السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا رغبت أن يبقى قلبك حياً
القلب هو جوهر الحياة في الإنسان، فبحسب حياته وسلامته, تكون حياة الإنسان وسلامته ونقاؤه،فإن المسلم الحكيم هو الذي
يفتش عن أسباب صلاح قلبه، وأسباب قوته وعافيته,لأنه يدرك أنه متى امتلك قلبًا سليمًا من الآفات, فقد امتلك الحياة وامتلك
نقاءها وجمالها,إن قلبك هو مفتاح السعادة والغنى، ووعاء السلامة والهدى، ومصدر القوة والرضى، ولحرصك على صفائه
ونقائه، أهم بكثير من حرصك على الهواء والطعام,فتوحيد الله,جل وعلا,نور يملأ القلوب، ويبصِرها، ويقويها،ولا حياة
للقلب إلا بالإيمان بالله,ذلك الإيمان الذي يصنع الطمأنينة في القلوب، والسكينة في النفوس,لأنه يولِد فيها من التوكل على الله
ما تهون أمامها الصِعاب,والثقة واليقين بالله,ماتزول به الهموم والغموم والأحزان (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)فالإيمان
بالله,نور يسري في قلب المؤمن، يضيء له الطريق، ويمكنه من الثبات عليه, فيرى به الأشياء على حقيقتها,القبيح قبيحًا، والحسن حسناّ,اعلم أن السعادة والحياة الطيبة في الحياة لا
تقوم إلا على أساس واحد هو,الهدى,كما قال تعالى(فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى,ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة
ضنكا)وأن محل الهدى هو القلب،ولهذا قال تعالى(ومن يؤمن بالله يهد قلبه)وعلى قدر معرفة المؤمن بربه، ويقينه به، تكون
بصيرته وخشيته وهدايته,وإذا تأملت في تأثر القلوب بذكر الله،وجدت ذلك التأثر لا يحصل إلا للقلوب المؤمنة،فقلب المؤمن
قلب عاقل، لا تخدعه مظاهر الأشياء لأنه لا يرى بعينه فقط، وإنما بقلبه أيضًا,ولأن قلب المؤمن منور بتوحيد الله,إن الإيمان
بالله، والتوكل عليه، واليقين به,يولِد في القلب قوة، وبصيرة وعقلًا يزن بها الأمور، ويحقق بها الهدى ليعيش آمنًا من شرور
الغي وطرق الردى,لكن المؤمن مهما كانت قوة إيمانه, فلابد له من غفوة وضعف، فإنما سمي القلب لشدة تقلبه، وعدم ثبته
على حاله، كما قال الشاعر,وما سمي الإنسان إلا لأنسه,ولا القلب إلا أنه يتقلب,فإنه متقلب في أحواله، متغير في صفاته،
تغلبه الشهوة، ويطغى عليه النسيان كما يتمادى به الهوى والطغيان، وتغره المتاع،وهذا التقلب في الإنسان، ما خلقه
الله,إلا ليبتليه،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(والذي نفسي بيده,لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون
الله، فيغفر لهم)ولابد في حين إلى تجديد التوبة والإكثار من الاستغفار,فإنهما يطهران القلب من شوائب المعاصي وآثارها
وسوادها، ولهذا أوصى الله,عباده المؤمنين بالتوبة، وجعلها أساس فلاحهم فقال(وتوبوا إلى الله جميعاّ أيه المؤمنون لعلكم
تفلحون)فإذا علمت أن الذنوب تمرض القلوب، وتطمس بصيرتها، وتعطل عقلها، فاحرص على تطهير قلبك من أمراض
المعاصي باجتنابها، وملازمة التوبة والاستغفار لإبطال مضراتها، فإن قوة قلبك وسلامته مرهونة بصفائه ونقائه،
والتوبة،والاستغفار من الذنب,والإكثار من الحسنات، فإنهن يذهبن السيئات،والحرص على أسباب المغفرة، كالصلاة،
والنوافل، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والعمرة والحج،فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم,معاذاّ فقال له
(اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)فإن طهارة القلب من أمراضه،هو أعظم
أسباب قوته ولينته ورقته وخشوعه، وصاحبه هو خير الناس وأحبهم إلى الله،الحسد, من أخطر أمراض القلوب وهو,تمني
زوال نعمة,والبغض والكراهية،وهو طبع لئيم يسكن القلوب الضعيفة الميتة،فلربما وجدت المرء قد ملك من صفات
الحسن،ما لم يملكه غيره, لكنه غلبة طبعه الحاسد لا يحب رؤية النعمة على غيره,قال تعالى(ومن شر حاسد إذا حسد)وطن
نفسك على الصبر، وجاهد نفسك في بذل النفع للعباد، تحسن إلى من أساء إليك، وتصل من قطعك، وتعطي من منعك،
وتسامح من آذاك،في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا
يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)القناعة والرضى بما كتبه الله من الرزق, فيوجب للقلب الغنى، ويولِد فيه الطمأنينة
والسكينة،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب)والقناعة متى سكنت
القلوب,صابها الخير كله، وسلِمت من آفات الشح والحرص والبخل.