كلمات الحياة الزوجية ومعناها
أم عبد الرحمن محمد يوسف
قال تعالى: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].
(ضعف بيت العنكبوت ليس في ضعف خيوطه فقط، وإنما أيضًا بسبب أن الأسرة فيه ليس فيها الاستقرار، فمن طبع أنثى العنكبت أنها تُخرج صوتًا إذا أرادت الذكر، وبعدما تنتهي منه تَسُمه وتقتله، ثم إذا رزقت البيض وهم أبناؤها، أكلت نصفهم إذا أحست الجوع فلذلك ضرب الله بها المثل بأنها أوهن البيوت، لأنها لا تقوم على دعائم الاستقرار) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(3)].
أخي الزوج/ أختي الزوجة:
إن البيت المسلم هو أبعد ما يكون عن وصفه (أوهن البيوت)، لأنه منزل عنوانه الحب بين أفراده، وتكون الرحمة والمودة هي أساس العلاقة بين الزوجين، ولذلك لا ينهار أبدًا هذا البيت لأن أساسه تقوى الله وطاعته سبحانه وتعالى.
وليس هذا معناه أن الزوجين في هذا البيت لا يختلفان أبدًا، ولا يحدث بينهما عتاب وشقاق، فهذا من الأمور الطبيعية في الحياة الزوجية بل في عالم البشر ولم يتحقق ذلك في بيت أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه أن ذلك الخلاف سرعان ما يذوب لأن الزوجين يتذكرا رابط الحب والمودة والرحمة بينهما، فيذهب الشقاق ويبقى الوئام والحب والرضا.
وفي هذا المقال سنعرض بعض المفرادت في قاموس الحياة الزوجية حتى لا يجف الحب بين الزوجين.
1. إ= إنصات:
(لو كان علي أن أختار نصيحة واحدة للإبقاء على المودة والرحمة والحب بين الزوجين، لاقترحت على الزوجين أن يُنصت كل منهما للآخر بصورة أفضل ولاشك، أن الرجال أولى بهذه النصيحة من النساء، فإن أكثر النساء يشكين من أن أزواجهن لا يستمعون إليهن بشكل جيد، ولذلك فإن أقل تحسن يطرأ على إنصات الزوج لزوجته، يكون له مردود جميل في نفسها، ذلك أن هذا الاستماع أشبه بالدواء السحري الذي يؤتي ثمارًا جيدة في جميع الأحوال.
إن أي إنسان حين يشعر أن هناك من يستمع لما يقوله، فإن ذلك يشعره بحب هذا الذي ينصت إليه) [لا تهتم بصغائر الأمور في أسرتك، د. ريتشارد كارلسون، ص(29-32)، بتصرف].
ولذا أيها الأزواج، حينما يقدَّم كلا الزوجين لبعضهما النصح والتناصح، فإن أحدهما يسعى إلى الإحساس والتقديم من جانب الطرف الآخر، وإذا تحقق من مجرد الإصغاء، فإنه يشعر أنه حصل على هدية محببة، ولا يكون في حاجة إلى أكثر من ذلك.
2. أ= أمن:
(الأمن من الحاجات النفسية، الضرورية لكي يسعد الإنسان في حياته وينعم، ولو تخيلنا أن إنسانًا يملك العقار والدينار والطعام، وبينه وبين هذه الملذات أسد جائع فاغرًا فاه ينتظر قدومه، فهل يهنأ هذا الإنسان بهذه النعم، أو يكون تفكيره في الأسد وكيفية النجاة منه؟
لاشك أن الأمن إن فُقد فإن الإنسان لا يهنأ بعيش أبدًا، هذا ما يحدث لأحد الطرفين في الحياة الزوجية، إذا لم يتوفر له الأمن النفسي من الطرف الآخر حتى لو أغدق عليه المال والعقار، فإنه يبقى محتاجًا إلى الاهتمام به ليشعر أنه آمن، يبقى محتاجًا إلى اللمسة الحانية، وإلى النظرة الرحيمة وإلى مشاركته في الأحزان والأفراح، ويبقى محتاجًا إلى الجلوس معه والحديث إليه عن الأحلام والأماني المشتركة، حينها يشعر أن الطرف الآخر مهتم به ويقدره ويحترمه.
ولهذا لابد أن يُسمع الزوج زوجته بعض الكلمات التي تشعرها بالأمان في حياتها معه، وكذلك الزوجة تُسمع زوجها بعض الكلمات التي يشعر الزوج بعض سماعها بأنها تحافظ عليه وعلى أبنائه وأمواله وبيته فيطمئن ويستقر) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(5)، بتصرف].
إن الشعور بالأمان إذا لم يتوافر لدى كلا الزوجين، فإن الولاء للبيت الزوجي سينتهي لا محالة، وذلك لأن الزوجين لا يتبادلان الشعور بالأمان ولا يطمئنان لتصرفات بعضهما، فمن علامات الأمات أن يبث كل من الزوجين همومه للآخر ويتحدث كل منهما عن طموحاته وأحلامه، ويردد بين الفينة والفينة أنه بحاجة للشريك الحياة الآخر، وأنه يشكر الله عز وجل، أن جمع بينهما في علاقتهما الزوجية، وهذا من الإشعار بالأمان في القول، فدفاع كل واحد منهما عن الآخر في ماله واسمه وسمعته وعمله بل وحتى في عيوبه وأخطائه، هذا يزيد الشعور بالارتياح وتحقيق الأمن.
3. ت= تسامح:
(كان أبي رحمه الله يقول لي: إذا استطعت أن تسامح فأنت أقوى الأقوياء، وحين تأملت هذه الكلمات وجدتها صالحة لأن حكمة من حكم العلاقة بين شركاء الحياة.
إنه لا يوجد شخص في الدنيا ليس لديه قدر من الأخطاء والتصرفات التي تضايق الآخرين، وأنا أحكي هنا عن نفسي، فإن لدي العديد من الأخطاء التي ربما لا أتحمل أن تكون لديك، إننا جميعًا بشر، وسواء كان الواحد منا يعيش مع شريك حياته، فلابد أن يضع في اعتباره أنه يمكن أن يواجه الأخطاء، ولابد من ثم أن يختار بين طريقتين للتعامل مع هذه الأخطاء.
الأولى: أن تواصل نقدك وضيقك بالأخطاء الصغيرة.
والثانية: أن تسامح شريك الحياة على كل هذه الأخطاء التي يقع فيها.
ولاشك أن الطريقة الثانية تحمل لك قدرًا كبيرًا من الارتياح، فالعفو والتسامح يورث في النفس راحة وطمأنينة، ومن ثم سعادة ذاتية وحبًا للآخر) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(678-679)].
أيها الأزواج، إن قبول الأخطاء والمشكلات كجزء من الحياة الزوجية يسهم بالإسراع في التواصل إلى علاقة زوجية طيبة، فالبيت السعيد لا يقوم على المحبة وحدها، بل لابد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين، إن أساس التسامح هو أن أن يتبادل الزوجان الثقة وحسن الظن, والتعاون في إقامة البيت المسلم.
هذا التعاون يكون بكل صوره، ماديًا، ومعنويًا، فيساهم الزوجان من خلال تعاونهما في استعدادهما لحل ما يعرض للأسرة من المشكلات.
4. م= مودة:
(الناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة.
ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/485)].
ومن الغريب أننا نجد الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما، إذا بالصلة تقوى بينهما، فيكونان ألصق اثنين ببعضهما في جوٍّ من المحبة والمودة والرأفة، لم تكن بين الزوجين قبل الزواج، وإنما حدثت هذه المودة والرحمة بعد الزواج، الذي شرعه الله تعالى بين الرجال والنساء.
5. ص= صداقة:
(كان يحدِّثني بينما كنا معًا في العمل: خرجتُ أنا وصاحبتي وتمشينا على شاطئ البحر طويلًا، فلم نشعر بالوقت يمر علينا، ثم انطلقنا إلى أحد المطاعم لنتناول العشاء، ثم ذهبنا مسرعين إلى البيت لننعم بالدفء سويًّا، وقضينا الليل حتى ظهرت أول أنوار الصباح متقاربين، نتحادث ونتسامر ونتطلع إلى النجوم ...
وبينما كان صاحبي يصف جمال ليلته الماضية، حانت منه التفاتة إلى وجهي، فوجدني مشدوهًا فاغرًا فمي مندهشًا من جرأته؛ فتوقف ليسألني: ماذا هناك؟ ماذا بك؟
فقلت: أنت الرجل الحريص على رضا ربك، المجانب لكل ما حرم، تفعل كل هذا ثم لا تستحي أن تذكره للآخرين.
قال: وما الحرام في صحبة زوجتي، وأُم أبنائي، وقضاء بعض الوقت الجميل معها؟!) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(273-274)].
فلم يتوقع صاحبه أن تكون صاحبته التي خرج معها وكان سعيدًا بقضاء الوقت معها أن تكون زوجته، ربما تَوَقَّع أي واحدة أخرى إلا زوجته، وكأن هذه الصورة لا يمكن أن تتحقق بين الأزواج، وتكون فقط بين الأحباب في الحرام.
إن العلاقة بين الزوجين لها خصائص كثيرة، ولكن إذا أردنا اختيار خاصية واحدة تضفي على علاقتهما دوام المتعة والحيوية على مر السنين، فليست إلا أن يعامل كلٌّ منهما الآخر معاملة الصديق الحميم، فعندما يكون الزوجان أصدقاء في المقام الأول؛ فإن الأمور تسير طبيعية من تلقاء نفسها.
فالصداقة تحتم على كل صديق أن يدعم صديقه، وأن يتحمله ويعطف عليه، ويلتمس له العذر، كما أن الصداقة تسهل عملية التواصل.
ورقة عمل:
ـ إن الشعور بالأمن من دعائم الاستقرار في الحياة الزوجية، فلابد أن يتبادل الزوجان الكلمات التي تدل على ذلك، مثل "أنا معك- نحن على قلب رجل واحد".
ـ التسامح، يجب أن يكون شعارًا في الحياة لكلا الزوجين، ويتمثل ذلك في المبادرة بحسن الظن تجاه الطرف الآخر.
ـ فلينصت كل واحد منكما للآخر، وليخفف من عناء الآخر في الحياة، وليهتم وهو يسمع الآخر، حتى يبادله الشريك الآخر نفس الشعور.
المصادر:
· حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.
· في ظلال القرآن، سيد قطب.
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع.
· لا تهتم بصغائر الأمور في أسرتك، د. ريتشارد كارلسون.