العدل أساس الملك

العدل أساس الملك


إن سليمان كما نعرف جميعا قد أوتى الملك مع النبوة و هذا تكريم و اصطفاء و إنعام من الله سبحانه و تعالى و لكنه وقف موقفا عادلا صعبا من الهدهد فهو يقول : إن لم يأتنى بسلطان و أبان هذا السلطان بأنه مبين سيعذبه عذابا شديدا أو يذبحه فإن أتى بالسلطان المبين أخلى سبيله و إن لم يأت به عذبه عذابا شديدا أو ذبحه و هذا هو العدل مع الحزم و الصرامة … ماذا كانت نتيجة هذه الصرامة و الحزم و الحسم فى الحق من الملك النبي … لقد اقترب الهدهد منه … ( فمكث غير بعيد ) لم يقل فمكث ( قريب ) فما هو الفرق بين ( غير بعيد ) و بين ( قريب ) فالهدهد أقترب من الملك النبي و لم يكتف بذلك إنما قال له أحطت بما لم تحط به … و هذا تبجح و فظاظة ورد قاس من الهدهد ، إذ يرمى سليمان بالجهل فهو يقصد أن يقول : أنك مع نبوتك و ملكك و تسخيرك للجن و الشياطين و جبروتك الفسيح المتصل المديد فإنى أعرف أشياء لا تعرفها أنت بكل عدتك و عتادك .
و نستطيع مطمئنين أن نقول أن ملك سليمان كان ملك عدل و سيادة و علم فلو كان سليمان ظالما لذبح الهدهد و لما ترك له فرصة التبجح فى سيده و مولاه الذى تحرس ملكه العناية الإلهية و خدمة الشياطين و الجن ….
بهذه اللهجة القاسية من الهدهد ندرك أن الملك مع القوة و الحسم فى دولة العدالة يبيحان للرعية و يكفلان لها حرية الكلام و حرية المجادلة و عرض الرأى و الاعتراض بحرية تامة .
يقول تعالى بسورة النمل : ” وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)”
ثم يتصل المشهد القرآنى الرائع في بيانه بسورة النمل :
” فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)”
أجاب عن هذا السؤال الشيخ محمد متولى الشعراوى بكتابه الفتاوى
إنها صرامة ممزوجة بالعدل حقا و تلك صفة الحاكم العادل ، الحزم عنده ممزوج بالعدل . فالقوة تتجلى فى إقامة العدل فالمتهم فى القصة طائر و لم يستطع سليمان أن يعاقب الطائر على سلوك لم يعجب به رغم ملكه و نبوته .
و كان لابد لسليمان أن يفهم ظروف المحكومين من الرعية و إن لم يكونوا بشرا ، ثم عليه أن يترجم هذا الفهم إلى سلوك و لذلك فإن سليمان لم يصدر حكما غيابيا على الهدهد إنما انتظر حتى يعود الهدهد ثم تبدأ و تكون المحاكمة .
و لما أن عاد الهدهد من مملكة سبأ … كان يحمل الدهشة … و لقد رأى هنالك ما أذهله إذ وجد بشرا يسجدون لغير الله … يسجدون للشمس .
و دهشة الهدهد كانت دهشة فطرية إنه امتلك الحق فصار به قويا … فأعلن قوته للحاكم .و هل يستأذن الإنسان إن رأى خيرا فى أمته و جماعته أولى الأمر أم يفعله حتى لا تضيع فرصة عمل الخير ؟
إن الإنسان إن رأى خيرا فى أمته و جماعته فليفعله دون أن يستأذن فى ذلك حتى لا تضيع فرص الخير .
المصدر
كتاب الفتاوى كل ما يهم المسلم فى حياته و يومه و غده لفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى الجزء الثالث ص