بيضة «إعمار»... «القشرة» الهشّة

جمال بنون *

ليس الكوليسترول وحده الذي يتسبب في ارتفاع ضغط الدم ولا حتى الزيوت النباتية او الحلويات بانواعها، فيمكنك ان تتحكم في نسبة الزيت او السكر من اجل ان تتفادى ارتفاع الضغط، الا ان النتائج المالية سواء الفصلية او النصف سنوية لبعض الشركات المساهمة التي يتم تداول اسهمها في السوق، وتعد من الشركات الكبرى، قد تتسبب في انفجار شرايين المخ، فقط من اجل ان تعرف كيف آل مصير هذه الشركة الى النتائج غير الجيدة على رغم مكانتها المالية والملاءة التي تتميز بها والدعم الحكومي، وغيرها من التسهيلات التي تحصل عليها.

قبل اسبوعين اعلنت شركة «اعمار» المدينة الاقتصادية، نتائجها المالية الفصلية للنصف الاول من العام، وحتى اكون منصفاً فقد اعلنت الشركة لاول مرة عن تحقيق ارباح تشغيلية بعد خمس سنوات، واظهرت قوائمها المالية تحسناً طفيفاً يبعث الامل، ولكن بعد ماذا؟ بعد سنوات عجاف، ورقم ضئيل جداً لا يتماشى مع حجم ومكانة الشركة. حققت فقط صافي ربح بلغ 74 مليون ريال، واعلنت ان سبب الارتفاع في صافي الربح إلى الربح من تنفيذ عمليات بيع عدد من الأراضي داخل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وإعادة جدولة توزيع تكاليف البنية التحتية للمدينة.

لا اعرف كيف تعتبر شركة حصلت على مساحة اراض من الدولة لاقامة مشروعات استثمارية انه يجوز لها بيع اراض واحتساب عوائدها ضمن الارباح، وفوق كل هذا حصلت على قروض من الدولة بلغت خمسة مليارات ريال. هل لنا ان نعرف ماذا تريد «اعمار» ان تبني لنا في مدينة رابغ الساحلية؟ فاجمالي ما جمعته حتى الان يقترب من 14 مليار ريال، واما على ارض الواقع فهي لم تقدم نموذجاً للمدينة الاقتصادية التي طالما سمعنا عنها وصدح المسؤولون ومعهم الهيئة العامة للاستثمار، بأنها ستكون مدينة اقتصادية عالمية، وانها ستوفر فرص وتجلب استثمارات.

على ارض الواقع: «اعمار» لا تختلف عن اي مشروع حكومي متعثر يتحرج المسؤولون الحكوميون من الحديث عنه، إما لانه غير ناجح او جاء ارتجالياً، فعلى مدى خمس سنوات هذه الشركة كانت تحق خسائر فادحة جداً حتى بلغت خسائرها المتراكمة اكثر من مليار و200 مليون ريال، وفي عام 2010 اعلنت الشركة خسائرها الصافية بقيمة 583 مليون ريال مقابل 308 مليون ريال في عام 2009، وهي الفترة نفسها التي اعلنت فيها معظم الشركات العقارية والبنوك والمصارف في العالم عن خسائرها المالية، نتيجة قضية الرهن العقاري التي ضربت الولايات المتحدة الاميركية ومعظم دول اوروبا، فكيف تضررت اعمال الشركة في هذه الفترة خاصة وانها في سنتها الانية للتأسيس؟ ربما امر يدعو للتساؤل، هل كانت الشركة تملك سندات للخزانة الاميركية او حسابات في تلك البنوك حتى تتأثر بهذا الحجم الكبير من الارقام؟

شركة «اعمار» حين تم الاعلان عنها قامت على حس وطني وتوطين الوظائف، ولهذا تعاطف الناس كثيراً مع اسهمها حينما طرحت للاكتتاب، وبنى الناس في مخيلاتهم اشياء كثيرة، كنا ننتظر ان تطرح مليون وظيفة في هذه المدينة الاقتصادية، حتى اننا طالبنا وزارة العمل حينها بالبدء في تدريب سعوديين يتناسبون مع الشركات والاستثمارات التي ستدخل، وحتى عندما طرحت الاسهم اندفع السعوديين للاكتتاب فيها، بشكل لافت واشتروا بمدخراتهم اسهماً في هذه الشركة، ولكن تتفاجأ بانه بعد عام من تأسيسها حققت خسائر عالية ومتوالية، امام انظار الحكومة والشركاء المساهمين.

وضع شركة «اعمار» يفتح الباب امام اهمية الحوكمة في الشركات الاستراتيجية والمهمة والمؤسسات المساهمة وضرورة محاسبة القائمين عليها، وايضاً الجهات الحكومية، شركة مساهمة رأس مالها 8 مليار و500 مليون ريال، وتحقق خسائر تتجاوز مليار ريال، اليس هذا الامر يدعو للاستفسار والتحقيق والمساءلة؟ لماذا لم ينتفض مجلس ادارة «اعمار» في تشكيل مجلس جديد لمواجهة لازمة، وفصل ومحاسبة المقصرين؟ وكيف لشركة تخسر كل هذه السنوات، أن تقف وزارة التجارة والصناعة وهيئة الاستثمار وتشاهدها من دون حراك؟ خاصة وان مشروع المدينة الاقتصادية قام وسط ضجيج اعلامي حكومي بشر بنجاح المشروع.

المدن الاقتصادية التي يتم تنفيذها في مناطق مختلفة، تحتاج ان تتوقف عن العمل فوراً، قبل ان نعرف مصير «اعمار» وطريقة ادارتها وتنفيذها واسلوب العمل فيها، اخشى ان تتقدم هذه الشركات التي تبني المدن الاخرى الى قروض من الدولة لافلاسها او سوء ادارة المال، عندها اقترح ان ننشئ جمعية خيرية لدعم الشركات المساهمة المتعثرة، وتساهم فيه خزينة الدولة! خاصة وان معظم المشروعات التي تتحدث عنها الجهات الحكومية ليست دراسات ذات جدوى اقتصادية، ومعظمها افكار ومقترحات من اجل استخراج المال من خزينة الدولة!

وحتى لا تفسروا كلامي خطأً، هل يمكن ان تخبرنا شركة «اعمار» او هيئة الاستثمار، اين ذهبت هذه الاموال وماذا تحقق على ارض الواقع؟ وكيف يحق لشركة ان تبيع اراضي حصلت عليها كمنحة من الدولة، وتدخلها في حسابها على انها ارباح؟ حسناً: اين هي مشروعات «اعمار»؟

واين الشركات التي تقدمت للاستثمار لديها؟ الشهر الماضي الغت الشركة عقداً لمشروع بناء 134 وحدة سكنية بقيمة 325 مليون ريال، وبعد ذلك الغت المشروع، لعدم حاجتها، وهناك مشروعات اخرى تتقدم لتنفيذها وبعد ذلك تتراجع وتلغي المشروع، وهذا يعني ان الشركة تعيش حالة عدم استقرار، واستمرار الشركة بهذا الحال، يرفع المخاوف عن مستقبل الشركات الاخرى والمدن التي تروج عنها، وان كانت هي بالفعل مشروعات حقيقية، او انها شركات مساهمة لجمع الاموال والانفاق في سوء الادارة، ولهذا يجب ان تتدخل قوة نظام وسلطة الدولة للحد من «غموض» الشركات المساهمة وتقلباتها، لانها اموال البسطاء والباحثين عن الاحلام والوظائف.

* إعلامي وكاتب اقتصادي