حتى يستطيع الطفل الحياة

حتى يستطيع الطفل الحياة



عمر السبع

قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

({وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} أي: ليعن بعضكم بعضًا على البر، وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين.

والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، أوخصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها وينشط لها، وبكل فعل كذلك.

{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ} وهوالتجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ويحرج. {وَالْعُدْوَانِ} وهوالتعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل) [تفسير السعدي، ص(218)].

طبيعة الإنسان:

الإنسان كما خلقه الله عز وجل يميل دوما الى طبيعته ككائن اجتماعي يشعر بالوحدة والعزلة إذا ما ابتعد عن الناس اوابتعدوا عنه، وبالتالي فهو يحاول الاجتماع معهم والالتقاء بهم لقضاء مصالحه، فعلى مستوى المجتمع هناك توزيع للأدوار، وكل يؤدي عمله في منظومة متكاملة تسودها روح الفريق، وبالتالي لا يستقيم عمل ما من دون تبادل الادوار حتى نصل الى الهدف المقصود.

عزيزي المربي:

إن دورك مع ولدك هوغرس القيم والأخلاق الحسنة، فقد (أقام الإسلام قواعد التربية الفاضلة فى نفوس الأفراد صغاراً وكباراً رجالاً ونساء شيبا وشباناً، على أصول نفسية نبيلة ثابتة، وقواعد تربوية باقية، لا يتم تكوين الشخصية الإسلامية إلا بها ولا تتكامل إلا بحقيقتها.

وهى فى الوقت نفسه قيم إنسانية خالدة ولغرس هذه الأصول النفسية فى نفسيات الأفراد والجماعات أصدر الإسلام توجيهاته القيمة، ووصاياه الرشيدة، لتتم التربية الأجتماعية على أنبل معنى، وأكمل غاية، حتى ينشأ المجتمع على التعاون المثمر والترابط الوثيق، والأدب الرفيع والمحبة المتبادلة والنقد الذاتي) [التربية فى الإسلام، عبد الله ناصح علوان، (1/353)].

إن خلق التعاون من أهم الأخلاق التي يجب على الوالد أن يحرص على غرسها في ولدها، فبدون التعاون لا يستطيع الطفل العيش وسط زملائه، لأن الناس تنفر من الإنسان الأناني، والطفل حينما يتربي من صغره على الأنانية ويكبر، يكون من الصعب تغيير تلك الصفة، لأنها أصبحت جزء لا يتجزأ من شخصية الطفل.

كيف تغرس التعاون؟

هناك طرق عديدة لغرس هذا الخلق في نفوس الأطفال:

1. القدوة الحسنة:

فهو أهم طريق لغرس أي خلق أو قيم في نفوس أبنائنا، فبدون القدوة لا يستطيع المربي أن يربي ولده، فلا يُعقل أن يقول الوالد لولده شيء، ثم يأتي عكسه، ويريد الأب بعد ذلك أن يكون ولده متعاونًا.

ولنضرب مثالًا، أب يريد أن يغرس خلق التعاون في طفله، فيقول له: (لابد لك يا أحمد أن تكون متعاونًا مع أخيك مازن، فإذا طلب منك شيئًا فقم بمساعدته).

ثم يحدث أمر أن تطلب الأم مساعدة الأب في بعض الأمور فيقول لها: (لا تطلبي مني مثل تلك الأمور، فهذه مهمتك).

فكيف نتصور أن يُغرس خلق التعاون في نفس الطفل، ثم يتصرف الوالد بعكس ما نصح به ابنه.

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3].

({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به.

فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}) [تفسير السعدي، ص(858)].

فاعلم أن ولدك أمانة عنك والله تبارك وتعالى سيسألك عنه يوم القيامة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله سائل كل راع فيما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه) [صححه الألباني].

(فهذا الحديث هوعنوان كلامنا الآن حول مسئولية التربي, فبداية العمل الشعور بمسئولية التربية ومسئولية التربية مسئولية دينية واجتماعية وشخصية) [مراهقة بلا أزمة أكرم رضا ص(27- 29)].

إن القدوة الحسنة أيها الآباء هي العامود الرئيس في أي بنيان، فمثل القدوة مثل البناء الذي له قواعد يبنى عليها، فالقدوة هي (أول ركائز التربية وأُسها التي لا غنى لها عنه، بأن يكون الأب قدوة حسنة في سلوكه وأقواله وأعماله كلها أمام أبناءه قبل كل شيء، فقبل أن يربيهم على التخلق بالخلق الحسن، يجب عليه أن يتصف هو بمكارم الأخلاق، وهذا هو حال قدوتنا الأول عليه الصلاة والسلام، فإنه كان إذا أمر بشيء عمل به أولاً ثم تأسى به الناس من بعده، وهذا بلا شك أقوى وأوقع في النفس) [الآباء مدرسة الأبناء، فهد محمد الحميزي، ص(6)].

2. سرد القصص:

إن القصة لها دور هام في تربية الأولاد بصفة عامة، فمن مميزاتها:

ـ تحاكي وجدان الطفل.

ـ يستطيع الطفل أن يتفاعل معها بكل سهولة.

ـ أسلوبها بسيط، في توصيل المعلومة المفيدة إلى الطفل.

كما أن القصة هي تعتبر الأكثر تأثير في عملية التربية، وليس أدل على ذلك أفلام الكارتون التي يحب الأطفال مشاهدتها والتفاعل معها، كما يعشق الأطفال قصة ما قبل النوم، بل ونجد أن الأطفال في بعض المواقف يقومون بتمثيل بعض الحركات التي يرونها في أفلام الكارتون.

وحينما نبحث في كتاب الله، نجد أن القصة كان لها دورًا كبيرًا في تربية نفوس المؤمنين، فالقرآن مليء بالقصص التي تتحدث عن الأمم السابقة، ونجد أن الله عز وجل قد نوَّع من عرضها، فمثلًا نجد قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، معروضة بأكثر من طريقة.

(إن القصة من أهم الأساليب المستقاة في تربية الأبناء، بل في تربية المجتمع؛ فالتربية بالقصة وتوصيل المعنى بالإحساس وتحقيق الهدف بالمثال من أفضل الأساليب وأكثرها نجاحًا، وأنجعها نتيجة إن شاء الله.

فنحن نجد بأن الموعظة بالقصة تكون مؤثرة وبليغة في نفس الطفل، وكلما كان القاص ذا أسلوب متميز جذاب؛ استطاع شد انتباه الطفل والتأثير فيه؛ وذلك لما للقصة من أثر في نفس قارئها أو سامعها، ولما تتميز به النفس البشرية من ميل إلى تتبع المواقف والأحداث رغبة في معرفة النهاية التي تختم بها أي قصة، وذلك في شوق ولهفة.

فمما لاشك فيه أن القصة المحكمة الدقيقة تطرق السامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر؛ ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعًا وأكثر فائدة؛ فالقصة أمر محبب للناس، وتترك أثرها في النفوس، والمعهود حتى في حياة الطفولة أن يميلَ الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة) [التربية بالقصة، محمد صالح المنجد].

وهناك قصص يمكن تحكيها لولدك لتغرس فيه خلق التعاون، مثل:

فيُحكى أن شيخًا كبيرًا جمع أولاده، وأعطاهم حزمة من الحطب، وطلب منهم أن يكسروها، فحاول كل واحد منهم كسر الحزمة لكنهم لم يستطيعوا، فأخذ الأب الحزمة وفكها إلى أعواد كثـيـرة، وأعطى كل واحد من أبنائه عودًا، وطلب منه أن يكسره، فكسره بسهـولة، ومنها تبين للأبناء حينما يتعاون الإنسان مع أصدقائه فتتوحد جهودهم ويحققون النجاحات.

ماذا بعد الكلام؟

1. كن قدوة لأولادك في خلق التعاون، يجب أن تظهر لهم خلق التعاون من خلال مساعدة زوجتك في بعض الأعمال.

2. احكي لهم القصص التي تتحدث عن خلق التعاون، وما أجمل أن توفر لهم أشرطة لأفلام كارتون تتحدث عن هذا الخلق الكريم.

3. علِّم أولادك أن يشاركوا في أعمال المنزل ويجب (أن تستغرق وقتًا كافيًا فى تدريب الأطفال, والتأكد أنهم يستطيعون القيام بالمهام كما هو متوقع وأنهم يستطيعون القيام بالمهام كما ه ومتوقع وأنهم مدركون لكيفية القيام بها، كما أنه يجب عليك ألا تعاقب أطفالك إذا لم يتم القيام بالأعمال المنزلية بل ينبغى أن ترجع إلى اجتماع الأسرة وتناقش المشكلات, ونضع خططاً يمكن السير عليها) [التهذيب الإيجابى، جان نيلسن وآخرون، ص(88)].

المصادر:

· التهذيب الإيجابى، جان نيلسن وآخرون.

· التربية بالقصة، محمد صالح المنجد.

· التربية فى الإسلام، عبد الله ناصح علوان.

· مراهقة بلا أزمة، أكرم رضا.

· تفسير السعدي.

منقول للفائدة