صورة السودان بعد انفصال الجنوب
لق مما هو آتٍ، التفتيت التمزيق التدويل والتقسيم، هو ما يهيمن على السودان، عشية إعلان دولة جنوب السودان، ويتصاعد التوتر من صراع مرتقب على حدود تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر بين الشمال والجنوب، وترتفع وتيرة المخاوف من عودة الحرب الأهلية بسبب ما يدور حتى الأمس، في منطقة أبيي وولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان، قبل حسم القضايا العالقة حول النفط والديون وترسيم الحدود .
الاحتقان هو سيد الموقف لحين انتهاء الاحتفال بالدولة الجديدة، والشعارات مثل “حماية السلام وترسيخه” تسيطر على ألسنة الجميع، قبل أن تتخذ المواقف الحقيقية موضعها الطبيعي، بين دولتين . الحذر والتحذير، الرجاء والدعوات، هي خلاصة رؤى القوى السياسة السودانية في المعارضة والحكومة، التي كشفها هذا الاستطلاع الذي أجرته “الخليج” وسط تلك القيادات .
في إجماع نادر، سيطرت لغة حادة موجهة إلى حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير، على أحاديث تلك القيادات، وطغت قسوة العبارات على ما عداها، محملة المؤتمر مسؤولية ما سيأتي، بعدما رسخت تلك القوى السياسية مسؤولية المؤتمر الوطني التاريخية على كل ما فات، وآخره انفصال الجنوب الذي مضى بثلث مساحة الوطن .
وفي المقابل، لم يوفر حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ما يوجد في القواميس السياسية ليستخدمه في الدفاع عن نفسه والهجوم المضاد على القوى السياسية المعارضة، ووشت عباراته بأنه لا يعترف بقوة أو بديمقراطية أو بمؤسسية تلك الأحزاب التي تشكل القوى المعارضة، بل أكد أن تعامله مع زعماء تلك الأحزاب، كواقع فرضه عجز القاعدة الحزبية في تغيير طائفية وتاريخية تلك الأحزاب .
وبدا “المؤتمر الوطني” واثقاً من مقدرته على إدارة أمور سودان ما بعد الانفصال، وإعلانه امتلاك حوائط صد كثيرة لتفادي محاذير الانشطار والتقسيم والتدخل الأجنبي، واعترافه باستفادته من دروس وعبر اتفاقية السلام مع الجنوب وما صحبها من تداعيات وغفلة سيتفاداها مستقبلاً .
أجمعت القيادات المستطلعة من أحزاب الأمة القومي بزعامة الصادي المهدي، والاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، والشيوعي السوداني بزعامة سكرتيره محمد إبراهيم نقد، وحتى المؤتمر الوطني الحاكم، على أن دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي هي قنابل موقوتة، ستنفجر في وجه الجميع إذا لم يتراجع المؤتمر الوطني ويجلس مع القوى السياسية ويتوافق على حكومة قومية انتقالية ويضع الجميع دستوراً يقود إلى انتخابات حقيقية، للوصول بالبلاد إلى بر الأمان، ومجابهة كل المخاطر الماثلة الآن .
وفقاً للأحاديث التالية للمستطلعين حول سؤال محوري: إلى أين يمضي السودان بعد انفصال الجنوب في ظل أزمات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي؟
المؤتمر الشعبي
الدكتور بشير آدم رحمة (القيادي في حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي): بعد انفصال الجنوب وأزمات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي وأضف إليها الاحتقان في الولاية الشمالية بمصادرة أراضي كل الولاية لسد مروي، واتفاقية الشرق التي لم تسو بصورة نهائية، لأن الاتفاق كان بين الحكومة الإريترية والحكومة السودانية، وأرغم أهل الشرق الذين حملوا السلاح على التوقيع ونالوا بعض المناصب، لكن المشكلات لم تحل حتى الآن، واستمرار النظام الحالي حكم “المؤتمر الوطني” في إدارته للدولة بانفراد، فإن السودان مقبل على تفتت بعد أن انفصل الجنوب باتفاقية يمكن أن تلحق به بقية هذه الأجزاء المتأزمة .
لكل ذلك، نحن في “المؤتمر الشعبي” وفي المعارضة عموماً، دعونا إلى تكوين حكومة انتقالية أغلب وزرائها من غير الحزبيين، ولا بأس أن تشتمل على تمثيل حزبي محدود لبعض الأحزاب ذات القاعدة الجماهيرية، هذه الحكومة الانتقالية التي اقترحت من قبلنا، مهمتها أن تهيئ البلاد إلى حكم ديمقراطي تعددي لا مركزي، وذلك بقانون انتخابي جديد وسجل انتخابي جديد، وتقوم بعمل انتخابات حرة ونزيهة مراقبة، لا مزورة ولا مبدلة صناديقها، وبعد ذلك تقوم بحل وتسوية مشكلة دارفور في مدة لا تتجاوز العام، يعود فيها الأمن،إن شاء الله، إلى الإقليم ويعود النازحون إلى مناطقهم، وتسوى المشكلات مع جنوب السودان خاصة في ما يتعلق بالحدود، وتجري ترتيبات أمنية لأبناء جنوب كردفان والنيل الأزرق الذين هم الآن منضوون مع الحركة الشعبية كمقاتلين، بأن تسوّى أمورهم الأمنية إما بإدخالهم في القوات المسلحة، إذا رغبوا، أو القوات النظامية الأخرى، وإما بدمجهم في المؤسسة أو التسريح .
هذه دعوتنا لتجنب كل تلك المحاذير، وإذا رفض “المؤتمر الوطني” هذه الوصفة فستتحقق كل تلك المخاوف، وهذه الوصفة ستخرج السودان من أزمته وتجمعه مرة أخرى كبلد واحد موحد، ويمكن أن تسهم في إعادة اللحمة مع الجنوب مستقبلاً، ونحن نقترح في هذا الإطار، أن يعامل الجنوبيون مثل ما يعامل أهل شمال السودان في مصر بالحريات الأربع، الجنسية المزدوجة، حرية الإقامة، حرية العمل، حرية التنقل، وأن تكون مناطق الحدود مناطق تكامل، حتى تعود وحدة السودان على المصالح المشتركة .
إذا وجدنا نظاماً ديمقراطياً فيه تعددية حزبية وحريات وفيدرالية فإن السودان إلى وحدة وتماسك، لأنه إذا قامت هذه الحركات بماذا ستطالب، ستطالب بالسلطة والثروة وهما لا يأتيان بالسلاح في تقديرنا في “المؤتمر الشعبي”، بل تأتي عبر صناديق الاقتراع الحر النزيه والديمقراطي، لذلك بقاء المؤتمر الوطني في سدة الحكم منفرداً بسياسياته الحالية التي أدت إلى انفصال الجنوب، هي أكبر مهدد للسودان، وليس التدخل الخارجي . . فالتدخل الخارجي يكون بالسياسات الخاطئة للمؤتمر الوطني، وخذ مثالاً مسالة أبيي، عمل كمين والجيش السوداني تدخل بقرار سياسي، والآن هذا القرار السياسي جلب لنا 4200 جندي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وأنت أدرى بما يعني الفصل السابع .
نتوقع أسوأ المخاطر وأن يتقسم السودان وأن تستعر الحروب الأهلية، وحتى نتجنب كل ذلك دعونا إلى ثورة على حكومة الرئيس عمر البشير وهي بالفعل “حكومة طغيان”، وإزاحتها عن حكم البلاد ضروري قبل أن تلحق أقاليم أخرى بجنوب السودان، ونكرر أن السودان وبسبب سياسات المؤتمر الوطني أصبح على شفا حفرة لا ينقذه منها إلا نهضة وثورة شعبية تقتلع هذا الحزب من جذوره .
حزب الأمة
الدكتورة مريم الصادق المهدي (قيادية في حزب الأمة القومي، وتحالف قوى المعارضة): أزمة السودان المستقبلية والآنية، واضحة ومعروفة لكل من له قلب، ونحن بحاجة إلى تماسك داخلي ولمشاركة الجميع في حل قضاياه، بصورة جدية وحقيقية تخرج عن إطار الورق والخطب، ومحتاجون إلى كرامة المواطن السوداني، بتحسين معيشته التي تهدر فيها كرامته يومياً، والارتقاء بخدماته الصحية والتعليمية لأبنائه، نحتاج إلى دولة يحترم فيها القانون ولها هيبة، يكون الرجال والنساء فيها مرآة ينعكس عليها كل جهد وتتحقق فيهم المواطنة من شرق السودان وشماله وغربة ووسطه ومن أطرافه . وحاجتنا أيضاً إلى برامج اقتصادية حقيقية في الزراعة والمياه والطاقة الشمسية، لنتقاسمها بأولويات الأكثر احتياجاً إليها، دون أن يرفعوا السلاح لإحساسهم بالامتهان أو المذلة .
رؤيتنا في حزب الأمة أن نتشارك جميعاً في تأسيس دستور يصوغ كل هذه المعاني، ويأتي بمجموعة مفوضة بحرية وشفافية تأتي لنا بانتخابات حقيقية، هذا يعني تغييراً جذرياً للسياسات الحالية وللعقلية التي تدار بها الدولة البوليسية القامعة للمواطن وتسعى لنهايته، فهي في نظرهم دولة لناس معينين بعرف معين وهوية معينة، علينا أن نعترف بذلك، والأسرع الذي نعترف به هو الأفضل لقيام دولة ناجحة قوية تقوم فيها كل تلك المعاني مستصحبة تجاربنا الكثيرة والثرّة، فنحن لا نحتاج إلى أن نعيد تجاربنا .
أما الذي يأتي بالمخاطر والتفتيت والتعقيد، هو أن المجموعة القابضة على زمام السلطة لا تريد أن تمنح الآخرين فرصة لهذا التغيير، وتريد أن تهيمن على الأوضاع، وهذا هو الخطأ الكبير، لأن ذلك سيجلب مزيداً من التغابن ورفع السلاح والتدخل الدولي، ومزيداً من الفشل الاقتصادي والسياسي والتمزق والتفتت، وبعد حين سنجد أنفسنا انقسمنا إلى عدد من الدويلات، لذلك أعود وأقول إن الأمور واضحة وسهلة وبسيطة، لكنها في نفس الوقت معقدة وخطرة .
على الذين يقودون السودان، أن يستخلصوا العبر وينظروا إلى المستقبل، ويروا أن كوكب الأرض تمضي فيه الموارد المتجددة إلى اضمحلال، وبالتالي من مصلحة العالم الذي استنزف موارده أن يطمع في مواردنا التي لم تستغل بعد والهيمنة عليها، علينا أن نرى مصلحتنا وكرامتنا جميعاً، ونترك الكلام عن السيادة والخطب الرنانة، فلن تفيدنا بشيء، خاصة أن النظام الدولي عرف السيادة بطريقة تفيد مصالحه لأن في المنطقة مصالح حقيقية كالطاقة المتجددة للمياه والزراعة والري .
وكما قلت فإن التوقعات مرتبطة بكل تلك المهددات، وإذا استمر “المؤتمر الوطني” في ذات سياساته الآنية، لا شك أننا نخطو نحو الهاوية، كأمة وشعب، سيأتي من يستعمر أرضنا بطمع حقيقي في هذه الموارد، وسنكون مجموعة من البشر بلا هوية، لذلك علينا أن نرجع إلى تجاربنا ونركن إلى كرامتنا ونرى في هذه الموارد مصدر إثراء للقوة والكرامة، والمضي إلى الأمام لإنشاء دولة قوية في الشمال، وأن نقيم علاقات سوية مع الجنوب، ترتكز على تعاون وثيق يطمئن الناس بأن هناك أملاً في عودة وحدة قوية على أسس علاقة مرتضية ومتفق عليها ومصالح مشتركة فيها أساس لوحدة الدولة الإفريقية التي تدفعنا لأن نكون قوة العالم الثالث الناشئة، فلا تسمح بالهيمنة عليها من بقية العالم، وتكون هي الامتداد الحضاري بين العالم القديم والجديد .
مخرجنا السياسي يكون عبر برنامج ووثيقة دستورية انتقالية نتواضع عليها، وهو أمر انتقالي يهيئ الأحوال والأجواء لحلحلة المشكلات بصورة معقولة وتهيئة الجميع لانتخابات حقيقية تجيز الدستور الانتقالي، وتكون في هذه المرحلة حلت مشكلات دارفور وجنوب كردفان بصورة حقيقية، وجميع المشكلات العالقة الأخرى، وطبعت العلاقة مع الجنوب بصورة تتيح للدولتين النماء والتطور، وليس حرب بعضنا بعضاً كما هو حاصل الآن، وتضع لبنات لقاعدة اقتصادية وتنظر إلى تجارب العالم للاستفادة منها وتتعامل مع المجتمع الدولي بمسؤولية والشعور بأننا جزء من الكل .
الحزب الشيوعي
الدكتور صديق يوسف (قيادي في الحزب الشيوعي السوداني): بداية أؤكد لك باختصار شديد أن أبعاد كل تلك الأشباح من السودان يتم بإنهاء النظام الشمولي القائم في السودان، ومن دون هذا الحل ستذهب البلاد إلى نفق مظلم، الآن انفصل الجنوب، والحرب دائرة في جنوب كردفان، اليوم وأنا أتحدث معك هناك قتال في كادوقلي، وفي دارفور، وقد تدور في النيل الأزرق، وبالتالي فإن مصير السودان هو التفتت والمزيد من الأزمات، بجانب ما سيواجهه السودان من مشكلات عالقة لم يبت فيها، مثل مشكلة الحدود والبترول ومياه النيل والمديونية والأصول، مختلف المشكلات المختلف حولها بين الشمال والجنوب، ما يعمق ويزيد من التوتر بين الدولتين . والحقيقة الواضحة أنه بعد التاسع من يوليو/تموز سيفقد الدستور الانتقالي صلاحيته، ولابد أن يفكر الجميع في كيف يحكم السودان، ليس الموضوع من سيحكمه، ولكن الأهم كيف يحكم بعد الانفصال، وكلها قضايا شائكة ومعقدة الآراء فيها مختلفة، لكن إذا وافق “المؤتمر الوطني” على الجلوس مع الآخرين للتفاكر، يمكن أن تحل مشكلات هذا البلد دون مزيد من المآسي، أما إذا رفض الجلوس، فهذا يعني انه لم يترك للآخرين فرصاً، وسيعملون بمختلف الوسائل لإطاحة هذا النظام، هذا هو الموقف باختصار شديد جداً .
الأمر بيد “المؤتمر الوطني”، إما أن يكون عاقلاً ويجلس مع الآخرين، وإما أن تستمر المخاطر الماثلة من تفتت وتقسيم، هذه المشكلات ستتفاقم وليس معروفاً أين ستكون الحرب المقبلة، في دارفور أم جنوب كردفان أم الشرق، ويمكن معالجة الأمور بإسقاط هذا النظام الذي يعارض كل الحلول القومية، فهذه المخاطر ليست خيالات أو توقعات، هي موجودة وماثلة أمام الجميع والعنف مستمر في كادوقلي وأبيي ودارفور . لكن المؤتمر الوطني لا يبالي وإذا كان لديه حدب على مصلحة هذا البلد يجب أن يجلس مع الآخرين ويصل إلى حل، لتدارك كل تلك المخاطر .
وأقول لك أمراً آخر، إنه بعد مفاوضات أديس أبابا، أصدرت الحركة الشعبية اليوم بياناً بأن الاتفاق الذي تم مع المؤتمر الوطني ووقعه نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ونائبه في الحزب، نسفه الرئيس البشير بنفي ذلك الاتفاق، نسفه كأنه لم يكن، وهذا يعني أن الأمور متفاقمة وتمضي إلى مزيد من التفاقم، وكل هذا يعود إلى المؤتمر الوطني، فبعد أن وصل الناس إلى حل مرض، وبواسطة نائب رئيس المؤتمر الوطني، وبتوقيع وشهادة ثامبو إمبيكي الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، يذهب الرئيس البشير ويقول إنه حتى وساطة إمبيكي والاتحاد الإفريقي لا يريدها، وهذا يعني الرجوع إلى الخلف .
الحزب الاتحادي
الدكتور علي أحمد السيد (قيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي):
السودان الحديث بعد الانفصال يتجه مباشرة لأن يكون دولة جديدة تجاورها دولة جديدة، وهناك نزاع في حدودها الجنوبية الجديدة، هذه الحدود تمتد من جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي، وهذه منطقة نزاع قائم، وبالتالي هناك خطر شديد إذا لم تحل أزمة تلك المناطق، سيصبح جنوب السودان الذي يجاوز هذه المناطق، في نزاع مع الشمال، وإذا رغبت الحركة الشعبية أو أي حكومة جنوبية عدم الدخول في حرب مع الشمال، ستكون هذه المنطقة منطقة نزاع إجباري، لأن تلك المناطق استراتيجية بالنسبة إليها، وستضطر في النهاية إلى شن الحرب على شمال السودان، وبالتالي هناك خطورة يجب أن تدفع الحكومة إلى الابتعاد عن المزايدات والتصريحات الاستفزازية التي يطلقها رئيسها من وقت لآخر، وأن تجلس لحل أزمة دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي، وإلا فإن السودان موعود بحرب لا تبقي ولا تذر من جنوب السودان، يدعهما المجتمع الدولي ويلتف حولها بقضية المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي يستطيع العبور إلى داخل السودان، خاصة أن الحكومة وافقت على هذه القوات الإثيوبية التي يتحدثون عنها وفقاً للفصل السابع .
كل همنا أن تفهم الدولة حقيقة تلك المخاطر، وأن تعمل على صيغة اتفاق بالنسبة إلى دارفور وكردفان وأبيي والنيل الأزرق، في أقرب وقت، والعمل على حل المشكلات العالقة بين الشمال والجنوب التي أثارتها قبل الانفصال، وأي حديث بعد ذلك عن مزايدات سيتسبب في مشكلة . والحكومة قد لا تصل إلى أيّ حلول لأنها مصرة على الانفراد بالحكم، ولكن على الأقل يجب أن تترك هذا التعالي وتجلس مع القوى السياسية، ويتفق الجميع على برنامج للحكومة المقبلة يخرج البلاد من الأزمة الحالية، وبعد ذلك ليس مهماً أن تكون حكومة قومية أو ذات قاعدة عريضة أو أي مسمى، المهم هو البرنامج وأن يتم الاتفاق عليه للخروج من الأزمة الحالية، وإذا حاول المؤتمر السير في طريقه منفرداً سيجد عدداً من العقبات ولن يصل إلى حل لكل المشكلات العالقة .
د . إسماعيل الحاج موسى: الحركة الشعبية عملت منذ البداية للانفصال
الدكتور إسماعيل الحاج موسى (عضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم): أولاً هناك سودان جديد، بعد إيفاء استحقاقات اتفاقية السلام، وعقب الاستفتاء الذي أفتى فيه الجنوبيون بالانفصال وإعلان دولتهم المستقلة عن الوطن الأم، فصار الوطن الواحد شطرين، هذا الانشطار الجغرافي فرض واقعاً جديداً، في المساحة والسكان والاقتصاد، لكن هناك ثباتاً في الأهداف والمسيرة في البناء والتطور . دولة بالجنوب، تحتاج إلى دعم من المجتمع الدولي ليقوى عودها وتمشي على قدمها وتكون لفائدة الإنسانية، والشمال مستعد لتقديم كل عون لهم لاجتياز مرحلة الميلاد إلى دولة مستقرة . المؤتمر الوطني يرى في الانفصال أشياء إيجابية وأخرى سلبية، والسلبية هي أن تفقد جزءاً من أرض الوطن، وهذه تؤثر في الناس، كما تأثروا بوداع الجنوبيين مع أنهم صوتوا للانفصال، إلا أن تعايش عقود من الزمان فرض ذلك، أما الإيجابية فإن الجنوب بتمرده كان يمثل مصدر قلق للسودان، والحرب كانت وبالاً علينا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وللأسف لأن الحركة كان توجهها فيه عنصرية دينية وعرقية، وجدت تعاطفاً كبيراً من بعض الدوائر الغربية مثل الولايات المتحدة، وكان كل ذلك على حسابنا، ولذلك وجدنا مشكلات كثيرة من المنظمات الإقليمية والدولية والنظام العالمي الجديد، وكل ذلك بدعوى أن الحكومة المركزية تتجنى في حق الجنوب، وهذا ليس صحيحاً، لأن المنطلقات وحقدهم القديم على السودان معروف، فحتى بعد الاستفتاء والانفصال، المجتمع الدولي متحيز للجنوب ومتحامل على الشمال، وكان هذا واضحاً جداً، وعانينا منه كثيراً، وأدى إلى أن يصبّ المجتمع الدولي الزيت على النار في دارفور، ويسعى إلى تدويل المسألة بطريقة سريعة ومريعة جداً، بأن يضع الملف لمجلس الأمن وثم يحمله إلى المحكمة الجنائية الدولية .
مخاطر التفتيت والتمزيق بعد الانفصال واردة، لكن أقول لك أنا عضو في المؤتمر الوطني وفي مكتبه القيادي، يجب على المؤتمر أن يتعظ مما فات ويستخلص العبر والدروس من تجربة ست سنوات مضت، فقد كانت الحركة تتعامل معنا بخبث شديد ونحن نتعامل معها بحسن نية أكثر من اللازم، حتى إنني في أحد اجتماعات المكتب القيادي ضربت لهم مثلاً بتعامل عمرو بن العاص مع أبي موسي الأشعري في واقعة الجمل، لابد أن يأخذ الناس حذرهم لأن الذي فعلوه في جنوب كردفان وأبيي ومحاولات تسجيل عقار لحزبهم مرة أخرى باسم الحركة الشعبية في الشمال كلها مؤشرات بأنهم لن يتركوا الشمال في حاله، هناك من يقول إنهم تخلوا بعد الانفصال عن مبدأ وفكرة السودان الجديد، وأنا أقول لم يتخلوا، فالسودان الجديد لم يكونوا ينوون تكوينه بفكرة سودان موحد بل بفكرة سودان ممزق ومفتت، وهذا ما يسعون إليه الآن، بداية بالانفصال ثم الزحف على جنوب كردفان والنيل الأزرق، ثم بقية السودان، وبعد الاستفتاء بالانفصال مباشرة أشعلوا النار في جنوب كردفان وأبيي، المؤتمر الوطني لابد أن يتعامل بذهنية جديدة بها كثير من الحذر، لأن هؤلاء الناس لا أمان لهم، ويتآمرون علينا .