حكم بناء القبور و تجصيصها و الكتابة عليها

حكم بناء القبور و تجصيصها و الكتابة عليها
و وضع الجريدة و نحوها على القبر

أولاً : حكم بناء القبور و تجصيصها و الكتابة عليها

من السنه أن ترفع القبور فوق الأرض قدر شبر
ليُعرف أنها قبور فلا توطأ بالاقدام و لا يُجلس عليها
و لكى يدعو لأهلها كل من مر بها
أما رفعها أكثر من شبر فحرام بإجماع المسلمين

و تبلغ الحرمة مداها إذا بنيت عليها القباب
و وضع عليها الأكسية و مختلف أنواع الزينة و الزخارف
و أضيئت بالمصابيح كما هو مشاهد الأن فى أضرحة الأولياء و الصالحين
لما يترتب عليه من إفساد للعقيدة و صرف الناس عن التوجه إلى الله وحده بلا وساطه
و الأولياء الصالحون ليسوا فى حاجة إلى هذه الأضرحة
و لو بعثوا لهدموها بأنفسهم
و لو كان إتخاذ القباب جائزا لفعله المسلمون على قبر خير خلق الله محمد عليه الصلاة و السلام
لكنهم لم يفعلوا
بل جعلوا قبره عليه الصلاة و السلام
مساوياً للأرض لم يرتفع عنها إلا قليلا و هو ما قدره العلماء بشبر

قال القاسم بن محمد بن بكر رضى الله تعالى عنه



[ دخلت على أم المؤمنين أمنا السيدة / عائشة / رضى الله تعالى عنها و عن أبيها فقلت :

يا أماه أكشفى لى عن قبر النبى صلى الله عليه و سلم
وصاحبيه رضى الله تعالى عنهما أى أبا بكر و عمر
فكشفت لى عن ثلاثة قبور
لا مشرفة و لا وطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ]

لا مشرفة أى غير مرتفعة على الأرض
و لا وطئة أى غير لاصقة بالأرض
مبطوحة أى مفروشة بالحصى
العرصة أى الأرض الواسعة التى لا بناء فيها
و أخرجه أبو داود و البيهقى

و كما روى أحمد و أصحاب السنن

عن أبن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال

[ لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم
زائرات القبور و المتخذين عليها المساجد و السرج ]

قال أبو هياج الأسدى
قال لى على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه

[ لا تدع تمثالا إلا طمسته
و لا قبرا مشرفاً أى مرتفعا إلا سويته ]
رواه أحمد و مسلم

هذا و كره أكثر الفقهاء بناء القبر بالآجر و هو الطوب الأحمر
إذا كانت الأرض صلبة يمكن البناء عليها بالطوب اللبِن لما فيه من الإسراف و المغالاة
أما إذا كانت الأرض رخوة فأنه يجوز بناؤه بالآجر و غيره كالحجر و الخشب
و كره الفقهاء جميعا تجصيص القبر بالجص و هو الجير و نحوه
لأن القبر قد أُعد للبلى و الميت لا حاجة له بالزينة
و قد روى عن بعض الفقهاء تحريمه
و يكره أيضا الكتابة عليه مطلقا حتى و لو آية من القران

فعن جابر رضى الله تعالى عنه قال


[ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم
أن يجص القبر و أن يقعد عليه و أن يبنى عليه ]
رواه أحمد و مسلم و النسائى و أبو داود و الترمذى و صححه

و لفظه :-
[ نهى أن تجصص القبور و أن يكتب عليها و أن يبنى عليها و أن توطأ ]
و فى لفظ النسائى
[ أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه ]

ثانياً : وضع الجريدة و نحوها على القبر

أعتاد بعض الناس وضع الجريدة أو الخوص أو الزهور على قبر الميت
و هذا عمل غير مستحب شرعا عند أكثر أهل العلم
و أجاز بعضهم وضع جريدة نخل خضراء

لما رواه البخارى و غيره

عن أبن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال :


[ أن النبى صلى الله عليه و سلم مر على قبرين

فقال عليه الصلاة و السلام


( إنهما يعذبان و ما يعذبان فى كبير

أما هذا فكان لا يستنزه من البول و أما هذا فكان يمشى بالنميمة

ثم دعا بعسيب رطب فشقه أثنين ثم غرس على هذا واحدا و على هذا واحدا

ثم قال يخفف عنهما ما لم ييبسا ) ]

فقد رجى النبى صلى الله عليه و سلم
أن يخفف عنهما العذاب ما دام العسيب أخضر
و العسيب هو جريد النخل
و بمقتضاه يجوز للناس وضع العسيب على القبر
أما الزهور فلا يجوز وضعها لما فيه من التبذير و الإسراف

ماذا أجاب أهل العلم عن هذا الحديث ؟؟

أجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأنه خصوصية للنبى صلى الله عليه و سلم
فتخفيف العذاب عن صاحبى القبرين إنما يكون ببركته
صلى الله عليه و سلم لا ببركة العسيب
و لو كان وضع العسيب مستحبا لفعله الصحابة و التابعون من بعده
لكنه لم يثبت عنهم أنهم فعلوه
إلا رجل يقال له بريده الأسلمى
فإنه قد أوصى أن يجعل فى قبره جريدتان كما جاء فى صحيح البخارى

قال الحافظ فى الفتح

و كأن بريدة حمل الحديث على عمومه و لم يره خاصا بذينك الرجلين

و قد ذكر البخارى

عن أبن عمر رضى الله تعالى عنهما

أنه راى فسطاطا على قبر عبد الرحمن أى مظلة
فقال رضى الله تعالى عنهما


[ أنزعه ياغلام فإنما يظله عمله ]

وفى كلام أبن عمر ما يشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر
بل التأثير للعمل الصالح

بعض الفوائد الهامة

1 - إذا مات أنسان فى البحر أنتظر به من معه حتى يصلوا به الى الشاطئ ما لم يخافوا عليه التغير
و إلا غسلوه و كفنوه و القوه فى البحر ليغوص فى أعماقه فيكون البحر قبره
و هذا قول أكثر الفقهاء

2 - إذا ماتت أمرأة مسلمة و فى بطنها جنين حى وجب شق بطنها
و أخراجه منها و يعلم ذلك الأطباء الموثوق بهم

3 - إذا كانت كتابية و فى بطنها جنين لزوجها المسلم
دفنت بين مقبرتى المسلمين و الكفار عند أكثر الفقهاء
روى البيهقى عن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه


[ أنه دفن أمرأة نصرانية فى بطنها ولد مسلم
فى مقبرة ليست بمقبرة النصارى و لا المسلمين ]

4 - يستحب أن يوصى المسلم بدفنه فى مقابر الصالحين
فقد ثبت فى الصحيح أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
أستأذن أمنا / عائشة / رضى الله عنها و عن أبيها

أن يدفن بجوار النبى صلى الله عليه و سلم و صاحبه أبى بكر رضى الله عنه فأذنت له

5 - و يستحب دفن الأقارب فى مكان واحد ليتمكن الأهل من زيارتهم
جميعا فى وقت واحد
و لهذا يجوز وضع علامه على القبر كالحجر أو خشبة
ليعلم بها حتى يدفن بجواره أحباؤه و أقرباؤه

فقد روى أبن ماجة

عن أنس رضى الله تعالى عنه

[ ان النبى صلى الله عليه و سلم
أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة ]
و فى رواية أبو داود
أنه صلى الله عليه و سلم
حمل الصخرة فوضعها عند رأسه

و قال عليه الصلاة و السلام

( أتعلم بها قبر أخى " أى أتعرف بها عليه "
و أدفن إليه من مات من أهلى )