وادي الملوك 35:مقبرة امينحتب الثاني

وادي الملوك 35:مقبرة امينحتب الثاني

تعد و م 35 واحدةً من أجمل المقابر وأعظمها سحراً في وادي الملوك. تقع عند قاعدة جرف شديد الانحدار يبلغ ارتفاعه حوالي 30 متراً (100 قدم) وعلى بعد حوالي 150 متراً (500 قدم) غرب مقبرة توت عنخ آمون. وقد تُعُمّد شقها تحت شلال كانت تنصب عليه مياه الفيضان كلما هطلت الأمطار على التلال من فوق. ومثل هذه الفيضانات كانت تحمل أطناناً من الحجر والرمل دافنةً مدخل المقبرة تحت ركام طالما تزايد عمقه. وقد كانت طريقةً مبتكرة لإخفاء مدخل المقبرة وسمةً متكررةً فى مقابر الأسرة الثامنة عشرة. وحديثاً سُقّف مدخل المقبرة لتلاشي التلف من الفيضانات المستقبلية، مثل الفيضان الذى وقع فى عام 1994 ودخل المطر عندها المقبرة.

وقبل بناء السقف كان مدخل المقبرة مخفياً بصورة جيدة، وكان هذا هو السبب الرئيسي لاختيار الكهنة لها فى القرن التاسع عشر قبل الميلاد كمكان لإخفاء المومياوات الملكية من الدولة الحديثة عن أعين اللصوص. فى الغرفتين الجانبيتين عن الجانب الأيمن من غرفة الدفن عثر لوريه على مومياوات الملك تحتمس الرابع وأمنحتب الثالث ومرنبتاح وسيتي الثاني وسبتاح وست نخت ورعمسيس الرابع ورعمسيس الخامس ورعمسيس السادس. وهؤلاء نُقلوا إلى المتحف المصري بالقاهرة. عُثر على مومياء أمنحتب الثاني فى تابوته فى غرفة الدفن، ونقلت إلى القاهرة فى 1928. عثر فيكتور لوريه على و م 35 فى 1898 بعد شهر واحد فقط من اكتشافه و م 34، مقبرة تحتمس الثالث، ولكن لم تنشر أي من المقبرتين حتى 1932. وسرعان ما أصبحت و م 35 مقبرة لا بد من رؤيتها فى الوادي نظراً لروعة صنعتها وزخارفها الجميلة.

الخطة الأساسية لـ و م 35 تتبع خطة و م 34 (تحتمس الثالث) ولكن مع تعزيز لبعض العناصر وإضافةٍ لأخرى. تؤدي مجموعة من درجات المدخل الشاهقة إلى ممر مائل ثم إلى مجموعة ثانية من السلالم وممر ثانٍ وغرفة بئر. هنا يبلغ عمق عامود البئر حوالي 6.5 متر (21 قدما) وله غرفة مستطيلة صغيرة شُقت عند القاع. وجود مثل هذه الغرفة يوحي بأن البئر كان على الأرجح مقبرة رمزية للإله أوزوريس بدلا من كونه أداةً لاصطياد مياه الأمطار أو لإحباط هجمات اللصوص. وتقع غرفة ذات عامودين وراء ذلك كما في و م 34. شق سلم شديد الانحدار فى أرضيتها. فى الركن الأمامي الأيسر هذه الدرجات تؤدي إلى ممر ثالث مائل ووراءه غرفة الدفن. وإنها غرفة الدفن التى تظهر الحيود الأعظم عن الخطة الأولى لـ و م 34، فغرفة الدفن في كلتيهما حوالى نفس حجم و م 34. فغرفة الدفن فى و م 34 هي 380 متر مكعب (13420 متر مكعب) أما غرفة الدفن فى و م 35 فهى 408 متر مكعب (14410 متر مكعب) ولكن غرفة الدفن هنا مستطيلة بأركان مربعة تدعم ستة أعمدة. السقف فى مقدمة الغرفة عشرة أمتار (33 قدم) الأرضية فى الخلف 5 متر (16.5 قدم) شقت بـ 1.5 متر (5 أقدام) أسفل بقية القاعة قاسمةً بالفعل الغرفة إلى مساحتين غير متساويتين. تؤدي الدرجات على طول المحور الرئيسي للغرفة من مستوى إلى آخر.

يرقد تابوت أمنحتب الثاني الأصفر المصنوع من الكوارتزايت فى المستوى السفلي، ومثل تابوت تحتمس الثالث قد لون لمحاكاة الجرانيت. شقت أربعة ثقوب مستطيلة صغيرة فى القسم السفلي من غرفة الدفن، اثنان في الجدار الخلفي، واحد فى كل وجه خلفي من الزوجين الأخيرين من الأعمدة، وبذلك يحيطون بالتابوت، وهذه تسمى تجاويف الطوب السحرية، وكانت معدةً لإيواء طوب لبن صغير كان ينقش عليه جزء من تعويذة 151 من كتاب الموتى أو ترسم، وكانت تصحبها صورة لمومياء أو ابن آوى أو هيروغليف بمعنى البقاء والصمود. جزء من النص يقرأ " أنا جئت كحامٍ لك وحمايتي لك ستكون إلى الأبد." لم يزخرف فى و م 35 سوى غرفة الدفن ولكن جودة الرسم يجعلها واحدةً من أروع الأمثلة على الفن الجنازي فى الدولة الحديثة.

جدران الغرفة مغطاة بنسخة كبيرة من الأمدوات (كما في و م 34) مكتوبة بالحبر الأحمر والأسود. لا نرى على السقف سوى السماء وأحيانا مسطحات من الماء فى بعض المناظر لها لون أزرق ولا نجد سوى إفريز الخكر من فوق الجدار. والشرائط الرأسية فى الأركان لها ألوان، ويقصد من لون الخلفية محاكاة البردي. تميزت لمسات الفرشاة المستخدمة فى هذه الصور العصوية التخطيطية والأحرف الهيروغليفية المتشابكة بالثقة البالغة. فى كثير من المقابر الملكية قام الفنانون الكبار بعمل تصحيحات وتحويرات للرسوم التى قام بها الفنانون الصغار، فصححت تهجئة الكلمات أو غُير التناسب بين الصور.

لا نرى مثل هذا التحرير هنا ويرجع ذلك فى جزء منه إلى الطبيعة المتشابكة لهذه الصور وكذلك أيضاً إلى أن مهارة الفنانين قد جعلت هذا أمراً غير ضروري. الساعة السابعة من الأمدوات تظهر على الجدار الأمامي. فى السجل العلوي يجلس أوزوريس على عرشه يحميه ثعبان هائل يشاهد كـ إله بآذان قطة يقطع رؤوس أعداء أوزوريس. أسفل ذلك تقف إيزيس فى مقدم المركب بينما يُجعل الشرير أبوفيس الثعبان غير مؤذٍ من خلال السكاكين والحبال. تُمكن رؤية صورة أخرى فى مقبرة تحتمس الثالث. منظر مثير من الساعة العاشرة للأمدوات. رسم على الجدار الأيسر فى المستوى العلوي من الغرفة فى أدنى السجلات الثلاثة مسطح مستطيل من الماء ملون بالأزرق مع خطوط متموجة لهيروغليف الماء يمثل المحيط البدائي. يطفو فيه اثنى عشر رجلاً ماتوا غرقاً. فى مصر حيث الغرق فى النيل كان شائعاً وقد لا يُعثر على الجسم أبداً أو قد يأكله تمساح ويحرم من الدفن الصحيح مَثّل مصير روح الشخص مشكلة جدية وحلها قدمه حورس الذي يقف على الشاطئ إلى يسار الماء وينادي على الغرقى واعداً إياهم بأن يقودهم إلى العالم الآخر. فى السجل أعلى، الرماحون يقفون في حراسة بينما يسافر إله الشمس فى السماوات على مركبه المقدس. تظهر أوجه الأعمدة الستة الملك مع أحد الأرباب العديدة، كل واحد يقدم له رمز العنخ الممثل للحياة، وللمرة الثانية فإن العمل يتسم بجودة رائعة هنا بدلاً من استخدام خلفية ملونة بالبردي رسمت الصور المخططة بالأسود على خلفية مخالفة بيضاء كلون العظام، ورسمت الصور أيدى فنان واثق كل الثقة باستخدام أقل عدد من الخطوط وألوان محدودة، وهى ليست الصور العصوية التى نراها على جدران الغرفة، بدلاً من ذلك هى تخطيطات حسنة التناسب بتفاصيل داخلية قليلة أو تشكيل، ولكن مع اهتمام بتفاصيل الأزياء.

تبدو الألوان فى عناصر قليلة فقط من المناظر: قلنسوة من ذهب وقلادة عريضة مطعمة بالأسود والأحمر والأصفر والأزرق وقرص الشمس الأحمر. فوق كل منظر، هيروغليف السماء ملون بالأزرق ومغطى بنجوم لها خمسة أسنان. المنظر محاط بطوق من المستطيلات الصفراء والحمراء والزرقاء. ثلاثة أرباب ممثلة على الأوجه الأربعة والعشرين من الأعمدة الستة: عشرة صور للملك مع حتحور (هي الربة الوحيدة المصورة هنا) ثمانية مع أوزوريس وستة مع أنوبيس وإنهم هم الذين سيحمون الملك فى الحياة الآخرة. تقدم الهراليف (جمع صِدّيق لهيروغليف) المصاحبة ببساطة اسم الملك والربّ الذي يقف معه وأحياناً العبارة "محبوب أوزوريس".