الطريق لفهم لغة الطفل
(عن ابن عمر قال قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق، فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها: ويحك إني لأراك أم سوء مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة، قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى، قال: ولم، قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم قال وكم له قالت: كذا وكذا شهرا قال: ويحك لا تعجليه فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر مناديا فنادى أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام) [صفة الصفوة، ص (282)].
البكاء هو لغة الطفل..
قد تجلس مع أحد أصدقائك ليخفف عنك الحزن عندما تصاب ببعض الإحباط، أو تذهب لتشتري شيئًا من المثلجات إذا شعرت بالحر، كما أنك تلتف ببطانية ثقيلة عندما تصاب ببعض البرد، وتذهب لتستشير الطبيب إذا أصبت ببعض المغص.
أنت أيها المربي العزيز تستطيع أن تصنع كل هذه الأشياء ببساطة وسهولة، ولكن طفلك الصغير يعجز أن يفعل شيئًا واحدًا من ذلك، ولذلك يعبر عن حاجاته بالبكاء، فالبكاء: هو طريقة المولود الرئيسية في التواصل مع الآخرين.
(فيستطيع الطفل الصراخ بعد الولادة مباشرة، ومعنى ذلك أن حباله الصوتية تستطيع العمل منذ ذلك الوقت المبكر، وطبيعة الصرخة الأولى على حسب تفسير علماء الفيزيولوجيا ينظر إليها على كونها فعلًا منعكسًا لمثير خارجي، هو مرور الهواء بالقصبة الهوائية إلى الرئتين لمساعدة الوليد على التنفس ليضمن لنفسه الحياه، ثم يتحول الصراخ يالتدريج ويصبح معبرًا عن صور شتى من عدم الارتياح) [سيكلوجية النمو والارتقاء د.عبد الفتاح دويدار، ص (155)].
إذا عُرف السبب بطل العجب:
بعد أن عرفت عزيزي المربي أن بكاء الطفل ما هو إلا تعبير عن رغباته وطريقته في التواصل مع الآخرين، فأنت الآن تدرك أن الطفل لا يبكي إلا بسبب، وبالتالي فطريقتك الناجحة في التعامل مع هذا البكاء أن تحاول التعرف على السبب؛ كي تعالج مشكلة البكاء بدلًا من أن تصرخ أو تضرب..
ووظيفتنا عزيزي المربي أن نعرفك الآن على الأسباب التي تجعل الطفل يبكي، ومن أبرز هذه الأسباب:
1. الجوع أو العطش.
2. خلع الملابس.
3. درجة الحرارة (شعور الطفل بالبرد أو الحر).
4. البلل والرغبة في تغيير الحفاض.
5. الوحدة أو الملل.
6. الخوف.
7. الإرهاق.
8. الألم.
· ألم في المعدة بسبب الانتفاخ أو الإمساك.
· ألم في الأذن.
· ألم في الرأس.
· المغص.
9. الرغبة في النوم.
ووظيفتك عزيزي المربي أن تتعرف على السبب الذي يبكي لأجله الطفل حتى يتسنى لك بعد ذلك إيقاف البكاء، وتفاعل الوالدين لا بد أن يكون سريعًا ذلك لأن المشكلة عند الطفل قد تكون مرضية والأبوان لا يعرفان، لذلك عليهما في هذه اللحظة أن يستشيرا الطبيب لعلاج المرض الذي يعاني منه الطفل.
(إن الصوت الوحيد الذي يأتي به الطفل منذ لحظة الميلاد، وخلال الشهر الأول هو صوت البكاء فالأطفال لديهم أنواع كثيرة من البكاء مرتبطة بأنماط مختلفة من الأصوات، ويبدو أن هذه الأصوات المختلفة للبكاء مرتبطة فقط بأنواع معينة من عدم الراحة أو المشكلات) [علم نفس النمو، د.سيد محمود الطواب، ص (249)].
الوقاية خير من العلاج:
وحتى نسهل عليك عزيزي المربي التفاعل مع بكاء الطفل بالطريقة الصحيحة، سنقدم لك مجموعة من النصائح التي تستطيع من خلالها أن تمنع بكاء الطفل ابتداءً، أو على الأقل تحصر سبب بكاء الطفل في أمر أو أمرين مما ذكرنا:
· على الأم أن تحدد مواعيد محددة يحصل فيها الطفل على وجبته الخاصة، وكذلك مواعيد محددة للشرب وذلك خاصة في فترة الصيف حيث أن الطفل قد يرغب في الشرب، ولكنه لا يستطيع التعبير عن رغبته.
· على الأم أن تقوم بتغيير الحفاضات بصورة مستمرة ومنتظمة والتأكد من نظافتها.
· على الأم التأكد من تدفئة طفلها بصورة جيدة في الشتاء كما عليها ألا تخنقه بالملابس في فترة الصيف.
· يحتاج الطفل إلى الترفيه والترويح عن نفسه، فقد يكون البكاء تعبيرًا عن رغبته في الترفيه؛ ولذلك يفضل أن تقوم الأم بنزهة مع طفلها في مكان طلق يستنشق فيه طفلها الهواء، ويستريح من جدران البيت.
· لا بد أن تتأكد الأم من أن طفلها ليس مريضًا، فإنه إذا اشتد البكاء وصحبه تشنج فهذا يدل بدرجة كبيرة على أن الطفل يعاني من مرض ويحتاج إلى علاج.
· يحتاج الطفل في مقتبل عمره إلى ساعات طويلة من النوم؛ ولذلك على الأم محاولة تنظيم ساعات نومه بقدر المستطاع، ولا يكون ذلك إلا بتنظيم النوم في البيت وفق ساعات محدده؛ لأن الطفل بعد مرور فترة الإضطراب في النوم بعد الولادة، يكون نظامه في النوم على طريقة والديه، فإذا اعتاد والداه السهر، قد لا يستطيع الطفل النوم، وبالتالي يعبر عن رغبته في النوم بالبكاء.
من طريقة البكاء تستطيع أن تتعرف على حاجة طفلك:
· بكاء الطفل عند الجوع: علامته أن يكون صياحًا عاليًا، ويضع إصبعه في فمه، وقد ترافقه نغمة تدل على القلق.
· بكاء الطفل عند العطش: علامته السكوت عند وصول الماء إليه.
· بكاء الطفل عند المغص: علامته شدة الصياح، وثني الفخذين على البطن.
· بكاء الطفل عند البرد: علامته الاستمرار في البكاء، ثم وقوف البكاء فجأة عند حصول الدفء.
· بكاء الطفل عند القلق (بسبب عدم انتظام ملابسه أو اختلال نظامه): علامته الاستمرار في البكاء مع الإصرار.
· بكاء الطفل عند النعاس: علامته البكاء مع فرك عينيه.
كيف تتعامل مع بكاء طفلك المدلل؟
في تلك اللحظة..
أي في اللحظة التي يبكي فيها.. ويريد أن تلبي له ما يريد
عليك أيها المربي أن تلتزم بسلوكين أساسيين:
1. الثبات على المبدأ:
ونعني بالثبات على المبدأ: هل من الصواب أن ينال الطفل ما يريد؟ فمثلًا إن كان الطفل معاقبًا، بسبب عدم قيامه بالواجبات المدرسية مثلًا، أو قيامه بمخاطبة أمه أو أبيه بطريقة غير لائقة، ثم بعد ذلك مر في السوق فتعلق بشيء وبكى واشتد في البكاء والغضب لينال هذا الشيء..
فنقول لك أيها المربي الفاضل: لا تستجب لنداء الطفل، واثبت على المبدأ، وافعل ما تراه صوابًا، واعلم أنك لا تظلمه بل أنت بهذا تكرمه، فقد يكون الدواء مرًا في بادئ الأمر، ولكن يرجى بإذن الله فيما بعد به الشفاء، كما قد يكون مشرط الطبيب شديد الإيلام، ولكنه قد يستأصل الداء بإذن الله.
2. الصبر.
قد يصعب عليك الأمر أن ترى طفلك يبكي ولا تلبي حاجته، وقد تخاف من ردود أفعال الناس، أو نظرة الناس لك وأنت تفعل الصواب.
فنقول لك أيها المربي الفاضل: كن عقلانيًا تمامًا، وفكر في المستقبل، وأنك كلما استسلمت أكثر لندائه وبكائه زاد من هذا السلوك السيئ في المستقبل، وكلما قاومت هذا السلوك؛ قلت حدة هذا السلوك السيئ في المستقبل.
كما أن عليك أيها المربي العزيز أن تتجنب حدوث هذا السلوك، فإن كنت تظن أن ذهابه معك سيكون نتيجته البكاء والإلحاح، فلا مانع أبدًا من أن تتركه مع أمه أو مع أحد الأقارب حتى ترجع من السوق، كما أنه إن حدث هذا الصراخ وخفت ردود أفعال الناس، فنقول لك: اترك المكان فورًا إن أمكن، ولكن لا تلبي له حاجته ما دام الصواب أن لا تلبيها.
إن الطفل الذي تعود أن سلاح البكاء نافذ التأثير عليك سيستخدم هذا الأسلوب في كل مرة، وسيحاول أن يصل به إلى أهدافه ورغباته، وأنت أيها المربي الفاضل إن استجبت مرة بعد مرة وتعاملت مع الأمر بعاطفتك لا بعقلك، ستصنع طفلًا مدللًا..
لا نعني القسوة:
فلا نعني بهذا الأسلوب من الثبات على المبدأ والصبر أمام بكاء الطفل أن تكون قاسيًا أو لا تلبي له أي شيء من رغباته، أو أن تكون جافًا قاسيًا معه..
ولكننا نعني أن تلبي له رغبته في الوقت المناسب، وألا تفعل في الوقت الذي يكون فيه غير مستحق لها، وأن تعلمه أن يكون منضبطًا ومطيعًا، وأن ما يحتاجه لا يعني بالضرورة أن يحصل عليه في ساعته، وليس بالضرورة أن يتملكه، بل لا بد وأن يدرك أن الإنسان قد يتمنى أشياءً ولا يتمكن من الحصول عليها، وربما حصل عليها فيما بعد ولكن عليه تقبل ذلك دون بكاء.
ماذا بعد الكلام؟
ـ لابد لك أن تفهم أيها المربي لغة البكاء لطفلك الصغير، فقد تكون ناتجة عن الرغبة في النوم، أو الرغبة في تناول الطعام.
ـ لابد أن تفرق بين بكاء الأطفال، فقد يكون بكاء الطفل لجذب الانتباه والتدليل.
ـ يجب ألا يقودك عدم استجابتك أحيانًا لبكاء الطفل إلى القسوة عليه.
المصادر:
· علم نفس النمو، د.سيد محمود الطواب.
· سيكلوجية النمو والارتقاء د.عبد الفتاح دويدار.
· صفة الصفوة، ابن الجوزي.
منقوووووول