منتدى اولاد حارتنا
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الحارة

سنتشرف بتسجيلك

شكرا وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 829894
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 15761575160515761577
مراقبة الحارة
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 103798


منتدى اولاد حارتنا
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الحارة

سنتشرف بتسجيلك

شكرا وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 829894
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 15761575160515761577
مراقبة الحارة
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي 103798


منتدى اولاد حارتنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أجتمــــــــــــــــــــــاعى شــــــــــامل - دينى - ثقافى - علمى - نصائح
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أولاد حارتنا ترحب باى حوارجى وتدعوهم على قهوة حارتنا لشرب المشاريب وتدعوهم لسماع درس التاريخ من أستاذ فطين مدرس التاريخ ومشاهدة احدث الأفلام وكمان تحميل الالعاب وبرامج للموبيل وتسمع حكاوى خالتى بامبة  وتتفرج على صور استوديو عمى أنس وتسمع من ميشو على احلى المغامرات

 

 وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالرحمن احمد باشا
عضو / ة
عضو / ة
عبدالرحمن احمد باشا


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 238
نقاط : 616
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 20/01/2011
العمر : 26

وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي Empty
مُساهمةموضوع: وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي   وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي Icon_minitime1الخميس 01 سبتمبر 2011, 3:06 pm


وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي

الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري


كانت سيارات الأجرة "التاكسي" في زمن الجمال لها مواقف في كل منطقة بين كل عدة شوارع. كانت السيارات تقف في مواقفها بترتيب وصولها إلى الموقف وكل سائق كان يعرف دوره لا يتخطى زميله الذي سبقه في الوصول والوقوف. كان في كل موقف للتاكسي هاتف يمكنك الاتصال به وطلب تاكسي منه يأتيك تاكسي لامع نظيف يقوده سائق أنيق محترم نظيف الملبس ومهندم، يتصرف بتلقائية تصرفات السفراء المحترمون، السيارة عليها رقمها وعلى باب التاكسي رقم الهاتف الخاص بالموقف. ينزل السائق من التاكسي ويفتح لك الباب الخلفي ويحمل ما معك من حقائب أو أشياء ويضعها في التاكسي. وبعد أن تركب يغلق خلفك الباب ويجلس على عجلة القيادة، ثم يسألك عن وجهتك. كل ذلك في غضون ثوان من اتصالك بالهاتف. بعد أن يعرف وجهتك يبدأ في تشغيل العداد الذي كانت تعريفته قرشين فقط (تقريبا كل من تخطى الثلاثين أو حتى الأربعين من العمر من الأبناء لا يعرف ما هو القرش. فالقرش هو جزء من مائة جزء من الجنيه. والجنيه يساوى مائة قرش. القرش يساوى 10 مليمات مفردها مليم، فالجنيه يساوى ألف مليم. شطيرة الفول أو الفلافل المشْبعة المحشوّة جيدا في خبز نظيف وطرى وفاخركانت بخمس مليمات، شطيرة الفول أو الفلافل الآن والتي يختبئ فيها الفول أو الفلافل في ركن ركين من الخبز الذي تعافه الطيور والفئران والخنافس ثمنها 1500 مليم أي جنيه ونصف، تأكل منه قضمة وتترك بقية الخبز الفارغ اتقاء المسامير وأعواد الثقاب! وإذا كان حنكك كبيرا قليلا فلن تحتاج إلى قضم الشطيرة لأنها بالكاد تكفى قضمة واحدة !).

من جمال التاكسي وفخامته واحترامه زمان أنتجوا له فيلما مخصوصا باسم "تاكسي الغرام" ومع ذلك لم يكن يركب التاكسي إلا الأثرياء والموسرين الذين لم يكونوا لصوصا فلم يكن في ذلك الزمن "حزب وطني"!

لم تكن هناك حافلات، فقد كانت أغلب مشاوير عامة الناس تتم بالترام الذي يتكلف 4 مليمات، أو بعربات الحنطور، وما أدراك ما عربات الحنطور.
كانت عربات الحنطور يجرّها حصان أو حصانان. كانت تلك العربات غاية في النظافة واللمعان، وكانت من الجلد الطبيعي الأسود الذي يلمّع يوميا بالورنيش. كانت تسير في شوارع غاية في النظافة وطوال سيرها تأرجحك كطفل في المهد وتسمع لها إيقاع غاية في الروعة يمتزج بصهيل الخيل السمينة القوية جيدة التغذية. لا عجب فقد كانت الشوارع ممهدة ومكسوّة بمكعبات حجر البازلت موحّد الحجم والمرصوص في أنصاف دوائر في أرضية الشارع بنظام متقن ورائع لا يسمح بوجود مطبّات أو كسور في أرضية الشارع، ولو كانوا تركوه لنا كما هو لعاش آلاف السنين. كانت أرضية الشارع تعطى لعربة الحنطور تمايلا رتيبا يمينا ويسارا في تناغم مع إيقاع سنابك الخيل فكان ذلك يدلل ويهدهد الركاب ويجعلهم يتمايلون يمنة ويسرة، ولو تخيّلنا هدوء الشوارع ونظافتها والأشجار النظيفة على جوانب الشوارع لتخيّلنا مدى الراحة النفسية التي كان الناس يتمتعون بها في غدوّهم ورواحهم بالحنطور. كانت أمتع أوقات ركوب الحنطور هي بعد العصر وكنا نسميها "ساعة العصارى". كنت تصل إلى نهاية مشوارك وقد استراح جسدك كما لو كنت قد خضعت لتدليك (مساج!) جسدي ونفسي. ولا عجب أن توحي تلك المتعة الهائلة إلى تأليف وتلحين أغنية لعربة الحنطور مطلعها:
الجوز الخيل والعربية.. أنغامهم كلها حنيّة
سوق ياسطى لحد الصبحية.. على راسى ياهانم وعنيّا



كان الحوذيّون (جمع حوذي أي عربجى) رجال طيّبون ومطيعون ولم يعرفوا الجشع أو سوء الأدب مطلقا. كانت عربات الحنطور هي التاكسي الشعبي في الإسكندرية ولكنها أصبحت الآن من الآثار، ولا تراها إلا قذرة وجربانة وكأنها مصابة بالجذام في الأماكن الأثرية، تجرّها خيول بارزة العظام ومصابة بالأنيميا، ولا تستطيع تلك العربات السير إلا بضع عشرات من الأمتار وبأسعار باهظة لا يقدر عليها الناس العاديون، فهي فقط للسائحين.


بدأت مواقف سيارات الأجرة وهواتفها في الاندثار والانقراض في أوائل الستينات حتى اختفت تماما في أواخرها. ثم بدأت مظاهر احترام سائقوا سيارات الأجرة للركاب (الزبائن) في التدهور التدريجي الذي أخذ في التزايد في حقبة حكم السادات، أما في سنين مبارك فحدّث ولا حرج. والآن وبعد خلع مبارك وصل الأمر إلى اعتباره مأساة يعيشها الناس كل يوم من جملة المآسي التي خلفها مبارك وزبانيته بعد هدم مستمر ومتواصل لنوعية الإنسان لأكثر من ثلاثين سنة عجفاء.


لقد بدأ التدهور في أمر سيارات الأجرة بالامتناع عن الوقوف للركاب أمامهم مباشرة! فيقف التاكسي على مسافة بعيدة منك لكي تهرول أنت إليه لتركبه. وبالطبع لا ينزل السائق للراكب ولا يفتح له الباب. وان كان معه متاع يفتح له السائق صندوق التاكسي دون أن ينزل ليساعده أو حتى ينظر إليه، ذلك إن قبل أن يأخذه بمتاعه. وان وقف له أصلا. وإذا مرّ أمامك تاكسي خال وناديته يشير إليك السائق بيده اليمنى متسائلا إلى أين وهو يسير بنفس السرعة، وعليك أن تصرخ بأعلى صوتك لتقول له وجهتك، وهو سائر، فان أعجبته وجهتك وقف لك على بعد عشرة أمتار لتجرى إليه، وإذا لم يعجبه مشوارك استمر في سيره دون أن يلتفت إليك. ويطلق السائقون (التاكسجية) على السلوك الأخير بأنه قد "صدّر لك الطرشة" أي يوجّه لك أذنه الطرشاء أو الصماء التي لا تسمعك!

أخذ سائقوا سيارات التاكسي يطوّرون سلوكهم بمرور سنين مبارك فتوقفوا عن تشغيل العداد ومنهم من يقاولك على الأجرة قبل الركوب دون أن يوقف السيارة. ومنذ سنوات بعيدة بدأ السائقون يأخذون طلبا على طلب. يعنى سيادتك إذا نجحت في أن تستقل تاكسي تفاجأ بعد برهة من سيره أن وقف لزبون آخر على نفس الطريق وربما زبون ثالث أيضا، وربما يوصل الزبون الثاني أو الثالث قبلك وينحرف عن طريقك، علما بأنه يتقاضى نفس الأجر من الزبائن الثلاثة! ولكي يأخذ طلبا على طلب يمتنع عن الوقوف للعائلات حتى لا يمتلئ التاكسي بطلب واحد! وهكذا لا يتمكن رجل وأولاده من أن يستقل سيارة أجرة ليذهب إلى وجهته أو يعود إلى بيته. إذا أشار إليه رجل مريض أو امرأة مريضة فلا يقف له حتى لا يوصّله أو يوصّلها إلى وجهته بالضبط!

منذ عدة سنوات مرّت عجلات سيارة على قدمي فكسّرت عظامه. ولما كانت قدمي في الجبس ذقت الأمرّين حتى أوقف تاكسي، فمجرد يلاحظ السائق العكاز والجبس كان يفرّ كما يفرّ من مطعون! إذا وفقت بصعوبة في التقاط تاكسي تواجه مشكلة أخرى مع السائق، فيظل السائق يشعرك بفضله عليك طوال الطريق ويمنّ عليك بالسماح لك بركوب التاكسي، ويسخط ويلعن ازدحام الشوارع والمطبات والحكومة والركاب وأسعار الوقود والتشحيم وقطع الغيار، بما يعنى أنه يقول لك "ادفع يا ابن كذا"، وعندما تقترب من نهاية مشوارك الذي حرق دمك يقول لك إلى هنا فقط فلن أدخل بك في الشوارع الجانبية،
وتنزل من التاكسي وتدفع ضعف ما يستحق دون إن تصل بالتاكسي بأولادك إلى بيتك.

كان سائقى سيارات الأجرة لايمتهنون إلا وظيفة سائق تاكسي ويعرفون مالهم وما عليهم. وكان السائقون والجمهور على السواء يدركون أنّ سائق التاكسي موظف لدى الدولة التي منحته الترخيص وعليه الالتزام بالوقوف والتقاط كل من يطلبه ويذهب به إلى أي مكان يريده مع كامل الاحترام، ويتقاضى الأجر من واقع العداد. ولكن مع بداية الانفتاح الساداتي وخلال السنين المباركية ومع البطالة دخل تلك المهنة أشكال وألوان من الناس. فكثير منهم لهم مهن أخرى وموظفون في الحكومة والشركات، فيشترى كل منهم سيارة تاكسي ويرخصّها ويذهب بها إلى مكان عمله الرسمي ليوقع بالحضور ثم يأخذ سيارته ويجوب بها الشوارع. يأخذ المشوار الذي على هواه طوال ساعات العمل في شركته أو وظيفته ثم يعود في نهاية الدوام ليوقع بالانصراف!!! من بركات الحقبة المباركية أنّ الكثير جدا من خريجي الجامعات من أطباء وصيادلة وزراعيين ومهندسين ومحاسبين وعلميين ومدرسين ومن خريجي الكليات النظرية ومن ضباط متقاعدين قد ضاقت بهم السبل فاشتغلوا سائقين أجراء عند أصحاب التاكسيات. أعرف خريجي جامعات بتقدير امتياز انخرطوا في قيادة سيارات الأجرة وبنوْا حياتهم عليها واستسلموا وقضى الأمر. ومع ذلك اختلط الحابل بالنابل وانحطت المهنة بتدهور نوعية الإنسان في العهود الثلاثة المتتالية السابقة. والتاكسجية بل وكل من يقود سيارة يعتبر معذورا جزئيا، فقد عكر مبارك الحياة في مدينة الإسكندرية بمحافظ لبيب كان محافظا لمحافظة قنا ثم محافظة البحيرة. جلبه للإسكندرية لكي ينقض شوارع الإسكندرية ويبقر بطونها ويخرج أحشائها ويتركها تتلوى، وتتلوى معها السيارات والحافلات والشاحنات أفقيا ورأسيا، حتى اندلعت ثورة 25 يناير الشعبية فظلت الشوارع كما هي تتلوى، وانهار مبنى المحافظة وأصبح كومة من التراب. ولا أعرف لماذا كان مبارك مفتونا بذلك اللبيب ، فلقد أخرج أحشاء شوارع مدينة دمنهور من قبل وتركها إلى الإسكندرية فاستغرق لملمة أحشائها من بعده وخياطة جروحها ثلاث سنوات كاملة. لا أدرى إن كان مبارك لا يزال مفتونا به. على أية حال كان مبارك مفتونا أيضا بكل من المغنى شعبان عبد الرحيم والمغنى محمد العزبى!
مع ذلك يصادفك تاكسجية كثيرون محترمون وطيبون مما يجعلك تصل مشوارك وأنت تدعو لهم بالخير وتغدق عليهم في الأجر. لكنّ العجيب أنّ كل التاكسجية بلا استثناء يكونون في غاية الوداعة والاستئناس وطيب الخلق مع أشقائنا العرب والسائحين!
لا أمتلك سيارة خاصة، ولا أريد امتلاك سيارة خاصة، ولا أودّ امتلاك سيارة خاصة. إن السيارات في شوارع الإسكندرية، عروس البحر- التي كانت – تكاد في أغلب أوقاتها أن تدفع بعضها البعض من شدة كثافتها وازدحام الشوارع بها. الناس يقترضون من البنوك لكي يحصلوا على سيارات خاصة. بل أصبحت المصارف تموّل العملاء لشراء سيارات بالتقسيط مستعملة وليست جديدة. أغلب العائلات الغنية يمتلكون لكل فرد سيارة فضلا عن سيارة إضافية خاصة لشراء الخضار وأخرى لشراء البطيخ! لقد اختلت الأولويات عند الكثيرين، فيتبارى الناس في تطوير أنفسهم ماديا وشكليا دون إعطاء اهتمام لنوعيتهم كبشر وكرجال ونساء يدينون بالإسلام. وحتى الأبناء اختلت نوعيتهم. فهم يريدون أن يبدءوا من حيث انتهى آباؤهم دون أدنى صبر أو جهد. حتى أن الكثير من الأبناء يستلبون ويغتصبون سيارات الآباء ويستأثرون بها بمجرد وصولهم سن البلوغ أو دخولهم الجامعة أو حتى قبل تخرّجهم أو عقب زواجهم. بل إن الكثير من الآباء والأمهات يدفعون الأبناء إلى ذلك المسلك بإرضائهم للأبناء طوال الوقت ظنا أنّ ذلك هو الحب وتلك هي الأبوّة، فيعمد الأبناء إلى ابتزاز الآباء. ولا أعفى الأمهات من تلك المسئولية مطلقا، فهناك أصناف من الأمهات يحرّضن الأبناء على ابتزاز الآباء. ولذلك فقد انقلب الحال فأصبح على الآباء السعي الدءوب واللهث حتى الموت للظفر برضاء الأبناء السامي على طول الخط. فبئس الانقلاب وبئس المنقلبون. فأرى كثير جدا من أصحاب السيارات الخاصة يجلسون أبنائهم الذين لم يتخطوا العاشرة أو حتى السادسة من العمر على عجلة القيادة ويجلسون بجوارهم ويعلمونهم ويجعلونهم يقودون السيارات. كثيرا جدا ما أشتبك معهم وأنهرهم وأزجرهم دون أن أعرفهم ودون أن أهتم بأن أعرفهم أو يعرفوني. كثير من الآباء يستخرجون ترخيصات قيادة السيارات لأبنائهم بالرشاوى وبالمعرفة والمحسوبية دون أو قبل أن يتعلموا القيادة. فتكون الرخصة أولا ثم تعلم القيادة ثانيا، على جثث وعظام الناس وأشلائها في الشوارع، في الوقت الذي يعانى فيه الكثير من البارعين في القيادة من العنت وصعوبة الحصول على رخصة القيادة إلا بدفع آلاف الجنيهات كرشاوى! لذلك فان قيادة السيارات في شوارعنا أصبحت فوضى، ليس لها ضابط ولا رابط ولا مبدأ ولا قانون ولا نظام ولا ذوق ولا أدب. فكثرت الحوادث والقتل والتكسير بواسطة السيارات، وأصبح سير الناس في الشوارع من أشق الأمور، وأصبحنا نقضى ثلث أعمارنا في المواصلات وانتظارها والحصول على مكان فيها. وأصبحت أعداد الضحايا الناجمة من حوادث السيارات تفوق أعداد قتلى الحروب. ويزداد الهوس والجنون والرعونة والعشوائية في قيادة السيارات في شهر رمضان المبارك بدلا من أن يكون شهر الهدوء وشهر الصبر والتأني وشهر الرقة والوداعة والأدب والنظام.
ومن أعجب العجائب، وبرغم ما تقدّم، أن ترى الأمور تسير طبيعيا جدا فى شوارع مصر وفى ظل عدم وجود شرطة مرور ولا حكومة ولا برلمان ولا مجالس محلية ولا عناصر أمن ولا رئيس دولة. انه شىء ربّانى عجيب، فبرغم التخريب المتعمد والممنهج والمستمر فى نوعية الانسان المصرى الا أنه يرجع الى حضارته واسلامه فى الوقت المناسب. فتجد الأمر أشبه بسفينة مكتظة بالركاب، يتحركون عشوائيا فى كل اتجاه داخلها، ولكن المحصلة النهائية أن تسير السفينة الى وجهتها الصحيحة بدون بوصلة ولا بحارة ولا ربّان !!!


بالرغم من أنني أشرفت ولا أزال أشرف على العديد (وليس الكثير) من رسائل الماجستير والدكتوراه إلا أن أكثر بحوثي أجريتها منفردا. وحتى طلاب الماجستير والدكتوراه كنت أسهر معهم إلى ساعات متأخرة من الليل وأحيانا إلى الصباح في المعمل. ولتحقيق العدل والإنصاف جزئيا بين أولادي الطلاب وأولادي في البيت كنت كثيرا ما آخذ أولادي ووالدتهم إلى الكلية فينطلقون ويلعبون ويمرحون أثناء إجراء أبحاثي ليلا. كلية الزراعة بالإسكندرية بالشاطبى ليست أجمل كلية في جامعة الإسكندرية فحسب بل هي الأجمل في مصر. ولا أبالغ أبدا إن قلت أنها الأجمل في العالم. فهي مبنية على ربوة ذات مستويين وبها حوض سباحة لا يهدأ نهارا أو ليلا ولا شتاء ولا صيفا. خرج منه أعظم سباحين من أبطال العالم. الأشجار والنباتات والزهور في كل مكان في الكلية. تغريد الطيور التي منها العصافير والبلابل والكروان لا ينقطع فيها. انصرفت مع أسرتي في أحد أيام صيف عام 1984 من الكلية في الحادية عشر مساء ووصلنا إلى ناصية شارع الترام في الشاطبى لنستقل تاكسي ولكن عبثا. مرّت علينا عشرات التاكسيات الخالية طوال ثلاثة أرباع الساعة ولم يقف لنا واحد منهم.
وفيما أنا وأسرتي واقفون في انتظار الفرج إذا بسيارة بيجو 504 بيضاء تقف أمامنا مباشرة ويطل علينا قائدها قائلا:
"أنا ذاهب حتى منطقة سيوف شماعة، وسيارتي خالية، فهل تتفضل معي يا أخي أنت وأولادك إن كنتم على نفس الطريق أو تقول لي وجهتك أوصلك إليها ؟!"
كانت في تلك الأيام الساداتية المباركية قد انتشرت تقليعة استغلال بعض أصحاب السيارات الملاكي لسياراتهم في توصيل الناس مقابل أجر، ولا تزال تلك التقليعة حتى الآن. ولم أكن أقبل ركوب تلك السيارت. فنظرت للرجل الذي لم يكن قد أكمل عامه الخامس والثلاثين تقريبا وذو وجه مضيء نظرت إليه بتردد. ولكنه كما بدا لي أنه قد فهم ما يجول بخاطري فقال لي:
"تفضل يا أخي الكريم, أنا لست من إياهم، أنا راكب العربة وحدي وعندي فضل مكان، ولا يرضيني أن استقل السيارة وحدي دون أن يركبها أحد"
بإمعان النظر إلى وجه الرجل ومن نبرة صوته اطمئن قلبي وشغفت بالتعرف عليه فقلت للأولاد وأمهم "هيا اركبوا" فركبت الزوجة والأولاد في الخلف وركبت بجواره على الكرسي الأمامي.
وقبل أن أبدأ في شكره بادرني ذلك الشاب ذو الوجه المليح المريح قائلا:
"أخوك في الله وجدي غنيم، بكالوريوس تجارة، وكيل حسابات في وزارة المالية، سيارتي خالية وأنت وأولادك تشيرون إلى التاكسيات والدنيا ليل فلماذا لا تتكرم علىّ بثواب توصيلك؟"

في الحقيقة شملتني السعادة الكبيرة والفرحة العارمة والسرور عندما سمعت اسم "وجدي غنيم".
لم يكن ملتحيا وقتها، وان لم يكن بشهرته الآن إلا أنني كنت أسمع عنه وأستمع له من خلال شرائط مسجلة في التاكسيات وفى مختلف المحلات والأسواق. كان في شعبيته وظرفه وخفة دمه مع جدّيته نعم الخليفة لفضيلة الشيخ محمد كشك رحمه الله وإيانا. ومع أننى كنت أسمع أيضا رغم أنفى في بعض التاكسيات أغنيات مثل أغنية "آلو يا مانجة يا مانجة آلو"! وأغنية "إحنا اللي دهنّا الهوا دوكو" وأغنية "السّح الدّح امبو"! فقد كنت أسمعه ولم أكن قد رأيته شخصيا أو رأيت صورته من قبل. لم تكن هناك فضائيات ولا دش في مصر في ذلك الوقت تقريبا! أو قل أننى لم أكن قد اشتريت جهاز تلفاز بعد! وبالطبع كان محرّما ظهوره هو وأمثاله في التلفاز الرسمي أو في الإذاعة الرسمية. وقد كنت منهمكا في التدريس والأبحاث والإشراف على الدراسات العليا وغيرها. والآن أنا مع الداعية الشاب الوضّاء الذي يتدفق حيوية والذي ينضح ظرفا وخفة ممزوجة بالجدية والاحترام.
عرّفته بنفسي قائلا: "وأنا أخوك في الله محمد هاشم عبد الباري أستاذ مساعد بكلية الزراعة وهؤلاء أولادي وزوجتي"
ظللت طوال الطريق أتكلم مع أولادي عن عمهم وجدي غنيم وعن دوره في الدعوة وعن ايجابياته كمسلم والتي لمسناها عمليا الآن، وانه ترجم مبادئ الإسلام وأخلاق الإسلام في صورة عملية، وكيف أنّ الإسلام هو سلوك محترم ومعاملة حسنة قبل أن يكون نصوصا محفوظة. كان أكبر أبنائي عمره سبع سنوات. أخذت أتجاذب معه أطراف الحديث في موضوعات شتى حتى أوصلني فضيلة الدكتور وجدي غنيم إلى ناصية الشارع الذي أقطن فيه.
لم أقابل فضيلة الدكتور وجدي غنيم بعد ذلك بطريقة مباشرة، وإنما كنت أجده في مختلف المساجد التي كان يقدّر لي الصلاة فيها في مناطق مختلفة من الإسكندرية، يلقى المحاضرات ويدعو ويعظ. وفى منتصف التسعينات من القرن الماضي سافرت إلى الحجاز في عمرة مع جمع من اخوانى أساتذة الجامعة وأسرهم، فكان أن تفضل علينا فضيلته بمحاضرة عن مناسك العمرة قبيل سفرنا، وكان أستاذا بحق في الشرح والتبسيط والتوضيح. لم أشأ أن أذكره بموقفه معي أو أشغله بذلك، فقد كنت واثقا من أنه نسيني بالطبع لأنه من المؤكد أنه كان يفعل ذلك كثيرا جدا.
اننى أخشى أن يفهم من كلامي – وأنا لا أمتلك ولا أودّ امتلاك سيارة – أنني أدعو إلى الوقوف لي واصطحابي في سيارات الآخرين. أبدا أبدا، فلست في حاجة لذلك مطلقا ، فأنا يقف لي الكثيرون من الزملاء والأبناء من الخريجين والمعارف فأعتذر برفق شاكرا لهم. إنما أردت أن ألقى الضوء على كيفية ومدى سهولة ويسر وعظمة ترجمة مبادئ الإسلام إلى سلوك عملي في الحياة. إن وجدي غنيم حينما وقف لمن لا يعرفه ليركب سيارته لم يصغر ولم يتقزّم ولم يفتقر، وإنما تعملق وأصبح فضيلة الدكتور وجدي غنيم. فلقد زاده الله بسطة في العلم والجسم وجابت شهرته الآفاق من الشرق إلى الغرب وملأ الدنيا، وأحبّه كل من سمعه وقابله وعرفه. كرّمه الله باشتهاره بالفضيلة والعفة والرجولة والشهامة وحسن الأدب والعلم، ووصم الله جلاديه وسجانيه ومطارديه بالخسّة والخزي والعار والخيانة والنجاسة والفساد وسوء الأدب والجهل والغباء. إن سيارة وجدي غنيم لم تصدأ ولم تتلف ولم تنقص ولم تنكمش ولم تعرج عندما دعي أخا مسلما له لا يعرفه وأسرته للركوب معه على نفس الطريق، وإنما بارك الله له فيها وزاده بركة في أولاده وأهله. ولولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقةٌ" لقلت أنها زكاة مباشرة لدابته (سيارته). وإنما هي ايجابية المسلم الواعي والمتفقه والفاهم لإسلامه وشهامة وتعاون على البر والتقوى.

بارك الله في فضيلة الدكتور وجدي غنيم وزاده علما وفقها وعافاه في بدنه وسمعه وبصره هو وأهله وذريته ونفع به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وجدي غنيم .. وأنا.. والتاكسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اولاد حارتنا :: مكتبة القصص :: القصص والجكاوى المنقولة-
انتقل الى:  
تصحيح أحاديث وأقوال مأثورة لشيوخ اولاد حارتنا


بحث عن:

مع تحيات أسرة اولاد حارتنـــــــــــــــــا
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى اولاد حارتنا على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى اولاد حارتنا على موقع حفض الصفحات