( ممَا جَاءَ فِي : النَّهْيِ عَنْ التَّبَتُّلِ )
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ وَ زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ
قَالُوا حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ رضى الله عنهم
عَنْ سَمُرَةَ رضى الله تعالى عنه
[ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ ]
قَالَ أَبُو عِيسَى وَ زَادَ زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ فِي حَدِيثِهِ وَ قَرَأَ قَتَادَةُ رضى الله تعالى عنه
قول الله سبحانه و تعالى
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً }
قَالَ وَ فِي الْبَاب عَنْ سَعْدٍ وَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنهم
وَ عن أم المؤمنين أمنا السيدة / عَائِشَةَ / رضى الله تعالى عنها و عن أبيها
وَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله تعالى عنهما
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَ رَوَى الْأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ
عَنْ أمنا السيدة / عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ نَحْوَهُ وَ يُقَالُ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ .
الشـــــــــروح
التبتل : هُوَ فِي الْأَصْلِ الِانْقِطَاعُ ، وَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِانْقِطَاعُ مِنَ النِّسَاءِ وَ تَرْكُ التَّزَوُّجِ .
قَوْلُهُ : ( رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ - حكمه - )
أَيْ : لَمْ يَأْذَنْ لَهُ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ ، بَلْ نَهَاهُ عَنْهُ ،
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ وَ وَجَدَ مُؤَنَهُ
( وَ لَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ) أَيْ : لَجَعَلَ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ خَصِيًّا كَيْ لَا يَحْتَاجَ إِلَى النِّسَاءِ ،
قَالَ الطِّيبِيُّ : كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ : وَ لَوْ أَذِنَ لَهُ لَتَبَتَّلْنَا ، و لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَى
قَوْلِهِ : لَاخْتَصَيْنَا ؛ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ . أَيْ : لَبَالَغْنَا فِي التَّبَتُّلِ حَتَّى يُفْضِيَ بِنَا الِاخْتِصَاءُ ،
و لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاءِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ ، و قِيلَ ، بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ،
وَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَاءِ ،
و يُؤَيِّدُهُ تَوَارُدُ اسْتِئْذَانِ جَمَاعَةٍ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي ذَلِكَ
كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَ غَيْرِهِمَا ، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي ،
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ جَوَازَ الِاخْتِصَاءِ بِاجْتِهَادِهِمْ ،
وَ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُمْ هَذَا مُوَافِقًا ، فَإِنَّ الِاخْتِصَاءَ فِي الْآدَمِيِّ حَرَامٌ صَغِيرًا كَانَ ، أَوْ كَبِيرًا ،
قَالَ الْبَغَوِيُّ : وَ كَذَا يَحْرُمُ خِصَاءُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ ،
وَ أَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ فِي صِغَرِهِ وَ يَحْرُمُ فِي كِبَرِهِ . انْتَهَى .
قُلْتُ : يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ مُطْلَقًا صَغِيرَةً كَانَتْ ،
أَوْ كَبِيرَةً مَأْكُولَةً كَانَتْ ، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
[ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ نَهَى عَنْ صَبْرِ الرُّوحِ ، وَ عَنْ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ نَهْيًا شَدِيدًا ] ،
وَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى ، و يُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَ الطَّحَاوِيُّ
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
[ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَنْ إِخْصَاءِ الْخَيْلِ وَ الْبَهَائِمِ ] ،
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ خَصْيِ الْحَيَوَانَاتِ ،
و قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ : فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ أَيْ : زِيَادَتُهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْخَصْيَ تَنْمُو بِهِ الْحَيَوَانَاتُ ،
وَ لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ جَالِبًا لِنَفْعٍ يَكُونُ حَلَالًا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَ إِيلَامِ الْحَيَوَانِ ،
هَاهُنَا مَانِعٌ ؛ لِأَنَّهُ إِيلَامٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّارِعُ ، بَلْ نَهَى عَنْهُ . انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ ،
و قَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَ التَّابِعِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى
{ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ }
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ