مشاعر مسروقة
الأخت الحبيبة / الأستاذة إيمان القدوسى
سيل من أسئلة البنات حول الحب وعلاقات ما قبل الزواج يأتيني ، وحتى بعد الإجابة والتوضيح تعاود الفتاة السؤال بشكل آخر ، ماذا عن الحب الطاهر الشريف بنية الزواج ؟ وماذا عن التعارف عبر الإنترنت أو في الجامعة ؟
كلام البنات يدل علي وجود كم من المغالطات الراسخة حول مفهوم الحب ، أولها تلك الأسطورة التي روجتها الأفلام والقصص عن قصة الحب العنيفة بين شاب وفتاه تنتهي بالزواج ويصبح هذا هو الحلم الذي تتمناه وتنتظره وتبحث عنه الفتاه في كل من يقابلها.
ثم تتعب من البحث فتلقي بثياب الفارس علي أقرب شاب مناسب في محيطها الاجتماعي فإن لم تجده بحثت عنه في عالمها الافتراضي وبالفعل تبدأ القصة وتختلف تفاصيلها والنهاية أحيانا مفجعة وكثيرا ما يلفها ستر الله وتنتهي بسلام ولكنها تترك جروحا في النفس والروح.
ليس هذا هو الحب.
الحب ثمرة رائعة تنبت في حديقة الزواج وتروي بماء حسن العشرة وتحاط بسياج الشرعية والعلانية ورضاء الأهل ، أما تلك المشاعر المسروقة والمفتعلة والتي يدخل فيها الغش والوهم والتجمل الكاذب بنسب كبيرة فليست سوي شرك خداعي تنصبه الفتاة لنفسها ويكبل قدميها ويعيق خطوها الصحيح.
لماذا نبحث عن تلك المعادلة الخاطئة : حب شريف يتوج بالزواج ؟ ولماذا لا نجعلها زواج متكافئ يتوج بالحب الشريف ؟
أحيانا تأتي بوادر الحب بشكل تلقائي ، يعجب الشاب بابنة عمه أو جارته أو زميلته في العمل ويستشعر منها الترحيب فيتزوجها ، وإذا لم يصادفه هذا التوافق في محيط علاقاته الاجتماعية فهو يدخل البيوت من أبوابها ليخطب فتاة تناسبه وبعد الزواج ينطلق الحب بينهما.
يقول تعالى ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )
تتساءل الفتاة وماذا يضيرني لو دخلت تجربة حب برئ تنعش خيالي وأعبر فيها عن مشاعري وربما تكون مقدمة لزواجي بشخص أحببته واخترته بنفسي ؟
حتي لو مرت التجربة بسلام فأنت الخاسرة علي جميع المستويات فقد خنت ثقة والديك بدليل السرية والاختباء ، وسوف تكون تلك العلاقة المسروقة بداية لسلسلة من التراجع الأخلاقي والديني ، سوف تجرك للكذب وتضيع براءتك وراحة بالك وحياءك، وسوف تتردي علاقتك بربك وهذه هي الخسارة الفادحة فأنت تخجلين من اطلاعه علي فعلك وقولك وتدخلين تحت تحذير الله سبحانه وتعالى (ولا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) أي أخلاء أو أصدقاء ويدخل في ذلك ما كان عن طريق الإنترنت.
ثم أنه في 95 % من علاقات الحب ينسحب الشاب ويتراجع رافضا الزواج بمن تهاونت في نفسها معه وقد فقد الثقة بها ، وحتى لو تزوجها ستظل ثقته بها مهتزة لأنه يفترض أنها كما فعلت معه في الماضي يمكن أن تفعل مع غيره.
تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة تنهار علاقة الحب الوهمية وتترك جرحا وكسرا داخل الفتاة قد لا يندمل العمر كله ، فهي لا تجد سندا يحميها أو تبكي علي كتفه لأنها بالطبع لا تجرؤ علي اللجوء لوالديها أو أسرتها ، تشعر بالمهانة والإهانة وأنها وحيدة تجتر آلامها ، يحدث شرخ في القارورة الرقيقة وتفقد الثقة في الرجال تلازمها بعد الزواج وتكون سببا للنكد والخلاف.
عندما تكون العلاقات مفتوحة بين الشباب يعلو سقف مقاييس الرضا فقد عرفوا نماذج متعددة في حالة من التجمل يصعب أن تتوفر في الزواج الشرعي بعد ذلك ، كما أن اعتياد تبادل كلام الحب والشوق واللهفة يفقد تلك المشاعر طزاجتها ويجعلها عادية ولذلك يشكو كثير من الشباب افتقاد الرومانسية ، من أين تأتي الرومانسية والمشاعر الحلوة الحلال بعد الزواج وقد امتهنت واستهلكت وألقيت في الطرقات حتى صارت بلا معني ؟
ابنتي الحبيبة لا تدخلي علاقة تكونين فيها الخاسرة الكبرى ، تعززي وتشبثي بدينك وخلقك وحافظي علي مشاعرك الجميلة لزوج المستقبل ولا تشعري بأنك أقل من زميلاتك اللاتي جرفهن التيار بل أنت الأفضل بكل المقاييس وخاصة في عيون الشباب ، في وقت الجد يبحث الشاب عن فتاة محترمة مخلصة غافلة بريئة يستأمنها علي عرضه وبيته ويمنحها مفاتيح قلبه.
إذن أين تذهب مشاعرك الغضة الجياشة التي يفيض بها قلبك ؟
امنحيها لله يقول شاعر الإسلام حسان بن ثابت مناجيا ربه :
ببابك لن أغادره ولن أسعي إلى غيرك
سأنسج بالرضا ثوبي وأشرف أنني عبدك
ودائما كافئي نفسك علي ترفعك عن العبث بإحساسك الداخلي بالعزة والكرامة وأنت تتيهين فخرا بتاج العفة يتلألأ علي رأسك ويراه كل الناس وخاصة والدك الذي يقدمك فخورا لزوج المستقبل قائلا (ابنتي ، حافظ عليها إنها جوهرة) ويصدق الزوج قوله فهو يري النور المشع من جبينك طهرا وحياءا.