سواء في البيوت أو في المستشفيات، أصبحت عيادة المريض مصحوبة بعدة عادات اجتماعية أفقدتها الدور الذي أنيطت به وهو التخفيف عن المريض، إذ أصبح الكثير ممن يعودون المرضى يقومون بكثير من السلوكات التي تسيء إلى المريض أكثر، مما تخفف عنه ألم المرض، فالبعض يسرف في الحديث ويلجأ إلى سرد حكايات مرضى قهرهم المرض أو أدى بهم إلى الموت، والبعض الآخر ينسى أنه في حضرة مريض يحتاج إلى الهدوء والسكينة ويلجأ إلى كثرة الضحك والقهقهات حتى يمل المريض من زيارته ويتمنى لو لم يعده، والبعض الآخر يمكث طويلا وينتظر من أهل المريض أصناف المأكل والمشرب كأنه لم يأت إلى عيادة مريض بل إلى إرواء ظمإه والقضاء على جوعه.
إنها عادات سلبية ترافق عياة المريض ما أنزل الله بها من سلطان في الوقت الذي وجب الإمتثال لآداب
عيادة المريض كما أمر بها الإسلام تخفف الآلام وتقوي الآمال في الشفاء.
من قلب المستشفى
(س. م) ممرضة بمسشفى عمومي تقول إن الذين يعودون المرضى نادرا ما يلتزمون بآداب عيادة المريض، إنهم يؤذونه أكثر مما يعودونه بأساليبهم، فمنهم من لا يحترم تعليمات الطبيب للمريض في ما يخص الأكل فيأتي بأصناف المأكولات دون أخذ بعين الإعتبار حالة المريض الذي قد يكون من بين الممنوعات عنه في الأكل ما أتى به الزائر، ومنهم من يمكث لدى المريض وقتا طويلا ويكثر من الضحك والقيل والقال حتى يزعج المريض ومن يجاوره في الغرفة أو الغرفة المجاورة في بعض الأحيان حتى يتدخل بعض الممرضين أو غيرهم من الأطر الطبية.
وكثير من المرضى تقول الممرضة يتأذون ممن يعودونهم أكثر مما يتأذون من المرض، لأن الناس لا يراعون راحة المريض بقدر ما يراعون الواجب الإجتماعي بأنهم قاموا بعيادة المريض.
هروب
كثير من الناس يؤذون المريض أثناء عيادته حتى يتمنى لو أنهم تركوه وحاله على أن يأتوا ليزعجوا راحته،
وقد صرح أحد جيران مريض ل «التجديد» أن هذا المريض اختار الذهاب بعيدا عن بيته عند بنته حتى
يسلم من صداع الجيران لأن أذاهم أكثر من عيادتهم، فمنهم من يكثر الضحك عند رأس المريض ومنهم من يحكي حكايات مرضى انتهت بالموت، ومنهم من يتحدث عن حوادث الإنتحار والسرقة وكأن المريض
في حاجة إلى سماع ما يزعجه وليس ما يريحه.
إن أمثال هؤلاء أفرغوا عيادة المريض من محتواها وحاذوا بها عن مقصدها الذي هو إراحة المريض
والتخفيف عنه من أجل كسب أجر العيادة.
حق
فمن أدب الإسلام أن يعود المسلم المريض، ويتفقد حاله؛ تطبيباً لنفسه، ووفاءا بحقه؛ قال ابن عباس:
عيادة المريض أول يوم سُنة، وبعد ذلك تطوع. وروى البخاري، عن أبي موسى، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني (الأسير)».
ومن فضلها ما روى ابن ماجه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضاً،
نادى مناد من السماء: طِبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً».
وروى مسلم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله _ عز وجل _ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضتُ فلم تعدني. قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين ! قال أما علمتَ أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته، لوجدتني عنده. يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين ! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت، أنك لو أطعمته، لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين !
قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته، لوجدت ذلك عندي». وعن ثوبان، أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة، حتى يرجع». قيل: يا
رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال: «جناها (ما يجنى من الثمر)». وعن علي _ رضي الله عنه _ قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يعود مسلماً غدوة، إلا صلى عليه سبعون ألف
ملك، حتى يمسي، وإن عاده عشية، صلى عليه سبعون ألف ملك، حتى يصبح، وكان له خريف
(الثمر المخروف. أي المجتنى) في الجنة» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
آدابُ العيادةِ
ما يستحب في العيادة
أن يدعو العائد للمريض بالشفاء والعافية، وأن يوصيه بالصبر والاحتمال، وأن يقول له الكلمات
الطيبة التي تطيب نفسه، وتقوي روحه؛ فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
«إذا دخلتم على المريض، فنفسوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئاً، وهو يطيب نفس المريض».
وكان، صلوات اللّه وسلامه عليه، إذا دخل على من يعود قال: «لا بأس، طهور إن شاء الله «.
ويستحب.....
تخفيف العيادة وتقليلها ما أمكن، حتى لا يثقل على المريض، إلا إذا رغب في ذلك.
وينبغي أن لا يطال الجلوس عند المريض، بل تكون الزيارة خفيفة حتى لا يشق عليه، أو يشق على
أهله، فإن المريض قد تمر به حالات أو أوقات يتألم فيها من المرض، أو يفعل ما لا يحب أن يطلع عليه
أحد، فإطالة الجلوس عنده يوقعه في الحرج.
أربعة أمور يجب مراعاتها عند عيادة المريض
أولها استئذان المريض في وقت العيادة، ومراعاة ظروفه كما أن كثرة الزوار قد تؤذي المريض عوض
أن تخفف عنه. الجانب
الثاني هو جانب الوقت إذ أن هناك من يمكث طويلا عند المريض دون أن يطلب ذلك، أو أن يأتي في وقت
نومه أو وقت راحته أو في الوقت الذي يريد أن يأكل فيه.
الثالث فيتعلق بكثرة الكلام، ورفع الصوت، ونوع الكلام الذي يحمل التيئيس من الشفاء مما يزيد
من ألمه إذ يعمد كثير من الناس إلى ذكره أمام المريض عوض أن نعطيه أمثلة ترفع معنوياته تجاه مرضه
وتفتح أمامه أبواب الأمل.
الرابع والأخير وهو الأكل ففي بعض الأحيان عوض أن يأتي المعيد بورد أو كتاب أو جريدة، يأتي بأكل
لا يراعي فيه حميته الصحية، لا بأس في الإتيان ببعض الأطعمة ولكن يجب مراعاة حمية المريض الصحية،
فقد يأتي المعيد المريض بطعام يشتهيه ويأكله لكنه يكون فيه أذى للمريض لذلك يجب مراعاة سلامة
المريض والأفضل أن لا يأتي للمريض بالطعام.