منتدى اولاد حارتنا
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الحارة

سنتشرف بتسجيلك

شكرا صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 829894
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 15761575160515761577
مراقبة الحارة
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 103798


منتدى اولاد حارتنا
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الحارة

سنتشرف بتسجيلك

شكرا صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 829894
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 15761575160515761577
مراقبة الحارة
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 103798


منتدى اولاد حارتنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أجتمــــــــــــــــــــــاعى شــــــــــامل - دينى - ثقافى - علمى - نصائح
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أولاد حارتنا ترحب باى حوارجى وتدعوهم على قهوة حارتنا لشرب المشاريب وتدعوهم لسماع درس التاريخ من أستاذ فطين مدرس التاريخ ومشاهدة احدث الأفلام وكمان تحميل الالعاب وبرامج للموبيل وتسمع حكاوى خالتى بامبة  وتتفرج على صور استوديو عمى أنس وتسمع من ميشو على احلى المغامرات

 

 صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
كاتب الموضوعرسالة
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:27 am

أبو طلحة الأنصاري - صاحب المال الرابح

إنه أبو طلحة زيد بن سهل الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه-، أحد النقباء الاثني عشر الذين حضروا بيعة العقبة، وكان أبو طلحة يعبد شجرة قبل أن يسلم، فأراد أن يتزوج أم سليم -رضي الله عنها-، وكانت مسلمة، فقالت له: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة؟ إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقًا (مهرًا) غيره. قال: حتى أنظر في أمري، فذهب، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالت لولدها أنس: يا أنس زَوِّج أبا طلحة، فزوجه.
وحضر أبو طلحة مع الرسول ( كل الغزوات، وكان ( في غزوة أحد إذا رمى أبو طلحة سهمًا يرفع بصره ينظر إلى أين يقع السهم، وكان يدفع صدر الرسول ( بيده لخوفه عليه، ويقول: يا رسول الله هكذا لا يصيبك سهم. [أحمد]. وكان يقول له: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء. وفي غزوة حنين قتل أبو طلحة عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم. [أبوداود والدارمي والحاكم].
وكان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً، وكان أحب أمواله إليه (بيرحاء) وهى أرض بها نخيل، وكانت أمام المسجد، فكان النبي ( يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزل قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]، ذهب إلى النبي ( وقال له: إن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال (: (بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [متفق عليه].
وكان أبو طلحة كثير الصيام، وكان حريصًا على الجهاد رغم كبر سنه؛ لقوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالا}، فكان يقول لأبنائه: لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شبابا وشيوخًا، يا بني جهزوني، فإني خارج معكم إلى الغزو، فيقول أبناؤه: يرحمك الله يا أبانا، قد غزوت مع الرسول ( حتى مات، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت مع عمر حتى مات، فدعنا نغزو عنك، ولكنه صمم على رأيه، ولبس ثياب الحرب، وخرج معهم، ومات أثناء غزوة في البحر، ولم يجد الصحابة جزيرة قريبة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم تتغير رائحة جسده.
[ابن سعد]. وكان موته -رضي الله عنه- سنة (20 هـ).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:30 am

حسان بن ثابت - شاعر الرسول

إنه الصحابي الجليل حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري -رضي الله عنه-، وكان يكنى أبا عبد الرحمن، وأبا الوليد، وأبا الحسام، ويقال له: شاعر رسول الله (. وهو أحد فحول الشعراء، وكان شعره في الجاهلية من أجود الشعر، قال عنه أبو عبيدة: فُضِّل حسان على الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي ( في أيام النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام.
وكان ( يضع له منبرًا في المسجد وهو ينشد الشعر، ويقول: (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما ينافح (يدافع) عن رسول الله () [أحمد والترمذي]، وقال له النبي (: (اهج -يعنى المشركين- وجبريل معك) [البخاري]، وقال له (: (اهج قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل) [مسلم].
وعندما استأذن حسان النبي ( في هجاء قريش، قال له (: (فكيف بنسبي؟) فقال: والله لأسلنَّك (أنزعك) منهم كما تُسلُّ الشعرة من العجين. [البخاري]، فقال له (: (إيت أبا بكر، فإنه أعلم بأنساب القوم منك)، فكان حسان يذهب إلى أبي بكر ليعرف منه أنسابهم. فلما سمعت قريش هجاء حسان لهم، قالوا: إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة (أي: أبا بكر). وقد هجا حسان أبا سفيان، قائلاً:
هَجَوْتَ مُحَمّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعَنْدَ اللَّهِ في ذَاكَ الجــَزَاءُ
هَجَوْتَ مُطَهرًا بـــرَّا حَنِيفًا أمين الله شِيمتُه الوفــاءُ
فإنَّ أبي وَوَالِدَتِي وَعِرضي لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ
وقد أعطاه النبي ( جارية اسمها سيرين، وهى التي أرسلها المقوقس حاكم مصر هدية له ( مع أختها مارية، فتزوجها حسان، وأنجبت له عبد الرحمن. وقال حسان في وصف النبي (:
مَتَى يَبْدُ في الدَّاجِي البَهيمِ جَبِينـُه يَلُحْ مثلَ مِصْبَاحِ الدُّجى المتوقدّ
فَمَنْ كَانَ أوْ مَنْ قَدْ يَكُونُ كأَحْمَدٍ نِظَام لحقِّ أوْ نِكَال لِملْحِــدِ
ومرَّ به عمر وهو ينشد الشعر في المسجد، فقال: أتنشد مثل هذا الشعر في مسجد رسول الله (. فقال حسان: لقد كنت أنشد وفيه من هو خير منك (أي: النبي ()، فسكت عمر. [متفق عليه].
وقيل لحسان: ضعف شعرك في الإسلام يا أبا الحسام. فقال: إن الإسلام يمنع من الكذب، وإن الشعر يزينه الكذب، والشعر الجيد يقوم على المبالغة في الوصف، والتزيين بغير الحق، وذلك كله كذب. وتوفي حسان في خلافة عليّ، وعمره مائة وعشرون عامًا، ستون منها في الجاهلية، وستون في الإسلام.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:37 am

الحسين بن علي - سيد شباب أهل الجنة

إنه الحسين بن علي -رضي الله عنه-، الحفيد الثاني لرسول الله (، من ابنته فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، زوج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد وُلد الحسين -رضي الله عنه- يوم الخامس من شعبان سنة أربعة من الهجرة، وعند ولادته أخذه النبي ( وحمله بين ذراعيه ولثم فاه بقبلة حانية طاهرة، وسماه حسينًا، وقال: (حسين مني وأنا من حسين، أَحَبَ اللهُ من أحب حسينًا) [الترمذي وأحمد].
وكان النبي ( يحب الحسين حبًّا شديدًا، فنشأ الحسين في حجر النبي ( حتى بلغ السابعة من عمره لا يفارقه، ولا يبعد عنه، ويناديه يا أبت، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله (، ولذا أحبه الصحابة وعظمه الخلفاء منذ صغره.
وذات يوم دخل الحسين -رضي الله عنه- المسجد، فقال جابر ابن عبد الله
-رضي الله عنه-: (من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، سمعته من رسول الله ( [أبو يعلي].
وكان الحسين -رضي الله عنه- عابدًا يكثر الصوم والصلاة والحج والصدقة، وكان يحسن المعاملة مع مواليه وخدمه، فيروى أنه دخلت عليه جارية وبيدها باقة من الريحان فحيته بها، فقال لها الحسين: أنت حرَّة لوجه الله -تعالى-، فقيل له: جارية تحييك بطاقة (باقة) ريحان فتعتقها؟
فقال الحسين: هكذا أدبنا الله، فقال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]، وكان أحسن منها عتقها.
وأحب الحسين -رضي الله عنه- العلم حتى صار بحرًا في علوم القرآن وحديث رسول الله ( والفقه، فكان يلقي دروسًا في مسجد رسول الله (، وكان الصحابة والتابعون يحرصون على حضور حلقته واستماع العلم منه، وفي هذا يقول معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: إذا دخلت مسجد رسول الله ( فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رءوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله الحسين.
وقد عُرف -رضي الله عنه- بشجاعته وجهاده العظيم في سبيل الله لنصْرة الدين، فاشترك في فتح شمال إفريقية في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وساهم في فتح طبرستان، وساند الحسين أباه الإمام عليَّا في حروبه بالجمل وصفين والخوارج.
ولما توفي الإمام على وقف الحسين مع أخيه الحسن يناصره ويؤازره، فلما تنازل الحسن -رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان؛ حقنًا لدماء المسلمين، وجمعًا لكلمتهم، قال الحسين لأخيه الحسن في أدب ووقار: أنت أكبر وَلَدِ عليّ، وأمرنا لأمرك تبع، فافعل ما بدا لك.
وعكف الحسين بعد ذلك على طلب العلم والعبادة، حتى مات معاوية بعد أن أخذ البيعة لابنه يزيد مخالفًا بذلك إحدى شروط الصلح، وهو أن يُترك الأمر من بعده شورى بين المسلمين، عندها لم يسكت الحسين، وبايعه كثير من المسلمين، وطلبوا منه أن يكون خليفتهم، وأرسل إليه أهل الكوفة يبايعونه، ويحثونه على أن يأتي إليهم، فخرج الحسين مع أهله وبعض مناصريه متوجهًا نحو الكوفة، وحاول ابن عباس وأبو سعيد الخدري وابن عمر -رضي الله عنهم- منعه عن الخروج من مكة لكنه -رضي الله عنه- عزم على الخروج.
وفي الطريق، قابل الفرزدق الشاعر المعروف فسأله: كيف تركت الناس في الكوفة؟ فأجابه الفرزدق: تركتهم قلوبهم معك وسيوفهم عليك. فقال الحسين: لله الأمر من قبل ومن بعد، ثم أكمل سيره حتى وصل إلى مكان يسمى (كربلاء) على مقربة من نهر الفرات؛ حيث دارت المعركة، وراح ضحيتها الحسين شهيدًا مع كثير مـن أهله وصحبه، وكان ذلك سنة (61 هـ).
وقد حفظ الله نسل النبي ( في الحسن والحسين، فكل من ينتسب إلى النبي ( يرجع نسبه إلى الحسن أو الحسين -رضي الله عنهما-.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:37 am

الحسن بن علي - التقي الطيب

إنه الحسن بن علي -رضي الله عنه-، سيد شباب أهل الجنة، وحفيد رسول الله (، أمه السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (، وأبوه ابن عم رسول الله ( علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. ولد في النصف الثاني من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، فلما علم رسول الله ( بمولده ذهب إلى بيت علي، فقال: (أروني ابني، ما سميتموه؟) فقال علي -رضي الله عنه-: حرب. فقال النبي (: (بل هو حسن) [أحمد والطبراني].
وفي اليوم السابع من مولده، أقام النبي ( عقيقة له، وذبح كبشًا، وحلق رأس الحسن، وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة. [أبوداود وابن حبان].
وكان جده ( يحبه كثيرًا، ويقول عنه وعن أخيه الحسين: (هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما، فأحبهما وأحب من يحبهما) [الترمذي]، وقال (: (هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم عليَّ، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). [الترمذي].
وأخذه رسول الله ( يومًا إلى المسجد، فصعد به المنبر وأجلسه إلى جواره، وقال لأصحابه: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) [البخاري].
كان -رضي الله عنه- أشبه الناس برسول الله (، وذات يوم رآه أبو بكر الصديق وهو طفل يلعب فحمله، وقال له مداعبًا:
بأبي شبيه النبي ليس شبيهٌ بعلي
فتبسم والده الإمام علي من قول الصديق. [البخاري].
وكان النبي ( إذا سجد يقفز الحسن والحسين على ظهره، فلا يقوم النبي ( من سجوده حتى يتركاه، وكان لا ينهرهما ولا يغضب منهما.
وذات يوم، رأى أحد الصحابة رسول الله ( يحمل الحسن على ظهره، فقال: نعم المركب ركبت يا غلام. فقال رسول الله (: (ونعم الراكب هو) [الترمذي].
ونشأ الحسن -رضي الله عنه- متصفًا بصفات رسول الله (، فكان عابدًا حليمًا، ورعًا، فاضلا، وكان ذا هيبة ووقار، فسمّي التقي، والطيب، والذكي، والولي.
سأل رجل الحسن ذات يوم: أتخاف من عذاب الله وعندك أسباب النجاة؟ ابن رسول الله (، وشفاعته ( لك، ورحمة الله التي وسعت كل شيء؟
فقال الحسن -رضي الله عنه-: أما إني ابن رسول الله ( فالله تعالى يقول: {إذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]. وأما عن الشفاعة؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: {من ذا
الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255]. وإما الرحمة التي وسعت كل شيء، فالله يقول: {فسأكتبها للذين يتقون}_[الأعراف: 156]، فكيف الأمان بعد ذلك؟!
وكان -رضي الله عنه- جوادًا كريمًا، شجاعًا بطلاً، وقد شارك في فتح شمال أفريقيا وطبرستان، والدفاع عن عثمان بن عفان يوم قتل، ووقف مع أبيه في موقعة الجمل وصفين وحروبه ضد الخوارج.
وكان -رضي الله عنه- حريصًا على المسلمين وعدم تفرقهم، فتنازل عن الخلافة لما علم أن ذلك سيؤدي إلى قيام حرب بين المسلمين، فلما تنازل عن الخلافة؛ أصلح الله بذلك بين الفئتين كما أخبر بذلك رسول الله ( حين قال: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) [البخاري].
وسمي العام الذي تنازل فيه الحسن عن الخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- بعام الجماعة، وكان ذلك سنة (40هـ).
وكان إذا تردد في أمرين لا يدرى أيهما أقرب إلى الحسن؛ نظر إلى أيهما أقرب من هواه فخالفه واتقاه. وكان -رضي الله عنه- فصيحًا، له كثير من الأقوال المأثورة التي تحمل معاني الحكمة منها:
- إن المؤمن من تصغر الدنيا في عينه، ويخرج على سلطان بطنه وفرجه وجهله، لا يسخط ولا يشكو، إذا جالس العلماء كان أحرص الناس على أن يسمع منهم على أن يتكلم، لا يشارك في ادعاء، ولا يدخل في مراء (جدل).
- لا أدب لمن لا عقل له، ولا سؤددا (لا سيادة) لمن لا همة له، ولا حياء لمن لا دين له.
- هلاك الناس في ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد؛ فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس. والحرص عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء، وبه قتل قابيل هابيل.
وفي ربيع الأول سنة (50 هـ) توفي الحسن -رضي الله عنه- ودفن بالبقيع، وقد روى -رضي الله عنه- كثيرًا من الأحاديث عن جده (.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:41 am

خالد بن سعيد - الشهيد أخو الشهيد

إنه خالد بن سعيد بن العاص -رضي الله عنه-، أسلم مبكرًا، فلم يكن قد سبقه إلى الإسلام سوى ثلاثة أو أربعة، وقيل إنه أسلم مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
ويروى في إسلامه أنه قام مفزوعًا من نومه ذات يوم، وهو يقول: أحلف بالله إنها لرؤيا حق. فلقى أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-، فقال: إني رأيت في منامي أني واقف على شفير نار عظيمة، وأبي يدفعني نحوها، ورسول الله يمنعني من أن أقع فيها، ويجذبني من ملابسي بيده اليمنى المباركة.
فقال له أبو بكر -رضي الله عنه-: إنه لخير أريد لك، هذا رسول الله ( فاتبعه، وإنك ستتبعه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها.
وانطلق خالد يبحث عن الرسول ( حتى وجده عند جبل بمكة يسمى أجياد، ثم سأله: يا محمد، إلى من تدعو؟ فقال الرسول (: (أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وتخلع (تترك) ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدرى من عَبَده ممن لم يعبده. [البيهقي والحاكم].
فقال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، ففرح الرسول ( بإسلامه.
ولما علم أبوه سعيد بن العاص بإسلامه، أرسل إليه أحد إخوته، ولم يكونوا أسلموا بعد، فجاء خالد ووقف أمام والده، فأخذ أبوه يشتمه، ويسبه، ويضربه بمقرعة كانت في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: اتبعت محمدًا وأصحابه، وأنت ترى خلافه مع قومه، وما جاء به من عيب آلهتهم، وعيب من مضى من آبائهم!!
فقال خالد: نعم تبعته على ما جاء به، فصاح أبوه فيه قائلا: اذهب يا أحمق حيث شئت، فوالله لأمنعنك القوت (أي الطعام)، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، ثم طرده من بيته، وقال لإخوته: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت بهذا اللئيم. وغادر خالد دار أبيه بكل ما فيها من نعيم، وذهب إلى الرسول (، وظل معه، يعيش بجواره، وينهل من علمه
وفضله.
وعندما أمر رسول الله ( أصحابه بالهجرة الثانية إلى الحبشة، كان خالد من أوائل من خرج إليها، ومكث هناك ما شاء الله له أن يمكث، ورزقه الله بابنه سعيد وابنته أم خالد.
ثم يعود خالد مع إخوانه إلى المدينة بعد فتح خيبر، ويقيم بجوار رسول الله ( ويشاركه في فتح مكة وحنين والطائف، وتبوك، لا يتخلف عن غزوة، ولا يتقاعس عن جهاد، ثم بعثه الرسول ( واليًا على اليمن.
وشاء الله تعالى أن يهدى إخوته إلى الإسلام، فأسلموا جميعًا، وشاركوا الرسول ( غزواته، ثم جعلهم أمراء على بعض الإمارات، ولما توفي الرسول ( ترك خالد وإخوته الإمارات، ورجعوا إلى المدينة، فقال لهم أبو بكر: ما لكم رجعت عن عمالتكم، ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله (، ارجعوا إلى أعمالكم.
فقالوا: نحن بنو أبي أحيحة (لقب لأبيهم) لا نعمل لأحد بعد رسول الله ( أبدًا. ثم ذهبوا إلى الشام يجاهدون في سبيل الله حتى قتلوا جميعًا هناك.
وقد قيل: ما فتحت بالشام بلدة إلا وجد فيها رجل من بني سعيد بن العاص ميتًا. وكان خالد -رضي الله عنه- شديد الحب لله ولرسوله ( حتى إن أباه سعيد بن العاص مرض ذات يوم، فقال: لئن رفعني الله من مرضي هذا، لا يعبد إله ابن أبي كبشة بمكة أبدًا (يقصد بابن أبي كبشة رسول الله ().
فلما سمع خالد ما يقوله أبوه قال: اللهم لا ترفعه. فمات أبوه في مرضه ذلك. واستشهد خالد بن سعيد -رضي الله عنه- في معركة أجنادين في جمادى الأولى سنة (13 هـ) قبل وفاة أبي بكر، وقيل: استشهد في معركة مرج الصفر سنة (14هـ) في بداية خلافة عمر -رضي الله عنه-.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:46 am

سعيد بن عامر - التقي المغمور

إنه سعيد بن عامر -رضي الله عنه-، أحد كبار الصحابة، أسلم قبل فتح خيبر، ولازم رسول الله ( في جميع غزواته، وكان تقيًّا ورعًا زاهدًا، فذات يوم أخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يبحث عن صحابي يوليه على الشام، وكانت الشام في ذلك الحين بلدًا كبيرًا، ومركزًا هامًا للتجارة، ودار إغراء لكثرة ثرواتها، ولا يصح لها في نظر عمر إلا زاهد تفر أمام زهده كل شياطين الإغراء.
وبعد قليل صاح عمر قائلاً: ائتوني بسعيد بن عامر، فجاء سعيد إلى أمير المؤمنين، فعرض عليه ولاية حمص، فاعتذر سعيد قائلاً: لا تفتني يا أمير المؤمنين، ولكن عمر أصر على رأيه وقال: والله لا أدعك، أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي، ثم تتركونني. فوافق سعيد سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين، وخرج إلى حمص ومعه زوجته، وكانا عروسين جديدين، وزوده عمر بقدر من المال.
ولما وصلا إلى حمص أرادت زوجته أن تستفيد من المال الذي أعطاه عمر لهما، فأشارت على زوجها سعيد أن يشتري لها ما يلزمها من الثياب والمتاع، ثم يدخر الباقي، فقال لها سعيد: ألا أدلك على خير من هذا؟ نحن في بلاد تجارتها رابحة، وسوقها رائجة، فلنعط هذا المال لمن يتاجر لنا فيه ويزيده. فقالت: فإن خسرت تجارته؟ قال سعيد: سأجعل ضمانها عليه، فقالت: نعم، وخرج سعيد فاشترى بعض ضرورات حياته، ثم تصدق بجميع ماله على الفقراء والمحتاجين، وكانت زوجته كلما سألته عن التجارة ، يقول لها: إنها تجارة موفقة، وإن الأرباح تزيد كل يوم.
وذات يوم أعادت سؤالها عليه أمام قريب لهما يعرف حقيقة الأمر، ويعلم ما صنعه سعيد، فضحك ضحكة فهمت منها الزوجة شيئًا، فألحت عليه أن يصارحها بالحقيقة، فقال لها: إنه تصدق بالمال كله في ذلك اليوم البعيد، فبكت زوجته، وحزنت على المال الذي لم تنتفع منه بشيء.
فنظر إليها سعيد، وقال: لقد كان لي أصحاب سبقوني إلى الله، وما أحب أن أنحرف عن طريقهم، ولو كانت لي الدنيا بما فيها. ثم قال: تعلمين أن في الجنة من الحور العين، والخيرات الحسان، ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعًا، ولقهر نورها نور الشمس والقمر معًا، فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحى بهن من أجلك. فاقتنعت زوجته، وعلمت أن ما فعله زوجها هو الصواب.
وكان أهل الشام يحبون سعيد بن عامر حبًّا شديدًا، ويفرحون بإمارته وولايته عليهم، حتى إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال له يومًا: إن أهل الشام يحبونك، فقال له سعيد: لأني أعاونهم، وأواسيهم. وحدث أن اشتكاه بعضهم لأمير المؤمنين عمر؛ فعندما سألهم عمر قائلا: ما تقولون في سعيد؟ فقال بعضهم: نشكو منه أربعًا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، ولا يجيب أحدًا بليل، وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما إلينا ولا نراه، وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا، وهى أنه تأخذه الغشية (الإغماء) بين الحين والحين، فقال عمر في نفسه: اللهم إني أعرفه من خير عبادك، اللهم لا تخيب فيه فراستي، ثم دعا عمر سعيدًا ليدافع عن نفسه.
فقال سعيد: أما قولهم: إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إنه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني، ثم أدعه (أتركه) حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج إليهم. أما قولهم: لا أجيب أحدًا بليل، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إني جعلت النهار لهم، والليل لربي.
وأما قولهم: إن لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما، فليس لي خادم يغسل ثوبي، وليس لي ثياب أبدلها، فأنا أغسل ثوبي، ثم أنتظر حتى يجف، ثم في آخر النهار أخرج إليهم.
وأما قولهم: إن الغشية تأخذني بين الحين والحين، فقد شهدت خبيب بن عدي حين صلب بمكة، وهم يقولون له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى؟ فيجيبهم قائلاً: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله ( بشوكة، ثم دعا عليهم قائلاً: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا، فكلما تذكرت ذلك المشهد الذي رأيته، وأنا يومئذ من المشركين، أرتجف من عذاب الله، ويغشاني الذي يغشاني. ففرح عمر لما سمع هذا، وقام يعانق سعيدًا ويقبل جبهته ويقول: الحمد لله الذي لم يخيب فراستي.
وكان سعيد -رضي الله عنه- يتصدق براتبه على الفقراء والمحتاجين، ولقد قيل له يومًا: توسع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك. فقال: ولماذا أهلي وأصهاري؟ لا والله، ما أنا ببائع رضا الله بقرابة، ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول (أوائل الصحابة).
وفي غزوة اليرموك، كثر عدد الروم، فاستغاث قادة الجيوش الإسلامية بأبي بكر
-رضي الله عنه- فأمدهم بسعيد بن عامر، وتوفي سعيد -رضي الله عنه- سنة (20 هـ) في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب، وهو ابن أربعين سنة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:46 am

خبيب بن عدي - بليع الأرض

إنه الصحابي الجليل خبيب بن عدي -رضي الله عنه-، وأحد الأنصار الصادقين، من قبيلة الأوس، لازم النبي ( منذ أن هاجر إليهم، وكان عَذْبَ الروح، قوي الإيمان، وصفه شاعر الإسلام حسان بن ثابت فقال:
صقرًا توسَّط في الأنصار منصـبُه
سَمْحَ السَّجِيَّةَ مَحْضًا غير مُؤْتَشَب
شارك في غزوة بدر، فكان جنديًّا باسلاً، ومقاتلاً شجاعًا، قتل عددًا كبيرًا من المشركين من بينهم الحارث بن عامر بن نوفل.
وذات يوم أراد النبي ( أن يعرف نوايا قريش، ومدى استعدادها لغزو جديد، فاختار عشرة من أصحابه من بينهم خُبيب بن عدي، وجعل
عاصم بن ثابت أميرًا عليهم، وانطلق الركب ناحية مكة حتى اقتربوا منها، فوصل خبرهم إلى قوم من بني لحيان فأخذوا يتتبعونهم، وأحسَّ عاصم أنهم يطاردونهم، فدعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل، فاقترب منهم مائة رجل من المشركين وحاصروهم، ودعوهم إلى تسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم الأمان، فنظر الصحابة إلى أميرهم عاصم فإذا هو يقول: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة مشرك، اللهم أخبر عنا نبيك.
فلما رأى المشركون أن المسلمين لا يريدون الاستسلام؛ رموهم بالنبال، فاستشهد عاصم ومعه ستة آخرون، ولم يبق إلا خبيب واثنان معه، هما زيد بن الدثنة
ومرثد بن أبي مرثد، ولما رأى مرثد بداية الغدر حاول الهرب فقتله البغاة، ثم ربطوا خبيبًا وزيدًا وساروا بهما إلى مكة ؛ حيث باعوهما هناك.
وعندما سمع بنو حارث بوجود خبيب أسرعوا بشرائه ليأخذوا بثأر أبيهم
الذي قتله خبيب يوم بدر، وظل خبيب في بيت عقبة بن الحارث أسيرًا مقيدًا بالحديد.
وذات يوم دخلت عليه إحدى بنات الحارث فوجدت عنده شيئًا عجيبًا، فخرجت وهي تناديهم وتقول: والله لقد رأيته يحمل قطفًا (عنقودًا) كبيرًا من عنب يأكل منه، وإنه لموثق (مقيد) في الحديد، وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة، ما أظنه إلا رزقًا رزقه الله خبيبًا.
ولما أجمع المشركون على قتل خبيب استعار موسيًا من إحدى بنات الحارث ليستحد بها (يزيل شعر العانة) فأعارته، وكان لهذه المرأة صبي صغير، غفلت عنه قليلا، فذهب الصبي إلى خبيب فوضعه على فخذه، وفي يده الموسى، فلما رأته المرأة فزعت وخافت على صبيها، فقال لها خبيب أَتَخْشِينَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ ما كنت لأفعل إن شاء الله، فقالت المرأة: ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب.
وأراد المشركون أن يدخلوا الرعب في قلب خبيب، فحملوا إليه نبأ مقتل
زيد بن الدثِنَّة، وراحوا يساومونه على إيمانه، ويعدونه بالنجاة إن هو ترك دين محمد، وعاد إلى آلهتهم، ولكن خبيبًا ظل متمسكًا بدينه إلى آخر لحظة في حياته، فلما يئسوا منه أخرجوه إلى مكان يسمى التنعيم، وأرادوا صلبه (تعليقه)، فاستأذن منهم أن يصلي ركعتين، فأذنوا له، فصلى خبيب ركعتين في خشوع، فكان بذلك أول من سنَّ صلاة ركعتين عند القتل.
وبعد أن فرغ من صلاته نظر إليهم قائلاً: والله لولا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ بي جزعًا (خوفًا) من الموت؛ لازْددت صلاة. ثم رفع يده إلى السماء ودعا عليهم: (اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا)، ثم أنشد يقول:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًــا
عَلَى أي جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ في ذَاتِ الإلهِ وإنْ يَشَـــأ
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شَلْوٍ ممَـــزَّعِ
ثم قاموا إلى صلبه، وقبل أن تقترب منه سيوفهم، قام إليه أحد زعماء قريش وقال له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك، فيصيح خبيب فيهم قائلاً:
والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة.
إنها الكلمات التي قالها زيد بن الدثنة بالأمس يقولها خبيب اليوم، مما جعل أبا سفيان -ولم يكن قد أسلم- يضرب كفًا بكف ويقول: والله ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كما يحب أصحاب محمدٍ محمدًا.
وما كاد خبيب ينتهي من كلماته هذه حتى تقدم إليه أحد المشركين، وضربه بسيفه، فسقط شهيدًا، وكانوا كلما جعلوا وجهه إلى غير القبلة يجدوه مستقبلها، فلما عجزوا تركوه وعادوا إلى مكة.
وبقى جثمان الشهيد على الخشب الذي صلب عليه حتى علم النبي ( بأمره، فأرسل الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو فأنزلاه، ثم حمله الزبير على فرسه، وهو رطب لم يتغير منه شيء، وسار به، فلما لحقهما المشركون قذفه الزبير، فابتلعته الأرض، فَسُمِّيَ بَلِيع الأرض.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:48 am

أبو سفيان بن الحارث - سيد فتيان الجنة

إنه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، أحد فضلاء الصحابة، وابن عم النبي (، وأخوه في الرضاعة إذ أرضعتهما حليمة السعدية، قال فيه النبي (: (أبو سفيان بن الحارث سيد شباب أهل الجنة، أو سيد فتيان أهل الجنة) [ابن عبدالبر وابن سعد]. وكان أبو سفيان قبل إسلامه يعادي النبي ( ويهجوه بشعره، ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتاله.
وعندما عاد أبو سفيان بن الحارث من بدر، ناداه أبو لهب: يابن أخي، هلم إلينا، حدثنا كيف كان أمر الناس؟ فقال أبو سفيان: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وأيم الله مع ذلك ما لمتُ الناس، لقينا رجالاً بيضًا على خيل بُلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئًا، ولا يقوم لها شيء ولا يقف أمامها شيء.
وفي الوقت الذي توجه فيه النبي ( إلى مكة عام الفتح، كان الله قد ألقى الإسلام في قلب أبي سفيان بن الحارث، فخرج هو وابنه جعفر، وعبد الله بن أبي أمية، ولقوا النبي ( فأعرض عنهم، فقالت أم سلمة، لا يكن ابن عمك وأخو ابن عمتك أشقى الناس بك. فقال علي بن أبي طالب لأبي سفيان: إيت رسول الله ( من قبل وجهه، فقل له ما قال أخوة يوسف ليوسف: {تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين}
[يوسف: 91]، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولاً منه، ففعل أبو سفيان ذلك.
فقال له الرسول (: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 92] [ابن عبدالبر]. وأسلم أبو سفيان وحسن إسلامه.
وشهد مع الرسول ( غزوة حنين، وثبت معه ( عندما فرَّ المسلمون، وأمسك بلجام فرسه (، وراح يضرب رءوس الكفار حتى عاد المسلمون إلى مكانهم، وقاتلوا مع نبيهم، ولما انتهت المعركة نظر ( فوجد أحد أصحابه ممسكا بلجام فرسه، فقال: (من هذا؟) فقال أبو سفيان: أنا ابن أمك يا رسول الله. [ابن هشام].
ولما مات الرسول ( حزن عليه أبو سفيان حزنًا شديدًا، ورثاه بالشعر، وذات يوم خرج أبو سفيان للحج، وهناك وافته منيته، حيث قطع الحلاق دملاً كان في رأسه، ثم وجدوه يحفر قبرًا، فتعجبوا من ذلك، فقال لهم: إني أعد قبري. ولم تمض ثلاثة أيام حتى مرض، فبكى عليه أهله، فلما رآهم يبكون قال لهم: لا تبكوا علي فإني لم أتلطخ بخطيئة منذ أسلمت.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:54 am

المقداد بن عمرو - أول فرسان الاسلام

إنه الصحابي الجليل المقداد بن عمرو -رضي الله عنه-، وهو من المبكرين بالإسلام، حيث ذكر ضمن السبعة الأوائل الذين اعتنقوا الإسلام.
وكان المقداد قد جاء إلى مكة، فأخذه الأسود بن عبد يغوث وتبناه، فصار يدعى المقداد بن الأسود، فلما نزلت آية تحريم التبني نُسب لأبيه عمرو بن سعد.
وتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي (، مع أنه مولى وهى قرشية هاشمية شريفة؛ وذلك لأن الإسلام لا يفرق بين عبد أو سيد ولا بين شريف ووضيع، فالكل في نظر الإسلام سواء، لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وهاجر المقداد إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وحضر بدرًا، وشهد المعارك كلها، وكان أول من قاتل على فرس في سبيل الله، وقيل إنه الوحيد الذي قاتل على فرس يوم بدر، أما بقية المجاهدين فكانوا مشاة أو راكبين إبلاً.
وعُرف المقداد بالشجاعة والفروسية والحكمة، وكانت أمنيته أن يموت شهيدًا في سبيل الله، ويبقى الإسلام عزيزًا قويًّا، فقال -رضي الله عنه-: لأموتن والإسلام عزيز.
وروى أنه لما وقف النبي ( يشاور أصحابه قبيل غزوة بدر الكبرى تقدم هذا الصحابي الجليل بعد أن استمع إلى كلام أبي بكر وعمر
-رضي الله عنهما-، وقال مخاطبًا الرسول (: يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى -عليه السلام-: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (موضع في اليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله ( خيرًا، ودعا له. [ابن هشام].
انطلقت هذه الكلمات الطيبة من فم هذا الصحابي، فتهلل وجه النبي (، ودعا له دعوة صالحة، وتمنى كل صحابي لو أنه كان صاحب هذا الموقف العظيم، يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لما سمع هذا الكلام: لقد شهدت من المقداد مشهدًا، لأن أكون صاحبه، أحب إلي مما في الأرض جميعًا.
وكان النبي ( يحب المقداد حبًّا كبيرًا، ويقرِّبه منه، وجعله ضمن العشرة الذين كانوا معه في بيت واحد، عندما قسَّم المسلمين بعد الهجرة إلى المدينة إلى عشرات، وجعل كل عشرة في بيت.
وقال (: (إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم) فقيل: يا رسول الله، سمهم لنا؟ قال: (عليٌّ منهم، يقول ذلك ثلاثًا، وأبوذرِّ، والمقداد، وسلمان، أمرني بحبهم، وأخبرني أنه يحبهم). [أحمد والترمذي].
وكان المقداد حكيمًا عاقلا، وكانت مواقفه تعبِّر عن حكمته فها هو ذا يقول للنبي ( عندما سأله: (كيف وجدت الإمارة؟) وكان النبي ( قد ولاه إحدى الإمارات، فقال المقداد: لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعًا دوني، والذي بعثك بالحق، لا أتأمرن على اثنين بعد اليوم أبدًا.
فالمقداد لا يخدع نفسه، إنما يعرف ضعفه، ويخاف على نفسه من الزهو والعجب، فيقسم على عدم قبوله الإمارة، ثم يبّر بقسمه فلا يكون أميرًا بعد ذلك، ويتغنى بحديث للرسول ( قال فيه: (إن السعيد لمن جنب الفتن)
[أبو داود].
وللمقداد موقف آخر تظهر فيه حكمته، فيقول أحد أصحابه: جلسنا إلى المقداد يومًا فمر به رجل، فقال مخاطبًا المقداد: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله (، والله، لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شاهدت، فأقبل عليه المقداد، وقال: ما يحمل أحدكم على أن يتمنى مشهدًا غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يصير فيه؟ والله لقد عاصر رسول الله ( أقوامًا، كبهم الله -عز وجل- على مناخرهم (أي: أنوفهم) في جهنم، أو لا تحمدون الله الذي جنبكم مثل بلائهم، وأخرجكم مؤمنين بربكم ونبيكم.
[أبو نعيم].
وأوصى الرسول ( بحبه، فقال النبي (: (عليكم بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد) [أحمد والترمذي
وابن ماجه].
وقد كان المقداد جوادًا كريمًا، فقد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفًا، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة سبعة آلاف درهم، وتوفي المقداد -رضي الله عنه- بالمدينة سنة (33هـ) في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وعمره حينئذ سبعون عامًا.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:54 am

أبو موسى الأشعري - المؤمن المنيب

إنه الصحابي الجليل عبدالله بن قيس بن سليم، المعروف بأبي موسى الأشعري، وقد رزقه الله صوتًا عَذْبًا فكان من أحسنِ الصحابة صوتًا في قراءة القرآن، قال عنه الرسول (: (لقد أُعْطِىَ أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود) [النسائي].
وقد مَرَّ به النبي ( ومعه السيدة عائشة، فوجداه يقرأ القرآن في بيته، فاستمعا لقراءته، فلما أصبح أخبره النبي ( بذلك، فقال أبو موسى: لو أعلم بمكانك لحبَّرْتُه لك تحبيرًا (أي جودته وحسنته).
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلما رأى أبا موسى دعاه؛ ليتلو عليه من كتاب الله، وقال له: شوِّقْنَا إلى ربنا يا أبا موسى.
وقد جاء أبو موسى إلى مكة قبل ظهور الإسلام، واشتهر بين أهل مكة بالتجارة وحسن المعاملة، ولما ظهر الإسلام، ودعا رسول الله ( إليه، أسرع أبو موسى ليعلن إسلامه، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم طلب من النبي ( أن يرجع إلى قومه بني أشعر ليدعوهم إلى الله، وينشر بينهم الإسلام، ويعلمهم أمور الدين الحنيف، فأذن له رسول الله (.
فذهب أبو موسى إلى قومه، وأخذ يدعوهم إلى الإسلام، فاستجاب له كثيرون، فهاجر بهم إلى الحبشة، وكان عددهم يزيد على الخمسين رجلا، من بينهم شقيقاه؛ أبو رُهْم وأبو عامر، وأمه ظبية بنت وهب، وبعض النساء والصبيان.
وبعد أن هاجر الرسول ( إلى المدينة، واستقر له الأمر فيها، هاجر المسلمون من الحبشة إلى المدينة، وكان أبو موسى الأشعري وقومه من هؤلاء المهاجرين، وقد قال النبي ( لأصحابه: (يَقْدُمُ عليكم غدًا قوم هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم).
فقدم الأشعريون، ولما اقتربوا من المدينة كانوا يقولون: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه، ولما دخل أبو موسى الأشعري وقومه المدينة قال لهم الرسول (: (لكم الهجرة مرتين؛ هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليَّ)
[متفق عليه].
ولما نزل قول الله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]، قال النبي (: (هم قومك يا أبا موسى وأومأ (أشار) إليه)
[ابن سعد والحاكم].
واستعمله النبي ( على زُبيد وعَدَن، وغزا أبو موسى وجاهد مع النبي ( حتى قيل عنه: سيد الفوارس أبو موسى.
[ابن سعد]. ودعا له النبي ( فقال: (اللهم اغفر
لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريمًا) [متفق عليه].
وذات ليلة كان النبي ( واقفًا عند باب المسجد مع خادمه بريدة، فوجدا أبا موسى يصلي بخشوع وخضوع فقال النبي ( له: (يا بريدة أتراه يرائي؟) قال بريدة: الله ورسوله أعلم. قال: (بل هو مؤمن منيب، لقد أعطى مزمارًا من مزامير آل داود)، فأتاه بريدة فوجد الرجل الذي مدحه الرسول ( وأثنى عليه هو أبو موسى فأخبره. [مسلم].
وكان النبي ( يضرب بالأشعريين المثل في تكافلهم وتعاونهم فيقول: (إن الأشعريين إذا أرملوا (افتقروا) في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسَّوية، فهم منِّي وأنا منهم) [البخاري].
وظل أبو موسى الأشعري مصاحبًا رسول الله ( طوال حياته، وبعد وفاة الرسول ( اشترك أبو موسى في حروب الردة في عهد خليفة المسلمين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وجاهد فيها جهادًا حسنًا.
وكان أبو موسى -رضي الله عنه- متواضعًا، يروى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولاه إمارة البصرة، فقال أبو موسى لأهلها حين وصل إليهم: بعثني إليكم أمير المؤمنين أعلِّمكم كتاب ربكم -عز وجل- وسنة نبيكم (، وأنظف لكم طرقكم. فتعجب القوم إذ كيف ينظف الأمير طرق المدينة.
وكان أبو موسى بحرًا في العلم والفقه وأمور الدين، فقد قال عنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين سُئِلَ عن علمه: صُبغ في العلم صبغة.
وغزا أبو موسى بالبصريين ابتغاء الأجر والثواب من الله -عز وجل-، فافتتح الأهواز، كما فتح الرها وسميساط وغير ذلك، وظل واليًا على البصرة في خلافة عثمان بن عفان حتى طلب أهل الكوفة من أمير المؤمنين أن يوليه عليهم، فوافق الخليفة عثمان على ذلك، وأقرَّه أميرًا على الكوفة.
ومكث أبو موسى في إمارة الكوفة حتى استشهد عثمان -رضي الله عنه-، وجاء من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فعاد أبو موسى إلى مكة المكرمة، وعكف على العبادة والصلاة حتى توفي -رضي الله عنه- سنة (42) من الهجرة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 2:59 am

قتادة بن النعمان - فادي النبي

إنه الصحابي الجليل قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-، أحد الأنصار الذين شهدوا بيعة العقبة، وعاهدوا الرسول ( على أن ينصروه ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، ووفوا له بعهدهم، فرضوان الله عليهم أجمعين.
جاهد قتادة مع الرسول ( جهادًا عظيمًا، وعندما اشتد القتال يوم أحد، ولاحت في سماء المعركة هزيمة المسلمين؛ انتهز المشركون هذه الفرصة ليتخلصوا من رسول الله (، خاصة بعد أن انفضّ عنه أكثر أصحابه، ولم يبق معه إلا قليل، وكان قتادة -رضي الله عنه- واحدًا من أولئك القليل، وكان الرسول ( قد دفع إليه قوسًا، فأخذها وظل يرمي بها بين يدي رسول الله ( حتى لم تعد صالحة للرمي؛ فوجد قتادة -رضي الله عنه- نفسه، وليس معه ما يدافع به عن نبيه (، وهو أحب الناس إليه، فوضع جسده أمام رسول الله ( ليتلقى عنه السهام المصوبة نحوه.
فأصاب سهم وجهه فسالت منه عين قتادة -رضي الله عنه- على خده، ورأى الصحابة أن عين قتادة بن النعمان قد أصيبت، فسالت حدقته على وجنته، ورأى الصحابة ما أصاب أخاهم فأشاروا عليه بقطعها، ولكنه ذهب إلى رسول الله ( وهو يحمل عينه في كفه، فلما رآه رسول الله ( رقَّ له، ودمعت عيناه، وقال: (اللهم إن قتادة قد وقى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدَّهما نظرًا) [ابن عبد البر]، فاستجاب الله لدعوة نبيه (.
فما أروع التضحية بالنفس الغالية، انتصارًا لدين الله، وإبقاء على حياة رسول الله (، وما أعظم الجزاء من الله -عز وجل-.
وفي ليلة مظلمة من ليالي الشتاء شديدة البرد؛ حيث يقل الساعون إلى المسجد للصلاة، تحن نفس قتادة -رضي الله عنه- إلى رؤية النبي (، ويقول في نفسه: لو أتيت رسول الله ( وشهدت معه الصلاة وآنسته بنفسي، فقام وخرج إلى المسجد؛ فلما دخل برقت السماء (أضاءها البرق) فرآه رسول الله ( فقال: (ما السُّري يا قتادة؟)، ما هاج عليك (أي ما الذي أخرجك في هذه الليلة). فقال قتادة -رضي الله عنه-: إن شاهد الصلاة الليلة قليل؛ فأحببت أن أشهدها معك بأبي أنت وأمي وأؤنسك بنفسي. فقال: (فإذا صليت فأت). قال قتادة: فأتيته؛ فقال: خذ هذا العرجون فتحصَّن به، فإنك إذا خرجت أضاء لك عشرًا (أي أمامك وعشرًا خلفك)، ثم قال لي: (فإذا دخلت البيت ورأيت سوادًا في زاوية البيت فاضربه قبل أن يتكلم فإنه شيطان)، فلما دخلت البيت وجدته كما وصف لي، فضربته حتى خرج من بيتي. [أحمد].
وكرامة ثالثة يرويها المفسرون أكرم الله بها قتادة -رضي الله عنه-، فقد كان رفاعة بن زيد -رضي الله عنه- عمًا لقتادة بن النعمان -رضي الله عنه- وكانت له مشربة (غرفة) يضع فيها طعامه وشرابه، فعمد رجل من المنافقين اسمه
بشر بن أبيرق إلى تلك المشربة فنقبها (أحدث بها فتحة)، وأخذ ما فيها من طعام وسلاح.
فلما أصبحوا جاء قتادة إلى عمه فأخبره بالخبر، فأخذا يتحسسان الأمر ليعلما من الذي اعتدى على غرفتهما، وأخذ الطعام والسلاح إلى أن تأكد لهما أن الذي صنع ذلك هو ابن أبيرق، فقال رفاعة لابن أخيه: لو أتيت رسول الله (، فقلت: يا رسول الله، إن أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا شربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه.
ولكن المنافقين من بني أبيرق ومن ناصرهم لا يفقهون، عمدوا إلى رسول الله ( فكذبوا عليه ليضلوه، قالوا: يا رسول الله، إن
قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت من أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة، وكذبوا، ورسول الله ( بشر لا يعلم من الغيب شيئًا إلا ما يخبره به ربه.
وجاء قتادة -رضي الله عنه- ليعرف منه الجواب، فلقيه رسول الله ( محتدًا يقول له: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة من غير بينة تثبت، وكانت مفاجأة لقتادة -رضي الله عنه- حين غاب عنه أنه لا يجوز اتهام الناس من غير بينة ولا دليل. فخشى قتادة أن يكون رسول الله ( قد غضب عليه، وأخذ يقول في نفسه: لوددت أني خرجت من أهلي ومالي (فُقدت) ولم أكلم رسول الله (
في ذلك. ويأتيه عمه يسأله: يابن أخي ما صنعت؟ فيخبره بما قال رسول الله (، فيقول عمه: كما قال نبي الله يعقوب: فصبر جميل والله المستعان.
وينزل القرآن: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا. واستغفر الله إن الله كان غفورًا رحيمًا}
[النساء: 105-106]. ويدعو الرسول ( قتادة فيقرؤه عليه، ويأتي بالسلاح فيدفعه إليه ليرده إلى عمه رفاعة، ففرح قتادة بتأييد الله له، فحمل السلاح إلى عمه، فينتفض الرجل فرحًا؛ ليس لرجوع سلاحه وعتاده، لكن لمثل ما فرح به قتادة، ثم يزيد فيقول: يابن أخي هي في سبيل الله. [الترمذي].
وتوفي قتادة -رضي الله عنه- في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فحضر عمر جنازته وصلى عليه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:04 am

عبد الله بن عمرو - العالم العامل

إنه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، أمه رائطة بنت
الحجاج بن منبه السهمية. كان اسمه قبل إسلامه العاص، فلما أسلم سماه النبي ( عبد الله. [ابن عساكر]. وكان النبي ( يقول: (نعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله وعبد الله) [أحمد].
أسلم عبد الله قبل أبيه، وكان شديد الحب لله ورسوله (، وكان يكثر من العبادة، وقراءة القرآن، وكتابة أحاديث الرسول (، وكان يحافظ على حضور مجالس الرسول ( واستماع حديثه وتدوينه، حتى أنه سأل الرسول ( يومًا: يا رسول الله، أأكتب كل ما أسمع منك؟ فقال (: (نعم). فقال عبد الله: في الرضا والغضب؟ فقال (: (نعم، فإني لا أقول إلا حقًا)
[أبو داود].
وعلم النبي ( أنه يصوم كل يوم ولا يفطر، فقال له: (كيف تصوم؟). قال: أصوم كل يوم. فقال (: (وكيف تختم؟) قال: كل ليلة، فقال (: (صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر)، فقال عبد الله: أطيق أكثر من ذلك؟ فقال (: (صم ثلاثة أيام في الجمعة)، فقال عبد الله: أطيق أكثر من ذلك، قال: (أفطر يومين، وصم يومًا)، قال عبد الله: أطيق أكثر من ذلك، فقال (: (صم، أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليالٍ مرة) [البخاري].
وفي رواية: (فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزورك (ضيوفك) عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا)، ثم قال له النبي (: (فإنك لا تدري لعلك يطول بك عمرٌ) [أحمد]. ولما كبر سنه كان يقول: ليتني قبلت رخصة رسول الله (.
وقد روى عبد الله عن النبي ( أحاديث كثيرة، وروى أنه قال: حفظت عن رسول الله ( ألف مثل، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: ما كان أحد من أصحاب رسول الله ( أكثر حديثًا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وكان عبد الله جوادًا كريمًا يحب الإنفاق في سبيل الله، فكان يملك ثلاثمائة راحلة بمكة، فجعل منها مائة للمسلمين يركبونها، ويحملون عليها أمتعتهم، ومائتين لأهل البلدان البعيدة يذبح لهم منها في موسم الحج، ويتصدق بها عليهم. وكان محبًّا لأبيه عمرو وبارًا به، لقول الرسول ( له: (أطع أباك ما دام حيًّا) [أحمد]. وتوفي عبد الله سنة (65 هـ) في مصر، وعمره آنذاك (72) سنة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:04 am

عبد الله بن حذافة - قاهر قيصر

إنه عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي -رضي الله عنه-، أحد السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وأرسله النبي ( برسالة إلى كسرى.
وذات يوم سمعه النبي ( وهو يرفع صوته بقراءة القرآن، فقال له: (يابن حذافة، لا تُسَمِّعْنِي وَسَمِّعِ الله) [ابن سعد].
وكان عبد الله رجلا يحب المرح، فقد بعثه النبي ( في سرية، وجعل عليهم علقمة بن مجزر، فاستأذنت طائفة منهم في الطريق، فأذن لهم علقمة، وأمَّر عليهم عبد الله بن حذافة، وبينما هم في الطريق، أوقد القوم نارًا ليتدفئوا، ويصنعوا عليها طعامًا، فقال لهم عبد الله: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى، قال فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار، فقام ناس فتحجزوا حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها، قال: أمسكوا إنما كنت أضحك معكم، فلما قدموا على النبي ( ذكروا ذلك له، فقال: (من أمركم بمعصية فلا تطيعوه) [أحمد وابن ماجه وابن خزيمة].
وفي خلافة عمر، خرج عبد الله مع جيش المسلمين المتجه إلى الشام لقتال الروم، فأسره الروم ومعه بعض المسلمين، ، وذهبوا به إلى قيصر، فقال له قيصر: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد طرفة عين. فقال قيصر: إذًا أقتلك، فقال عبد الله: أنت وذاك. فقال القيصر للرماة: ارموه قريبًا من بدنه، وأخذ يعرض عليه المسيحية وعبد الله يأبى، فقال القيصر: أنزلوه، ودعا بوعاء كبير فصبَّ فيه ماء، وأشعل تحته النار، ودعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى فيها، فاستشهد وهو ثابت على دينه، فبكى عبد الله، فقيل للملك: إنه بكى. فظن الملك أنه جزع.
فقال الملك: ردوه. ثم سأله: ما أبكاك؟ فقال عبد الله: قلت هي نفس واحدة، تلقى الساعة، فتذهب فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في سبيل الله. فقال الملك: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك، فقال عبد الله: وعن جميع الأسرى؟ فقال الملك: نعم، فقبل عبد الله رأسه، وأخذ عبد الله جميع الأسرى، وقدم بهم إلى عمر، فأخبره بما حدث، فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبِّل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ، فقبل رأسه. [ابن عساكر]. وانتقل عبد الله إلى مصر مع جيش عمرو، واستقر فيها حتى مات في خلافة عثمان.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:08 am

عبد الرحمان بن أبي بكر - قاتل السبعة

إنه عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنه-، يكنى أبا عبد الله، وقيل أبا محمد، وأمه أم رومان بنت الحارث، وهو شقيق أم المؤمنين عائشة
-رضي الله عنها-.
كان أشجع رجال قريش، وأرماهم بسهم، وقف ضد المسلمين في بدر، وكان أحد الرماة الذين جندتهم قريش يوم أحد، تأخر إسلامه حتى هدنة الحديبية (الفترة التي توقف فيها القتال)، رغم أن أباه كان أول الناس إيمانًا بالله ورسوله.
كان على رأس رماة قريش في غزوة أحد، وقبل أن يلتحم الجيشان، وقف
عبد الرحمن متحديًا يدعو من يبارزه من المسلمين، ونهض أبوه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ليبارزه، لكن رسول الله ( أمسك به ومنعه من مبارزة ولده.
وظل عبد الرحمن يحارب دين الله حتى شرح الله صدره للإيمان، فاندفع إلى الرسول ( معلنًا إسلامه، فتألق وجه أبي بكر، وفرح حينما رأى ابنه يبايع رسول الله (، وانطلق عبد الرحمن بعد إسلامه يدافع عن رسول الله ( ليعوض ما فاته، وبعد وفاة الرسول ( ظل يجاهد في سبيل الله مع الخلفاء الراشدين، لا يتخلف عن غزو، ولا يقعد عن جهاد.
وفي يوم اليمامة وقف موقفًا عظيمًا، وجاهد جهادًا كبيرًا، وكان له دور كبير في كسب المعركة؛ حيث قتل محكم بن الطفيل العقل المدبر لمسيلمة الكذاب، والذي كان يحمي بقوته أهم أماكن الحصن الذي احتمى فيه جيش مسيلمة، فلما قتل محكم بسهم من عبد الرحمن تفرق من معه، وانفتح الحصن، فتدفق المسلمون داخله، وتم نصر الله، وقد قتل عبد الرحمن سبعة من الكفار في هذه المعركة.
وكان -رضي الله عنه- صالحًا، يخلص لله في عبادته، ويخاف عقابه، وكان يتمتع بروح الدعابة والظرف، وشارك في فتح الشام في عهد أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب.
وكان -رضي الله عنه- لا يخاف في الله لومة لائم، يدافع عن الحق أينما وجد، ويعلنه في كل مكان.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:20 am

كعب بن مالك - التائب الصادق

إنه الصحابي الجليل كعب بن مالك -رضي الله عنه-، صاحب التوبة الصادقة، وكان كعب قد أسلم حين سمع بالإسلام، فأتى مكة، وبايع النبي ( في بيعة العقبة الثانية، فلما هاجر الرسول ( وأصحابه آخى النبي بينه وبين طلحة بن عبيد الله.
وكان كعب شاعرًا مجيدًا، وخاصة في مجال المغازي والحروب الإسلامية، وكان واحدًا من شعراء الرسول ( الثلاثة الذين يردون عنه الأذى بقصائدهم، وهم: كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، فكان كعب يخوفهم بالحرب، وكان حسان يهجوهم بالأنساب، وكان عبد الله يعيرهم بالكفر.
وقد جاء كعب إلى النبي ( فقال: يا رسول الله، ماذا ترى في الشعر؟ فقال رسول الله (: (المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه)
[ابن عبد البر].
وكان لكعب مواقف مشهودة في غزوة أحد، حين دعاه النبي ( وألبسه ملابسه التي يلبسها في الحرب، ولبس النبي ( ملابس كعب الحربية، يقول كعب: لما انكشفنا يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله ( وبشرت به المؤمنين حيًّا سويًّا، وأنا في الشِّعْب، وقد جرح سبعة عشر جرحًا. [ابن هشام]، وكان المشركون يوجهون إليه السهام ظنًّا منهم أنه رسول الله (.
وكان كعب قد تخلف عن غزوة تبوك التي سمي جيشها بجيش العسرة، والسبب في هذه التسمية أن المسلمين مروا بصعوبات كثيرة في تمويل الجيش؛ حيث إن العدد كان كبيرًا، وعدتهم كانت ضئيلة، وقد تخلف المنافقون عن هذه الغزوة بدون أعذار.
ولما عاد المسلمون إلى المدينة دخل الرسول ( إلى المسجد أولا، وصلَّى فيه ركعتين، فدخل عليه المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد مع النبي (، وبدءوا يكذبون على الرسول (، ويتعللون بأعذار واهية.
ولكن كعبًا لم يكذب على النبي (، وأقر بذنبه وتقصيره في حق الله وتكاسله عن الجهاد، وفعل مثله هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، وكانا قد تخلفا أيضًا.
وبعدما سمع النبي ( كلام كعب، أمر المسلمين أن يقاطعوه وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بدون عذر، فلم يكلمهم أحد من المسلمين، ولم يتعاملوا معهم.
فجلس الاثنان كل منهما في بيته يبكيان، أما كعب فلم يحبس نفسه مثلهما، بل كان يخرج للصلاة، وكان إذا سار في السوق أو غيره لا يتحدث معه أحد، وكان لكعب ابن عم يحبه حبًّا شديدًا هو الصحابي الجليل أبو قتادة -رضي الله عنه-، ولما اشتد الأمر بكعب، ذهب إلى ابن عمه أبي قتادة في بستانه وألقى عليه السلام، ولكن أبا قتادة لم يرد عليه، فقال له كعب: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله (؟ فلم يرد عليه أبو قتادة، فكرر كعب السؤال، فقال أبو قتادة: الله ورسوله أعلم، ففاضت عينا كعب بالدموع وتركه.
وذات يوم، ذهب كعب إلى السوق، فإذا برجل نصراني من الشام يسأل عنه، وعندما قابله أعطاه النصراني رسالة من ملك غسان، فقرأها كعب ووجد فيها: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك محمدًا جفاك، (هجرك وتركك) ولم يجعلك الله بدار مذلة أو هوان، فالحق بنا نواسك.
وبعد أن قرأ كعب الرسالة قال في نفسه: والله إن هذه أيضا من الفتنة والابتلاء، ثم ألقى بالرسالة في النار.
ومضى على كعب وصاحبيه أربعون يومًا، وهم على تلك الحالة من الندم والبكاء والمقاطعة الكاملة من كل المسلمين، وبعدها أمرهم النبي ( أن يهجروا زوجاتهم، وظلوا على هذه الحالة عشرة أيام.
وبعد خمسين يومًا جاء الفرج، ونزلت التوبة من الله على هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين لم يكذبوا على رسول الله (، فبعد أن صلى كعب صلاة الفجر، جلس بمفرده، فسمع صوتًا ينادى من بعيد: يا كعب، أبشر يا كعب، فلما سمعها كعب خرَّ ساجدًا لله -عز وجل-، وعلم أن الله قد تاب عليه، وبلغ من شدة فرحته أنه خلع ثوبه وألبسه للرجل الذي بشره، ثم انطلق مسرعًا إلى النبي ( في المسجد، فاستقبله الصحابة وهم سعداء، وقام
طلحة بن عبيد الله من بين الحاضرين جميعًا وأسرع ليهنئ كعبًا، فلم ينسها له كعب أبدًا، وتبسم له الرسول ( وقال له: (أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك) [البخاري]، وأنزل الله فيه وفي صاحبيه قرآنًا، قال تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب} [التوبة: 118].
وكان كعب -رضي الله عنه- يقول: والله، ما مر عليَّ يوم كان خيرًا ولا أحب إليَّ من ذلك اليوم الذي بشرت فيه بتوبة الله تعالى عليَّ وعلى صاحبيّ، ثم قال للرسول (: إن من توبتي أن أتصدق بمالي كله لله ولرسوله، فقال له النبي (: (أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك) [البخاري]، فقال كعب: يا رسول الله، إن الله تعالى أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقًا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين ابتلاه الله في صدق الحديث أحسن مما ابتلاني.
وكان كعب يقول بعد ذلك: ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ( إلى يومي هذا شيئًا من الكذب، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى بقية عمري.
وكان كعب -رضي الله عنه- يقول: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي أمام رسول الله ( أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فقد قال الله تعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنه إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [التوبة: 95-96].
وهكذا كان صدق كعب سببًا في نجاته، وقبول توبة الله عليه، بينما أهلك الله المنافقين الذين كذبوا على رسول الله (، واعتذروا بالباطل، فجعلهم الله من أهل النار.
وظل كعب يجاهد في سبيل الله، ولا يتخلف عن حرب أبدًا، فحارب المرتدين في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وشارك في الفتوحات الإسلامية على عهد الفاروق عمر، وكذلك في خلافة كل من عثمان وعليّ وأول خلافة معاوية -رضي الله عنهم-، وظل على صدق إيمانه وقوة عقيدته.
وتوفي -رضي الله عنه- بالشام في خلافة معاوية سنة (50هـ) وقيل سنة
(53 هـ)، وعمره آنذاك (77) سنة ويقال: إن الله سبحانه قد ابتلاه بفقد بصره قبل وفاته، فصبر لذلك حتى ينعم بما عند الله من الجنة.
وقد روى كعب بن مالك ثلاثين حديثًا من أحاديث رسول الله (، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:21 am

محمد بن مسلمة - الهارب من الفتن

إنه أبو عبد الله محمد بن مسلمة الأنصاري، أحد فضلاء الصحابة، شهد بدرًا وما بعدها من الغزوات، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة، وكان أسمر شديد السمرة، طويلاً، أصلع الرأس، ضخم الجسم، استخلفه النبي ( على المدينة في بعض غزواته، وأمَّره على نحو (51) سرية، وكان يرسله ليأتي بالصدقات من الإمارات الإسلامية.
وآخى الرسول ( بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وأسلم على يد مصعب بن عمير حينما كان في المدينة، وكان أحد الذين قتلوا
كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي الذي كان يؤذي النبي (.
وظل يجاهد في سبيل الله بعد وفاة النبي ( مع أبي بكر وعمر، وعثمان -رضي الله عنهم-.
وكان عمر -رضي الله عنه- يعتمد عليه في الأمور الصعبة، فقد بعثه إلى
سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- حين بنى لنفسه قصرًا بالكوفة، واحتجب عن الرعية، وأمره أن يحرق باب القصر، فذهب إلى هناك، وفعل ما أمره به أمير المؤمنين.
وكان -رضي الله عنه- شجاعًا في الحق، فقد روى أنه لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة سأل قائلاً: كيف تراني يا فلان؟ فقال له: أراك والله كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قويًّا على جمع المال، عفيفًا عنه، عدلاً في قسمه، ولو مِلْتَ عدلناك كما يعدل السهم في الثقاب، فقال عمر متعجبًا من شجاعته، ومسرورًا بما قال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا مِلْتُ عدلوني.
وعندما قامت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان، أخذ محمد بن مسلمة سيفه، وذهب إلى صخرة قوية، وأخذ يضرب السيف على الصخرة حتى كسَّر السيف، واتخذ لنفسه سيفًا من خشب، وذهب إلى الربذة وبنى لنفسه بيتًا صغيرًا جلس فيه، فقال له أصحابه: لماذا فعلت ذلك يا محمد؟ فأجابهم قائلا: أعطاني رسول الله ( سيفًا، وقال لي: (يا محمد بن مسلمة، جاهد بهذا السيف في سبيل الله، حتى إذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضًا، فائت به أُحَدًا (أي: جبل أحد) فاضرب به حتى ينكسر، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية (يعنى الموت))، وقد فعلت ما أمرني به رسول الله (. [أحمد].
ومات -رضي الله عنه- سنة (43 هـ)، وعمره (77) سنة، وترك من الولد عشرة ذكور وست بنات، وقد روى بعض الأحاديث عن رسول الله (.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:28 am

عثمان بن مظعون - أول من دفن بالبقيع

إنه عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- عُرِف بحسن الخلق ورجاحة العقل، وُلِدَ بمكة المكرمة، وأبوه مظعون بن حبيب بن وهب، وأمه سخيلة بنت العنبس، وكان يكنى أبا السائب.
أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا، وكان عمره آنذاك ثلاثين عامًا، وعاش في حماية الوليد بن المغيرة، ثم رأى ما يحدث للمسلمين من اضطهاد وتعذيب، بينما هو يمشى آمنًا ولا يتعرض له أحد من المشركين بسوء، فوقف مع نفسه قائلاً: والله إن غدوّي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الأذى والبلاء ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي، ثم ذهب إلى الوليد وردَّ عليه حمايته، وقال له: يا أبا عبد شمس، قد وفت ذمتك، فرددت إليك جوارك، فقال له الوليد: ولِمَ يا بن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ فقال: لا، ولكني أرضي بجوار الله -عز وجل- ولا أريد أن أستجير بغيره.
فقال له الوليد: إذن فهيا أردد عليَّ جواري علانية أمام أهل مكة كما أمنتك علانية، فانطلقا حتى وصلا إلى المسجد الحرام، ووقف الوليد، ونادى على الناس بصوت عال، فرد عليه عثمان جواره وقال: قد وجدته وفيًّا كريمًا، حافظًا للجوار، ولكنى أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره.
وكان عثمان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية، وكان يقول: لا أشرب شرابًا يذهب عقلي، ويُضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي. فلما حرمت الخمر، قال: تبًّا لها، قد كان بصري فيها ثاقبًا.
وتعرض عثمان لأذى المشركين، وشارك إخوانه المسلمين في محنتهم، وهاجر معهم إلى الحبشة لمّا أمرهم النبي ( بالهجرة، وأخذ معه ابنه السائب، وكان عثمان أمير الفوج الأول إلى الحبشة، ثم قُدّر له أَن يعود من الحبشة إلى مكة مرة أخرى.
وذات يوم، كان أهل مكة يجتمعون على الشاعر العربي لبيد ابن ربيعة؛ لينشدهم الشعر، فدخل عليهم عثمان، فسمعه يقول:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال عثمان بن مظعون: صدقت، فقال لبيد:
وكل نعيـم لا محــالة زائـــل
فقال عثمان -رضي الله عنه-: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فغضب لبيد، وقال: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذي جليسكم، فمتى حدث فيكم هذا؟!
فقام رجل من المشركين إلى عثمان، وضربه على إحدى عينيه ضربة شديدة أوجعته وأصابت عينه بضرٍّ شديد، ورأى الوليد بن المغيرة ما حدث
لعثمان بن مظعون، فقال: أما والله يابن أخي إن كانت عيناك عما أصابها لغنية، لقد كنت في ذمة ومنعة.
فقال عثمان: بلى والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر، يا أبا عبد شمس. فقال الوليد: هلمَّ يابن أخي فَعُدْ إلى جواري، فقال عثمان: لا.
وحينما أذن للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، هاجر معهم عثمان، وعاش مع المسلمين حتى جاءت غزوة بدر، فقاتل مع المسلمين، وكان -رضي الله عنه- عابدًا زاهدًا، يجتهد في العبادة، وعندما أراد أن ينقطع للعبادة، ولا يتزوج، نهاه النبي ( وقال: (يا عثمان، إن الله لم يبعثني بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة) [ابن سعد].
ومكث عثمان بعد غزوة بدر عدة أيام يشارك المسلمين فرحة النصر على أعداء الله، ولكنه لم يدم طويلاً، فسرعان ما مرض مرضًا شديدًا حبسه في بيته، فزاره النبي ( ليطمئن عليه، وشاء الله أن يكون مرض الموت، فمات عثمان بن مظعون وهو سعيد بإسلامه، مستبشر بما أعده الله له من الخير والكرامة في الجنة.
وبعد موته قَبَّله الرسول (، وغسَّله، وكفَّنه، وصلى عليه، ثم دفنه بالبقيع، وقال له وهو في مثواه الأخير: (ذهبت ولم تلبس منها (الدنيا) بشيء) [مالك].
فكان أول من دُفن بالبقيع، وأول من مات من المهاجرين بالمدينة المنورة، وكانت وفاته -رضي الله عنه- في السنة الثالثة من الهجرة.



عكرمة بن عمرو - الراكب المهاجر

إنه الصحابي الجليل عكرمة بن عمرو بن هشام -رضي الله عنه-، أبوه عمرو بن هشام الذي سماه النبي ( أبا جهل، لشدة عدائه للإسلام والمسلمين، وقد أسلم عكرمة بعد فتح مكة، وكان الرسول ( قد أباح قتله؛ بسبب ما ظهر منه من شدة العداء لله ورسوله (.
فلما فتح الرسول ( مكة، فر هاربًا وترك أهله وماله، واتجه نحو اليمن يفكر في الذهاب إلى الحبشة، إلا أن الله سبحانه كان قد رزقه بزوجة وفية سبقته إلى الإسلام، وهى أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت تحب زوجها وتتمنى له الهداية.
ولما رأت ما كان من هروب زوجها، ذهبت إلى الرسول ( تطلب منه العفو والأمان لزوجها، فرق قلب النبي ( لحالها، وأعطاه الأمان، فأسرعت أم حكيم إلى زوجها لتبشره بعفو رسول الله ( عنه، وبعد أن عانت الزوجة المخلصة من سفرها في الصحراء، وصلت إلى ساحل البحر فلحقت بزوجها، وهو في السفينة.
وظلت تنادي عليه حتى سمعها، فقالت: يابن العم، جئتك من عند أوصل الناس، وأبر الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فعاد إليها، فقالت له: إني قد استأمنت لك رسول الله (، فقال لها: أنت فعلت ذلك؟ فقالت: نعم أنا كلمته فأمَّنك، فرجع معها إلى مكة حتى لقى رسول الله ( وأعلن إسلامه، فقال له الرسول (: (مرحبًا بالراكب المهاجر) [الترمذي].
وقال النبي ( لأصحابه: (يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإن سب الميت يؤذى الحي، ولا يبلغ الميت)
[الواقدي وابن عساكر].
ووقف عكرمة بين يدي الرسول ( نادمًا على ما حدث منه، وقال: يا رسول الله، علمني خير شيء تعلمه حتى أقوله، فقال له النبي (: (شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله)، فقال عكرمة: أنا أشهد بهذا وأشهد بذلك من حضرني، وأسألك يا رسول الله أن تستغفر لي، فاستغفر له رسول الله (، فقال عكرمة: والله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت
ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً قاتلته إلا قاتلت ضعفه، وأشهدك يا رسول الله على ذلك.
وهكذا أسلم عكرمة فحسن إسلامه، وشارك مع جيوش المسلمين في كثير من الغزوات، واستعمله الرسول ( على صدقات هوازن في عام وفاته، وواصل عكرمة جهاده مع المسلمين في عهد أبي بكر، واشترك في حروب الردة، وأبلى فيها بلاء حسناً، وسار إلى عمان فحارب المرتدين هناك، وجعله
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أميرًا عليها، وبقى فيها حتى وفاة أبي بكر.
فلما تولى عمر بن الخطاب الخلافة، واتسعت في عهده الفتوحات الإسلامية، اشترك عكرمة فيها، وظل يجاهد في سبيل الله، حتى جاءت موقعة اليرموك، وكان عكرمة أميرًا على بعض الكراديس (مجموعة من الجنود)، فنادى في المسلمين: من يبايعني على الموت؟
فأسرع إليه ابنه عمرو وعمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور، ومعهم فارس من المسلمين، وانطلقوا نحو جيوش الروم يحصدون رقابهم، وأظهر عكرمة -رضي الله عنه- في هذه المعركة فدائية وشجاعة نادرة حتى جرح وجهه وصدره، وانتصر المسلمون انتصارًا حاسمًا، ولكن جرح عكرمة كان عميقًا فأدى إلى استشهاده، فقد وجدوا فيه بضعة وسبعين جرحًا ما بين طعنة ورمية وضربة.
وقبل أن يستشهد عكرمة ضرب أروع مثل في الإيثار، فقد كان بجواره الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فجيء إليه بماء فنظر إليه عكرمة، فقال هشام: ادفعه (أعطه) إلى عكرمة، فلما أخذه عكرمة نظر إليه سهيل، فقال عكرمة: ادفعه إلى سهيل، فلما وصل الماء إلى سهيل كان قد مات، ثم تبعه عكرمة والحارث، واستشهدوا جميعًا وقد آثر كل واحد منهم الآخر بشربة الماء -رضي الله عنهم أجمعين-.



النعمان بن مقرن - شهيد نهاوند

إنه الصحابي الجليل النعمان بن مقرن -رضي الله عنه- الذي قدم على النبي ( في المدينة مع أربعمائة من قومه مُزَيْنَة ، فاهتزت المدينة فرحًا بهم، واستبشر بهم المسلمون، وقد هداه الله للإسلام، وهدى معه أهله وإخوته السبعة.
وقد اشتهر بنو مقرن بحب الله ورسوله (، والإنفاق في سبيل الله عز وجل، والتضحية من أجل دين الله سبحانه، وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم} [التوبة: 99].
ومنذ أن أسلم النعمان بن مقرن وهو يرفع لواء قومه مجاهدًا بهم في سبيل الله شرقًا وغربًا، فنجده في فتح مكة، وفي الجهاد ضد هوازن والطائف وثقيف، ومحاربة المرتدين ومدِّعي النبوة في عهد الصديق -رضي الله عنه-، ثم يرفع لواء قومه في موقعة القادسية والتي شهدت أروع بطولاته وتضحياته. خاض النعمان بقومه كل هذه الحروب محتسبًا أجره عند الله، وطمعًا في مرضاته، متمنيًا أن ينعم الله عليه بالشهادة في سبيله.
وكان النعمان لين الجانب، زاهدًا في الدنيا ومفاتنها، لا يرضى حياة الرفاهية والإمارة، بل يفضل حياة العمل والجهاد، فحين عرض عليه أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الإمارة على قبيلته، رفض ذلك واعتذر لأمير المؤمنين، ويواصل النعمان رحلة جهاده في سبيل إعلاء كلمة الحق، فكان على رأس الجيش الذي نجح في فتح البصرة ثم الكوفة، وقضى بذلك على وجود الفرس في بلاد العرب.
وجمع يزدجر كسرى فارس آنذاك جيشًا عظيمًا عدده أكثر من مائتي ألف فارس، وجعل من نهاوند قلعة يوجِّه منها سهامه إلى الإسلام، وأصر على محاربة المسلمين والقضاء عليهم، وأحس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بخطورة الأمر، فحشد جيوشه الإسلامية، وأراد أن يقود الجيش بنفسه، إلا أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أشار عليه بأن وجوده في المدينة خير للمسلمين من خروجه، حتى يرعى شئون الأمة الإسلامية التي امتدت أطرافها شرقًا وغربًا، واقتنع الفاروق عمر برأى علي، وقال لمن حوله: أشيروا عليَّ برجل أوليه قائدًا في هذه الحرب، وليكن عراقيًّا، وله خبرة بطرقها ومسالكها.
فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم لجندك وقد وفدوا عليك. فقال عمر: والله لأولين أمرهم رجلاً يكون أول الأسنة إذا لقيها غدًا. فقالوا: ومن يكون؟ قال عمر: النعمان بن مقرن المزني. قالوا: هو لها يا أمير المؤمنين.
فأمر عمر -رضي الله عنه- النعمان بن مقرن أن يتجه بالجيش إلى نهاوند، ثم أرسل إليه عمر جيشًا آخر بقيادة حذيفة بن اليمان ليكون مددًا وعونًا له، فأصبح عدد الجيش الإسلامي ثلاثين ألف فارس، والتقى بجيش الفرس في حرب شديدة، ظلت يومين لم يستطع أحد أن يحقق النصر على الآخر، وفي اليوم الثالث نجح المسلمون في أن يبعدوا الفرس عن مواقعهم ويدخلوهم خنادقهم وحصونهم ويحاصرونهم فيها.
وطال حصار المسلمين للفرس، ففكر النعمان وجنده في حيلة يخرجون بها الفرس من حصونهم، فأشار طليحة بن خويلد الأسدي -رضي الله عنه- بأن يوهم بعض المسلمين الفرس أنهم قد انهزموا، وينسحبوا من الميدان، فينجذب نحوهم الفرس، ويتركوا مواقعهم، ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي كله مرة واحدة، فيهزموهم بإذن الله.
ونفذ هذه الخطة الحربية القعقاع بن عمرو -رضي الله عنه- مع بعض جنود المسلمين، ونجحت الحيلة، وظن الفرس أن في جيش المسلمين ضعفًا، فخرجوا وراءهم ليقضوا عليهم، فانقض عليهم المسلمون، واندفع النعمان بن مقرن في صفوف الفرس، يقاتل قتالاً شديدًا؛ طامعًا في النصر للمسلمين وفي الشهادة لنفسه، ودعا الله قائلاً: اللهم إني أسألك أن تقرِّ عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني إليك شهيدًا.
ونال النعمان أمنيته، فسقط شهيدًا في أرض المعركة، وقبل أن تقع الراية من يده أسرع إليه أخوه نعيم وأخذ الراية منه ليواصل المسلمون جهادهم، ويكتم نعيم خبر استشهاد القائد، ويقوم حذيفة بن اليمان الذي أوصى النعمان له بقيادة الجيش من بعده، فيواصل المسيرة حتى تنتهي المعركة بنصر كبير، أعز الله به الإسلام والمسلمين، وفي جو الفرحة تساءل المسلمون عن قائدهم؟ فأجابهم نعيم قائلاً: هذا أميركم، قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة.
ووصل الخبر إلى المدينة، فصعد عمر المنبر ينعي للمسلمين ذلك البطل الشهيد، ويقول وعيناه تذرفان بالدموع: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيبكي المسلمون بالمدينة، ويرتفع صوت عبد الله بن مسعود بالبكاء وهو يقول: إن للإيمان بيوتًا وإن بيت ابن مقرن من بيوت الإيمان.
وهكذا يسجل التاريخ يومًا من أعظم أيام الإسلام، يوم نهاوند سنة (21هـ)، ذلك اليوم الذي استشهد فيه أمير نهاوند، وقائد المسلمين فيها النعمان بن مقرن.
وفي نهاوند، دفن النعمان يوم الجمعة في سهل ممتد تكسوه الأشجار العالية، ودفن معه مَنْ استشهد في ذلك اليوم الخالد.



عمرو بن معد يكرب - فارس العرب

إنه الصحابي الجليل أبو ثور عمرو بن معد يكرب الزُّبَيْدي -رضي الله عنه- الشاعر والفارس، اشتهر بالشجاعة والفروسية حتى لُقِبَّ بفارس العرب، وقد شارك في فتوح الشام والعراق، ولم يتخلف عن حرب مع المسلمين ضد أعدائهم قط.
ومما يروى عن إسلامه، أنه قال لصديقه قيس بن مكشوح حينما بلغهما أمر النبي (: قد ذُكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد، قد خرج بالحجاز، يقول: إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى ننظر أمره، فإن كان نبيًّا كما يقول؛ فإنه لن يخفي عليك، وإن كان غير ذلك؛ علمنا، فرفض قيس ذلك، فذهب هو إلى المدينة، ونزل على سعد بن عبادة، فأكرمه، وراح به إلى النبي ( فأسلم. وقيل: إنه قدم المدينة في وفد من قومه زُبَيْد، فأسلموا جميعًا.
وفي يوم اليرموك حارب في شجاعة واستبسال يبحث عن الشهادة، حتى انهزم الأعداء، وفروا أمام جند الله. وقبيل معركة القادسية طلب قائد الجيش
سعد بن أبي وقاص مددًا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليستعين به على حرب الفرس، فأرسل أمير المؤمنين إلى سعد رجلين فقط، هما: عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد، وقال في رسالته لسعد: إني أمددتك بألفي رجل.
[الطبراني].
وعندما بدأ القتال ألقى عمرو بنفسه بين صفوف الأعداء يضرب فيهم يمينًا ويسارًا، فلما رآه المسلمون؛ هجموا خلفه يحصدون رءوس الفرس حصدًا، وأثناء القتال وقف عمرو وسط الجند يشجعهم على القتال قائلاً: يا معشر المهاجرين كونوا أسودًا أشدَّاء، فإن الفارس إذا ألقى رمحه يئس.
فلما رآه أحد قواد الفرس يشجع أصحابه رماه بنبل، فأصابت قوسه ولم تصبه، فهجم عليه عمرو فطعنه، ثم أخذه بين صفوف المسلمين، واحتز رأسه، وقال للمسلمين: اصنعوا هكذا. وظل يقاتل حتى أتمَّ الله النصر للمسلمين.
[الطبراني].
وفي موقعة نهاوند، استعصى فتح نهاوند على المسلمين، فأرسل عمر بن الخطاب إلى النعمان بن مقرن قائد الجيش قائلاً: اسْتَشِر واستعن في حربك بطلحة
وعمرو بن معد يكرب، وشاورهما في الحرب، ولا تولِّهما من الأمر شيئًا، فإن كل صانع هو أعلم بصناعته. وقاتل عمرو في هذه المعركة أشدَّ قتال حتى كثرت جراحه، وفتح الله على المسلمين نهاوند، وظفر عمرو في تلك المعركة بالشهادة، ودفن بقرية رُوذَة من قرى نهاوند.



عروة بن مسعود - شبيه عيسى

إنَّه عروة بن مسعود الثقفي أحد أكابر قومه، وكان أحد الذين أرسلتهم قريش إلى النبي ( يوم صلح الحديبية ليفاوضه، ويومها قال عروة للنبي (: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك. [البخاري].
ثم رجع عروة إلى أهل مكة، وقال: إني رأيت من أصحاب محمد العجب، فوالله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلَّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فكان لعروة اليد البيضاء في تقرير الصلح يوم الحديبية.
وروى أن عروة بن مسعود ظل على شركه حتى عزم الرسول ( على فتح الطائف، وجهز النبي ( سرية من أصحابه، وخرج معهم إلى ثقيف، التي تحصنت بحصون عظيمة، فعسكر النبي ( بسريته حول الحصن عدة أيام، فلما وجد أن الحصار لا يفيد قرر العودة إلى المدينة، فلحق به عروة سيد ثقيف، فأسلم وحسن إسلامه، ثم استأذن النبي ( أن يرجع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فقال له النبي (: (إن فعلت فإنهم قاتلوك)، فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحبُّ إليهم من أبصارهم، فأذن له النبي (.
ورجع عروة إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، ولكنهم غضبوا منه وسبوه، وأسمعوه ما يكره، وفي فجر اليوم التالي صعد عروة فوق سطح غرفة له وأذن للصلاة، فخرجت إليه ثقيف، ورموه بالنبل من كل اتجاه، فأصابه سهم فوقع على الأرض، فحمله أهله إلى داره، وهناك قيل لعروة: ما ترى في دَمِكَ؟ قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله ( قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم. فلما علم ( بما حدث لعروة قال: (مَثَلُ عروة في قومه مَثَلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه) [الطبراني].
وقال (: (عُرض عليَّ الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم -عليه السلام- فإذا أقرب مَنْ رأيت به شبهًا عروة بن مسعود. [مسلم].



عتبة بن غزوان - معمر البصرة

إنه عتبة بن غزوان أحد الرماة الأفذاذ الذين أبلوا في سبيل الله بلاء حسنًا، سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام، وبسطوا أيديهم مبايعين رسول الله (، ومُتحدِّين قريشًا بكل ما معها من قوة وبأس، وتحمل مع إخوانه عذاب قريش واضطهادها.
هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فلم يطق فراق رسول الله (، وسرعان ما رجع ليبقى بجوار الرسول ( حتى حان موعد الهجرة إلى المدينة، فهاجر مع المسلمين، ولكن قريشًا لم تهدأ بعد هجرة النبي ( وأصحابه إلى المدينة، بل بدأت في محاربة الإسلام، واصطدمت مع المسلمين في بدر، فحمل عتبة سلاحه ليضرب به رءوس الكفر، وظل رافعًا سلاحه مع الرسول ( في كل لقاءاته مع المشركين لا يتخلف عن جهاد، أو يتكاسل عن معركة.
وبقى عتبة بعد وفاة النبي ( مجاهدًا في سبيل الله، فقد أرسله أميـر المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أرض البصرة لقتال الفرس في الأُبُلَّة، وليطهر أرضها من رجسهم. ومضى عتبة بجيشه إلى الأبلة، والتقى بأقوى جيوش الفرس، ووقف عتبة أمام جنوده حاملاً رمحه بيده، وصاح: الله أكبر. تلك الكلمة التي زلزلت الأرض من تحت أقدام الفرس، وما هي إلا جولات مباركة حتى استسلمت الأبلة، وطهرت أرضها من الكفر، وتحرر أهلها من طغيان الفرس.
وبعد فتح الأبلة، أسس عليها عتبة مدينة البصرة، وبني فيها مسجدًا كبيرًا، وبقى عتبة -رضي الله عنه- بالبصرة يصلي بالناس، ويفقههم في دينهم، ويحكم بينهم بالعدل، ضاربًا لهم أروع مثال في الزهد والورع.
وظل عتبة -رضي الله عنه- واليًا على البصرة حتى جاء موسم الحج، فخرج حاجَّا بعدما استخلف المغيرة بن شعبة على البصرة، ولما فرغ من حجه، سافر إلى المدينة، وطلب من أمير المؤمنين عمر أن يعفيه من الإمارة، ولكن أمير المؤمنين رفض أن يعفيه منها، ولم يكن أمام عتبة إلا الطاعة، فأخذ راحلته ليركبها راجعًا إلى البصرة، واعتلى ظهرها، ثم دعا ربه قائلاً: اللهم لا تردّني إليها.
فاستجاب الله دعاءه، فسقط من على راحلته، فمات وهو في طريقه بين مكة والبصرة، وكان ذلك سنة ( 17هـ).



عمران بن حصين - أفضل من قدم البصرة

إنه الصحابي الجليل أبو نُجيد عمران بن حصين -رضي الله عنه-، صاحب راية خزاعة يوم الفتح. أسلم عام خيبر، وبايع الرسول ( على الإسلام والجهاد، وكان صادقًا مع الله ومع نفسه، ورعًا زاهدًا مجاب الدعوة، يتفانى في حب الله وطاعته، كثير البكاء والخوف من الله، لا يكف عن البكاء ويقول: يا ليتني كنت رمادًا تذروه الرياح. [ابن سعد].
بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى البصرة، ليعلم أهلها أمور دينهم، وفي البصرة أقبل عليه أهلها يتعلمون منه، وكانوا يحبونه حبًّا شديدًا، لورعه وتقواه، وزهده، حتى قال الحسن البصري وابن سيرين -رضي الله
عنهما-: ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله ( أحد يفضل عمران بن حصين.
ولاه أمير البصرة أمر القضاء مدة من الزمن، ثم طلب من الأمير أن يعفيه من القضاء، فأعفاه، فقد أراد ألا يشغله عن العبادة شاغل حتى ولو كان ذلك الشاغل هو القضاء. ولما وقعت الفتنة بين المسلمين وقف عمران بن حصين محايدًا لا يقاتل مع أحد ضد الآخر، وراح يدعو الناس أن يكفوا عن الاشتراك في تلك الحرب، ويقول: لأن أرعى غنمًا على رأس جبل حتى يدركني الموت، أحب إليَّ من أن أرمي في أحد الفريقين بسهم، أخطأ أم أصاب. وكان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلاً: الزم مسجدك، فإن دُخل عليك فالزم بيتك، فإن دخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله.
ويضرب عمران بن حصين أروع مثل في الصبر وقوة الإيمان، وذلك حين أصابه مرض شديد ظل يعاني منه ثلاثين عامًا، لم يقنط ولم ييأس من رحمة الله، وما ضجر من مرضه ساعة، ولا قال: أف قط، بل ظل صابرًا محافظًا على عبادة الله، قائمًا وقاعدًا وراقدًا وهو يقول: إن أحب الأشياء إلى نفسي أحبها إلى الله. وأوصى حين أدركه الموت قائلاً: من صرخت عليَّ، فلا وصية لها. وظل عمران بن حصين بالبصرة حتى توفي بها عام (52هـ) وقيل: ( 53هـ).



عبد الله بن جحش - المجدع في الله

إنه الصحابي الجليل عبد الله بن جحش -رضي الله عنه-، ابن عمة رسول الله (، وأخو السيدة زينب بنت جحش زوج رسول الله (، كان من السابقين إلى الإسلام، حيث أسلم قبل دخول النبي ( دار الأرقم بن أبي الأرقم.
وقد عذب عبد الله في سبيل الله، إلى أن خرج مهاجرًا إلى الحبشة مع المسلمين المهاجرين إليها فرارًا بدينه، ثم دعاه الحنين إلى مكة فعاد إليها مع العائدين من الحبشة، وظل بها صابرًا على ما يلاقيه من أذى، حتى أذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، فسارع بالهجرة تاركًا في مكة دارًا عظيمة البنيان، تطل على الكعبة، فهجم المشركون على داره وباعوها وقبضوا ثمنها، ولما علم قومه بذلك تأثرت نفوسهم، وغضبوا غضبًا شديدًا، فطمأنهم النبي (، ودعا الله أن يعوضهم دارًا خيرًا منها في الجنة ففرحوا بذلك.
وبعد أن استقر المقام بالنبي ( في المدينة، بعث سرية من المسلمين لترصُّد عير قريش القادمة من الشام وتعرف أخبارها، وقال للصحابة الذين تجهزوا لهذه السرية: (لأبعثن عليكم رجلا أصبركم على الجوع والعطش)، ثم اختار الرسول ( عبد الله بن جحش، وجعله أميرًا على أول سرية يبعثها، وأعطاه كتابًا، وطلب منه ألا يفتحه إلا بعد أن يسير بأصحابه يومين، وسار عبد الله بالسرية.
وبعد يومين فتح الرسالة فإذا مكتوب فيها: (إذا نظرت في كتابي هذا؛ فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشًا وتعلم لنا أخبارهم). وعندما قرأ عبد الله الرسالة تهلل وجهه بالفرح، وقال: سمعنا وأطعنا، والتفت إلى أصحابه وأخبرهم الخبر، وقال لهم: نهاني رسول الله أن استكره أحدًا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها؛ فلينطلق معي، ومن كره ذلك فليرجع. [ابن هشام].
ولما وصلوا إلى المكان الذي وصفه لهم رسول الله (، ترصدوا لعير قريش حتى قدمت وفيها أربعة من الكفار، فاستشار عبد الله بن جحش أصحابه في قتالهم، فوافقوا على ذلك، فهجموا على المشركين، وقتلوا واحدًا، وأسروا اثنين، و فرَّ الرابع، وكان ذلك في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة، وأول ليلة من شهر رجب (أحد الأشهر الحرم).
وأشاعت قريش أن رسول الله ( يأمر أصحابه بالحرب في الأشهر الحرم، فحزن الرسول ( لذلك، وعاتب
عبد الله بن جحش وأصحابه، لكن الله سبحانه أنزل في ذلك قرآنًا، قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل}
[البقرة: 217].
ففرح عبد الله وأصحابه ببراءة الله لهم، وكان عبد الله قد غنم في هذه السرية، فقسم الغنائم، وأعطى للرسول ( خمس الغنيمة، ولم تكن آية الأنفال قد نزلت، فكان عبد الله أول من أعطى الخمس لرسول الله في الإسلام، ثم أنزل الله بعدها قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41]، ثم جاءت غزوة بدر فأبلى فيها عبد الله بلاء حسنًا، وأظهر شجاعة وفروسية، حتى تحقق نصر الله للمسلمين. [ابن هشام].
وفي غزوة أحد، وقف عبد الله بن جحش مع سعد بن أبي وقاص يستعدان للمعركة، وكل منهما يدعو ربه، فدعا سعد ربه أن يرزقه رجلاً شديدًا يقتله في سبيل الله، ويأخذ غنيمته، فأمن عبد الله على دعاء سعد، وتوجَّه هو إلى ربه في دعاء خاشع قال فيه: اللهم ارزقْني رجلاً شديدًا حرده (بأسه)، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني (يقتلني) فيجدع (يقطع) أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا (يوم القيامة) قلت: من جَدَعَ أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك (، فتقول: صدقت.
وأمن سعد على دعائه، ثم انطلقا إلى ساحة القتال، وعلم الله فيه صدق النية وإخلاص القلب والرغبة الحقيقية في الاستشهاد في سبيل الله، فاستجاب دعاءه، فقاتل في سبيل الله، وأظهر الشجاعة والبسالة، حتى إن سيفه كسر من كثرة قتله للمشركين، فأعطاه الرسول ( عرجون نخلة (العرجون أصل الأقرع التي تجمع البلح)، فتحول هذا العرجون الضعيف في يده سيفًا صارمًا
يقاتل به الأعداء، وبعد طول قتال رزقه الله الشهادة في سبيله؛ حيث هجم عليه أحد المشركين، وضربه بسيفه ضربة شديدة؛ فاضت بعدها روحه إلى بارئها، ثم قام هذا المشرك بقطع أنفه وأذنه، فسُميَّ المجدَّع في الله (أي المقطوع الأنف والأذن). ولما رآه سعد بن أبي وقاص على تلك الهيئة قال: كانت دعوته خيرًا من دعوتي.
وكان عمره آنذاك بضعًا وأربعين سنة، ودفن -رضي الله عنه- بجوار أسد الله حمزة في قبر واحد، بعد أن صلَّى عليه رسول الله (.


عمير بن وهب

إنه عمير بن وهب -رضي الله عنه-، كان واحدًا من قادة قريش، وبطلاً من أبطالها، كان حادَّ الذكاء، وداهية حرب، طلب منه أهل مكة يوم بدر أن يستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول ( للقائهم، ويعرف مدى استعدادهم.
فانطلق هذا الداهية يترقب حول معسكر المسلمين، ثم رجع يقول لقومه: إنهم ثلاثمائة رجل، أو يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، وكان تقديره صحيحًا، ثم سأله قومه: هل وراءهم مدد أم لا؟ فقال: لم أجد وراءهم شيئًا، ولكنى رأيت قومًا وجوههم كوجوه الحيات، لا يموتون حتى يقتلوا منا أعدادهم، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم.
والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك؛ فانظروا رأيكم. فتأثر عدد من زعماء قريش بكلامه، وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون إلى مكة بغير قتال، لولا أن أبا جهل أيقظ في نفوس الكفار نار الحقد، وأشعل نار الحرب، ولما نشبت المعركة
كان عمير بن وهب أول من رمى بنفسه عن فرسه بين المسلمين، وانتهت
المعركة بانتصار المسلمين على قريش، وعادت قوات قريش إلى مكة تجر
خيبتها وراءها.
وبعد بدر، أقبل عمير بن وهب على ابن عمه صفوان بن أمية وهو جالس في حجر الكعبة، وأخذا يتذكران ما حل بأهل مكة يوم بدر، فقال صفوان: قبح الله العيش بعد قتلى بدر، فقال عمير: صدقت، والله ما في العيش خير بعدهم، ولولا ديْن عليَّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى؛ لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده علة (سببًا) أعتكُّ بها عليه: أقول: قدمت من أجل ابني هذا الأسير، وكان ابنه وهب قد أسر يوم بدر، ففرح صفوان وقال له: عليَّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم وأرعاهم.
فقال عمير لصفوان: اكتم خبري أيامًا حتى أصل إلى المدينة، ثم جهز عمير سيفه وسنَّه، وجعله حادًا، ووضع عليه السم، ثم انطلق حتى وصل إلى المدينة، وربط راحلته عند باب المسجد، وأخذ سيفه، وتوجه إلى رسول الله (، فرآه عمر بن الخطاب، فأسرع إلى رسول الله ( وقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب جاء رافعًا سيفه، لا تأمنه على شيء، فقال ( لعمر: (أدخله عليَّ).
فخرج عمر، وأمر بعض الصحابة أن يدخلوا إلى رسول الله ( ويحترسوا من عمير، وأمسك عمر بثياب عمير، ودخل به، فقال ( لعمر: (تأخَّر عنه (أي اتركه وابتعد عنه))، وقال لعمير: (اقترب يا عمير)، فاقترب عمير من الرسول (، وقال: انعموا صباحًا (وهى تحية الجاهلية)، فقال له (: (قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة).
ثم سأله (: (فما جاء بك يا عمير؟) فقال عمير: جئت لهذا الأسير عندكم (يقصد ابنه وهبًا)، تفادونا في أسرانا، فإنكم العشيرة والأهل، فقال النبي (: (فما بال السيف في عنقك؟) قال عمير: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئًا؟! إنما نسيته في عنقي حين نزلت، ثم قال الرسول (: (أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له؟) فقال عمير: ما جئت إلا في طلب أسيري.
فقال الرسول (: (بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في حجر الكعبة، ثم قلت: لولا دين عليَّ وعيال عندي؛ لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمل لك صفوان ذلك، والله حائل (مانع) بينك وبين ذلك)، فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي، وبما يأتيك من السماء، وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر، لم يطلع عليه أحد، فأخبرك الله به، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، ففرح المسلمون بإسلام عمير فرحًا شديدًَا. فقال الرسول ( لأصحابه: (علموا أخاكم القرآن، وأطلقوا أسيره) [ابن هشام وابن جرير].
هكذا أسلم عمير بن وهب، وأصبح واحدًا من أولئك الذين أنعم الله عليهم بالهدى والنور، يقول عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما أسلم: والذي نفسي بيده، لخنزير كان أحب إلي من عمير حين طلع علينا (حين رآه في المدينة وهو قادم على الرسول ( ليقتله)، ولهو اليوم أحب إلي من بعض ولدي.
وبعد أيام قليلة، ذهب إلى رسول الله ( قائلاً: يا رسول الله، إني كنت جاهدًا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحب أن تأذن لي فألحق بقريش، فأدعوهم إلى الإسلام، لعل الله أن يهديهم، فأذن له الرسول (.
وفي الوقت الذي آمن فيه عمير بالمدينة، كان صفوان يقول لقريش: أبشروا بفتح يأتيكم بعد أيام ينسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يخرج كل صباح إلى مشارق مكة يسأل القوافل القادمة من المدينة: ألم يحدث بالمدينة أمر؟ هل قتل محمد؟ وظل على هذا النحو حتى قال له رجل قدم من المدينة: لقد أسلم عمير. فغضب صفوان أشد الغضب، وحلف أن لا يكلم عميرًا أبدًا، ولا يعطي له ولا لأولاده شيئًا.
وعاد عمير بن وهب إلى مكة مسلمًا، وراح يدعو كل من يقابله من أهل مكة إلى الإسلام، فأسلم على يديه عدد كبير، ورأى صفوان بن أمية، فأخذ ينادي عليه، فأعرض عنه صفوان، فسار إليه عمير وهو يقول بأعلى صوته: يا صفوان أنت سيد من سادتنا، أرأيت الذي كنا عليه من عبادة حجر والذبح له؟ أهذا دين؟ اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. فلم يردَّ عليه بكلمة.
وفي يوم فتح مكة، لم ينس عمير صاحبه وابن عمه صفوان بن أمية، فراح يدعوه إلى الإسلام، فشد صفوان رحاله نحو جدة، ليذهب منها إلى اليمن، وصمم عمير أن يسترد صفوان من يد الشيطان بأية وسيلة، وذهب إلى الرسول ( مسرعًا، وقال له: يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه قد خرج هاربًا منك، ليقذف بنفسه في البحر فأمنه (أي أعطه الأمان)، فقال النبي (: (قد أمنته)، فقال عمير: يا رسول الله، أعطني آية (علامة) يعرف بها أمانك، فأعطاه الرسول ( عمامته التي دخل بها مكة.
فخرج عمير بها حتى أدرك صفوان وهو يريد أن يركب البحر. فقال: يا صفوان فداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان رسول الله ( قد جئتك به. فقال له صفوان: ويحك، اغرب عني فلا تكلمني، فقال عمير: أي صفوان، فداك أبي وأمي، إن رسول الله ( أفضل الناس، وأبر الناس، وأحلم الناس، عزه عزك، وشرفه شرفك. فقال صفوان: إني أخاف على نفسي، فقال عمير: هو أحلم من ذاك وأكرم.
فرجع معه وذهبا إلى رسول الله (، فقال صفوان للنبي (: إن هذا يزعم أنك قد أمنتني. فقال الرسول (: (صدق)، فقال صفوان: فاجعلني فيه (أي في الإيمان) بالخيار شهرين. فقال الرسول (: (بل لك تسير أربعة أشهر) [ابن هشام].
وتحققت أمنية عمير وأسلم صفوان، وسَعِد عمير بإسلامه، وواصل عمير بن وهب مسيرة في نصرة الإسلام، حتى أصبح من أحب الناس إلى رسول الله (، ونال عمير احترام خلفاء الرسول ( وعاش
عمير بن وهب حتى خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.



عبد الله بن عبد الله بن أُبي - عدو النفاق والمنافقين

إنه عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول -رضي الله عنه-، كان من فضلاء الصحابة وخيارهم، شهد بدرًا وأحدًا والغزوات كلها مع رسول الله (، وكان اسمه الحُباب فلما أسلم سماه رسول الله ( عبد الله.
وأبوه عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، وكان أبوه سيد الخزرج، وكانت قبيلة الخزرج قد اجتمعت على أن يتوجوه ملكًا عليهم قبل بعثة الرسول (، فلما بعث النبي (، وانتشرت أخبار الدين الجديد إلى يثرب، سارع الأنصار إلى الإسلام، وبذلك ضاعت الفرصة من يد ابن سلول، وظل حاقدًا على الرسول ( وعلى الإسلام والمسلمين، وأصبحت داره منذ تلك اللحظة مقرًا للمنافقين واليهود والمشركين، يدبرون فيها المؤامرات ضد الإسلام، ويخططون فيها لقتل النبي (.
وخلال هذه الأحداث لم يقف عبد الله بن عبد الله مكتوف الأيدي، بل أنكر على أبيه ما يفعله، وحاول مرارًا أن يمنعه عن أفعاله ولكن دون جدوى، وفشلت محاولات عبد الله بن عبد الله في أن يجعل أباه مؤمنًا صادق الإيمان، ولما يئس من أبيه ترك الدار، واتخذ لنفسه دارًا أخرى يعبد الله فيها بعيدًا عن بيت النفاق والحقد والحسد.
وكان الرسول ( يحب عبد الله بن عبد الله حبًّا شديدًا، ويعرف له إخلاصه وصدق إيمانه، بل ويقربه منه، ويجعله من خاصة أنصاره. وكثرت مؤامرات عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وأخذت صورًا كثيرة، والرسول ( يأمر أصحابه بالصبر عليه.
وفي غزوة بدر حارب عبد الله بن عبد الله في سبيل الله، وأبلى بلاءً حسنًا، وجاءت غزوة أحد تلك الغزوة التي رجع فيها عبد الله بن أبي بن سلول إلى المدينة بثلث جيش المسلمين حتى كاد ابنه عبد الله أن يجن.
وفي غزوة بني المصطلق، حاول رأس النفاق عبد الله بن أبي أن يوقع بين الأنصار والمهاجرين ثم قال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز (أي هو) منها الأذل (يقصد بذلك الرسول وأصحابه). فعلم الرسول ( بما قاله ابن أبى، ورجع إلى المدينة فلقيه أسيد بن حضير، فقال رسول الله ( له: (أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي بن سلول؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل)، فقال أسيد: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل.
ولما علم عبد الله بن أبي بن سلول أن رسول الله ( قد بلغه ما قاله أسرع إليه ليعتذر له، ويقسم أنه لم يقل هذا، وسرعان ما نزل القرآن بعد ذلك ليكشف عن كذب هذا المنافق، فقال تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن أكثر الناس لا يعلمون1} [المنافقون: 8].
ثم قام عبد الله بن أبي بن سلول ليركب ناقته ويعود إلى بيته، فأمسك ابنه عبد الله بناقته وأراد أن يقتله، فمنعه المسلمون من ذلك، فقال لهم: والله لا أفارقه حتى يقول لرسول الله هو الأعز، وأنا الأذل.
ثم ذهب عبد الله إلى رسول الله ( وقال له: يا رسول الله، بلغني أنك تريد قتل أبي، فوالذي بعثك بالحق، لئن شئت أن آتيك برأسه لأتيتك، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري، فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله (: (بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقى معنا) [ابن هشام].
ثم مات رأس المنافقين، وهدأت نفس عبد الله بن عبد الله، ثم جاء إلى رسول الله ( فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه، فأعطاه الرسول ( القميص، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله (، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال الرسول (: (إنما خيرني الله فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80] وسأزيد على سبعين).
فقال عمر: إنه منافق، فصلى عليه الرسول ( إكرامًا لابنه، فأنزل الله عز وجل: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} [التوبة: 84]. (متفق عليه).
واستمر عبد الله مع رسول الله ( في غزواته، طالبًا الشهادة ليسجل في التاريخ صفحة مضيئة بعد ما أنفق معظم ماله في سبيل الله. ولما توفي النبي ( فحزن عبد الله حزنًا شديدًا. وجاءت حروب الردة ليقاتل فيها عبد الله بكل فدائية وإخلاص، ويدخل وسط جيوش الأعداء في معركة اليمامة يضرب يمينًا وشمالاً، فيلتف حوله المشركون، ويضربوه حتى يسقط شهيدًا -رضي الله عنه-.



البراء بن معرور - أول من صلى تجاه الكعبة

إنه البراء بن معرور الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه-، أمه الرباب بنت النعمان، وكنيته أبو بشر، أسلم وهو في المدينة قبل أن يهاجر إليها النبي (، وكان سيد الأنصار وكبيرهم، وأحد الذين بايعوا النبي صلى
الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى، وكان نقيبًا لبني سلمة، وأول من أوصى بثلث ماله.
وخرج البراء يومًا مع نقباء الأنصار إلى مكة، وفي الطريق حان وقت الصلاة، وكانت قبلة المسلمين في ذلك الوقت ناحية بيت المقدس، فقال البراء لمن معه من المسلمين: يا هؤلاء، قد رأيت أن لا أدع هذه البنية (يقصد الكعبة) مني بظهر (وراء ظهري)، وأن أصلي إليها (أي اتجه نحوها). فقال له أصحابه: والله ما بلغنا أن رسول الله ( يصلي إلا إلى الشام (يقصد بيت المقدس)، وما نريد أن نخالفه، فقال البراء: إني لمصلٍّ إلى الكعبة. فقالوا له: ولكنا لا نفعل.
فكان البراء -رضي الله عنه- إذا حضرت الصلاة يصلي ناحية الكعبة، وباقي أصحابه يتجهون ناحية بيت المقدس، وظلوا على هذه الحال حتى وصلوا مكة، وكانوا يعيبون على البراء صلاته ناحية الكعبة حتى إنه شك فيها، وخاف أن يكون بفعله هذا قد خالف الله ورسوله (.
ولما وصل الأنصار إلى مكة أسرع البراء إلى رسول الله ( وقال له: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية (الكعبة) مني بظهر (وراء ظهري) فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي شك من ذلك، فماذا ترى يا رسول الله؟ فقال له رسول الله (: (لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها)، ثم أمره أن يصلي ناحية بيت المقدس، فاستجاب البراء لأمر الرسول (. [أحمد].
ثم عاد البراء إلى المدينة، وهناك مرض مرض الموت، فقال لأهله قبل أن يموت: استقبلوا بي ناحية الكعبة، فلما فارق الحياة وضعوه نحو الكعبة، فكان بذلك أول من استقبل الكعبة بوجهه حيًّا وميتًا حتى جاء أمر الله بتغيير القبلة إلى الكعبة.
ومات البراء بن معرور -رضي الله عنه- في شهر صفر قبل قدوم النبي ( بشهر، فلما قدم النبي ( المدينة أتى قبره ومعه أصحابه فكبر وصلى عليه.



ثابت بن قيس - خطيب الأنصار

إنه ثابت بن قيس -رضي الله عنه-، خطيب الأنصار، وخطيب رسول الله (. فعندما قدم النبي ( المدينة، قام ثابت خطيبًا، وقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا؟ قال: (الجنة). قالوا: رضينا. [الحاكم].
ولما قدم وفد تميم، وافتخر خطيبهم بأمور، قال النبي ( لثابت: (قم، فأجب خطيبهم) فقام، فحمد الله وأبلغ، وسرَّ رسول الله ( والمسلمون بمقامه. [ابن هشام].
وكان ثابت جهوري الصوت، فلما نزل قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2]. جلس في بيته يبكي، وقال: أنا من أهل النار، فافتقده النبي (، فأرسل من يأتيه بخبره، فذهب إليه رجل وعلم منه الأمر، ثم رجع إلى النبي ( وأخبره، فقال (: (اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة) _[متفق عليه].
ولما نزل قوله تعالى: {إن الله لا يحب كل مختال فخور} [لقمان: 88] أغلق ثابت داره على نفسه وجلس يبكي، وغاب عن النبي ( مدة، فعلم ( بأمره فدعاه إليه وسأله، فقال ثابت: يا رسول الله إني أحب الثوب الجميل والنعل الجميل، وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين، فقال (: (يا ثابت، أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا، وتدخل الجنة) [الحاكم].
وفي معركة اليمامة، كان ثابت يلبس ثوبين أبيضين، وعندما رأى المسلمين قد تأثروا بهجوم جيش مسيلمة، صاح فيهم قائلاً: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله (، بئس ما عودتم أقرانكم، وبئس ما عودتم أنفسكم، اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء (المشركين)، وأعتذر من صنيع هؤلاء (المسلمين)، ثم أخذ يقاتل هو وسالم مولى أبي حذيفة حتى قتل. [البخاري].
وبعد أن استشهد مرَّ به رجل من المسلمين، فأخذ درعه الثمينة، فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه، فقال له: إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، ثم قص عليه الأمر، ثم قال له: فأت خالدًا -وكان قائدًا للجيش-، فمره فليبعث من يأخذها، فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله ( فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا، فليقم بسداده.
فلما استيقظ الرجل أخبر خالدًا، فأرسل خالد من يأتي بالدرع فوجدها، ولما رجع المسلمون إلى المدينة قص الرجل رؤياه على أبي بكر، فأنجز وصية ثابت، ولا نعلم أحدًا أجيزت وصيته بعد موته سوى ثابت بن قيس. [الحاكم والهيثمي].



قيس بن سعد - الكريم ابن الكريم

إنه قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، الذي نشأ في بيت كريم صالح من أكرم بيوت العرب وأعرقها نسبًا، فأبوه هو الصحابي الجليل سعد بن عبادة سيد الخزرج، وقد تربى قيس منذ الصغر على الشجاعة والكرم، حتى صار يضرب به المثل في جوده وكرمه.
وذات مرة جاءت امرأة عجوز تشكو فقرها إلى قيس، فقال لخدمه: املئوا بيتها خبزًا وسمنًا وتمرًا. [ابن عساكر]، وكان قيس يطعم الناس في أسفاره مع النبي (، وكان إذا نفد (انتهى) ما معه يستدين وينادي في كل يوم: هلموا إلى اللحم والثريد. [ابن عساكر].
باع تجارة بتسعين ألفا، ثم أمر من ينادي بالمدينة: من أراد القرض فليأت، فجاء إليه أناس كثيرون، أقرضهم أربعين ألفًا وتصدق بالباقي، وذات يوم أصابه مرض فقل عواده وزواره، فسأل زوجته: لم قل عوادي؟ فأجابت: لأنهم يستحيون من أجل دينك فأمر مناديًا ينادي: من كان عليه دين فهو له، فأتى الناس يزورونه حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه.
وكان -رضي الله عنه- يقول: اللهم ارزقني مالاً وفعالاً (كرمًا) فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال. [ابن عساكر].
وجاءه كثير بن الصلت فطلب منه ثلاثين ألفًا على سبيل القرض، فأعطاه إياها، ولما ردها إليه رفض قيس أن يقبلها، وقال: إنا لا نعود في شيء أعطيناه.
واشترك قيس مع ثلاثمائة صحابي في غزوة سيف البحر بقيادة
أبي عبيدة بن الجراح، فأصابهم فيها جوع شديد، وفنى ما معهم من زاد، فقام قيس فذبح ثلاثة جمال له، وبعد مدة ذبح ثلاثة أخرى، ثم ذبح لهم ثلاثة أخرى، حتى نهاه أبو عبيدة عن ذلك حين رزق الله الجيش بحوت كبير ظلوا يأكلون منه ثمانية عشر يومًا، وعندما عادوا للنبي ( وذكروا له ذلك، قال عن قيس: (أما إنه في بيت جود) [ابن عساكر].
وتحدث أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- عن كرم قيس وسخائه، فقالا: لو تركنا هذا الفتى لسخائه لأهلك (قضى على) مال أبيه، فلما سمع سعد ذلك قام عند النبي ( فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة (أبي بكر) وابن الخطاب، يُبَخِّلان عليَّ ابني. وكان قيس يتمتع بالذكاء وحسن التدبير وسلامة التفكير.
وكان قيس ملازمًا للنبي ( حتى قال عنه أنس: كان
قيس بن سعد بن عبادة من النبي ( بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. [البخاري والترمذي].
وقد عرف بشجاعته وبسالته وإقدامه، فكان حاملا للواء الأنصار مع رسول الله (، وشهد مع الرسول الغزوات، وأخذ النبي ( الراية يوم فتح مكة من أبيه سعد وأعطاها لابنه قيس؛ حيث كان بطلاً قويًّا وفارسًا مقدامًا ومجاهدًا عظيمًا.
وجاهد قيس مع الخلفاء الراشدين، ووقف مع الإمام علي بن أبي طالب في معركة صفين والجمل والنهروان، ورأى أن الحق في جانبه، وقد ولاه الإمام علي -رضي الله عنه- حكم مصر، ثم استدعاه منها وجعله على قيادة جيشه، ولما استشهد الإمام علي بايع ابنه الحسن -رضي الله عنه- وقاد خمسة آلاف رجل لحرب معاوية، لكن الحسن آثر أن يحقن دماء المسلمين فتفاوض مع معاوية وبايعه على الخلافة، وتنازل عنها، فرجع قيس إلى المدينة، وجمع قومه وخطب فيهم وقال:
إن شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا، فاختار جنوده الأمان وقالوا: خذ لنا أمانًا. فأخذ لهم الأمان من معاوية.
[ابن عساكر].
وقد كان قيس بن سعد -رضي الله عنه- معروفًا بالذكاء والدهاء، وكان يقول عن نفسه: لولا أني سمعت رسول الله ( يقول: المكر والخديعة في النار لكنت من أمر هذه الأمة.
وروى قيس كثيرًا من أحاديث رسول الله ( وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين. وعاش قيس في المدينة، حتى توفي -رحمه الله- في آخر خلافة معاوية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:29 am

أبو حذيفة بن عتبة - الشهيد ذو الابتسامة

إنه الصحابي الجليل أبو حذيفة بن عتبة -رضي الله عنه-، ابن عتبة بن ربيعة
شيخ قريش، وأخته هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، كان من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم قبل دخول المسلمين دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك ابنه محمد بن أبي حذيفة، ثم قدم على الرسول ( في مكة، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد والغزوات كلها مع النبي (.
وفي غزوة بدر، كان أبو حذيفة يقاتل في صفوف المسلمين، بينما أبوه عتبة وأخوه الوليد وعمه شيبة يقفون في صفوف المشركين، فطلب أبو حذيفة من أبيه الكافر عتبة بن شيبة أن يبارزه، فقالت أخته: هند بنت عتبة شعرًا، جعلته يصرف النظر عن مبارزة أبيه، وبعد انتهاء غزوة بدر، أمر النبي ( بسحب القتلى المشركين؛ لتطرح جثثهم في البئر، ثم وقف على حافة البئر، وخاطب المشركين، وقال: (يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقًّا؟) فقالوا: يا رسول الله، تكلم قومًا موتي؟ قال: (والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب).
ورأى أبو حذيفة أباه يسحب ليرمي في البئر، فتغير لونه، وأصابه الحزن، وعرف النبي ( ذلك في وجهه، فقال له: (كأنك كاره لما رأيت) فقال: يا رسول الله، إن أبي كان رجلاً سيدًا، فرجوت أن يهديه ربه إلى الإسلام، فلما وقع الموقع الذي وقع أحزنني ذلك، فدعا رسول الله ( له بخير. [ابن جرير].
وكان أبو حذيفة يتمنى أن يستشهد في سبيل الله، فظل يجاهد حتى توفي الرسول (، وفي عهد الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه-، كان أبو حذيفة في أول صفوف الجيش الإسلامي المتجه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وتحقق لأبي حذيفة ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله فوقع شهيدًا، وعلى وجهه ابتسامة لما رأى من منزلته عند ربه.


عبادة بن الصامت - معلم الخير

إنه الصحابي الجليل أبو الوليد عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، أحد أفراد وفد الأنصار الذين جاءوا إلى مكة ليبايعوا رسول الله ( بيعة العقبة الأولى، وكان أحد الاثني عشر نقيبًا الذين اتخذهم الرسول ( نقباء على أهليهم وعشائرهم.
وواحد من أولئك الذين قال فيهم رسول الله (: (لو أن الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار) [البخاري].
وقد شهد بدرًا وأحدًا والخندق والغزوات كلها مع رسول الله (، ولم يتخلف عن مشهد، وهو أحد الذين ساهموا في جمع القرآن زمن النبي (.
وقد كان ولاؤه لله ورسوله عظيمًا، حيث يُروى أن قومه كانوا مرتبطين بعهد مع يهود بني قينقاع بالمدينة قبل مجيء النبي ( إليها، ولما هاجر الرسول ( وأصحابه واستقروا بها، وتجمعت قبائل اليهود عقب غزوة بدر، وافتعلت إحدى قبائلهم وهم بنو قينقاع أسبابًا للفتنة والصدام مع المسلمين، فلما رأى عبادة موقفهم هذا نبذ إليهم عهدهم قائلا: إنما أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
فنزل القرآن مؤيدًا موقفه هذا قائلاً: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} إلى أن قال: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 51-56].
لقد سمع عبادة بن الصامت رسول الله ( يومًا وهو يتحدث عن مسئولية الأمراء والولاة، والمصير الذي ينتظر من يفرط منهم في حق من حقوق المسلمين، قائلاً: (والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه) [مسلم]، فأقسم عبادة بالله ألا يكون أميرًا على اثنين.
ولما فتح المسلمون الشام أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عبادة ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء إلى أهلها؛ ليعلموهم القرآن ويفقهوهم في الدين، فأقام عبادة بحمص، ثم انتقل منها إلى فلسطين؛ حيث تولى القضاء بها، فكان بذلك أول من تولى قضاء فلسطين.
وفي سنة (34 هـ) توفي عبادة بالرَّمْلَة من أرض الشام -وقيل ببيت المقدس-، فرضي الله عنه وأرضاه.




حبيب بن زيد - سفير الصدق

إنه حبيب بن زيد -رضي الله عنه- أحد الصحابة الفضلاء، وأحد الرجال السبعين الذين بايعوا النبي ( في بيعة العقبة الثانية، وكان أبوه وأمه ممن شاركوا في هذه البيعة أيضًا، وقد لازم رسول الله ( بعد الهجرة، وشهد معه الغزوات كلها، ولم يتخلف عن غزوة واحدة.
ولما ادعى مسيلمة الكذاب النبوة، وزاد إضلاله وفساده، رأى الرسول ( أن يبعث إليه رسالة ينهاه فيها عن حماقته، ووقع اختيار النبي ( على حبيب بن زيد بن عاصم ليكون سفيره إلى مسيلمة الكذاب.
وأخذ حبيب الرسالة وسافر إلى مسيلمة متمنيًا أن يكون سببًا في هدايته وعودته إلى رشده، ووصل حبيب إلى مسيلمة وأعطاه رسالة الرسول (، ولكن مسيلمة أصر على ضلاله وغروره، وأمر شرذمة من قومه أن يعذبوه أمام حشد كبير من بني حنيفة.
وظن مسيلمة أن كل هذا التعذيب سيجعل حبيبًا يؤمن به، وبذلك يحقق معجزة أمام قومه الذين دعاهم لحضور هذا المشهد، وتوجه مسيلمة بالحديث إلى حبيب قائلا: أَتَشْهَدُ أن محمدًا رسول الله؟
قال حبيب: نعم أشهد أن محمدًا رسول الله.
فأصاب الخزى مسيلمة، وعاد يسأل حبيبًا في غضب: وتشهد أني رسول الله؟ فقال حبيب في سخرية واستهزاء: أنا أصم لا أسمع، فكرر مسيلمة السؤال مرارًا، ولكن حبيبًا ظل يردد جوابه السابق، فاسودَّ وجه مسيلمة الكذاب، وفشلت خطته، فهاج، ونادى جلاده، فجاء برمحه وطعن حبيبًا، ثم قطع جسده عضوًا عضوًا، وحبيب يردِّد في إيمان صادق: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
وبلغ رسول الله ( نبأ استشهاد حبيب، فغضب غضبًا شديدًا، وجهز جيشًا لمحاربة مسيلمة، ولكنه ( توفي قبل توجه الجيش لمحاربته. فلما تولى أبو بكر الخلافة من بعده، لاقى مسيلمة في موقعة اليمامة تلك المعركة التي انتصر فيها المسلمون، وقُتل مسيلمة وأصحابه، وثأر المسلمون لحبيب من هذا الكذاب.



سعد بن عبيد - الشهيد القارئ

إنه أبو عمير سعد بن عبيد بن النعمان الأنصاري الأوسي -رضي الله عنه-، أسلم قبل الهجرة، وعمل على نشر الإسلام بالمدينة، فأسلم معه جماعة من الأنصار، ولما هاجر النبي ( ورأى ما صنعه سعد، جعله إمامًا لمسجد قباء الذي بناه رسول الله (، ولقبه بالقارئ، ولم يلقب بهذا اللقب غيره، ثم جاء أبو بكر فأقرّه على إمامة المسجد، وكذلك فعل عمر بن الخطاب.
وكان سعد أحد الأنصار الأربعة الذين جمعوا القرآن الكريم على عهد رسول (، ولم ينصرف سعد إلى العلم والتفقه في الدين فقط، بل وهب روحه ونفسه في سبيل الله، واشترك في الجهاد ضد المشركين في بدر وأحد، وفي كل المشاهد مع رسول الله (.
وخرج -رضي الله عنه- مع جيش أسامة وتحت إمرته لقتال الروم، كما أذن له الصديق -رضي الله عنه- في الخروج إلى العراق للجهاد في سبيل الله، وحمله أمانة تعليم المسلمين والقضاء فيما بينهم، فخرج سعد القارئ -رضي الله عنه- خلف قائده أبي عبيد بن مسعود الثقفي -رضي الله عنه- يبارز بالسيف، ويعلم بالقلم.
ثم خرج في جيش المسلمين تحت إمرة سعد بن أبي وقاص في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى بلاد كسرى في العراق؛ ليواصل جهاده هناك، لتكون كلمة الله هي العليا.
ويبدأ الجيش المسلم سلسلة من اللقاءات الحاسمة مع أعداء الله، بدأها بلقاء مع ملك الحيرة وحليف كسرى، الملك العربي النصراني المنذر بن النعمان بن المنذر.
واصطف الجيشان، وبدأ ملك الحيرة يخطب في جيشه؛ ليشجعهم على القتال، ويشعل الحماسة في قلوبهم، وبينما هو كذلك إذ صاح الحاجب: رسول من قائد الأعداء يطلب مقابلتك أيها الملك.
فحدث بين صفوف الجيش هرج ومرج، فقال ملك الحيرة غاضبًا: ائتني به. فدخل القارئ مرفوع الرأس، ثابت الخطأ يدكُّ الأرض برجله وسيفه، وهو يخترق تلك الجموع الحاشدة التي تأهبت لقتال المسلمين ثم وقف أمام الملك، فقال قائد الحرس لسعد القارئ: قبل الأرض تحية للملك.
فنظر القارئ باستخفاف واستنكار قائلا: الله أمرنا ألا يسجد بعضنا لبعض، ولعمري إن هذه كانت العادة المعروفة في الجاهلية قبل أن يبعث الله نبيه محمدًا (، فلما بعث جعل تحيته السلام، أما تحيتكم هذه فهي تحية جبابرة الملوك. اضطرب ملك الحيرة، وارتاع من جرأته، فأسرع صائحًا: ويح قومك! ما الذي جئت لأجله.
فعرض عليهم سعد الإسلام وخيّرهم بين ثلاثة أمور: إما الإسلام، أو الجزية، أو هي الحرب.
فقال له الملك: لقد حدثتكم أنفسكم بالأباطيل، أظننتم أن الفرس مثل الروم؟ كلا، وحق المسيح، إنهم أثبت وأشد، وهذا الملك أزدشير ملك الفرس قد جمع لكم جيوشه وعساكره، وسينالون منكم. فرد سعد القارئ في حزم وقوة: أيها الملك لقد تشرفت بالباطل، وتفوهت بكلام غير عاقل، أما علمت أن العاقبة للمتقين، وأن الله بكرمه يرفع عنا البأس، ويظفرنا بجميع الناس، وإن نبينا ( قال: (ستفتح على أمتي كنوز كسرى وقيصر) فأما كنوز قيصر فقد فتحها الله علينا، وبقيت كنوز صاحبك.
فزاد غضب ملك الحيرة حتى فقد صوابه، فقال: ما عندنا جواب إلا السيف. ورجع القارئ إلى المعسكر، وأخبر قائده سعد بن أبي وقاص بالأمر، وما هي إلا فترة وجيزة حتى زحفت قوات الحق على أهل الباطل، فتطايرت الرءوس، وعلت الصيحات، وكتب الله النصر للمسلمين.
وتقدم المسلمون نحو القادسية، وهناك كانت جيوش الفرس في أوج أهبتها واستعدادها؛ فقد جمعت عدتها وعتادها في انتظار المسلمين.
وظلت الحرب دائرة يومين، وفي مساء اليوم الثالث، أخذ القارئ يحدث الناس، ويحمسهم، ويحثهم على الصبر والإخلاص، ويرغبهم في الشهادة، وما أعده الله للشهيد من فضل وكرامة، وقال لأصحابه: إنا مستشهدون غدًا، فلا تكفنونا إلا في ثيابنا التي أُصِبْنَا فيها.
وفي الصباح كتب الله للمسلمين النصر، وأنعم الله على القارئ بما كان يتمناه، فاستشهد في سبيل الله.
وقد روى سعد القارئ -رضي الله عنه- كثيرًا من أحاديث النبي (، وترك بنين وبنات، أشهرهم ابنه عمير الذي ولاه أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولاية الشام.




عمرو بن الجموح - الجعد الأبيض

إنه عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- أحد زعماء المدينة، وسيد سادات بني سلمة، وشريف من أشرافهم، وآخر الأنصار إسلامًا، كان زوجًا لهند بنت عمرو أخت عبد الله بن عمرو بن حرام، وقد سبقه ابنه معاذ إلى الإسلام.
وكان عمرو بن الجموح قد اتخذ لنفسه صنمًا من الخشب في داره سماه منافًا، فحزن معاذ، وأخذ ينصحه بالدخول في الإسلام، لكنه ظل مصرًّا على عبادة ذلك الصنم الذي لا ينفع ولا يضر.
وذات يوم، فكر معاذ ومعه بعض الفتيان من بني سلمة في حيلة يُعَرِّفُ بها أباه أن ما يعبده إنما هو صنم لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا، بل لا يمكنه الدفاع عن نفسه.
فدخلوا ليلا، وأخذوا الصنم من مكانه، ووضعوه في حفرة منكسًا على رأسه، فلما أصبح عمرو بن الجموح لم يجد منافًا، فكاد أن يجن، وغضب غضبًا شديدًا، وخرج يبحث عنه فإذا به ملقى في حفرة على رأسه.
فثار وأخذ يصيح: ويلكم مَنْ عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ ثم رفعه من الحفرة، وغسّله، وطيَّبه، ووضعه في مكانه بالدار، وهو يقول: أما والله لو أعلم مَنْ فعل هذا بك لأخزينه.
ولما جاء الليل، ونام عمرو، ذهب الفتيان إلى الصنم، وفعلوا به مثلما فعلوا من قبل، وتكرر ذلك عدة مرات، فلم يجد عمرو حيلة إلا أن يعلق سيفه في رقبة ذلك الصنم ويقول له: إني والله لا أعلم مَنْ يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع بهذا السيف (أي فادفع عن نفسك).
فلما جاء الليل أخذ معاذ وأصحابه كلبًا ميتًا، وربطوه في عنق الصنم، ثم ألقوه في البئر بعد أن أخذوا السيف، فلما أصبح عمرو لم يجد الصنم، فأخذ يبحث عنه فوجده في البئر مربوطًا فيه كلب ميت، فكرهه عمرو واحتقره وأخذ يقول:
والله لو كنت إلهًا لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن، ثم ذهب إلى الرسول ( معلنًا إسلامه.
وكان -رضي الله عنه- جوادًا كريمًا، يقيم الولائم، ويطعم الطعام، ويكرم الضيف، وكان يقيم الولائم في زواج الرسول (، وكان النبي ( يعرف فضل عمرو، ففي إحدى المرات سأل الرسول ( جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح فقال: (مَنْ سيدكم يا بني سلمة؟) فقالوا: الجد بن قيس، على بخل فيه (أي: رغم أنه بخيل)، فقال لهم رسول الله (: (وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح) [أبو نعيم والبخاري في الأدب المفرد]، فكانت هذه الشهادة من رسول الله ( تكريمًا لابن الجموح.
وفي هذا قال شاعر الأنصار:
فسود عمرو بن الجموح لجوده
وحق لعمرو بالندى أن يسودا
إذا جاءه السؤال أذهب مالـــه
وقـال خـذوه إنه عائد غدا
وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج إلا أنه كان يحب الجهاد والغزو في سبيل الله، وكان يريد أن يجود بروحه وحياته في سبيل الله، كما كان يجود بماله، وكان له أربعة أولاد كلهم مسلمون، وكانوا رجالا صادقين في الإسلام يشهدون الغزوات مع رسول الله (.
وفي غزوة بدر أراد عمرو أن يخرج مجاهدًا مع المسلمين، لكن أبناءه ذهبوا إلى الرسول ( وطلبوا منه أن يمنع أباهم من الخروج، فأمره الرسول ( بالبقاء في المدينة.
ثم جاءت غزوة أحد، وأراد أن يخرج مع أبنائه فقالوا له: والله ما عليك حرج، إن الله قد عذرك (أي جعل لك عذرًا)، ونحن نجاهد عنك، فأخذ عمرو سيفه، وذهب إلى الرسول ( وقال له: يا رسول الله، إن بني (أبنائي) يريدون منعي من الخروج معك إلى الجهاد، والله إني لأرجو أن أطأ (أمشي) بعرجتي هذه الجنة. [ابن هشام].
فلما رأى الرسول ( إصراره على الخروج أذن له، وقال له: (أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وأما أنتم يا بنيه فما عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة).
فأخذ عمرو سيفه فرحًا، وانطلق ناحية القبلة ثم رفع يديه داعيًا: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي خائبًا.
والتقى الجيشان، وانطلق عمرو بن الجموح، وأبناؤه الأربعة يضربون مع جيش الإسلام بسيوفهم جيش الشرك، وأخذوا يقاتلون في بسالة وإصرار، وأنعم الله على عمرو بن الجموح بالشهادة كما تمنى.
وأخذ المسلمون يدفنون شهداءهم، وعندما أتوا على عبد الله ابن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح أمرهم النبي ( أن يدفنا في قبر واحد، ثم قال الرسول (: (والذي نفسي بيده إن منكم لمن لو أقسم على الله لأبره (يقصد: عمرو بن الجموح)) [أحمد].
وكان -رضي الله عنه- يقول للنبي ( قبل معركة أحد: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أأمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله (: (نعم)، فلما قتل يوم أحد مرَّ عليه رسول الله (، وقال: (ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته) [ابن عبدالبر].



أبو أمامة الباهلي - الذي أطعمه الله وسقاه

إنه أبو أمامة الباهلي صدى بن عجلان -رضي الله عنه-، وعندما أسلم، وبعثه رسول الله ( إلى قومه باهلة يدعوهم إلى الله عز وجل، ويعرض عليهم شرائع الإسلام، فلما جاءهم قالوا له: سمعنا أنك صبوت (أسلمت) إلى هذا الرجل الذي يدعى محمدًا، فقال أبو أمامة لهم: لا ولكن آمنت بالله ورسوله، وقد أرسلني رسول الله إليكم أدعوكم إلى عبادة الله الواحد الأحد، وأعرض عليكم الإسلام، ثم أخذ أبو أمامة يحدثهم عن الإسلام ويدعوهم إليه، ولكنهم أصروا على الشرك وعبادة الأوثان.
فلما أطال الحديث معهم، ويئس منهم، قال لهم: ويحكم، ايتوني بشربة ماء، فإني شديد العطش وكان عليه عمامة، فقالوا له: لا، ولكن ندعك تموت عطشًا، فحزن أبو أمامة وضرب رأسه في عمامته ونام، وكان الحر شديدًا، فأتاه آت في منامه حسن المنظر بإناء فيه شراب، لم ير الناس أجمل منه لونًا وطعمًا، فأخذه منه، وشرب حتى ارتوى.
فلما شبع من الشراب، استيقظ من نومه، فلما رآه القوم قد استيقظ قال رجل منهم: يا قوم أتاكم رجل من سراة القوم فلم تتحفوه (أي تعطوه ما يريد)، فأتوني بلبن، فقال له أبو أمامة: لا حاجة لي به، إن الله أطعمني وسقاني، ثم أظهر لهم بطنه، فلما رأوا بطنه مملوءة، وليس به عطش ولا جوع قالوا له: ماذا حدث يا أبا أمامة، فحكى لهم ما رآه في منامه فأسلموا جميعًا.
وقال أبو أمامة بعد تلك الشربة: فوالله ما عطشت، ولا عرفت عطشًا بعد تيك (تلك) الشربة) [الطبراني والحاكم والبيهقي].
وكان -رضي الله عنه- يحب الجهاد في سبيل الله، وفي يوم بدر أراد أن يخرج مع رسول الله (، فقال له خاله أبو بردة بن نيار: ابق مع أمك العجوز؛ لتقض حاجتها، فقال له أبو أمامة: بل ابق أنت مع أختك. وظل كل منهما يريد أن يخرج مع الرسول ( للجهاد، فاحتكما إلى رسول الله ( في ذلك، فأمر رسول الله ( أبا أمامة أن يبقى مع أمه.
وظل -رضي الله عنه- ملازمًا النبي ( في جميع غزواته لا يتخلف عن غزوة ، ولا يتقاعس عن جهاد. وشارك -رضي الله عنه- في جميع الحروب مع خلفاء الرسول (.
وتوفي أبو أمامة الباهلي بحمص في الشام سنة (81هـ)، وقيل سنة (86هـ)، وكان عمره (91) سنة، وقيل: إنه آخر من مات بالشام من صحابة رسول الله (.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صلاح عبدالحميد بسيونى
عضو / ة
عضو / ة
صلاح عبدالحميد بسيونى


الساعة الأن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 254
نقاط : 530
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/02/2011
العمر : 44

صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )    صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )  - صفحة 3 Icon_minitime1الأحد 29 يوليو 2012, 3:33 am

النجاشي - الملكــ العادل

إنه النجاشي حاكم الحبشة وملكها، واسمه أصحمة -رضي الله عنه- وللنجاشي قصة عجيبة، ففي إحدى الليالي قام بعض المتآمرين بقتل والده ملك الحبشة، واستولوا على عرشه، وجعلوا على الحبشة ملكًا آخر، لكنهم لم يهنأوا بفعلتهم، فقد ظل ابن الملك المقتول يؤرقهم، فخافوا أن ينتقم منهم عندما يكبر، فقرروا أن يبيعوه في سوق العبيد، وبالفعل نفذوا مؤامرتهم، وباعوا ذلك الغلام لأحد تجار الرقيق.
وفي إحدى الليالي خرج الملك الغاصب فأصابته صاعقة من السماء فوقع قتيلاً، فسادت الفوضى في بلاد الحبشة وبحثوا عمن يحكمها، وأخيرًا هداهم تفكيرهم إلى أن يعيدوا ابن الملك الذي باعوه في سوق الرقيق لأنه أحق الناس بالملك، وبعد بحث طويل وجدوه عند أحد التجار، فقالوا له: رد إلينا غلامنا ونعطيك مالك. فرده إليهم.
فقاموا على الفور بإعادته وأجلسوه على العرش، وألبسوه تاج الملك، لكنهم أخلفوا عهدهم مع التاجر ولم يعطوه ماله، فقال التاجر إذن أدخل إلى الملك، وبالفعل دخل إليه وأخبره بما كان، فقال لهم الملك الجديد: إما أن تعطوا التاجر حقه، وإما أن أرجع إليه، فسارعوا بأداء المال للتاجر. [ابن هشام].
وبعد سنوات من حكمه، انتشر عدله، وذهبت سيرته الطيبة إلى كل مكان، وسمع بذلك المسلمون في مكة، فهاجروا إليه فرارًا بدينهم من أذى المشركين واضطهادهم، لكن الكفار لم يتركوهم يهنئون في دار العدل والأمان، فأرسلوا إلى النجاشي عمرو بن العاص، وهو داهية العرب، وعبد الله بن أبي ربيعة بالهدايا العظيمة حتى يسلمهما المسلمين الذين جاءوا يحتمون به، ودخل عمرو، وعبد الله، وقدَّما الهدايا إلى النجاشي، وطلبا منه أن يسلمهما المسلمين، فرفض النجاشي ذلك إلا بعد أن يسمع الطرف الآخر.
فبعث إلى المسلمين رسولا يطلب منهم الحضور، لمقابلة النجاشي، فوقفوا أمامه، وكان جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عم الرسول ( أميرهم والمتحدث عنهم، فسأله النجاشي: ما الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في دينى، ولا في دين أحد من الأمم؟ فرد عليه جعفر قائلاً: أيها الملك إنا كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى الله نعبده ونوحده، ونقيم الصلاة، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار (وعدد أمور الإسلام) فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه، فبغى علينا قومنا، وعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأصنام، فلما قهرونا خرجنا إليك، واخترناك على من سواك، ورجونا ألا نظلم عندك.
فقال له النجاشي: هل معك شيء مما جاء به رسولكم عن الله قال: نعم. قال: فاقرأ عليَّ. فقرأ جعفر -رضي الله عنه- من أول سورة مريم، فبكى النجاشي عندما سمع القرآن حتى بلَّ لحيته، وبكى الحاضرون من الأساقفة النصارى (رجال الدين المسيحيين)، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة . [أحمد وابن هشام].
ثم اتجه النجاشي إلى عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فقال لهما: انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما أبدًا ولا أكاد، ثم رد عليهما الهدايا. وعاش المؤمنون في أمان على أرض الحبشة وحفظ لهم النجاشي حقهم. وأسلم النجاشي وشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
ولقد وكله النبي ( في أمر زواجه بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب -رضي الله عنها-، وكانت قبل ذلك زوجة لعبيد الله بن جحش، لكنه ضل ودخل في النصرانية، ومات على شركه، فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة بعد انقضاء عدتها بأن الرسول ( يطلبها للزواج، فسعدت أم حبيبة ووكَّلت قريبًا لها هو الصحابي خالد بن سعيد ليكون وليها في الزواج._[ابن سعد].
وقام النجاشي بأداء المهر عن رسول الله ( وكان أربعمائة دينار، ولما هاجر الرسول إلى المدينة، وظهر دين الله، قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي: إن صاحبنا (يقصد النبي () قد خرج إلى المدينة، وانتصر على المشركين، وقد أردنا الرحيل إليه فزودنا، فقال النجاشي: نعم، فأعطاهم ما يكفيهم في سفرهم ويزيد، ثم قال لجعفر: أخبر صاحبك بما صنعت إليكم، وهذا رسولي معك وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأنه رسول الله، فقل له: يستغفر لي، ولولا ما أنا عليه من الملك لأتيت إليه، وقبلت قدمه.
وجاء وفد المؤمنين إلى المدينة، ففرح بهم الرسول ( وسمع من جعفر، ثم قام وتوضأ ودعا ثلاث مرات: (اللهم اغفر للنجاشي)، فيقول المسلمون آمين، ثم قال جعفر لرسول النجاشي: انطلق فأخبر صاحبك بما رأيت. [الطبراني].
ولما مات النجاشي قال الرسول ( لأصحابه: (إن أخاكم قد مات بأرض الحبشة)، فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفًا ثم صلى عليه صلاة الغائب. [متفق عليه]، وكان ذلك في شهر رجب (9هـ).



عمير بن الحمام - أول شهداء الأنصار

إنه الصحابي الكريم عمير بن الحمام الأنصاري -رضي الله عنه-، وقد شهد عمير غزوة بدر الكبرى مع الرسول (. وفي بداية المعركة وقف الرسول ( خطيبًا في الناس يحثهم على الجهاد، ويحرضهم عليه وعلى بذل النفس في سبيل الله، فقال: (لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه). فلما اقترب المشركون، قال (: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض).
فقال عمير -رضي الله عنه-: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟
فقال الرسول (: (نعم). فقال عمير: بخٍ بخ.
فقال الرسول (: (ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟) فقال عمير: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.
فقال له الرسول (: (فإنك من أهلها).
فأخرج عمير من جعبة سهامه بعض التمرات، وأخذ يأكل، ثم قال لنفسه: لئن أنا حييت (عشت) حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فقام ورمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل. [مسلم]. فكان عمير -رضي الله عنه- بذلك أول شهيد للأنصار قتل في سبيل الله.



عمير بن سعد - الصادق

إنه عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري -رضي الله عنه-، الذي بايع الرسول ( وهو ما زال غلامًا، وأبوه هو الصحابي الجليل سعد القارئ
-رضي الله عنه-.
ومنذ أسلم عمير وهو عابد لله سبحانه، تجده في الصف الأول في الصلاة والجهاد، وما عدا ذلك فهو معتكف في بيته، لا يسمع عنه أحد، ولا يراه الناس إلا قليلاً، اشتهر بالزهد والورع، كان صافي النفس، هادئ الطبع، حسن الصفات، مشرق الطلعة، يحبه الصحابة ويأنسون بالجلوس معه.
وذات يوم، سمع عمير زوج أمه الجلاس بن سويد -وكان له كالأب ينفق عليه- وهو يقول: إن كان محمد حقًّا لنحن شر من الحمير. فغضب الغلام غضبًا شديدًا، وامتلأ قلبه غيظًا وحيرة ، ثم قال لجلاس: والله يا جلاس إنك لمن أحب الناس إليَّ وأحسنهم عندي يدًا، وأعزهم عليَّ أن يصيبه شيء يكرهه، ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك، ولو صَمَتُّ عليها ليهلكن ديني، وإن حقَّ الدين لأولى بالوفاء، وإني مُبْلغٌ رسول الله ( ما قلت.
فقال الجلاس له: اكتمها عليَّ يا بني، فقال الغلام: لا والله. ومضى إلى رسول الله ( وهو يقول: لأبلِّغنَّ رسول الله ( قبل أن ينزل الوحي يُشْرِكني في إثمك.
فلما وصل الغلام إلى رسول الله ( أخبره بما قاله جلاس، فأرسل الرسول ( في طلب الجلاس، فلما جاء الجلاس ذكر له الرسول ( ما قاله الغلام، فأنكر وحلف بالله أنه ما قال ذلك.
فأنزل الله قرآنًا يؤكد صدق الغلام، ويفضح الجلاس ويحفظ للغلام مكانته عند الرسول (، فقال تعالى: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرًا لهم وإن يتولوا يعذبهم عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير} [التوبة: 74].
فاعترف الجلاس بما قاله الغلام، واعتذر عن خطيئته، وتاب إلى الله، وحسن إسلامه، وما سمع الغلام من الجلاس شيئًا يكرهه بعدها، ثم أخذ النبي ( أذن الغلام، وقال: (وفَتْ أُذُنُك يا غلام، وصدَّقَك ربك)
[عبد الرزاق].
ويواصل عمير حياته على هذه الحال حتى تأتي خلافة الفاروق عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه-، ويبدأ في اختيار ولاته وأمرائه، وفق دستوره الذي أعلنه في عبارته الشهيرة: أريد رجلاً إذا كان في القوم، وليس أميرًا عليهم بدا (ظهر) وكأنه أميرهم، وإذا كان فيهم وهو عليهم أمير، بدا وكأنه واحد منهم، أريد واليًا لا يميز نفسه على الناس في ملبس، ولا في مطعم، ولا في مسكن .. يقيم فيهم الصلاة، ويقسم بينهم بالحق، ويحكم فيهم بالعدل، ولا يغلق بابه دون حوائجهم. وعلى هذا الأساس اختار عمر بن الخطاب عميرًا ليكون واليًا على حمص، وحاول عمير أن يعتذر عن هذه الولاية، لكن عمر بن الخطاب ألزمه بها.
وذهب عمير إلى حمص، وبقى فيها عامًا كاملا دون أن يرسل إلى أمير المؤمنين بالمدينة، بل لم يصل إلى أمير المؤمنين منه أية رسالة، فأرسل إليه عمر -رضي الله عنه- ليأتي إليه، وجاء عمير وشاهده الناس، وهو يدخل المدينة وعليه آثار السفر، وهو يحمل على كتفيه جرابًا وقصعة (وعاء للطعام) وقربة ماء صغيرة، ويمشي في بطء شديد من التعب والجهد.
ولما وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فرد عمر السلام ثم قال له: ما شأنك يا عمير؟ فقال عمير: شأني ما ترى، ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا (يقصد أنه يملك الدنيا كلها)؟ فقال عمر: وما معك؟ قال عمير: معي جرابي أحمل فيه زادي، وقَصْعَتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد بها عدوًا إن عَرَض (ظهر)، فوالله ما الدنيا إلا تَبعٌ لمتاعي. فقال عمر: أجئت ماشيًا؟ قال عمير: نعم.
فقال عمر: أَوَلَمْ تَجدْ من يعطيك دابة تركبها؟ قال عمير: إنهم لم يفعلوا، وإني لم أسألهم. فقال عمر: فماذا عملت فيما عهدنا إليك به؟ قال عمير: أتيت البلد الذي بعثتني إليه، فجمعت صُلَحَاء أهله، ووليتُهم جَبايَة فيئهم (جمع صدقاتهم) وأموالهم، حتى إذا جمعوها وضعتها، ولو بقى لك منها شيء لأتيتك به، فقال عمر: فما جئتنا بشيء ؟ قال عمير: لا. فصاح عمر وهو فخور سعيد: جدِّدوا لعمير عهدًا، ولكن عميرًا رفض وقال في استغناء عظيم: تلك أيام خَلَتْ، لا عَمِلتُ لك، ولا لأحد بعدك.
فأي صنف من الرجال كان عمير بن سعد؟ لقد كان الصحابة على صواب حين وصفوه بأنه نسيج وحده (أي شخصيته متميزة فريدة من نوعها)، وكان عمر محقًّا أيضًا حينما قال: وددت لو أن لي رجالاً مثل عمير بن سعد أستعين بهم على أعمال المسلمين.
لقد عرف عمير مسئولية الإمارة، ورسم لنفسه وهو أمير حمص واجبات الحاكم المسلم وها هو ذا يخطب في أهل حمص قائلاً: ألا إن الإسلام حائط منيع، وباب وثيق، فحائط الإسلام العدل، وبابه الحق، فإذا نُقِضَ (هُدِمَ) الحائط، وخطم الباب، استفتح الإسلام، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتد السلطان، وليست شدة السلطان قتلاً بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاءً بالحق، وأخذًا بالعدل. وظل عمير بن سعد رضي الله عنهما مقيمًا بالشام حتى مات بها في خلافة عمر، وقيل في خلافة عثمان.



سلمة بن الأكوع - خير الرجالين

إنه الصحابي الجليل سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-، الذي يقول: رأيت الذئب قد أخذ ظبيًا، فطلبته حتى نزعته منه. فقال الذئب: ويحك! مالي ولك؟ عمدت إلى رزق رزقنيه الله، ليس من مالك فتنـزعه مني! فتعجب سلمة، وصاح: أيا عباد الله، ذئب يتكلم إن هذا لعجب. فقال الذئب: أعجب من هذا أن النبي ( في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة الله، وتأبون إلا عبادة الأوثان. فقال
سلمة: فلحقت برسول الله ( فأسلمت. [ابن عبد البر].
وكان سلمة -رضي الله عنه- من أصحاب بيعة الرضوان الذين بايعوا رسول الله ( على الموت يوم الحديبية، وشارك مع الرسول ( في غزواته، يقول سلمة: غزوت مع رسول الله ( سبع غزوات، وخرجت فيما بعث من البعوث سبع غزوات. [متفق عليه]، وقال عنه ابنه إياس: ما كذب أبي قط.
وكان من أمهر رماة السهام، شجاعًا، فقد خرج مع رباح غلام النبي ( بالإبل لتشرب، فهجم عليهم عيينة بن حصن وبعض المشركين، فقتلوا راعي الإبل، وأخذوا يطاردون الإبل أمامهم ليأخذوها، فلما رآهم سلمة قال لرباح: يا رباح اركب على هذا الفرس، وأعطه لطلحة بن عبيد الله فإنه فرسه، وأخبر رسول الله ( أن المشركين هجموا على الإبل، وسوف أقاتلهم حتى تأتوا إليَّ.
ثم صعد أعلى جبل، وأخذ ينادي بأعلى صوته: يا صباحاه، ثلاث مرات، فسمع المشركون الصوت، وتوجهوا نحوه، وهم لا يرونه، فأخذ يرميهم بالنبال والسهام، ثم أظهر لهم نفسه وأخذ يقول: أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع (هلاك اللئام). فانشغل المشركون به، وتركوا الإبل، وإذ بالمقداد بن الأسود، والأخرم الأسدي
وأبو قتادة قد أقبلوا على فرسانهم، فظن المشركون أنهم جيش المسلمين كله، فتصدى سلمة والأخرم للمشركين، وتبع أبو قتادة الفارين منهم، ووصل إليهم الرسول ( ومعه خمسمائة مائة فارس، فلما علم بما فعله سلمة وأبو قتادة قال: ( كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا (أي مشاتنا) سلمة [مسلم].
ولما أحس سلمة أن أبواب الفتنة قد ظهرت بعد قتل عثمان رحل إلى الربذة، وتزوج بها، وولد له فيها، وكان يقول: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أنه قد أتى بابًا من أبواب الكبائر.
وفي أواخر أيامه حنَّ إلى المدينة فسافر إليها زائرًا، فبقى فيها ليالي حتى مات بها، وكان ذلك في سنة (74)هـ، ودفن بها.



عباد بن بشر - صاحب العصا المضيئة

إنه عباد بن بشر -رضي الله عنه-، أحد الأنصار الذي أسلموا على يد
مصعب بن عمير -رضي الله عنه- قبل هجرة الرسول ( إلى المدينة، وشهد عباد مع الرسول ( الغزوات كلها وأبلى فيها بلاء حسنا، وهو من الذين قتلوا اليهودي كعب بن الأشرف الذي كان يؤذي النبي ( ويضايقه ويحرض قومه على أذاه، فخلصوا الإسلام من شروره.
وقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن عباد: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل؛ أسيد بن حضير وسعد بن معاذ
وعباد بن بشر. [ابن إسحاق والحاكم].
وكانت عصاه تضيء له إذا خرج من عند رسول الله ( إلى بيته ليلاً، ودعا له النبي ( قائلاً: (اللهم اغفر له) [البخاري].
وعرف عباد بشجاعته وفروسيته وقوته في الحرب، وقد أظهر مواقف بطولية كثيرة تدل على حبه للجهاد ورغبته في الشهادة في سبيل الله، ويحكى أنه بعد غزوة ذات الرقاع نزل رسول الله ( وصحابته في مكان يبيتون فيه، واختار الرسول ( نفرًا للحراسة ومنهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر، وبينما هما يحرسان قال عباد لعمار: أي الليل تحب أن تحرس، أوله أم آخره؟
فقال عمار: بل آخره، فنام عمار، ووقف عباد يصلي بجواره، فجاء رجل من العدو فرأى عبادًا يصلي؛ فأخرج سهما ثم رمى به عبادا، فأصابه في جسده، فنزعه عباد، وظل واقفا يصلي فرماه الرجل بسهم ثان، فنزعه عباد -أيضًا-، وظل يصلي فرماه الرجل بسهم آخر فنزعه عباد، وواصل صلاته حتى أتمها، ثم أيقظ عمارا فهرب الرجل.
ونظر عمار إلى عباد فوجد دماءه تسيل، فقال له: سبحان الله: أفلا أيقظتني أول ما رماك؟ فقال عباد: كنت أقرأ سورة الكهف في صلاتي، فلم أحب أن أقطعها حتى أنتهي منها، فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أن أضيع ثغرًا (أترك مكانًا) أمرني رسول الله ( بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها.
وظل عباد بن بشر -رضي الله عنه- يجاهد ويغزو في سبيل الله ونصرة دينه حتى جاءت معركة اليمامة في عهد أبى بكر الصديق -رضي الله عنه-، فخرج مع المسلمين لمحاربة المرتدين وقتال مسيلمة الكذاب ومن معه.
ويحكى أن عبادًا نام في الطريق بعض الوقت ثم استيقظ فرحًا مستبشرًا لأنه رأى في منامه رؤيا لم تلبث أن تحققت مع طلوع الشمس على أرض المعركة، وحكى عباد تلك الرؤيا لأبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، فقال له: لقد رأيت في منامي كأن السماء قد فرجت (فتحت) لي، ثم دخلت فيها ثم أطبقت عليّ، فهي إن شاء الله الشهادة، فقال له أبو سعيد: خيرًا والله رأيت.
وبدأت معركة اليمامة واشتد القتال، وكاد المسلمون أن ينهزموا فصاح عباد بأعلى صوته في الأنصار قائلاً: حطموا جفون السيوف (أي: كسروا أغمادها حتى لا تعود إليها مرة ثانية)، وتميزوا من الناس (أي: ابعدوا عن الناس حتى تظهر بطولتكم فيكون ذلك حافزًا على القتال)، وأخلصونا أخلصونا (أي أخلصوا في الحرب والقتال).
ثم انطلق أربعمائة رجل من الأنصار، وكان في مقدمتهم عباد بن بشر
والبراء بن مالك، وهجموا على باب الحديقة التي كان يختفي فيها مسيلمة وبعض أنصاره.
وتذكر عباد قول النبي (: الأنصار شعار، والناس دثار.[مسلم] (بمعنى أنهم بطانة النبي (، وخاصته دون سائر الناس)، فقاتل عباد بشجاعة حتى رزقه الله -عز وجل- الشهادة في تلك المعركة، وكان ذلك في العام الثاني عشر من الهجرة.
وقد وجد في جسده جراحات كثيرة حتى أن الصحابة لم يعرفوه، ولم يعرفه إلا صديقه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- بعلامة فيه كان يعرفها، وحينئذ كان عباد قد بلغ من العمر خمسًا وأربعين سنة، فرضى الله عنك ورحمك يا عباد.



عبد الله بن عمرو بن حرام - ظليل الملائكة

إنه عبد الله بن عمرو بن حرام -رضي الله عنه-، أحد الأنصار السبعين الذين بايعوا الرسول ( يوم بيعة العقبة الثانية، واختاره النبي ( نقيبًا على قومه بني سلمة، وكان ملازمًا لرسول الله ( في المدينة واضعًا نفسه وماله وأهله في خدمة الإسلام.
وشهد عبد الله بدرًا، وقاتل يومها قتال الأبطال، وفي غزوة أحد أحس عبد الله أنه
لن يعود من هذه الغزوة، وكان بذلك فرحًا مستبشرًا، فنادى ابنه جابر بن عبد الله
-رضي الله عنه-، وقال له: إني لا أراني إلا مقتولاً في هذه الغزوة، بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين، وإني والله لا أدع (أترك) أحدًا بعدي أحب إليَّ منك بعد رسول الله (، وإن علي دينًا، فاقض عني ديني، واستوص بإخوتك خيرًا.
ثم قاتل -رضي الله عنه- قتال المجاهدين حتى سقط شهيدًا على أرض المعركة. وبعد انتهاء القتال، أخذ المسلمون يبحثون عن شهدائهم، وذهب جابر بن عبد الله يبحث عن أبيه، فوجده بين الشهداء، وقد مثل به المشركون كما مثلوا بغيره من شهداء المسلمين.
ووقف جابر وبعض أهله يبكون على شهيدهم، فمرَّ بهم رسول الله (، فسمع صوت أخته تبكي، فقال لها: (تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه [متفق عليه].
يقول جابر: لقيني رسول الله (، فقال: "يا جابر، مالي أراك منكرًا مهتمًّا؟" قلت: يا رسول الله، استشهد أبي، وترك عيالاً وعليه دين، فقال الرسول (: "ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحًا (أي مواجهة ليس بينهما حجاب)، فقال: يا عبدي سلني أعطك، فقال، أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل
فيك ثانيًا، فقال الله له: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، فقال عبد الله:
يا رب، أبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون
بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[آل عمران: 196-197]._[الترمذي وابن ماجه].
وبعد مرور ست وأربعين سنة على دفنه، نزل سيل شديد غطى أرض القبور، فسارع المسلمون إلى نقل جثث الشهداء، وكان جابر لا يزال حيًّا، فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبد الله بن عمرو ورفات زوج عمته عمرو بن الجموح، فوجدهما في قبرهما نائمين كأنهما ماتا بالأمس لم يتغيرا.




صفوان بن أمية - الآمن التائب

إنه صفوان بن أمية -رضي الله عنه-، أحد فصحاء العرب، وواحد من أشراف قريش في الجاهلية، قُتل أبوه أمية بن خلف يوم بدر كافرًا، وقُتل عمه أبي بن خلف يوم أحد كافرًا بعد أن صرعه النبي (، وكان صفوان واحدًا من المشهورين في إطعام الناس في قريش حتى قيل: إنه لم يجتمع لقوم أن يكون منهم مطعمون خمسة إلا لعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف.
وكان صفوان من أشد الناس عداوة وكرهًا للنبي ( وأصحابه قبل أن يدخل في الإسلام، أسلمت زوجته ناجية بنت الوليد بن المغيرة يوم فتح مكة، وظل هو على كفره وعداوته للإسلام حتى منَّ الله عليه بالإسلام، فأسلم وحست إسلامه.
وقد جلس صفوان يوماً في حجر الكعبة بعد غزوة بدر، وأخذ يتحدث مع
عمير بن وهب عما حدث لقريش في بدر، ورأى صفوان أن صديقه عميرًا يريد الذهاب لقتل الرسول ( ولكنه لا يملك، فساعده في تحقيق ذلك. وذهب عمير إلى المدينة مصممًا على قتل محمد (، ولكن شاء الله أن يسلم عمير، وخاب ظن صفوان.
وجاء فتح مكة، فهرب صفوان في شعب من شعاب مكة، فعلم بذلك
عمير بن وهب الذي ظل محافظًا على صداقته لصفوان، فذهب إلى النبي ( وقال: يا رسول الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، خرج هاربًا ليقذف نفسه في البحر؛ خوفًا منك فأمنه (أي أعطيه الأمان) فداك أبي وأمي، فقال الرسول (: (قد أمِّنته)، فخرج عمير من عند رسول الله ( مسرعًا إلى الشعب الذي اختبأ فيه صفوان.
فلما رآه صفوان قال له: يا عمير ما كفاك ما صنعت بي، قضيت عنك دينك، وراعيت عيالك على أن تقتل محمدًا فما فعلت، ثم تريد قتلي الآن، فقال عمير:
يا أبا وهب، جعلت فداك، جئتك من عند أبر الناس، وأوصل الناس، قد أمّنك رسول الله (، فقال صفوان: لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فرجع عمير إلى النبي (، وقال له ما يريده صفوان، فأعطاه الرسول ( عمامته، فأخذها عمير وخرج إلى صفوان، وقال له: هذه عمامة رسول الله يا صفوان، فعرفها صفوان، وعلم أن النبي ( قد أمّنه. ثم قال له عمير: إن رسول الله ( يدعوك أن تدخل في الإسلام، فإن لم ترض؛ تركك شهرين أنت فيهما آمن على نفسك لا يتعرض لك أحد.
وخرج صفوان مع عمير حتى وصلا إلى المسجد، وإذا برسول الله ( وصحابته يصلون العصر، فوقف صفوان بفرسه بجانبهم، وقال لعمير: كم يصلون في اليوم والليلة؟، فقال عمير: خمس صلوات، فقال صفوان: يصلى بهم محمد؟ قال عمير: نعم.
وبعد أن انتهت الصلاة وقف صفوان أمام الرسول ( وناداه في جماعة من الناس، وقال: يا محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمرًا، وإلا سيرتني شهرين، فقال له رسول الله (: (أنزل أبا وهب)، فقال صفوان: لا والله حتى تبين لي، قال:
(انزل، بل لك تسير أربعة أشهر)، فنزل صفوان، وأخذ يروح ويعود بين المسلمين وهو مشرك. [ابن عساكر].
ويوم حنين، طلب منه الرسول ( أن يعيره سلاحًا، فقال له صفوان: طوعًا أم كرهًا يا محمد؟ فقال له النبي (: (بل طوعًا، عارية مضمونة أردها إليك)، فأعاره صفوان مائة درع وسيف، وأخذها المسلمون وخرجوا إلى الحرب وهو معهم. [أحمد]، فانتصروا وجمعوا من الغنائم الكثير، وأخذ صفوان يطيل النظر في بعض الغنائم كأنها أعجبته، وكان النبي ( يلاحظ ما في عينيه، فقال له النبي (: (يعجبك هذا؟) قال: نعم. قال: (هو لك)، فقال: ما طابت نفس أحد بمثل هذا، إلا نفس نبي! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. [ابن عساكر].
قال صفوان: لقد أعطاني رسول الله ( ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ. [مسلم].
وظل صفوان مقيمًا في مكة يعبد الله، ويقيم تعاليم الإسلام، وذات يوم، قابله رجل من المسلمين وقال له: يا صفوان، من لم يهاجر هلك، ولا إسلام لمن لا هجرة له، فحزن صفوان أشد الحزن، وخرج إلى المدينة مهاجرًا، فنزل عند العباس بن عبد المطلب، فأخذه العباس إلى رسول الله (، فسأله رسول الله: ما جاء بك يا أبا وهب؟، فقال صفوان: سمعت أنه لا دين لمن لم يهاجر، فتبسم النبي ( له وقال: ( ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة، فلا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) [متفق عليه]، فاطمأن صفوان لذلك القول، ورجع إلى مكة وهو مستريح الصدر.
وشارك صفوان في الفتوحات الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عمر وعهد
عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وظل صفوان يجاهد في سبيل الله حتى اشتاقت روحه إلى لقاء ربها، فمات بمكة سنة (42 هـ) في أول خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، وقد روى كثيرًا من أحاديث رسول الله (، وروى عنه الصحابة والتابعون -رضي الله عنهم-.



عمرو بن مرة - صاحب الرؤيا الصادقة

إنه الصحابي الجليل عمرو بن مرة الجهني -رضي الله عنه-، وكان عمرو قد خرج مع قومه بني غطفان يومًا حاجًّا إلى مكة في الجاهلية، فرأى في منامه وهو بمكة نورًا ساطعًا من الكعبة أضاء كل ما حولها حتى أضاء جبل يثرب، وأضاء قصور الحيرة والمدائن، وسمع صوتًا وسط النور يقول: انقشعت الظلماء، وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء، ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام. فاستيقظ فزعًا، ثم نادى على قومه، وحكى لهم رؤيته ثم قال لهم: والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث.
وبعد أن عاد إلى بلده، سمع أن رجلا من قريش اسمه محمد يدعو إلى عبادة الله الواحد الأحد، فأسرع إلى مكة، وقابل الرسول (، وأخبره بالرؤيا التي رآها في منامه، فقال له رسول الله (: (يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى العباد كافة، أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام)، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن رغم ذلك كثير من الأقوام.
[الطبراني وابن عساكر].
ثم طلب عمرو من النبي ( أن يأذن له بالرجوع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فأذن له الرسول (، وقال له: (عليك بالرفق والقول السديد، ولا تكن فظًّا ولا متكبرًا ولا حسودًا) [الطبراني وابن عساكر وأبو نعيم].
ورجع عمرو إلى قومه، وأخذ يدعوهم إلى الإسلام، ثم قال لهم: يا بني رفاعة، بل يا معشر جهينة، إني رسول رسول الله إليكم، أدعوكم إلى الإسلام، وأخذ يعدد لهم خصال الإسلام، فقام رجل من قومه وقال له: يا عمرو بن مرة، أمر الله عيشك
(أي جعله مُرًّا، أتأمرنا برفض آلهتنا، وأن نفرق جمعنا، ونخالف دين آبائنا إلى ما يدعونا إليه هذا القرشي من أهل تهامة؟ لا حبًّا ولا كرامة.
فقال له عمرو: الكاذب منا أمرَّ الله عيشه، وأبكم لسانه وأكمه أسنانه. فاستجاب الله له، ولم يمت هذا الرجل حتى عمي، وصمَّ، وفسد عقله. وظل عمرو يدعو قومه حتى أسلم منهم عدد كبير، فذهب بهم إلى النبي (، فرحب بهم النبي (، وكتب لهم كتابًا، أوصاهم فيه بالزكاة والصلاة والصدقة. [الترمذي وأحمد].
وظل عمرو مع النبي ( يشارك في الغزوات، ولم يتخلف عن معركة خاضها المسلمون، وشارك في حروب الردة، وفي الفتوحات الإسلامية، وتوفي -رضي الله عنه- في خلافة معاوية.



سالم بن معقل - صاحب الصوت الندي

إنه الصحابي الجليل سالم بن مَعْقِل -رضي الله عنه-، كان في الجاهلية عبدًا لأبي حذيفة بن عتبة، فأسلما معًا، وكان أبو حذيفة يتبناه ويعامله كابنه، فكان يسمى سالم بن أبي حذيفة، فلما أبطل الإسلام التبني، قيل: سالم مولى أبي حذيفة، وزوَّجه أبو حذيفة من ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد. وهاجر سالم إلى المدينة، وكان يستمع إلى النبي ( وهو يقرأ القرآن ويأخذه عنه، حتى صار من حفاظ القرآن وممن يؤخذ عنهم القرآن، بل كان من الأربعة الذين أوصى النبي ( بأخذ القرآن منهم، فقال: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبى بن كعب) [متفق عليه].
وعن عائشة قالت: استبطأني رسول الله ذات ليلة، فقال: ما حَبَسَكِ؟ قلت: إن في المسجد لأحسن مَن سمعتُ صوتًا بالقرآن، فأخذ رداءه، وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة. فقال: (الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك) [أحمد والحاكم].
ولما هاجر مع المسلمين إلى المدينة كان يؤم المسلمين للصلاة بمسجد قباء وفيهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وذلك قبل أن يهاجر النبي (، وكان عمر -رضي الله عنه- يكثر من الثناء عليه حتى أنه تمنى أن يكون حيًّا فيوليه الخلافة من بعده.
وعرف سالم بالصدق والشجاعة، واشترك مع الرسول ( في غزوة بدر وغيرها من الغزوات، وخرج في السرية التي بعثها رسول الله ( إلى بني جذيمة بقيادة خالد بن الوليد، وحينما رأى سالم خالدًا يأمر بقتال هذه القبيلة دون أن يأمره الرسول ( بذلك ثار واعترض عليه ومعه بعض الصحابة، ولما عادوا أيدهم الرسول ( في ذلك. وظل سالم يجاهد مع رسول الله ( حتى توفى.
وشارك سالم وأبو حذيفة مع الجيوش الإسلامية التي وجهها الصديق أبو بكر لمحاربة المرتدين عن الإسلام، فكان في مقدمة الجيش المتوجه إلى اليمامة لمحاربة مسيلمة الكذاب، وكان يصيح قائلاً: بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلي، ثم اندفع في قتال المرتدين حاملاً راية الإسلام، بعد أن استشهد حاملها زيد بن الخطاب، ومَنَّ الله على جنوده بالنصر، وأصيب سالم بضربة قاتلة، فأسرع المسلمون إليه، والتفوا حوله فسألهم عن أخيه في الله ومولاه أبي حذيفة، فأخبروه بأنه قد استشهد ولقى ربه، فطلب منهم أن يضعوه بجواره؛ حتى يموتا معًا، ويبعثا معًا. فقالوا له: إنه إلى جوارك يا سالم، ففاضت روحه إلى الله لينعم بالشهادة.



أبان بن سعيد - المجير

إنه أبان بن سعيد بن العاص -رضي الله عنه-، وكان إسلامه عندما سار رسول الله ( إلى الحديبية، فخرج إليه المشركون، واتفقوا على الصلح، وعاد رسول الله ( إلى المدينة، فتبعه أبان فأسلم وحسن إسلامه.
وكان أبان قد خرج يومًا إلى الشام في تجارة له قبل إسلامه، فلقى راهبًا، وحكى له ما يفعله الرسول ( بمكة، وما يدعيه من أن أرسله الله رسولا مثلما أرسل موسى وعيسى من قبل، فقال له الراهب: وما اسم هذا الرجل؟ فقال له أبان: محمد، فقال الراهب: إني أصفه لك، وذكر الراهب صفة النبي (، ونسبه، وسنَّه، فقال أبان: هو كذلك، فقال الراهب: والله ليظهرنَّ على العرب، ثم ليظهرن على الأرض، ثم قال لأبان: أَقْرِئ الرجل الصالح السلام.
ولما عاد أبان إلى مكة جمع قومه، وذكر لهم ما حدث بينه وبين الراهب، وكَفَّ عن إيذاء النبي ( والمسلمين، ولكنه بقى على كفره حتى صلح الحديبية. وشهد أبان -رضي الله عنه- مع رسول الله ( غزوة حنين في العام السابع للهجرة، وبعد أن استقرت الدولة الإسلامية، وفتحت مكة، جعل رسول الله ( أبان بن سعيد واليًا على البحرين، وظل بها حتى توفي رسول الله (، فتركها ورجع إلى المدينة.
وأراد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أن يولى أبان بن سعيد مرة ثانية، فرفض ذلك وقال: لا أعمل لأحد بعد رسول الله (.
وكان لسعيد بن العاص والد أبان ثمانية أولاد نجباء، منهم ثلاثة ماتوا على الكفر، وخمسة أدركوا الإسلام وصحبوا النبي (، وهم: خالد، وعمرو، وأبان، والحكم، وسعيد.
وفي يوم صلح الحديبية بعث رسول الله ( عثمان بن عفان إلى قريش بمكة، فأجاره أبان بن سعيد، وحمله على فرسه حتى دخل مكة وقال: اسلك في مكة حيث شئت آمنًا.
واستشهد -رضي الله عنه- في معركة اليرموك في جمادى الأولى سنة (13 هـ) في خلافة أبي بكر الصديق، وبداية خلافة عمر -رضي الله عنهما-.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صحــــــابة الرسول ، رجــال عاهدوا الله فصدقوا... ( سيرتهم العطرة )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى اولاد حارتنا :: كلام الشيوخ بتوع حارتنــــا :: سير الصحابة الكرام :: سير الصحابة الكرام - العشرة المبشرون بالجنة-
انتقل الى:  
تصحيح أحاديث وأقوال مأثورة لشيوخ اولاد حارتنا


بحث عن:

مع تحيات أسرة اولاد حارتنـــــــــــــــــا
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى اولاد حارتنا على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى اولاد حارتنا على موقع حفض الصفحات