت أداة شعبية لها.

لقد كانت المهمة الكبرى للطلائع الثورية التى تحركت فى الجيش تلك الليلة الخالدة؛ هى أنها استولت على الأمور فيه، واختارت له المكان الذى لا مكان له غيره، وهو جانب النضال الشعبى. إنها قامت بعملية تصحيح للأوضاع بالغة الأهمية والخطر فى تلك الظروف؛ متحدية بذلك إرادة كل القوى الحاكمة التى أرادت عزل الجيش عن النضال الشعبى.

إن الثورة تفجرت تلك الليلة العظيمة من انضمام الجيش إلى مكانه الطبيعى تحت قيادة الشعب وفى خدمة أمانيه.

إن الجيش فى تلك الليلة أعلن ولاءه للنضال الشعبى، ومن ثم فتح الطريق أمام إرادة التغيير. إن انضمام الجيش إلى النضال الشعبى صنع أثرين هائلين فى نفس الليلة؛ لقد سلب قوى الاستغلال الداخلى أداتها التى كانت تهدد بها ثورة الشعب؛ كذلك فإنه سلح النضال الشعبى فى مواجهة قوى السيطرة الأجنبية المحتلة بدرع من الصلب قادر أن يصد عنه ضربات الخيانة والغدر.

إن الثورة لم تحدث ليلة ٢٣ يوليو؛ ولكن الطريق إليها قد فتح على مصراعيه تلك الليلة العظيمة، ولقد أثبت الوعى الثورى فى مصر قدرته على تحمل المسئولية الكبرى التى ألقتها تطورات الظروف عليه.

إن الوعى الثورى استمد من حسه الوطنى الصافى قدرته على الرؤية الواضحة البعيدة المدى؛ وبذلك أمكن اجتياز العقبات التى كان يمكن أن تعترض طريق التغيير الثورى فى مثل ظروف التجربة التى عاشتها مصر تلك الأيام.

لقد كان يمكن أن يتحول الحدث الكبير الذى جرى ليلة ٢٣ يوليو إلى مجرد تغيير للوزارة القائمة أو لنظام الحكم، وكان يمكن أن يتحول من ناحية أخرى إلى ديكتاتورية عسكرية تضيف إلى التجارب الفاشية تجربة أخرى فاشلة؛ لكن أصالة الوعى الثورى وقوته سيطرت على اتجاهات الأمور، ومنحت جميع العناصر الوطنية إدراكاً لدورها فى توجيه النضال الوطنى.

إن أصالة هذا الوعى وقوته هى التى فرضت أن يكون الحدث الكبير ليلة ٢٣ يوليو خطوة على طريق تغيير جذرى شامل؛ يعيد الأمانى الوطنية إلى مجراها الثورى السليم الذى ضاع منها بسبب انتكاسة ثورة سنة ١٩١٩؛ كما أن أصالة هذا الوعى وقوته هى التى رفضت تماماً كل احتمالات قيام ديكتاتورية عسكرية، ووضعت القوى الشعبية - وفى طليعتها قوى الفلاحين والعمال - موضع القيادة الفعلية.

كذلك ففى هذه الفترة الدقيقة تمرد الوعى الثورى الأصيل على منطق دعاة الإصلاح، واختار طريق الثورة الشاملة. إن احتياجات الوطن لم تكن تكتفى بترميم البناء القديم المتداعى وصلبه بالقوائم تسنده وإعادة طلائه؛ وإنما كانت احتياجات الوطن تتطلب بناءاً جديداً ثابت الأساس، صلباً، شامخاً.

ولقد كانت أكبر حجة ضد منطق دعاة الإصلاح أن البناء القديم انهار أنقاضاً وركاماً فى مواجهة التجربة الجديدة. إن سقوط النظام الذى كان سائداً قبل الثورة هذا السقوط الكامل السريع كان يقطع بعدم جدوى محاولات الترميم، لكن سقوط النظام القديم لم يكن هدف التطلع الثورى. إن التطلع الثورى بكل آماله ومثله العليا يهتم بالبناء الجديد أكثر من اهتمامه بالأنقاض التى تداعت.

إن الباب الذى انفتح على مصراعيه ليلة ٢٣ يوليو ظل مفتوحاً لفترة طويلة؛ قبل أن يدخل منه التغيير الحتمى الذى طال انتظاره.

لقد كانت هناك أنقاض النظام القديم وحطامه تسد الطريق، كما كانت هناك رواسب متعفنة من مطامعه البالية المهزومة، وفى نفس الوقت فإن القيادات السياسية التى كانت تتصدر الحياة العامة سقطت كلها تحت أنقاض النظام القديم؛ الذى شاركت فيه جميعها فى انحرافاتها عن الأهداف الأصلية التى كان يجب التزامها فى ثورة سنة ١٩.

لقد كانت جميعها شريكة فى سياسة ساوم واستسلم التى صاحبت فترة الأزمة؛ فطبعتها بهذا الطابع المهين، وكانت الأوضاع الطبقية قد أبعدت عناصر كثيرة صالحة للقيادة الفكرية عن صفوف القوى الشعبية المتطلعة للثورة والمطالبة بها. وفى نفس الوقت فإن الطلائع الثورية التى صنعت أحداث ليلة ٢٣ يوليو لم تكن قد أعدت نفسها لتتحمل مسئولية التغيير الثورى الذى تصدت لمقدماته.

لقد فتحت الباب للثورة تحت راية المبادئ الستة المشهورة؛ ولكن هذه المبادئ كانت أعلاماً للثورة وليست أسلوب عمل ثورى ومنهاج تغيير جذرى، ولقد كان الأمر من الصعوبة بمكان؛ خصوصاً فى جو التغيير العالمى البعيد المدى والعظيم الأثر، لكن الشعب المعلم صانع الحضارة راح يلقن طلائعه أسرار آماله الكبرى، ومضى يحرك المبادئ الستة بالتجربة والخطأ؛ نحو وضوح فكرى يصنع التصميم الهندسى لبناء المجتمع الجديد الذى يريده، وراح الشعب الكادح يكدس مواد البناء، ويكتل جميع القوى الثورية القادرة على الإسهام فيه من صفوف الجماهير الواسعة.

إن الشعب المعلم أراد لطلائعه الثورية أن تنضم إلى صفوف العمل الجماهيرى، وأوكل إلى جيشه الوطنى مهمة حماية عملية البناء، ثم راح يشرف بوعى وجدارة على التحول الرائد الخلاق نحو الاشتراكية الديمقراطية التعاونية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل فايز
عضو / ة
عضو / ة
وائل فايز


الساعة الأن :
عدد المساهمات : 311
نقاط : 877
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/09/2010

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة   كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة Icon_minitime1السبت 08 أكتوبر 2011, 8:11 pm

البــاب الخـامـس
عن الديمقراطية السليمة

إن الثورة بالطبيعة عمل شعبى وتقدمى؛ إنها حركة شعب بأسره يستجمع قواه ليقوم باقتحام عنيد لكل العوائق والموانع التى تعترض طريق حياته كما يتصورها، وكما يريدها؛ كما أنها قفزة عبر مسافة التخلف الاقتصادى والاجتماعى؛ تعويضاً لما فات، ووصولاً إلى الآمال الكبرى؛ التى تبدو خلال المثل الأعلى لما يريده للأجيال القادمة منه.

من هنا فإن العمل الثورى الصادق لا يمكن بغير سمتين أساسيتين:

أولاهما: شعبيته.

والثانية: تقدميته.

إن الثورة ليست عمل فرد؛ وإلا كانت انفعالاً شخصياً يائساً ضد مجتمع بحاله. والثورة ليست عمل فئة واحدة؛ وإلا كانت تصادماً مع الأغلبية، وإنما قيمة الثورة الحقيقية بمدى شعبيتها، بمدى ما تعبر به عن الجماهير الواسعة، وبمدى ما تعبئه من قوى هذه الجماهير لإعادة صنع المستقبل، وبمدى ما يمكن أن توفره لهذه الجماهير من قدرة على فرض إرادتها على الحياة.. والثورة تقدم بالطبيعة.

إن الجماهير لا تطالب بالتغيير ولا تسعى إليه وتفرضه لمجرد التغيير نفسه خلاصاً من الملل؛ وإنما تطلبه وتسعى إليه وتفرضه تحقيقاً لحياة أفضل، تحاول بها أن ترتفع بواقعها إلى مستوى أمانيها.

إن التقدم هو غاية الثورة، والتخلف المادى والاجتماعى هو المفجر الحقيقى لإرادة التغيير، والانتقال بكل قوة وتصميم مما كان قائماً بالفعل إلى ما ينبغى أن يقوم بالأمل.

إن الديمقراطية هى الترجمة الصحيحة لكون الثورة عملاً شعبياً. إن الديمقراطية هى توكيد السيادة للشعب، ووضع السلطة كلها فى يده، وتكريسها لتحقيق أهدافه؛ كذلك فإن الاشتراكية هى الترجمة الصحيحة لكون الثورة عملاً تقدمياً.. فإن الاشتراكية هى إقامة مجتمع الكفاية والعدل، مجتمع العمل وتكافؤ الفرصة، مجتمع الإنتاج ومجتمع الخدمات.

إن الديمقراطية والاشتراكية من هذا التصور تصبحان امتداداً واحداً للعمل الثورى. إن الديمقراطية هى الحرية السياسية، والاشتراكية هى الحرية الاجتماعية، ولا يمكن الفصل بين الاثنين.. إنهما جناحا الحرية الحقيقية وبدونهما أو بدون أى منهما لا تستطيع الحرية أن تحلق إلى آفاق الغد المرتقب.

إن عمق الوعى الثورى للشعب المصرى، ووضوح الرؤية أمامه بفعل الصدق مع النفس؛ قد مكنه غداة النصر العظيم فى معركة السويس من أن يحسن تقدير موقفه.

إن الشعب المصرى استطاع وسط مهرجان النصر العظيم أن يدرك أنه لم يحصل على الحرية فى معركة السويس؛ وإنما هو فى معركة السويس استخلص إرادته لكى يصنع بها الحرية ثورياً.

إن المعركة المجيدة مكنته من أن يكتشف قدراته وإمكانياته؛ وبالتالى أن يوجه هذه القدرات والإمكانيات ثورياً لتحقيق الحرية.

إن النصر ضد الاستعمار بالنسبة لهذا الشعب العظيم لم يكن نهاية المطاف؛ وإنما كان بداية العمل الحقيقى، وكان مجرد مركز أكثر ملاءمة لمواصلة الحرب من أجل الحرية الحقيقية، وضمانها مزدهرة على أرضه إلى الأبد.

إن السؤال الذى طرح نفسه تلقائياً غداة النصر العظيم فى السويس؛ هو لمن هذه الإرادة الحرة التى استخلصها الشعب المصرى من قلب المعركة الرهيبة؟ وكان الرد التاريخى الذى لا رد غيره؛ هو أن هذه الإرادة لا يمكن أن تكون لغير الشعب، ولا يمكن أن تعمل لغير تحقيق أهدافه.

إن الشعوب لا تستخلص إرادتها من قبضة الغاصب لكى تضعها فى متاحف التاريخ؛ وإنما تستخلص الشعوب إرادتها وتدعمها بكل طاقاتها الوطنية لتجعل منها السلطة القادرة على تحقيق مطالبها.

إن هذه المرحلة من النضال هى أخطر المراحل فى تجارب الأمم.. إنها النقطة التى انتكست بعدها حركات شعبية كانت تبشر بالأمل فى نتائج باهرة، ولكنها نسيت نفسها بعد أول انتصار لها ضد الضغط الخارجى، وتوهمت خطأً أن أهدافها الثورية تحققت؛ ومن ثم تركت الواقع كما هو دون تغيير.. ناسية أن عناصر الاستغلال الداخلى متصلة عن قرب مع قوى الضغط الخارجى؛ فإن الصلة بينهما والتعاون تفرضهما ظروف تبادل المنافع والمصالح على حساب الجماهير.

إن هذه الحركات الشعبية تسلم نفسها بعد ذلك للواجهات الدستورية المخادعة، وتتصور بذلك أن الحرية استوفت حقوقها، لكن هذه الحركات الشعبية تكشف دائماً - وبعد فوات الأوان فى كثير من الأحيان - أنها بقصورها عن التغيير الثورى فى معناه الاقتصادى سلبت الحرية السياسية ضمانها الحقيقى، ولم تترك لنفسها منها غير مجرد واجهة هشة؛ لا تلبث أن تتحطم وتنهار بفعل التناقض بينها وبين الحقيقة الوطنية.

كذلك ففى هذه المرحلة الخطيرة من النضال الوطنى تنتكس حركات شعبية أخرى؛ حين تنهج للتغيير الداخلى نظريات لا تنبع من التجربة الوطنية.

إن التسليم بوجود قوانين طبيعية للعمل الاجتماعى، ليس معناه القبول بالنظريات الجاهزة، والاستغناء بها عن التجربة الوطنية. إن الحلول الحقيقية لمشاكل أى شعب لا يمكن استيرادها من تجارب شعوب غيره، ولا تملك أى حركة شعبية فى تصديها لمسئولية العمل الاجتماعى أن تستغنى عن التجربة. إن التجربة الوطنية لا تفترض مقدماً بتخطئة جميع النظريات السابقة عليها، أو تقطع برفض الحلول التى توصل إليها غيرها؛ فإن ذلك تعصب لا تقدر أن تتحمل تبعاته؛ خصوصاً وأن إرادة التغيير الاجتماعى فى بداية ممارستها لمسئولياتها تجتاز فترة أشبه بالمراهقة الفكرية؛ تحتاج خلالها إلى كل زاد فكرى، لكنها فى حاجة إلى أن تهضم كل زاد تحصل عليه، وأن تمزجه بالعصارات الناتجة من خلاياها الحية.

إنها تحتاج إلى معرفة بما يجرى من حولها لكن حاجتها الكبرى هى إلى ممارسة الحياة على أرضها، وإن تجربة الصواب والخطأ هى فى حياة الأمم كشأنها فى حياة الأفراد؛ طريق النضوج والوضوح.

ومن ثم فإن الحرية السياسية؛ أى الديمقراطية، ليست هى نقل واجهات دستورية شكلية، كذلك فإن الحرية الاجتماعية؛ أى الاشتراكية، ليست التزاماً بنظريات جامدة لم تخرج من صميم الممارسة والتجربة الوطنية.

إن مصر وقعت بعد الحركة الشعبية الثورية سنة ١٩١٩ فى الخديعة الكبرى للديمقراطية المزيفة، واستسلمت القيادات الثورية - بعد أول اعتراف من الاستعمار باستقلال مصر - إلى ديمقراطية الواجهات الدستورية التى لا تحتوى على أى مضمون اقتصادى.

إن ذلك لم يكن ضربة شديدة ضد الحرية فى صورتها الاجتماعية فقط؛ وإنما ما لبثت الضربة أن وصلت إلى هذه الواجهة السياسية الخارجية ذاتها؛ فإن الاستعمار لم يقم وزناً لكلمة الاستقلال المكتوبة على الورق، ولم يتورع عن تمزيقها فى أى وقت وفقاً لمصالحه.. إن ذلك كان أمراً طبيعياً.

إن واجهة الديمقراطية المزيفة لم تكن تمثل إلا ديمقراطية الرجعية؛ والرجعية ليست على استعداد لأن تقطع صلتها بالاستعمار، أو توقف تعاونها معه؛ ولذلك فلقد كان المنطق الطبيعى - بصرف النظر عن الواجهات الخارجية المزيفة - أن نجد الوزارات فى عهد ديمقراطية الرجعية، وفى ظل ما كان يسمى بالاستقلال الوطنى؛ لا تستطيع أن تعمل إلا بوحى من ممثل الاستعمار الرسمى فى مصر، بل إنها فى بعض الأحيان لم توجد إلا بمشورته وبأمره، بل وصل الحال فى إحدى المرات أنها جاءت إلى الحكم بدباباته.

إن ذلك كله يمزق القناع عن الواجهة المزيفة، ويفضح الخديعة الكبرى فى ديمقراطية الرجعية، ويؤكد عن يقين أنه لا معنى للديمقراطية السياسية، أو للحرية فى صورتها السياسية، من غير الديمقراطية الاقتصادية أو الحرية فى صورتها الاجتماعية.

إنه من الحقائق البديهية التى لا تقبل الجدل أن النظام السياسى فى بلد من البلدان ليس إلا انعكاساً مباشراً للأوضاع الاقتصادية السائدة فيه، وتعبيراً دقيقاً للمصالح المتحكمة فى هذه الأوضاع الاقتصادية، فإذا كان الإقطاع هو القوة الاقتصادية التى تسود بلداً من البلدان؛ فمن المحقق أن الحرية السياسية فى هذا البلد لا يمكن أن تكون غير حرية الإقطاع إنه يتحكم فى المصالح الاقتصادية، ويملى الشكل السياسى للدولة ويفرضه خدمة لمصالحه؛ وكذلك الحال عندما تكون القوة الاقتصادية لرأس المال المستغل.

ولقد كانت القوة الاقتصادية فى مصر قبل الثورة فى يد تحالف بين الإقطاع وبين رأس المال المستغل، وكان محتماً أن تكون الأشكال السياسية بما فيها الأحزاب تعبيراً عن هذه القوة، وواجهة ظاهرة لهذا التحالف بين الإقطاع وبين رأس المال المستغل.

إنه مما يلفت النظر أن بعض الأحزاب فى تلك الظروف؛ لم تتورع عن أن ترفع - من غير مواربة - شعار أن الحكم يجب أن يكون لأصحاب المصالح الحقيقية، ولما كان الإقطاع ورأس المال المستغل هما أصحاب المصالح الحقيقية فى البلاد وقتها؛ فلقد كان هذا الشعار أكثر من اعتراف ضمنى بالمهزلة التى فرضتها القوى المسيطرة على الشعب المصرى باسم الديمقراطية.

إن هذا الشعار - على أى حال - مهما بلغت درجة الإيلام فيه؛ كان اعترافاً صريحاً وصادقاً بالحقيقة المرة. إن سيادة الإقطاع المتحالف مع رأس المال المستغل على اقتصاديات الوطن؛ كانت لابد أن تمكن لهما طبيعياً وحتمياً من السيطرة على العمل السياسى فيه، وعلى أشكاله، وعلى ضمان توجيهها لخدمة التحالف بينهما على حساب الجماهير، وإخضاع هذه الجماهير بالخديعة أو بالإرهاب حتى تقبل أو تستسلم.

إن الديمقراطية على هذا الأساس لم تكن إلا ديكتاتورية الرجعية. إن فقدان الحرية الاجتماعية لجماهير الشعب سلب كل قيمة لشكل الحرية السياسية التى كانت تفضلت بها عليها الرجعية المتحكمة؛ حتى لقد صدر دستور سنة ١٩٢٣ منحة من الملك ومنة منه وتفضلاً. إن البرلمان الذى أقامه هذا الدستور لم يكن حامياً لمصالح الشعب؛ وإنما كان بالطبيعة حارساً للمصالح التى منحت هذا الدستور. وليس من شك أن أصواتاً كثيرة ارتفعت داخل البرلمان تنادى بحقوق الشعب، ولكن هذه النداءات تبددت هباء دون تأثير حقيقى، بل إن الرجعية لم يكن يضيرها أن تفتح متنفساً للسخط الشعبى؛ مادامت تملك جميع صمامات التوجيه، ومادامت بيدها - تحت كل الظروف - أغلبيتها التى تمكن لديكتاتوريتها الطبقية وتحمى امتيازاتها.

إن حق التصويت فقد قيمته حين فقد اتصاله المؤكد بالحق فى لقمة العيش. إن حرية التصويت من غير حرية لقمة العيش وضمانها فقدت كل قيمة فيها، وأصبحت خديعة مضللة للشعب. تحت هذه الظروف أصبح حق التصويت أمام ثلاثة احتمالات ليس لها بديل:

فى الريف.. كان التصويت إجباراً للفلاح لا يقبل المناقشة، فلم يكن يملك إلا أن يعطى صوته للإقطاعى صاحب الأرض، أو وفق مشيئته، أو يواجه تبعات العصيان؛ وأولاهما: أن يطرد من الأرض التى يعمل فيها بما لا يكاد أن يكفى لسد جوعه.

فى الريف والمدينة كان شراء الأصوات يمكن رأس المال المستغل من أن يأتى بأعوانه، أو بمن يضمن ولاءهم لمصالحه.

فى الريف والمدينة لم تتورع المصالح الحاكمة فى عديد من الظروف أن تلجأ إلى التزوير المكشوف إذا ما أحست بوجود تيارات متعارضة مع إرادتها.

وكانت الشروط التى تجرى تحتها عمليات الانتخاب، وفى مقدمتها اشتراط تأمين نقدى باهظ، تصد جماهير الشعب العامل حتى عن مجرد الاقتراب من لعبة الانتخابات، ولم تكن إلا لعبة فى تلك الظروف.

وفى نفس الوقت فإن الجهل الذى فرض على الأغلبية العظمى من الشعب، تحت ضغط الفقر؛ جعل من سرية الاقتراع - وهى أولى الضمانات لحريته - أمراً مستحيلاً أو شبه مستحيل.

إن حرية التنظيم الشعبى التى تسند حرية التمثيل الشعبى فقدت هى الأخرى - بتأثير هذه الظروف - فاعليتها، وعجزت عن التأثير إيجابياً على الأوضاع المفروضة داخل الوطن.

إن ملايين الفلاحين حتى من ملاك الأرض الصغار طحنتهم الإقطاعيات الكبيرة لسادة الأرض المتحكمين فى مصيرها، ولم يتمكنوا على الإطلاق من تنظيم أنفسهم داخل تعاونيات تمكنهم من المحافظة على إنتاجية أراضيهم. وبالتالى تعطيهم القدرة على الصمود وعلى إسماع صوتهم للأجهزة المحلية؛ فضلاً عن قصور الحكم فى العاصمة؛ كذلك فإن الملايين من العمال الزراعيين عاشوا فى ظروف أقرب ما تكون إلى السخرة؛ تحت مستوى من الأجور يهبط كثيراً ليقرب من حد الجوع؛ كما أن عملهم كان يجرى من غير أى ضمان للمستقبل، ولم يكن فى طاقتهم إلا أن يعيشوا سنوات حياتهم خلال بؤس الساعات وقسوتها الرهيبة.

كذلك فإن مئات الألوف من عمال الصناعة والتجارة لم تكن فى قدرتهم أية طاقة على تحدى إرادة الرأسمالية المتحكمة؛ المتحالفة مع الإقطاع، والمسيطرة على جهاز الدولة وعلى سلطة التشريع، وأصبح العمل سلعة من السلع فى عملية الإنتاج، يشتريها رأس المال المستغل تحت أحسن الشروط موافقة لمصالحه. ولقد واجهت الحركة النقابية التى كان فى يدها قيادة هذه الطبقة المناضلة من العمال صعوبات شديدة، حاولت عرقلة طريقها كما حاولت إفسادها.

إن حرية النقد ضاعت فى هذه الفترة بضياع حرية الصحافة، ولم يكن الأمر هو مجرد القوانين الصارمة التى وقفت بالمرصاد لحرية النشر، وفرضت بالتشريع محظورات ترتفع على النقد، وتوسعت فى هذه المحظورات إلى حد كاد أن يجعل الظلام دامساً وشاملاً. وإنما طبيعة التقدم الآلى فى مهنة الصحافة نفسها أحدثت أثراً لا يقل فى ضرره عما أحدثته قوانين القمع والكبت.

لقد كان من أثر التقدم الآلى فى مهنة الصحافة، واحتياجاتها المتزايدة إلى الآلات الحديثة، وإلى الكميات الهائلة من الورق؛ أن تحولت هذه المهنة العظيمة من كونها عملية رأى إلى أن أصبحت عملية رأسمالية معقدة.

إن الصحافة فى هذه الفترة - ومع هذا التطور - لم تكن قادرة على الحياة إلا إذا ساندتها الأحزاب الحاكمة؛ الممثلة لمصالح الإقطاع ورأس المال، أو إذا اعتمدت اعتماداً كلياً على رأس المال المستغل الذى كان يملك الإعلان بحكم ملكيته للصناعة والتجارة.

إن سلطة الدولة والتشريع استعملت أولاً فى إخضاع الصحافة للمصالح الحاكمة؛ وذلك عن طريق قوانين النشر الظالمة، وعن طريق الرقابة التى وقفت سداً حائلاً دون الحقيقة؛ كذلك تزايد الخطر على ما تبقى من حرية الصحافة ثانياً بتزايد احتياجات المهنة نفسها لمعدات التقدم الآلى.. ولم يعد فى قدرتها إلا أن تخضع لإرادة رأس المال المستغل، وأن تتلقى منه وليس من جماهير الشعب وحيها، واتجاهاتها السياسية والاجتماعية.

إن حرية العلم التى كان فى مقدورها أن تفتح طاقات جديدة للأمل؛ تعرضت هى الأخرى لنفس العبث تحت حكم الديمقراطية الرجعية؛ فإن الرجعية الحاكمة كان لابد لها أن تطمئن إلى سيطرة المفاهيم المعبرة عن مصالحها؛ ومن ثم انعكست آثار ذلك على نظم العلم ومناهجه، وأصبحت لا تسمح إلا بشعارات الاستسلام والخضوع.

إن أجيالاً متعاقبة من شباب مصر لقنت أن بلادها لا تصلح للصناعة، ولا تقدر عليها. إن أجيالاً متعاقبة من شباب مصر قرأت تاريخها الوطنى على غير حقيقته، وصور لها الأبطال فى تاريخها تائهين وراء سحب من الشك والغموض؛ بينما وضعت هالات التمجيد والإكبار من حول الذين خانوا كفاحها. إن أجيالاً متعاقبة من شباب مصر انتظمت فى سلك المدارس والجامعات، والهدف من التعليم كله لا يزيد عن إخراج موظفين يعملون للأنظمة القائمة، وتحت قوانينها ولوائحها التى لا تأبه بمصالح الشعب؛ دون أى وعى لضرورة تغييرها من جذورها، وتمزيقها أصلاً وأساساً.

إن تحالف الإقطاع والرجعية الحاكمة لم يكتف بذلك كله، وإنما باشر ضغطه على جماعات كثيرة من المثقفين؛ كان فى استطاعتها أن تكون ضمن الطلائع الثائرة؛ فكسر مقاومتها، وفرض عليها إما أن تستسلم لإغراء ما يلقيه إليها من فتات الامتيازات الطبقية، وإما أن تذهب إلى الانزواء والنسيان.

إن عمق الوعى الثورى، وأصالة إرادة الثورة للشعب المصرى؛ قد فضحت التزييف المروع فى ديمقراطية الرجعية التى حكمت باسم التحالف بين الإقطاع وبين رأس المال المستغل.

إن عمق الوعى وأصالة إرادة الثورة وضعا بنجاح شعار الديمقراطية السليمة ضمن المبادئ الستة، ورسماً من الواقع وبالتجربة، وتطلعا إلى الأمل؛ معالم ديمقراطية الشعب.. ديمقراطية الشعب العامل كله.

أولاً: إن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية الاجتماعية. إن المواطن لا تكون له حرية التصويت فى الانتخابات إلا إذا توفرت له ضمانات ثلاث:

١- أن يتحرر من الاستغلال فى جميع صوره.

٢- أن تكون له الفرصة المتكافئة فى نصيب عادل من الثروة الوطنية.

٣- أن يتخلص من كل قلق يبدد أمن المستقبل فى حياته.

بهذه الضمانات الثلاث يملك المواطن حريته السياسية، ويقدر أن يشارك بصوته فى تشكيل سلطة الدولة التى يرتضى حكمها.

ثانياً: إن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تتحقق فى ظل سيطرة طبقة من الطبقات. إن الديمقراطية حتى بمعناها الحرفى هى سلطة الشعب؛ سلطة مجموع الشعب وسيادته، والصراع الحتمى والطبيعى بين الطبقات لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وإنما ينبغى أن يكون حله سلمياً فى إطار الوحدة الوطنية، وعن طريق تذويب الفوارق بين الطبقات. ولقد أثبتت التجربة التى صاحبت بدء العمل الثورى المنظم أنه من المحتم أن تأخذ الثورة على عاتقها تصفية الرجعية، وتجريدها من جميع أسلحتها، ومنعها من أى محاولة للعودة إلى السيطرة على الحكم، وتسخير جهاز الدولة لخدمة مصالحها.

إن ضراوة الصراع الطبقى ودمويته، والأخطار الهائلة التى يمكن أن تحدث نتيجة لذلك؛ هى فى الواقع من صنع الرجعية التى لا تريد التنازل عن احتكاراتها، وعن مراكزها الممتازة التى تواصل منها استغلال الجماهير.

إن الرجعية تملك وسائل المقاومة؛ تملك سلطة الدولة، فإذا انتزعت منها لجأت إلى سلطة المال، فإذا انتزع منها لجأت إلى حليفها الطبيعى وهو الاستعمار.

إن الرجعية تتصادم فى مصالحها مع مصالح مجموع الشعب؛ بحكم احتكارها لثروته؛ ولهذا فإن سلمية الصراع الطبقى لا يمكن أن تتحقق إلا بتجريد الرجعية - أولاً وقبل كل شىء - من جميع أسلحتها.

إن إزالة هذا التصادم يفتح الطريق للحلول السلمية أمام صراع الطبقات. إن إزالة التصادم لا يزيل المتناقضات بين بقية طبقات الشعب، وإنما هو يفتح المجال لإمكانية حلها سلمياً؛ أى بوسائل العمل الديمقراطى، بينما بقاء التصادم لا يمكن أن يحل بغير الحرب الأهلية، وما تلحقه من أضرار بالوطن؛ فى ظروف يشتد فيها الصراع الدولى، وتعنف فيها عواصف الحرب الباردة.

إن تحالف الرجعية ورأس المال المستغل يجب أن يسقط، ولابد أن ينفسح المجال بعد ذلك ديمقراطياً للتفاعل الديمقراطى بين قوى الشعب العاملة؛ الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية.

إن تحالف هذه القوى الممثلة للشعب العامل، هو البديل الشرعى لتحالف الإقطاع مع رأس المال المستغل، وهو القادر على إحلال الديمقراطية السليمة محل ديمقراطية الرجعية.

ثالثاً: إن الوحدة الوطنية التى يصنعها تحالف هذه القوى الممثلة للشعب هى التى تستطيع أن تقيم الاتحاد الاشتراكى العربى؛ ليكون السلطة الممثلة للشعب، والدافعة لإمكانيات الثورة، والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة.

إن هذه القوى الشعبية الهائلة المكونة للاتحاد الاشتراكى العربى وإطلاق فعالياتها تحتم أن يتعرض الدستور الجديد للجمهورية العربية المتحدة - عند بحثه لشكل التنظيم السياسى للدولة - لعدة ضمانات لازمة.

١- إن التنظيمات الشعبية والسياسية التى تقوم بالانتخاب الحر المباشر لابد لها أن تمثل بحق وبعدل القوى المكونة للأغلبية؛ وهى القوى التى طال استغلالها، والتى هى صاحبة مصلحة عميقة فى الثورة؛ كما أنها بالطبيعة الوعاء الذى يختزن طاقات ثورية دافعة وعميقة بفعل معاناتها للحرمان.

إن ذلك - فضلاً عما فيه من حق وعدل باعتباره تمثيلاً للأغلبية - ضمان أكيد لقوة الدفع الثورى نابعة من مصادرها الطبيعية الأصيلة؛ ومن هنا فإن الدستور الجديد يجب أن يضمن للفلاحين والعمال نصف مقاعد التنظيمات الشعبية والسياسية على جميع مستوياتها، بما فيها المجلس النيابى؛ باعتبارهم أغلبية الشعب؛ كما أنها الأغلبية التى طال حرمانها من حقها الأساسى فى صنع مستقبلها وتوجيهه.

٢- إن سلطة المجالس الشعبية المنتخبة يجب أن تتأكد باستمرار فوق سلطة أجهزة الدولة التنفيذية؛ فذلك هو الوضع الطبيعى الذى ينظم سيادة الشعب، ثم هو الكفيل بأن يظل الشعب دائماً قائد العمل الوطنى، كما أنه الضمان الذى يحمى قوة الاندفاع الثورى من أن تتجمد فى تعقيدات الأجهزة الإدارية أو التنفيذية؛ بفعل الإهمال أو الانحراف.

كذلك فإن الحكم المحلى يجب أن ينقل باستمرار وبإلحاح سلطة الدولة تدريجياً إلى أيدى السلطات الشعبية؛ فإنها أقدر على الإحساس بمشاكل الشعب، وأقدر على حسمها.

٣- إن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسى جديد داخل إطار الاتحاد الاشتراكى العربى؛ يجند العناصر الصالحة للقيادة، وينظم جهودها ويبلور الحوافز الثورية للجماهير، ويتحسس احتياجاتها، ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات.

٤- إن جماعية القيادة أمر لابد من ضمانه فى مرحلة الانطلاق الثورى. إن جماعية القيادة ليست عاصماً من جموح الفرد فحسب، وإنما هى تأكيد للديمقراطية على أعلى المستويات؛ كما أنها فى الوقت ذاته ضمان للاستمرار الدائم المتجدد.

رابعاً: إن التنظيمات الشعبية؛ وخصوصاً التنظيمات التعاونية والنقابية، تستطيع أن تقوم بدور مؤثر وفعال فى التمكين للديمقراطية السليمة.

إن هذه التنظيمات لابد أن تكون قوى متقدمة فى ميادين العمل الوطنى الديمقراطى، وإن نمو الحركة التعاونية والنقابية معين لا ينضب للقيادات الواعية التى تلمس بأصابعها مباشرة أعصاب الجماهير، وتشعر بقوة نبضها، ولقد سقط الضغط الذى كان يخنق حرية هذه المنظمات ويشل حركتها.

إن تعاونيات الفلاحين - فضلاً عن دورها الإنتاجى - هى منظمات ديمقراطية قادرة على التعرف على مشاكل الفلاحين، وعلى استكشاف حلولها؛ وكذلك فلقد آن الوقت لكى تقوم نقابات للعمال الزراعيين.

إن نقابات عمال الصناعة والتجارة والخدمات قد توصلت بقوانين يوليو العظيمة إلى مركز طليعى فى قيادة النضال الوطنى.

إن العمال لم يصبحوا سلعة فى عملية الإنتاج، وإنما أصبحت قوى العمل مالكة لعمليات الإنتاج ذاتها، شريكة فى إدارتها.. شريكة فى أرباحها تحت أوفى الأجور، وأحسن الشروط من ناحية تحديد ساعات العمل.

خامساً: إن النقد والنقد الذاتى من أهم الضمانات للحرية، ولقد كان أخطر ما يعرقل حرية النقد والنقد الذاتى فى المنظمات السياسية هو تسلل العناصر الرجعية إليها.

كذلك لقد كانت سيطرة الرجعية على الصحافة؛ بحكم سيطرتها على المصالح الاقتصادية، تسلب حرية الرأى أعظم أدواتها. إن استبعاد الرجعية يسقط ديكتاتورية الطبقة الواحدة، ويفتح الطريق أمام ديمقراطية جميع قوى الشعب الوطنية.

إنه يعطى أوثق الضمانات لحرية الاجتماع، وحرية المناقشة؛ كذلك فإن ملكية الشعب للصحافة؛ التى تحققت بفضل قانون تنظيم الصحافة؛ الذى أكد لها فى نفس الوقت استقلالها عن الأجهزة الإدارية للحكم؛ قد انتزع للشعب أعظم أدوات حرية الرأى، ومكن أقوى الضمانات لقدرتها على النقد.

إن الصحافة بملكية الاتحاد الاشتراكى العربى لها.. هذا الاتحاد الممثل لقوى الشعب العاملة؛ قد خلصت من تأثير الطبقة الواحدة الحاكمة؛ كذلك خلصت من تحكم رأس المال فيها، ومن الرقابة غير المنظورة التى كان يفرضها عليها بقوة تحكمه فى مواردها.

إن الضمان المحقق لحرية الصحافة هى أن تكون الصحافة للشعب؛ لتكون حريتها بدورها امتداداً لحرية الشعب.

سادساً: إن المفاهيم الثورية الجديدة للديمقراطية السليمة، لابد لها أن تفرض نفسها على الحدود التى تؤثر فى تكوين المواطن؛ وفى مقدمتها التعليم والقوانين واللوائح الإدارية.

إن التعليم لم تعد غايته إخراج موظفين للعمل فى مكاتب الحكومة؛ ومن هنا فإن مناهج التعليم فى جميع الفروع ينبغى أن تعاد دراستها ثورياً؛ لكى يكون هدفها هو تمكين الإنسان الفرد من القدرة على إعادة تشكيل الحياة.

كذلك فإن القوانين لابد أن تعاد صياغتها لتخدم العلاقات الاجتماعية الجديدة التى تقيمها الديمقراطية السياسية؛ تعبيراً عن الديمقراطية الاجتماعية.

كذلك فإن العدل الذى هو حق مقدس لكل مواطن فرد؛ لا يمكن أن يكون سلعه غالية وبعيدة المنال على المواطن. إن العدل لابد أن يصل إلى كل فرد حر، ولابد أن يصل إليه من غير موانع مادية أو تعقيدات إدارية؛ كذلك فإن اللوائح الحكومية يجب أن تتغير تغييراً جذرياً من الأعماق، لقد وضعت كلها أو معظمها فى ظلال حكم الطبقة الواحدة، ولابد بأسرع ما يمكن من تحويلها لتكون قادرة على خدمة ديمقراطية الشعب كله.

إن العمل الديمقراطى فى هذه المجالات سوف يتيح الفرصة لتنمية ثقافة نابضة بالقيم الجديدة؛ عميقة فى إحساسها بالإنسان، صادقة فى تعبيرها عنه، قادرة بعد ذلك كله على إضاءة جوانب فكره وحسه، وتحريك طاقات كامنة فى أعماقه، خلاقة ومبدعة، ينعكس أثرها بدوره على ممارسته للديمقراطية، وفهمه لأصولها، وكشفه لجوهرها الصافى النقى.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اولاد حارتنا :: العالم من حولنا :: افلام وثاقية-
انتقل الى:  
تصحيح أحاديث وأقوال مأثورة لشيوخ اولاد حارتنا


بحث عن:

مع تحيات أسرة اولاد حارتنـــــــــــــــــا
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى اولاد حارتنا على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى اولاد حارتنا على موقع حفض الصفحات